رانيا الصرايرة
عمان- طفت على سطح الحدث مجددا، مشكلة عمل أبناء غزة في المهن المغلقة، لتصيب بسهامها هذه المرة المعلمين، مع صدور قرار وزارة التربية والتعليم بمنعهم من العمل في المدارس الخاصة، استنادا إلى قرار كانت أصدرته الوزارة في آب (أغسطس) الماضي، وجمدته حينها، لكنها عادت مؤخرا لتطالب بتطبيقه.
ويثير القرار مسألة عدم وجود سياسة واضحة مكتوبة في التعامل مع الفلسطينيين من حملة الجوازات المؤقتة وأبناء غزة المقيمين منذ عقود في الأردن، حيث ساد العرف على معاملتهم معاملة الأردنيين وتمكينهم من كافة الخدمات والحقوق، بما فيها العمل في سائر المجالات، بما في ذلك المهن المغلقة على العمالة المهاجرة.
وعلى مدى عقود، عمل الغزيون في المهن المغلقة، بما فيها التعليم، ويتم تسجيلهم في الضمان الاجتماعي، ولم تمانع وزارة العمل أثناء جولاتها التفتيشية، بتشغيلهم في المهن المغلقة، وبذلك تشكل ما يمكن تسميته "سياسة التساهل أو التغاضي" عنهم.
وهذا أمر طالما لاقى استحسانا من قبل المستفيدين ومنظمات المجتمع المدني، التي ترى أنه "ليس من المنطق معاملة الغزي معاملة العامل المهاجر، لكونه ترك بلاده مجبرا ولجأ إلى الأردن ليعيش فيه في ظل استحالة وجود خيار الرجوع إلى بلده، على غرار العامل المهاجر".
لكن عدم وجود قرار رسمي واضح مكتوب في ما يخص عمل الغزيين في المهن المغلقة، ترك المجال مفتوحا للمزاجية في التعامل مع هذا الملف.
وهذا أمر يؤكده مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض، الذي يشدد على أنه "حان الوقت لحسم هذا الملف، وإيجاد قرار مكتوب في التعامل مع أبناء غزة والفلسطينيين من حملة الجوزات المؤقتة، لتجنب تغيير القرارات الرسمية بتغير الأمزجة".
ويؤكد عوض لـ"الغد" أن اتخاذ قرار منع المعلمين الغزيين من العمل في مدارس القطاع الخاص، يعني "تغييرا سلبيا كبيرا في السياسات الحكومية الممتدة منذ عقود والتي تتعامل مع أبناء غزة من منطلق اختلاف ظروفهم عن العمال الوافدين الآخرين"
ودعا إلى ضرورة الرجوع عن هذا القرار نظرا لنتائجه "الكارثية"، لافتا إلى أن "مئات الغزيين سيفقدون أعمالهم بسبب هذا القرار"، مطالبا بإيجاد قرار مكتوب يوضح آلية التعامل مع هذا الملف، على أن يمر القرار في القنوات التشريعية.
يذكر أن قرار منع المعلمين الغزيين من العمل في المدارس الخاصة، جاء استجابة لقرار وزارة العمل الذي أصدرته مع بداية العام الحالي، ووافقت عليه رئاسة الوزراء، واستجابت له وزارة التربية والتعليم في آب "أغسطس" الماضي.
ويقضي القرار بإجبار حملة الجوازات المؤقتة وأبناء غزة على استصدار تصاريح عمل ودفع رسوم استخراج هذه التصاريح، ما يعني معاملتهم كمعاملة العمال المهاجرين دون النظر إلى اختلاف أوضاعهم.
كما يعني ذلك، أن حملة الجوازات المؤقتة إذا عملوا في المهن المغلقة، فستحرر لهم مخالفات، إضافة إلى مخالفة من يشغلهم، علماً أن أغلب العاملين في سوق العمل من حملة تلك الجوازات يعملون في مهن إدارية وعلمية، وليس في المهن المغلقة.
بدوره، أكد مصدر في وزارة العمل، أن فرق التفتيش التابعة للوزارة، عادة ما كانت "تتغاضى عن وضع أبناء غزة العاملين في المدارس الخاصة، لأنها لم تكن تجد مخرجا قانونيا يوضح كيفية التعامل معهم، أما الآن فعليهم استصدار تصاريح عمل ودفع الرسوم، أي أنهم سيعاملون كالعمال الوافدين، وعليهم تجنب العمل في المهن المغلقة".
لكن، ورغم أن حملة الجوازات المؤقتة ممنوعون من العمل في سوق العمل الأردني، ويجبرون على توقيع تعهد دوري لدى تجديدهم إقامتهم يقضي بعدم العمل، إلا أن نسبة كبيرة منهم يعملون لتأمين احتياجات عائلاتهم.
ويقول تقرير سبق وأصدره مركز الفينيق بعنوان "ظروف عمل الفلسطينين في الأردن"، إن "أبناء غزة يحتكمون إلى قيود وضوابط قانونية تحدد عملهم وتعليمهم، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بين صفوفهم، حيث لا يمكن لهم العمل في القطاع الحكومي أو مزاولة بعض المهن مثل طب الأسنان أو الهندسة الزراعية أو المحاسبة القانونية أو الصيدلة او التعليم أو حتى العمل في القطاع السياحي والبنوك، مقابل فرص محدودة في القطاع الخاص شريطة الموافقة الأمنية، بينما يشترط التحاقهم بمراكز التدريب المهني موافقة وزارة الداخلية".
ويضيف التقرير: "بناء على قوانين منفردة خاصة ببعض النقابات المهنية الأردنية، لا تمنح مزاولة المهنة لحاملي جواز السفر الأردني المؤقت من اللاجئين الفلسطينيين، لممارسة مهن طب الأسنان والهندسة الزراعية والصيدلة والمحاسبة القانونية وقائمة من المهن الطبية، باستثناء المحاماة، نتيجة اتفاقية المعاملة بالمثل بين الجانبين الأردني والفلسطيني أتاحت للغزي مزاولة مهنة المحاماة".
ويقول التقرير، الذي أعدته الباحثة الصحفية ناديا سعد الدين: "رغم المطالبات المتكررة من قبل حملة الشهادات الجامعية من أبناء غزة لمزاولة المهنة، إلا أن الردّ يأتي دوماً بالسلب".
ويتابع: "نتيجة لذلك؛ يضطر أبناء غزة للعمل بدون ترخيص، بما يجعلهم عرضة لابتزاز أصحاب العمل من ناحية تحديد الراتب الذي يقبلون به مهما كانت قيمته الضئيلة، عدا الامتيازات الوظيفية التي يحرمون منها، بينما يعمل غالبيتهم ضمن أعمال عشوائية غير منظمة، وفي المهن الحرة والتجارة والمقاولات من "الباطن"، وكثيراً ما أجبرت الوضعية القانونية وثقل الضغوط المجتمعية أبناء غزة للعمل بغير شهاداتهم، في أعمال حرفية بسيطة أو عمال مياومة أو العمل مع آخرين في مكاتب أو عيادات، شريطة عدم رفع يافطة بأسمائهم".
عن "الغد" الاردنية