مقدمة
لم يحدث أن مرَّت العلاقات الأميركية-السعودية طيلة تاريخها بمثل ما تمر به اليوم من تعقيدات وتوتر؛ الأمر الذي دفع بالعديد من المحلِّلين الاستراتيجيين العرب والأجانب إلى اعتبار ما حصل شبيهًا "بانتكاسة " كبيرة ستترك ذيولها السلبية على مدى سنوات قبل أن يُعاد ترميمها على أُسس جديدة تتوافق مع المتغيرات الدولية التي تحصل اليوم، أو التي ستحصل مستقبلًا.
فالمسألة في تعقيداتها ليست كناية عن عمل إرهابي قام به أعضاء ينتمون إلى الفكر التكفيري يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، والمدانون أصلًا من سائر أعضاء المجتمع الدولي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.
كما ليست كناية عن دفع تعويضات مالية لأهالي الضحايا الذين سقطوا في هذا العمل الإرهابي، بل المسألة في جوهرها سياسية بامتياز؛ حيث أسقطت الإدارة الأميركية من لوائحها المملكة العربية السعودية كدولة تتمتع بالحصانة السيادية ووضعتها في خانة "الدول الإرهابية" دون أي مسوغات قانونية ودون امتلاك أي مستندات تثبت هذه التهمة الباطلة والمخالفة شكلًا ومضمونًا لتشريعات الأمم المتحدة التي بموجبها تنتظم العلاقات الدولية.
وقانون "جاستا" لا يمس فقط سيادة وأمن المملكة العربية السعودية، التي لم يذكرها بالاسم، بل سيكون أشبه بالسيف المسلط على رقاب كل الدول، دون استثناء، لأنه يتيح للقضاء الأميركي إدانة أية دولة أو جماعة، ومحاكمتها وإلباسها التوصيف الذي يرتئيه دون أي وازع من مبادىء القانون الدولي أو من محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية؛ لأن واشنطن تعتبر أن مصلحة أميركا فوق كل الدساتير والأنظمة والتشريعات والقوانين، والتاريخ مليء بالأمثلة التي لا محل لذكرها هنا.
كما أن التاريخ يشهد أن كل التقلبات التي حصلت في العلاقات السعودية-الأميركية كان وراءها دائمًا الإدارة الأميركية المؤمنة بالفلسفة البراغماتية-النفعية وفق ممارسة ميكيافيليَّة والتي لا محل فيها لصديق أو حليف دائم اللَّهم إلا الحليف الإسرائيلي.
وخير دليل على ذلك صدور قانون "جاستا"، وما سبقه من مواقف لمرشحي الرئاسة الأميركية (هيلاري كلينتون ودونالد ترامب) والتي ضربت بعرض الحائط سبعة عقود من العلاقات المميزة بين الرياض وواشنطن والتي بفضلها وصلت أميركا إلى ما هي عليه الآن من تطور اقتصادي كان النفط ركيزته الأولى.
فمنذ بداية ثلاثينات القرن العشرين أراد مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، حماية استقلال بلاده فبادر إلى الاتصال بالولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر القوة العالمية الوحيدة التي لم تستعمر أية دولة في منطقة الشرق الأوسط، وتم على أساس ذلك تلزيم مشاريع التنقيب عن النفط إلى شركة (Standard Oil Company of California) التي أصبح اسمها فيما بعد ARAMCO)).
وبتاريخ 14 فبراير/شباط عام 1945، عُقد اجتماع بين الرئيس الأميركي روزفلت والملك عبد العزيز، على متن الباخرة "كوينسي"، وتم التوقيع على "وثيقة كوينسي" التي أتاحت للولايات المتحدة الأميركية لمدة ستين عامًا أن يكون لها الأفضلية باستثمار الثروة النفطية لقاء تأمين الحماية العسكرية للمملكة عند الضرورة(1).
وحاول روزفلت أثناء لقائه مع الملك عبد العزيز أن يتلقى دعمه من أجل إنشاء دولة لليهود في فلسطين ولكن الملك السعودي رفض هذا المقترح جملة وتفصيلًا. وبعد أن أصبح هاري ترومان رئيسًا للولايات المتحدة عمد إلى الاعتراف بقيام دولة إسرائيل؛ الأمر الذي اعتبرته السعودية خيانة لها.
وشهدت العلاقات السعودية-الأميركية بعد ذلك توترًا إثر القرار الذي اتخذه الملك فيصل، عام 1973، والذي قضى بقطع النفط عن الغرب احتجاجًا على وقوفه إلى جانب إسرائيل، ولكن بقيت المصلحة الاستراتيجية هي الأهم سواء لجهة استمرار أميركا بتوفير الحماية للسعودية عند الضرورة، أو لجهة التزام السعودية بضمان استمرار "أمن الطاقة" للولايات المتحدة(2).
وتوالت فيما بعد الأحداث وكان بعضها يترك أحيانًا أثرًا سلبيًّا هامشيًّا سرعان ما تتم معالجته؛ فقد حدثت "الثورة الإسلامية" في إيران وما رافقها من غرور في طهران لتصدير هذه "الثورة"، ومن ثم جاءت حرب الخليج الأولى وحرب الخليج الثانية وتحرير الكويت والإطاحة بنظام صدام حسين، وكانت العلاقة خلال كل هذه الفترات متينة وصلبة ولم تبدأ بالاهتزاز فعليًّا إلا بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 والتي استغلها الرئيس جورج بوش الابن لإعلان حرب على بقاع مختلفة من العالم، مع ما استتبع ذلك من تحريض إعلامي غربي مدروس ضد الإسلام والمسلمين دون أي تمييز بين الحركات التكفيرية التي تعتنق عقيدة منافية لحقيقة الإسلام وبين الإسلام الحنيف الذي تدعو تعاليمه السمحة إلى الإخاء والمحبة والسلام ونبذ كل أشكال العنف والإرهاب(3).
ودخل العالم أجمع بعد ذلك معمعة "الإرهاب" والتطرف وأصبحت أغلبية الدول مُستهدفة وعلى رأسها السعودية التي عانت لفترة طويلة من عمليات التفجير والقتل على أيدي الحركات التكفيرية، ومن ثم ظهرت الأطماع الإيرانية الهادفة إلى مصادرة قرار دول منطقة الخليج اعتمادًا على ترسانتها العسكرية الضخمة وعلى لا مبالاة مقصودة من دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تَبَيَّن فيما بعد أنها تعتمد سياسة مهادنة النظام الإيراني تحت حُجَّة "احتوائه"، فيما الحقيقة التي ظهرت بعد توقيع الاتفاق النووي أن واشنطن كانت بصدد إعادة صياغة استراتيجية تحالفات جديدة في المنطقة.
وجاء ما يُسمَّى "بالربيع العربي" الذي كشف عن تقارب الولايات المتحدة مع "الإخوان المسلمين" تحت لافتات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، وظهرت بعدها تنظيمات مصنفة أمميًّا إرهابية مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة، اللذين برزا وتنامت قوتهما نتيجة السياسات الأميركية في المنطقة.
ومؤخرًا حصلت الولادة القيصرية لما سُمِّي بقانون "جاستا" الذي أبصر النور قبل أسابيع من رحيل باراك أوباما عن البيت الأبيض، مُتَوِّجًا بذلك نهاية عهده بأسوأ ما يمكن أن تنتجه الإدارة الأميركية في تاريخها من انتهاك للقيم والدساتير والقوانين والتشريعات الدولية.
وبما أن القانون ليس وليد الساعة، فإننا في هذه الدراسة سنحاول إلقاء الأضواء على الوقائع التي مهدت لولادته، وصحة قانونيته، ونستشرف إلى حدٍّ ما تداعياته.
أولًا: الوقائع السياسية والاقتصادية التي مهدت لصدور قانون "جاستا"
من المتوقع أن تجري يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 الانتخابات الرئاسية الأميركية الثامنة والخمسين، والتي سيفوز بها الرئيس الخامس والأربعون في تاريخ البلاد وسط منافسة حادَّة بين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون والمرشح الجمهوري دونالد ترامب.
ومعلوم أنه خلال الأشهر القليلة التي تسبق الانتخابات والتي تليها، يصيب الإدارة الأميركية نوع من الشلل في أداء مهامها الدولية وتنشغل كليًّا بمجريات الانتخابات وبمتابعة استطلاعات الرأي ومستجدات ما تعرضه وسائل الإعلام حول هذا الاستحقاق المهم، ويصبح المواطن الأميركي مسكونًا بهاجس تحديد المرشح الذي سينتخبه وفق ما يعرض من مشاريع تتعلق برؤيته لمستقبل التعليم والتأمين الصحي والمتوجبات الضرائبية والخدمات العامة ومستوى الأجور، وما إلى ذلك من أمور ذات اهتمام داخلي ولها علاقة بهموم الحياة اليومية للشعب الأميركي. وغالبًا ما يتجنب المرشح الرئاسي التطرق إلى المواضيع الدولية لسببين:
السبب الأول: هو أن الناخب الأميركي، كما الناخب الغربي بشكل عام، لا يهتم كثيرًا بما يجري خارج حدود بلاده إلا إذا فرضت عليه وسائل الإعلام حدثًا معينًا.
السبب الثاني: هو أن أغلب المرشحين للرئاسة الأميركية، وقبل وصول الفائز منهم إلى البيت الأبيض لا يفقهون كثيرًا بالسياسة الخارجية بدليل أن الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، لم يكن يعلم عندما كان مرشحًا أين تقع باكستان ولا من هو رئيس وزرائها، والمرشح المستقل لانتخابات الرئاسة الأميركية هذا العام، جار جونسون، لم يتمكن في مقابلة صحفية من تسمية أيِّ رئيس أجنبي، كما أنه عجز عن معرفة أن مدينة حلب تقع في سوريا.
في هذا التوقيت صدر قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي بات يُعرف اختصارًا بالعربية باسم "جاستا" وبالإنكليزية "JASTA" نسبة إلى (Justice Against Sponsors of Terrorism Act )، ولقي تأييدًا ساحقًا من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، سواءً ممن ينتمون إلى الحزب الجمهوري أو إلى الحزب الديمقراطي.
ولا يشير القانون صراحة إلى السعودية، لكنه يخوِّل بالدرجة الأولى ذوي ضحايا هجمات 2001 رفع دعاوى بحق السعودية كبلد دعَّم بشكل مباشر أو غير مباشر المجموعات المصنَّفة دوليًّا إرهابية التي نفذت العملية صبيحة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول مستهدفة أبراج التجارة العالمية في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأميركي (البنتاغون)، والتي كانت تضم 15 سعوديًّا من أصل 19 مهاجمًا.
وسرعان ما تحول قانون "جاستا" إلى مادة دسمة في الحملات الانتخابية الرئاسية؛ حيث وصف المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، الفيتو الذي استخدمه الرئيس باراك أوباما "بالعار"، وأوضح أن عوائل الضحايا تستحق التعويض، فيما أعربت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون عن تأييدها لمشروع القانون وأعلنت أنها كانت لِتوقِّع على المشروع لو كان على مكتبها.
ويبدو أن الاستغلال الانتخابي للقانون عجَّل من ناحية بإصداره وأفشل من ناحية أخرى فيتو الرئيس أوباما، ولكنه ليس سببًا رئيسيًّا في ولادته، بل هناك أزمات متراكمة في مسار العلاقات السعودية-الأميركية منذ عدة سنوات، وهنا أبرزها:
1- بدأت الولايات المتحدة بتهميش دورها إلى حدٍّ ما في منطقة الشرق الأوسط وإعطاء أهمية كبرى لمنطقة شرق آسيا لمواجهة توسع النفوذ الصيني؛ مما يعني بدء التخلي عن حلفائها الاستراتيجيين.
2- صدرت في نفس الوقت دراسات تفيد أن احتياطي الولايات المتحدة الأميركية من النفط الصخري الممكن استخراجه أكثر من تريليون برميل. وقد صرَّح الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2012 "أن الولايات المتحدة ستتخطى المملكة العربية السعودية لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم في عام 2017، وذلك بفضل النفط الصخري"(4).
وتوقعت هيئة معلومات الطاقة الأميركية (EIA) حينها ارتفاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 45 بالمئة بحلول عام 2040، على الرغم من انخفاض أسعار الطاقة على المستوى العالمي وعدم استقرار السوق.
ولكن الذي حصل هو تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية بأكثر من 60% من نحو 107 دولارات للبرميل في يونيو/حزيران من العام 2015، إلى أدنى مستوى في ست سنوات قرب 42 دولارًا في مارس/آذار 2016. ولقد انعكس ذلك سلبًا على إنتاج النفط الصخري في أميركا؛ لأن كلفة إنتاج البرميل الواحد باتت أكثر من سعر بيع برميل النفط العادي في الأسواق العالمية؛ مما أدى إلى ارتفاع ديون شركات النفط الصخري التي كشفت عنها وكالة "بلومبيرغ" الأميركية مؤخرًا، والتي قادت بعضها للبدء بإعلان إفلاسه. وقدرت وكالة "بلومبيرغ" حجم الديون على شركات النفط الصخري بنحو 235 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام 2015، وهو ما يشكِّل زيادة قدرها 16% على ديونها في العام الماضي 2014(5).
وتردَّد أن واشنطن حمَّلت السعودية مسؤولية إلحاق هذا الضرر المالي الكبير بأميركا من خلال العمل على تخفيض أسعار النفط وزيادة الإنتاج. فهل جاء قانون "جاستا" اليوم ليعوِّض خسائر أميركا المالية؟
3- أحاطت واشنطن مفاوضاتها مع طهران بكثير من السرية بشأن الملف النووي إلى أن تم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بين الدول الكبرى وإيران صيف 2015؛ الأمر الذي أثار حفيظة الرياض. وهذا ما دفع بالأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، في خضم زيارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى السعودية (في شهر إبريل/نيسان 2016) إلى القول: إن "الأيام الخوالي" بين المملكة والولايات المتحدة انتهت إلى غير رجعة، وإنه يجب أن "يُعاد تقييم" العلاقة بين البلدين"(6).
ويعتبر المختص في الشأن الإيراني، حسن راضي، في تصريح لـ"فرانس 24"، أن الاتفاق النووي الإيراني "تضررت منه العلاقات السعودية-الأميركية كثيرًا"، وأن الاتفاق جاء "على حساب المنطقة والسعودية بشكل خاص".
ويرى راضي أن الاتفاق هو بمثابة "ضوء أخضر لتحركات إيران بالمنطقة"، وأنه "أنهى توتر العلاقات الإيرانية-الأميركية لكنه زاد من توتر العلاقات السعودية-الإيرانية"(7).
4- امتنع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في اللحظة الأخيرة في صيف العام 2013 عن توجيه ضربة عسكرية لنظام الرئيس بشار الأسد رغم اتفاق مسبق مع السعودية ودول أخرى. وكان من شأن هذه الضربة إسقاط النظام السوري وإيصال المعارضة إلى السلطة، ولكن تبخرت في لحظة كل هذه الآمال؛ الأمر الذي لم تهضمه القيادة السعودية.
ويقول الصحفي المعروف، جيفري غولدبيرغ (Jeffrey Goldberg)، إنه "بينما كان البنتاغون وفريق أوباما الأمني يستعدان للحرب، كان الرئيس قد توصل إلى اعتقاد بأنه كان يمشي إلى فخ يقوده إليه حلفاؤه وأعداؤه؛ عندها، أخبر أوباما مساعديه بعدوله عن الضربة العسكرية. وكشف أوباما في تصريح له أنه غير نادم على التراجع عن الخط الأحمر الذي وضعه في حال استخدم نظام بشار الأسد أسلحة كيمياوية، قائلًا إنه "فخور بهذا القرار"(8).
5- قال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لرئيس الحكومة الأسترالية، مالكولم تيرنبول، خلال اجتماع لمنظمة «إيباك»: "إن السعودية وغيرها من الدول الخليجية حوَّلت إندونيسيا، من دولة مسلمة متسامحة إلى دولة أكثر تطرفًا وغير متسامحة؛ وذلك عبر إرسال الأموال وعدد كبير من الأئمة والمدرسين إلى هذا البلد". وأضاف أوباما: "في عام 1990، موَّلت السعودية المدارس الوهابية بشكل كبير، وأقامت دورات لتدريس الرؤية المتطرفة للإسلام، والمفضَّلة لدى العائلة المالكة".
ولقد أفصح أوباما نفسه عن هذه الوقائع في مقابلة موسَّعة مع الصحفي جيفري غولدبيرغ، نشرتها مجلة "The Atlantic" الأميركية، (مارس/آذار 2016).
ويشير غولدبرغ إلى أن "الرئيس الأميركي يهاجم السعودية في الغرف المغلقة، ويردد: إن أيَّ بلد يقمع نصف شعبه، لا يمكنه أن يتصرَّف بشكل جيِّد في العالم المعاصر".
ويروي غولدبيرغ أيضًا أن أوباما خلال لقاءاته مع القادة الأجانب، قال: "يمكنك أن تقيس نجاح المجتمع بكيفية معاملته للمرأة"(9).
وكان من الطبيعي أن ترد الرياض على اتهامات أوباما سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الإعلامي، وأن تستنكر ما قاله ولكن ضمن حدود لا تعطي للإدارة الأميركية الذريعة التي تفتش عنها لإحداث نوع من القطيعة مع السعودية.
6- اجتاحت بعض الدول العربية موجات ما سُمي بـ"الربيع العربي"؛ وتبيَّن أن واشنطن أسهمت في السماح للإخوان المسلمين بالوصول للسُّلطة، وأن "الربيع العربي" يندرج في نفس أجواء خطاب أوباما في خطاب القاهرة الشهير عام 2009.
7- أيدت واشنطن التدخل السعودي في البحرين بناء على طلب من السلطات الشرعية، ولكنها كانت تعمد بين فترة وأخرى إلى إصدار بيانات تنتقد فيها إمَّا السعودية مباشرة أو السلطات البحرينية.
8- دعمت واشنطن تدخل التحالف العربي في اليمن، وفي نفس الوقت كانت تعلو أصوات أميركية بين فترة وأخرى تنتقد الغارات على اليمن وتدين "سقوط مدنيين".
9- ظهر بين واشنطن والرياض تباين كبير في المواقف بشأن مستقبل الحل السياسي في سوريا.
10- تواصل واشنطن انتقاداتها للرياض بشأن ملفات حقوق الإنسان.
11- اتهمت هيلاري كلينتون، المرشحة للرئاسة الأميركية، كلًّا من السعودية وقطر والكويت بكونها بلدانًا "تموِّل التطرف"؛ وذلك عقب الاعتداء على الملهى الخاص بالمثليين في أورلاندو بولاية فلوريدا الذي راح ضحيته أكثر من 50 شخصًا، وقالت: إن البلدان الثلاثة تعمل على "تمويل منظمات أسهمت في تطرف شبان عبر العالم"، وإنه "حان الوقت لتعمل كل من السعودية وقطر والكويت على منع مواطنيها من تمويل مساجد أو مدارس متطرفة كانت سببًا في تشدد عدد من الشبان عبر العالم".
12- في حديث إلى محطة "إن بي سي" بخصوص السعودية، رأى دونالد ترامب أنه يجب عليها أن تدفع مقابل تحالفها الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، وأردف ترامب: "ندافع عن السعودية، نرسل سفننا وطائراتنا ونحن لا نحصل على شيء، لماذا؟ إنهم يكسبون مليار دولار كل يوم". وفي تصريح آخر، اعتبر ترامب "أن آل سعود يشكِّلون البقرة الحلوب لبلاده، ومتى ما جَفَّ ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا ذبحها أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها؛ وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أميركا وأعداؤها، وعلى رأسهم آل سعود"(11). وخاطب المرشح الأميركي النظام السعودي قائلًا: "لا تعتقدوا أن مجموعات الوهابية التي خلقتموها في بلدان العالم وطلبتم منها نشر الظلام والوحشية وذبح الإنسان وتدمير الحياة ستقف إلى جانبكم وتحميكم، فهؤلاء لا مكان لهم في كل مكان من الأرض إلا في حضنكم وتحت ظل حكمكم لهذا سيأتون إليكم من كل مكان وسينقلبون عليكم ويومها يقومون بأكلكم"(12).
هذه الوقائع التي حدثت قبل صدور قانون "جاستا" وغيرها من الوقائع الكثيرة، دفعت بالمملكة العربية السعودية إلى استشعار نوايا أميركية مبيتة ضدها، وأن ظهور ذلك إلى العلن ينتظر اللحظة المناسبة. ويبدو أن نهاية ولاية الرئيس أوباما كانت اللحظة المناسبة لصدور قانون "جاستا" لتودعه به، ولتستقبل به أيضًا سيد البيت الأبيض المقبل.
ثانيًا: عدم قانونية قانون "جاستا"
لن نخوض هنا في تفاصيل مضمون قانون "جاستا" لأن وسائل الإعلام تولَّت نشره بحرفيته، ولكن سنلقي الأضواء على خطورة مضامينه التي تتعارض كليًّا مع تشريعات القانون الدولي.
فالقانون لا يتهم المملكة العربية السعودية مباشرة بل يتحدث عن مسؤولية الدول الأجنبية عن الإرهاب، ويفوِّض السلطات القضائية الأميركية في البتِّ في أية قضية تتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من دولة أجنبية نظير إصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات أو نتيجة لحالات وفاة تحدث داخل أميركا وتنجم عن فعل يصنف إرهابيا أو عمليات تقصيرية أو أفعال تصدر من الدول الأجنبية أو من أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه بغض النظر إذا كانت العمليات الإرهابية تمت أم لا. وتم منح المواطن الأميركي حق تقديم دعوى ضد أية دولة أجنبية.
وعمد القانون إلى تعديل الفصل (2333) من المادة (18) من القانون الأميركي الخاصة بالحصانة السيادية للدول الأجنبية. واعتبر القانون أن الأشخاص أو الجهات أو الدول التي تسهم أو تشارك في تقديم دعم أو موارد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لأشخاص أو منظمات تشكِّل خطرًا داهمًا، أو ترتكب أعمالًا إرهابية تهدد سلامة مواطني الولايات المتحدة الأميركية أو أمنها القومي أو سياستها الخارجية أو اقتصادها، يُتوقَّع جلبها للمثول أمام المحاكم الأميركية.
ومن أجل تفنيد مدى شرعية ما جاء في قانون "جاستا" لجأنا إلى الخبير في القانون الدولي، الدكتور خليل حسين، الذي قال:
"لقد اعتمد المشرِّع الأميركي من أجل إصدار قانون "جاستا" على نقطتين مهمتين، هما:
أولًا: قضية لوكيربي التي تم بموجبها محاكمة النظام الليبي السابق وإلزامه بدفع تعويضات إلى أهالي الضحايا الذين سقطوا في عملية تفجير طائرة مدنية.
ثانيًا: اعتمد المشرع الأميركي على القانون 1373 الذي صدر عن مجلس الأمن بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2001، على إثر الهجمات التي وقعت في نيويورك، وواشنطن العاصمة، وبنسلفانيا في 11 سبتمبر/أيلول 2001، وأعرب عن تصميمه على منع جميع هذه الأعمال، التي تشكِّل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين، وضرورة التصدي، بجميع الوسائل، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، للتهديدات التي توجهها الأعمال الإرهابية للسلام والأمن الدوليين، ووضع هذا القرار مجموعة من الالتزامات والموجبات على عاتق الدول.
وخطورة هذا القانون، الذي كانت الولايات المتحدة الأميركية وراء إصداره، أنه عبارة عن تشريع ملزم له صفة العمومية والتجريد في مجال الإرهاب العالمي، ويتميز بالأولوية والتقدم على غيره من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية(13).
ويستخلص الدكتور خليل حسين أن ما بُني على باطل فهو باطل؛ مما يعني أن المشرع الأميركي الذي اعتمد على القانون 1373 لإصدار قانون "جاستا" إنما اعتمد على قانون محل شك كبير في صحته، والذي تفوح منه رائحة المصلحة السياسية دون أي اعتبار لحقيقة ما تنص عليه قواعد القانون الدولي.
ويقول المحامي الدولي، الدكتور محمود رفعت(14): إن قانون "جاستا" غير شرعي، ويتناقض مع اتفاقية أميركا مع الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية لسنة 2004".
وبرأيه، سيطيح القانون بكل معايير حقوق الإنسان الدولية التي حرَّمت أن يمتد العقاب على الجريمة لغير فاعلها، موضحًا أن سماح "جاستا" بتحميل الدولة مسؤولية جنائية وبتحميل شعب بأكمله مسؤولية جريمة اقترفها أفراد يُعتبر أمرًا جنونيًّا.
وكشف رفعت أن قانون "جاستا" يعتمد مبدأ السابقة القضائية، أي لو حكمت 2000 محكمة بتبرئة السعودية وحكمت واحدة بإدانتها يصبح السابق واللاحق معتمدًا عليها.
ويقول المحامي والمستشار القانوني، جاسم محمد العطية(15): إن الولايات المتحدة لم تتمكن خلال كل المرحلة السابقة من إثبات إدانة الحكومة السعودية بأجهزتها بأن تكون ضالعة بحادثة 11 سبتمبر/أيلول. ويوضح العطية أن قانون جاستا يأتي مخالفًا للقانون الدولي، نظرًا لأن الكونغرس يصدر قرارات محلية ليست ذات بُعد دولي.
ويضيف: إن هناك آليات لمقاضاة الدول، مشدِّدًا على أن مقاضاة دولة أو محاكمتها أو فرض أنظمتها على دولة أخرى يُعدُّ تجاوزًا لكل القوانين الدولية. ويوضح قائلًا: "مثلما لك حق الكسب لك حق الخسارة، ومثلما يحق لك أن تحاسبني يحق لي أن أحاسبك".
وفي مقابلة شخصية مع الخبير في القانون الدولي، الدكتور حسن جوني(16)، قال: إن أميركا من خلال إصدارها قانون "جاستا" تخوض حربًا ضد المحكمة الدولية التي من صلاحياتها محاكمة الدول وليس الأفراد، بدليل أنها قاضت الولايات المتحدة عام 1986 بدعوى من نيكاراغوا ولكنها لم تنفذ قضاء المحكمة حتى الآن؛ لأنها تعتبر نفسها فوق كل القوانين. ولذلك نحن أمام فوضى قانونية في العالم، ولولا ذلك لما أقدم الكونغرس الأميركي على إصدار قانون "جاستا" الذي يطيح بقانون الحصانة السيادية الذي يشمل السعودية كما يشمل دولًا خليجية أخرى. وأضاف: إن أميركا لا تعتبر نفسها "شرطي" العالم فقط، بل أيضًا "قاضي" العالم. ومن هنا، فإن قانون "جاستا" هو قانون سياسي وليس قانونيًّا.
ثالثًا: انعكاس قانون "جاستا" على العلاقات السعودية-الأميركية
من المؤكد أن قانون "جاستا " ستكون له تداعيات سلبية على كلٍّ من السعودية وأميركا على حدٍّ سواء؛ لأن المسألة لا تنحصر بتعويضات مالية لأهالي ضحايا 11 سبتمبر/أيلول 2001، لا بل هناك أيضًا آلاف الضحايا من مواطنين أبرياء سقطوا، ليس على أيدي إرهابيين سعوديين دون علم ودراية الدولة السعودية كما حصل في نيويورك، بل على أيدي قوات عسكرية أميركية، وبقرار من أعلى السلطات في الإدارات الأميركية المتعاقبة في فيتنام وكوريا وأفغانستان وباكستان والعراق وسوريا والصومال واليمن وبعض دول أميركا اللاتينية وغيرها. وهناك مساجين أبرياء تم التشنيع بهم في "غوانتانامو" وسجن "أبو غريب"، كما أن هناك عشرات الضحايا الأبرياء من الجاليات الإسلامية المقيمة في أميركا ممن قضوا جرَّاء التحريض من وسائل إعلامية ومن شخصيات رسمية أميركية. وكل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم حتى ولو كانت قد حصلت من عشرات السنوات.
وما على أهالي هؤلاء الضحايا إلا التقدم أمام المحاكم الأميركية، أو أمام محاكم دولهم، بدعاوى شخصية للمطالبة بتعويضهم انسجامًا مع حيثيات قانون "جاستا" قبل أن يتم تعديله مع الإدارة الأميركية المقبلة؛ حيث يتوقع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب كوركر، أن يعقد الكونغرس جلسة لتعديل القانون بعد الانتخابات الأميركية في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 (17). والهدف من وراء ذلك هو منع محاكمة أي مواطن أميركي في الخارج، وعدم السماح لأي أجنبي بمقاضاة مواطن أميركي أمام المحاكم الأميركية.
ولقد كان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، واضحًا بهذا الشأن عندما قال في مقابلة سابقة مع شبكة "سي.بي.سي": إذا "أفسحنا المجال أمام أفراد أميركيين لمقاضاة الحكومات بشكل مستمر، فإننا سنفتح الباب أمام مقاضاة الولايات المتحدة من قبل الأفراد في بلدان أخرى".
وبمعنى آخر، كما أن السعودية معرضة للمقاضاة، فكذلك سيكون احتمال مقاضاة الولايات المتحدة أمرًا واردًا لدى الكثيرين من أهالي الضحايا الذين سقطوا بأيادٍ أميركية سواء داخل أميركا أو في الدول الأخرى. وبذلك سيتحول العالم إلى فوضى قانونية غير محكومة بأي تشريعات دولية ناظمة.
وهناك مسألة الإرهاب الدولي وكيفية مكافحته؛ إذ يقول الخبير في العلاقات الدولية سالم اليامي(18) لـ"سكاي نيوز عربية": إن المملكة تمتلك قاعدة ضخمة من المعلومات الاستخباراتية في مجال مكافحة الإرهاب، التي تستفيد منها واشنطن بشكل كبير. ولفت إلى أنه إذا قررت الرياض عدم مشاركة هذه المعلومات، فستضرر الاستراتيجية الأميركية لمكافحة الإرهاب، مما يضعها أمام تهديدات أمنية بسبب نقص المعلومات. وتؤكد ذلك تصريحات مدير المخابرات المركزية الأميركية، جون برينان، الذي قال: إن للقانون "تداعيات خطيرة" على الأمن القومي الأميركي. وليس من المستبعد أن تنضم دول أخرى إلى السعودية لجهة وقف تعاونها مع أميركا في مجال مكافحة الإرهاب فيما لو قررت الرياض اتخاذ هذه الخطوة.
أما عن الشأن المالي، فالودائع المالية السعودية في أميركا حسب تصريح وزير الخارجية، عادل الجبير، هي بحدود 750 مليار دولار، ووفقًا لوزارة الخزانة الأميركية بلغ حجم الأصول السعودية فى الولايات المتحدة نحو 612.371 مليار دولار، إلى جانب امتلاكها لسيولة حجمها 285.238 مليار دولار تضاف إلى امتلاكها لسندات ديْن آجلة بقيمة 264.768 مليار دولار وسندات دين عاجلة بقيمة 62.370 مليار دولار.
وأيًا يكن حجم هذه الودائع، فإنها برأي البعض تشكِّل الورقة الضاغطة التي قد تهدد الإدارة الأميركية باللجوء إليها عبر تجميدها وعدم السماح بسحبها. ويمكن لها القيام بذلك لمجرد أن يتقدم أي شخص من أهالي ضحايا 11 سبتمبر/أيلول بطلب من المحاكم الأميركية بحجة حماية حقوقه من التعويضات المأمولة. ولكن هناك بالمقابل ودائع أميركية في الخارج تابعة لمشاريع استثمارية يمكن لضحايا الإرهاب الرسمي الأميركي المطالبة بتجميدها أو حجزها.
يضاف إلى ذلك مسائل مهمة ذات أبعاد اقتصادية مرتبطة بالتجارة البينية، وصفقات الأسلحة، والاستثمارات المتبادلة، ولها تداعيات سلبية على واشنطن كما على الرياض.
ويقول الخبير الاقتصادي، غازي وزنة: "يتسبَّب قانون "جاستا" بتوتر العلاقات الاقتصادية والسياسية بين السعودية والولايات المتحدة، وخلق مناخات قلق وخوف لدى المستثمرين ورجال الأعمال السعوديين، وتعمـُّق المشكلات الاقتصادية للمملكة، وتظهر التبعات على الشكل التالي:
خفض التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة البالغ 74 مليار دولار، منه 18 مليار دولار للصادرات و56 مليار دولار للواردات (تعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري في السوق السعودي).
تهديد الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة وأرصدتها في المصارف المقدَّرة حسب مسؤولين سعوديين بـ750 مليار دولار منها 117 مليار دولار مستثمرة في سندات الخزينة الأميركية مقابل استثمارات أميركية في السعودية لا تتجاوز 15 مليار دولار.
تجميد صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة وآخرها صفقة بقيمة 115 مليار دولار.
تأثير على وجود أكثر من 100 ألف طالب سعودي في الولايات المتحدة.
تأثير على تنفيذ "رؤية 2030" أو "رؤية محمد بن سلمان" المستندة إلى الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية والأسواق المالية العالمية مع خصخصة 5% من شركة "أرامكو"، وتحوُّل اقتصاد المملكة من اقتصاد يعتمد على مداخيل النفط إلى اقتصاد يعتمد على مداخيل الاستثمارات.
وكل ذلك يعني أن قانون "جاستا" سيضع السعودية بين حدَّي المواجهة أو التفاهم مع الولايات المتحدة:
المواجهة: تتحقق من خلال سحب السعودية استثماراتها من الولايات المتحدة، رغم الخسائر الكبيرة التي يمكن أن تتكبَّدها (كاستثمارات في شركات، ومصافٍ، واستثمارات بقيمة 117 مليار دولار في سندات خزينة أميركية)، وإعاقة الاستثمارات الأميركية في السعودية، وتجميد صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة، وتغيير تسعيرة منتجاتها النفطية في السوق العالمية من الدولار إلى اليورو، وإقناع دول مجلس التعاون باتخاذ مواقف مماثلة لها.
التفاهم: يتحقق من خلال الروية والمطالبة بتعديل القانون الذي توجد فيه ثغرات قانونية كثيرة.
إن قانون "جاستا" ظاهره قانون تعويضات لذوي ضحايا 11 سبتمبر/أيلول، ولكن بُعده واستثماره سياسيان بامتياز، هو سيف مسلط على رقاب الدول في المرحلة المقبلة، إنه إعصار جديد"(19).
كل ما تقدم يفيد أن مستقبل العلاقة السعودية-الأميركية لن يعود كما كان، ولكنه لن يشهد أية قطيعة فعلية؛ لأنها لن تكون لمصلحة الدولتين.
ويبدو حتى الآن أن لا السعودية ولا الولايات المتحدة الأميركية على عجلة من أمرها، وليستا بوارد إحداث أي تصعيد بينهما؛ لأن العلاقات بين الدول بحاجة إلى الكثير من التفكير والتخطيط والروية، ولا يمكن لها أن تتم في لحظات انفعالية، خاصة أن قانون "جاستا" يحتاج إلى سنة ليتم تطبيقه، وفى حال جاء مجلسا شيوخ ونواب جديدان، قد يتم إلغاء القانون أو تخفيفه، علمًا بأن الدعاوى القضائية المحتملة قد تطول لسنوات أو يتم تعليقها.
ولقد بدأت تظهر بوادر توجه لدى بعض أعضاء الكونغرس الأميركي للعمل على إعادة تعديل قانون "جاستا"؛ لأنهم أدركوا مدى الخطأ الكبير الذي أوقعوا بلادهم فيه؛ فقد صرَّح زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل بأن "لا أحد اجتهد لمعرفة سلبيات القانون على علاقات أميركا بالخارج، ملقيًا اللوم على الرئيس باراك أوباما لفشله في عدم توضيح النتائج السلبية المحتملة لمشروع القانون".
وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" (بتاريخ 5 أكتوبر/تشرين الأول 2016) بأن" قادة الحزب الجمهوري، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب بول رايان، لا يزالون يسعون لتعديل القانون لتخفيف أضراره وآثاره السلبية المحتملة على أميركا". كل ذلك يوحي بأن الشراكة ستستمر مع حجم ثقة منخفض عن الفترات السابقة، وقد يستمر هذا الوضع لبعض الوقت مع إدارة الرئيس القادم.
وبرأي أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، نبيل ميخائيل(20): إن القانون سيسبِّب توترًا ونوعًا من المراجعة في واشنطن، بالإضافة إلى تسببه بمناقشة كبيرة واسعة حول علاقات أميركا بمنطقة الخليج بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة.
ويعتقد ميخائيل أن هناك نوعًا من التسوية السياسية، قد تحصل.
_______________________________________
لؤي بن بكر الطيار - متخصص في العلاقات الدولية، جامعة الأعمال والتكنولوجيـا.
مركز الجزيرة للدراسات