ماجد قروي
لكل إيديولوجية أو تنظيم سياسي أو ديني استراتيجيات تتبعها لإثبات وجودها في النسيج المجتمعي، وهذه الاستراتيجيات تعتمد آليات متعددة وللتيار السلفي الجهادي استراتيجيات عدة يتخذها للحفاظ على وجوده في النسيج المجتمعي واستقطاب الفئات الشبابية من جهة أخرى ومن هذه الاستراتيجيات نذكر:
إستراتيجية الفبركة
انطلقنا من هذه الإستراتيجية على اعتبارها الأساس الذي ينبني عليه الفكر السلفي. فالمقدس اليوم يؤول وفق مقاصد وأهواء شخصية كوسيلة لتصفية الحسابات الشخصية فيكون الدين غطاءا لها لإعطائها مشروعية. كأن يقتل أمني أو عسكري تحت غطاء ديني وهو "محاربة الطاغوت" في حين أن السبب الأساسي وراء ذلك تصفية حسابات ماضية انطلاقا من النقمة على سنوات السجن أو التعذيب يقوم بعض فاعلي السلفية الجهادية وتحديد الشباب بالانتقام من الأمنيين أو يعتدي على شخص مخالف في الرأي تحت غطاء ديني مثل "نصرة الإسلام". بينما هناك سبب خفي وراء هذا الاعتداء وهو مواجهة المخالفين في الرأي.
إستراتيجية الوصمة
من خلال دراستي للظاهرة السلفية في صفوف الشباب التونسي بمدينة بن عون خلصت إلى أن هذا التيار يعتمد عدة استراتيجيات محكمة وإضافة إلى إستراتيجية الفبركة نجد إستراتيجية الوصمة وهي وسيلة لمواجهة الخصوم وإقصائهم والوصمة حسب ايرفينغ غوفمان هي "علاقة التدني التي تجرد الفرد من أهلية القبول الاجتماعي الكامل. وتكون الوصمة إما جسمية أو نفسية أو عقلية أو اجتماعية فتجعل الفرد مرفوضا اجتماعيا."
أما بالنسبة للشباب السلفي فخير وسيلة لإقصاء الخصم والمخالف للرأي وصمه بأنه "كافر" أو "مرتد" أو "علماني" أو "ملحد". وتعود أسباب الوصم إلى ضعف المحاججة لدى العديد من فاعلي الحركة السلفية وعدم القدرة على الإقناع والمواجهة الفكرية فتكون الوصمة الحل الأمثل للخروج من هذا المأزق. أما السبب الأخر فيعود إلى التشبث بالرأي ورفض الرأي المخالف من قبل العديد من فاعلي الحركة السلفية وخاصة فئة الشباب، فوفق الشباب السلفي كل تراجع عن مبدأ يعتبر مهادنة أو استسلاما أو اعترافا بالخطأ فيلتجئون الوصمة لتبرير أفكار تتميز بالدغمائية في الكثير من الأحيان. فان نقصي رجل دين مخالف لنا في التوجه فخير وسيلة لإقصائه هي وصمه بأنه "من شيوخ السلطان" وخير وسيلة لصد المخالف في الرأي عن أرائه هي وصمه بالكافر أو العلماني أو الملحد وإن لم يكن كذلك.
ههنا تترسخ في أذهاننا السلفية الجهادية عقيدة "إما الأنا أو الأخر" والاختلاف في الآراء مرفوض تماما. وكل من يخالفهم في أمر ما مظهريا كان أو فكريا يقع وصمه إما بالمقصر أو ضعيف الإيمان "فتكون بذلك الوصمة إلية واستراتيجية فاعلة في إقصاء الخصوم واستبعادهم."
إستراتيجية التبرير
تعتبر إستراتيجية التبرير من بين أهم إستراتيجيات الحركة السلفية داخل المجتمع وتمثل الدعوة والتعبئة والإعلام. فالخطاب السلفي والسلوكات التي يأتيها فاعلوا هذه الحركة يحتاج إلى تبرير وهذا التبرير يكون إما عن طريق الدعوة عبر الخيمات الدعوية التي تقام في الأماكن العامة وأمام المعاهد والكليات. أم اجتماعات شعبية في الشوارع ووسط المدن أو عبر فاعلين يقومون بتوزيع مناشير على باقي الفاعلين وهي في الغالب مناشير محملة بآيات وأحاديث نبوية يقصد بها تبرير الفكر السلفي كأهمية الجهاد، أو مفهوم الطاغوت.
إستراتيجية التأثير
وإن كانت هذه الإستراتيجية غير ظاهرة للعيان إلا أنها فاعلته في استقطاب الفئات الشبابية. يكون التأثير عبر جمعيات مختلفة ذات توجهات سلفية تقوم بتوزيع المساعدات الاجتماعية على المناطق المهمشة والفقيرة ومن ذلك توزيع المواد الغذائية والأغطية يقوم بها عدة فاعلين من التيار السلفي. وانتشرت هذه الجمعيات بعد الحراك الاجتماعي في تونس 14/1/2011 والعديد منها يعمل دون ترخيص رسمي من الدولة. وتكون أغلب هذه الحملات التي تهدف أساسا إلى كسر تلك "الصورة المخطئة" التي يحملها العديد من الفاعلين الاجتماعيين على فاعلي الحركة السفلية والتعريف بالمبادئ الكبرى للتيار السلفي مرفقة بأناشيد دينية مواضيعها عادة الجهاد والدعوة إلى التوبة وغيرها. وهي أناشيد فاعلة في التأثير والاستقطاب. يمرر عبرها التيار السلفي رسالة خفية إلى الفاعلين الشباب ليعتنقوا المذهب السلفي كبديل مثالي للواقع المأزوم. وتحضر هذه الأناشيد في مختلف الأنشطة التي يقوم بها فاعلوا الحركة السلفية مثل التجمعات والاجتماعات والخيمات الدعوية والحملات الخيرية وغيرها.
إذ عادة ما تصحب الخيمات الدعوية أناشيد حزينة هدفها التأثير في المستمع وتمرير رسالة خفية إليه. ليشعر وبالندم والتقصير وعادة يكون مضمون هذه الأناشيد "الدعوة للجهاد" أو "نصرة الأمة والإسلام" أو "التأسف على حال المجتمع الإسلامي والأمة" أو "التنديد بممارسات اليهود والنصارى".
ولا تقتصر أساليب التأثير على هذه الأناشيد فحسب بل تتعدى ذلك إلى خطب تتميز بالصراخ حينا والنواح حينا آخر لتفسر أهمية الجهاد والأوضاع العقائدية لدجى الشباب والمجتمع، خطاب مخصوص، هدفه التأثير في المستمعين منهم الشباب لكسب تأييدهم ولضمان إنخراطهم في الحركة السلفية.
إستراتيجية التوريث
لضمان الإستمرارية والتواجد يحتاج التيار السلفي إلى توريث مبادئه وأفكاره إلى الأجيال اللاحقة منهم خاصة الشباب والأطفال.ويكون التوريث عبر الجمعيات الدينية وروضات الاطفال.
إستراتيجيات التغيير
لا يسعى التيار السلفي إلى ضمان تواجده والاستقطاب فحسب بل يسعى إلى التغيير وهذا التغيير يشمل الدولة والمجتمع. ويمكن استخلاص إستراتيجيتين للتغيير يتبعها التيار السلفي بشكل عام:
أ- إستراتيجية التغيير الفوقي
وهي إستراتيجية يتبعها الشق الجهادي من الحركة السلفية. وإذ أن الدولة حسب هذا التيار هي عبارة عن جسم إنسان الرأس هو الحاكم ومجلس النواب ورجال السياسة وعادة ما يتم الإنطلاق من هؤلاء عبر الاغتيالات وإن استحال الأمر يتم الإنتقال إلى الجلد الذي يحمي هذا الجسم وهو الجيش والشرطة والحرس، إذ تقع محاربتهم معنويا وماديا بغية الحط من معنوياتهم. وبعد ذلك يتم الإنتقال إلى الهيكل العظمي والمتمثل في البنوك والمنشئات السياحية والمؤسسات الكبرى، ومن ثمة يتم الانتقال إلى الدماغ وهم العلماء والشيوخ والمخالفين للرأي وفي مرحلة أخيرة فرض الرأي والمسك بزمام السلطة ليتم الانتقال إلى خلايا الجسم وهم الشعب ليتم تغيير أفكارهم وسلوكاتهم وإن بالقوة.
ب - إستراتيجية التغيير التحتي
يتبنى هذه الإستراتيجية الشق الثاني من الحركة السلفية وهم السلفية العلمية أو الدعوية وفي بعض الأحيان السلفية الجهادية أو بعض أطرافها. وتنطلق هذه الإستراتيجية من القاعدة الشعبية عبر الدعوة فقط دون الدخول في مواجهات مع الدولة. فالخروج عن الحاكم محرم حسب الحركة السلفية العلمية ويكون الإصلاح هو الغاية القصوى.
إستراتيجيات الغرب في توظيف التيار السلفي
ان نظرة تأملية للواقع العربي من خلال الملاحظة وتحليل الخطاب تمكننا من استجلاء حضور اليد الغربية في العالم العربي.فبغية الحفاظ على مصالحه المترامية سيسعى الغرب بكل الوسائل إلى ضمان تواجه.ولطالما اعتبر الغرب الدين الإسلامي معرقلا لمصالحه لاسيما وان من بين أهم أهداف الإسلام مقاومة التوسع الاستعماري الغربي عبر الجهاد المنظم لا العشوائي وخاصة الجهاد الفكري والعلمي.وبالتالي فان تشويهه وافراغه من محتواه يظل احد هواجس القوى الغربية.كما ان القيم والضوابط التي اتت بها الشريعة الاسلامية تتنافى في الكثير من الاحيان مع المصالح الغربية.فشريعة تدعو للتحرر من سلطة الاستعمار وبناء منظومة قائمة على التضامن الاجتماعي وترفض الربا تتعارض تماما مع مصالح الدول الغربية وهياكلها كالبنك الدولي الذي يقدم قروضا بفوائض مجحفة.مدعاة للقلق ومهددة للنفوذ الغربي وبالتالي فان السعي إلى اجتثاثها يظل احد مرامي الغرب لحماية مطامحه التوسعية.
وتعد الجماعات الجهادية خير وسيلة لتحقيق كل هذه المرامي وهي فبركة الديني وتقديمه وفق نحو يبدو لغير المتمعن في مقاصده واقعا من خلال تقديم صورة مشوهة عن الشريعة الإسلامية لتظهر في صورة متوحشة قائمة على القتل وسفك الدماء بغية إقناع الرأي العام المحلي والدولي بضرورة مقاومتها واجتثاثها من الحياة السياسية والاجتماعية.
واسامة بن لادن والقاعدة في افغانستان خير دليل على ما نقول اذ فرض هؤلاء تصورا اسلاميا متطرفا.ما اكسب الولايات المتحدة مشروعية التدخل العسكري لتحقيق مصالح اقتصادية تهدف الى الظفر بخيرات هذه البلاد وخاصة الموارد النفطية.فالديني هنا الية ووسيلة يستخدمها الغرب لتحقيق مصالح اقتصادية.
كما ان تنظيم داعش الذي لطالما اعتبر من من كثير الأبحاث صناعة غربية تسعى الدول الغربية بواسطته الى تحقيق نفس الاهداف التي اشرنا اليها سلفا. واذا ما انحرف عن المرامي والاهداف وخرج عن سلطة الغرب فانه سيهلك لا محالة.
فالدول الغربية اذن توظف حتى الديني لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية.اذ اضحى بفعل سياسات واستراتيجيات غربية بايادي محلية عاملا للتفرقة ودليلنا في ذلك العراق اذ ان التركيبة الاثنية للمجتمع العراقي قبل حرب العراق الاولى موحدة اجمالا وبعدها بدأت نعرات التقسيمات المذهبية تتغذى وتتزايد الى ان دخلت في دوامة الصراع المذهبي بين سنة وشيعة وغيرهم.
ولست ابغي باستعادتي هذه الوقائع التي باتت معلومة من الجميع ابداء رايي في السياسة وانما ابراز الدور الغربي في نشوء ودعم الجماعات الجهادية لخدمة مصالحه-استراتيجيات التيار السلفي في الاستقطاب والإقصاء والتغيير:
مراحل التغيير
1- التأثير والفبركة والتبرير
2- الاستقطاب
3- تمويل التنظيم سواء عبر الجمعيات المحلية أو الدولية والمساعدات
4- تسليح التنظيم، عبر تهريب الأسلحة من ليبيا وذلك في علاقة مع التهريب
5- تدريب أعضاء التنظيم التدريب على الأمن والكمائن واستخدام السلاح فكا وتركيبا
6 - محاولة التغيير عبر تكثيف الكمائن والاغتيالات السياسية وقتل الامنيين والعسكريين واستهداف المرافق الحساسة.
*باحث في علم الاجماع من تونس