يعكس إقرار الأمم المتحدة لتبني إستراتيجية دولية موحدة لمحاربة الإرهاب الدولي وذلك في سنة2006رغبة لكبح جماح هذه الظاهرة التي أصبحت عابرة لمجالات الدول وحدودها,وليست حكرا على دولة بعينها أو طائفة دينية أو تكوين سياسي بعينه,وجاء قرار الأمم المتحدة الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي يحمل رقم2172,والذي أقره هذا المجلس سنة2014,ويخص مكافحة الإرهاب وطرق تمويله في منطقة الشرق الأوسط والتي تشهد حروبا طاحنة وموجة إرهاب لم يسبق لها مثيل تهدد وجود دول بأكملها ,كالعراق وسوريا والتهديد وصل حتى العاصمة التركية أنقرة التي أثبتت تقارير دولية تورطها في دعم الجماعات الإرهابية المسلحة في هذه البلدان,ولكن رغم إقرار إستراتيجية مكافحة الإرهاب ولكن العديد من المراقبين والمحللين العسكريين كاللواء المتقاعد الأستاذ هشام جابر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات يرون بأن المشكل يكمن في عدم إيجاد توصيف وتعريف إصطلاحي بين الدول في تعريف هذه الظاهرة,وإيجاد تعريف جامع شامل مانع,يكون المرجع الرئيسي في فهم دوافع هذه الظاهرة وتحليلها ويمكن إعتبارها الأرضية الصلبة لأي نقاش موضوعي حول محاربة الإرهاب أمنيا وعسكريا وقطع مصادر تمويله وتحجيمها,فكل دولة تعرفه حسب مصالحها وتوظفه من أجل خدمة أهدافها الأمنية والسياسية والاقتصادية ,فكتائب عبد الله عزام في فلسطين رغم أنها قامت باستهداف مواطنين أمريكيين وقتلهم وذلك سنة2005,ولكن لم تقم وكالة الاستخبارات الأمريكية بإدراجهم ضمن لوائح الإرهاب الدولي إلا في سنة2012,وذلك لأنهم كانوا ينفذون الأجندات الأمريكية ويحفظون مصالحها في المنطقة وليس داخل فلسطين فقط,ويمكن أنْ يندرج تنظيم القاعدة الذي تأسس إبان الغزو السوفيتي لأفغانستان و الذي كان زعيمه أسامة بن لادن الذي قتل في غارة أمريكية على مخبأه على الحدود الباكستانية الأفغانية سنة2011وبالتحديد في منطقة ابوت أباد الواقعة على بعد 120كلم من العاصمة إسلام أباد الباكستانية وقد أشرفت وكالة الاستخبارات الأمريكية على تنفيذ العملية بالكامل وهي نفسها التي فعلت المستحيل من اجل حمايته سنوات الثمانيات وبداية التسعينات من القرن الماضي ليتحول إلي عدوها الأول بعد أحداث 11سبتمبر 2001,وبغض النظر عن حقيقة مقتله أو ظروف العملية فان الشيء الثابت أن أمريكا تستعمل المنظمات الإرهابية كفزاعة من أجل إحتلال الدول أو الضغط عليها وإبتزازها وتجربة السودان التاريخية لا زالت ماثلة للعيان.
- فالدول الغربية التي دعمت الإرهاب في الجزائر، ومصر، والعراق ،وسوريا، وليبيا والصومال، ونيجيريا، وأفغانستان، وفي مناطق متفرقة من العالم,بدأت تستشعر بأن هذه التنظيمات الإرهابية أصبحت تحاول لعب دور أكبر من الدور الذي هو مرسوم ومخطط لها,وتجاوزت كل الخطوط الحمراء التي كانت حتى وقت قريب هي التي تحكم العلاقات بينها وبين هذه الدول وعلى رأسها أمريكا بإعتبارها أقوى دولة غربية ولها تاريخ اسود في صناعة الإرهاب الدولي ودعمه,فتنظيم داعش وجبهة النصرة والتي يتهم اردوغان واشنطن علانية بأنها تدعمه رغم تورطه حتى كاحليه في ذلك,فدعم الأمريكان المتواصل للجماعات الكردية كحزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردي في سوريا والتي تهدد الأمن القومي التركي وتعتبرها حكومته ومنظومته الأمنية منظمات إرهابية يجب القضاء عليها ومع ذلك فإن أمريكا تضرب بتصريحه الذي قال فيه بأن أمريكا تريد تحويل المنطقة إلي بركة من الدماء عرض الحائط,لأنها تري في هؤلاء حلفاء إقليميين يجب دعمهم في سوريا والعراق ورغم امتداد لهيب العمليات الإرهابية إلي أنقرة والتي تعتبر امة ودولة إقليمية كبرى لها مصالح إستراتيجية مع أمريكا ولكن كل هذا لن يغير تحالفات بلد العام سام أو يؤثر سلبا عليها,فأمريكا تنفذ ما تراه مناسبا لمصالحها الإقليمية بغض النظر على الاهتمام بأمن حلفاءها كتركيا أو الأردن أو السعودية,فتنظيم داعش الذي يعتبر اخطر التنظيمات الإرهابية وأكثرها دموية وعنفا ويستخدم أساليب الحرب النفسية والتي تعجز عن محاكاتها حتى الجيوش العربية وقد إعتمدت فيها على أساليب الحرق والترهيب وإغراق الناس وهذا ما اثر نفسيا في الجيش العراقي في الموصل والتي احتلها التنظيم في ليلة واحدة وهرب أكثر من 30الف جندي عراقي وتركوا أسلحتهم فيها,فهو تنظيم ذكي جدا يجمع بين أساليب الجيوش النظامية كما فعل في الرمادي عندما بعث بمفرزة متقدمة لاستكشاف الطريق وتمهيدها لقواته الرئيسية وذلك في مارس2015عندما احتلت المدينة قبل أن تسترجعها القوات العراقية مع نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي, ونفس الشيء حدث في كوباني عندما رأينا دبابات أبرامز الأمريكية التي بحوزة التنظيم وعربات عسكرية مدرعة وإستطاع التنظيم السيطرة عليها في 10سبتمبر 2015,ولم تتدخل الطائرات الأمريكية إلا في نوفمبر2015,فهي لا تريد القضاء عليه سواء في سوريا أو العراق أو حتى ليبيا التي لم تقم بأي ضربات جوية مركزة وفاعلة لإستهدافه ,بل تقوم بإتباع نظرية طبقتها سابقا مع تنظيم القاعدة والجماعات الشيشانية التي كانت تقاتل الروس ,وهي سياسة الاحتواء ,وهناك أماكن لا يستطيع تنظيم داعش حسب ما يقوله الكاتب والمحلل السياسي" فيصل جلول "الدخول إليها أو احتلالها ومنها كردستان العراق أو سد الموصل,ولكن الاستهداف المركز من قبل الطائرات الروسية لهذا التنظيم في سوريا وازدياد الضغوط من الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي بضرورة أن تولي إدارة اوباما اهتماما اكبر للحرب علي الإرهاب باعتبار أن أمريكا قد تعهدت بأنها ستسعي جاهدة لتحقيق رؤية الأمم المتحدة وتنفيذ الإستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب وأهم مجموعاته التكفيرية كداعش والنصرة, وهذا ما تطالب به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون حيث طالبت البيت الأبيض ووزير الدفاع بالانتقال منْ إستراتيجية إحتواء التنظيم إلى القضاء عليه فعليا,وهذا ما سيزعج بالتأكيد صناع القرار في إسرائيل نظرا للعلاقات الأمنية الوطيدة بين جهاز الموساد وأبو بكر البغدادي زعيم التنظيم,
فحلفاء أمريكا من الدول الغربية التي تضررت مصالحها الحيوية وتم إستهدافها في سوريا والعراق وحتى في قلب أسيا وإفريقيا فضلا عنْ أوروبا بدأت ترى بان القضاء على هذه التنظيمات لن يتم بدون إرادة سياسية حقيقة وهذا ما ناقشه مؤتمر ميونيخ الأمني والذي من أهم أسباب انعقاده ,تزايد خطر الجماعات الإرهابية ورغبة قادة أجهزة الاستخبارات ورؤساء الأركان في هذه الدول إبعاد خطر ها عن أوروبا ,فمحاربة الإرهاب وإن كان العمل الأمني والاستخباراتي وفي مراحل متقدمة العسكري من أهم الأسباب في معالجة ظواهره والحد من إمتداده ونفوذه,ولكن لن يكون ذلك ممكنا دون إتخاذ خطوات سياسية تضمنها آليات وميكانيزمات لتطبيقها ومتابعته تطورها على أرض المعركة,ويجب على هذه الدول التشاور في ما بينها ورسم إستراتيجية واضحة المعالم والتعاون مع المؤسسات الرسمية العربية والأخذ بما جاء به مؤتمر الأمن القومي العربي سنة2015,وتطبيق مقرراته بإعتبار أن أخطر هذه الجماعات الإرهابية متواجدة على أراضي الدول العربية وتسيطر على مساحات شاسعة منها ,وتعتبر مقالة اللواء هشام جابر التي فيها 10خطوات عملية وناجعة من أجل ضمان تطهير هذه الدول من الإرهاب ومكافحته,واحدة من أهم الوثائق التي يمكن الرجوع إليها ،والاستعانة بها في هذا الموضوع.
-,ويرى الدكتور رياض الصيداوي الأستاذ والمحلل السياسي بأن الجماعات الإرهابية العابرة للمنظومات الأمنية والوحدات السياسية قد إستعانت بحالة الفقر والبطالة والأمية وغياب مفهوم الدولة القومية ورغبة العديد من الشباب العربي في الثأر لما فعلته أنظمة دوله به ,حافزا هاما في الانخراط في هذه التنظيمات التي توفر له نوعا من الانتماء الديني والذاتي ،ويشعر بأنه ينتمي إلى مجموعة فكرية وإيديولوجية تتبني معتقداته، وأفكاره ،وستعيد بناء حضارته البائدة ،والتي يحمل الغرب المسؤولية التاريخية عنْ ضياعها وعنْ إحتلال أوطانه ،التي دخلت منذ ذلك الوقت في حالة من الركود والجمود على كل الأصعدة وتحكمت بها أنظمة عربية عميلة، ترعى مصالح الغربي الاستعماري، وتنفذ أجنداته,وهذا الشباب الذي يقدم علي تفجير نفسه طواعية من اجل تحقيق هذه الأهداف مع العلم بأن لتنظيم داعش وزارة كاملة تسمي وزارة الاستشهاديين,لا يمكن التعامل معه أمنيا فقط,فالغرب الذي يحاول إلصاق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامي ،وينسى ما فعله جيش الرب المسيحي بأوغندا من مجازر رهيبة ،يندى لها الجبين,لا يمكن له أن يكون منصفا في فهم هذه الظاهرة ،أوْ معالجتها بالطرق التي تضمن أمنه وأمن الدول التي تنشط هذه الجماعات الإرهابية على أراضيها,فإستراتيجية الدولية التي تتبنى خطابا إيديولوجيا يركز على حماية أمن كل الدول ودون استثناء ،تفشل واقعيا في تطبيقه وتتبع سياسية الكيل بمكيالين إذ تصنف المنظمات، التي تدافع عن إحتلال أراضيها كحماس والمنظمات الفلسطينية المقاومة ،وحزب الله في جنوب لبنان,على لائحة الإرهاب الدولي وتستثني الدول التي تدعم هذا الإرهاب التكفيري، الهمجي ،وتقتل الأبرياء بدم بارد ،وتغض الطرف عنْ أفعالها البشعة، كإسرائيل، وتركيا ،التي قامت بإحراق 150كرديا حيا في جزيرة إبن عمر,وما ألحقته السعودية باليمن ،من دمار وتخريب، وقتل لآلاف المواطنين الأبرياء,وقد آن الأوان لأن توقف الأمم المتحدة ،ومجلس الأمن، والدول الغربية، التي تسيره هذه السياسة القذرة والتي أثبتت فشلها الذريع، ولم تجلب سوى الخراب لدول وشعوب الشرق الأوسط قاطبة.
*كاتب جزائري