2024-11-27 11:43 م

العلاقات الإيرانية الروسية خلافات تاريخية وتحديات إقليمية ودولية مشتركة

2016-10-21
كتب عميرة ايسر
عرفت العلاقات الإيرانية الروسية، تطور ملحوظا في السنوات الأخيرة، عقب وصول فلاديمير بوتين إلي سدة الحكم في روسيا ،والرؤية المشتركة الإستراتيجية، التي صارت عقيدة سياسية لدي كل من طهران وموسكو ،في مواجهة جملة من التحديات الإقليمية والدولية المشتركة ،والتي باتت تهدد الأمن القومي ولهاتين الدولتين، ومصالحهما الجيواستراتيجية والاقتصادية ،وخاصة في منطقة القوقاز والشرق الأوسط برمته، فإيران التي عملت من خلال زيارة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس ،في مرتين متتاليتين أحداهما سرية والأخرى معلنة والذي عمل علي إقناع الروس ،بضرورة التدخل العسكري في سوريا ودعم نظام بشار الأسد، لان سقوطه لايعني تهديدا مباشرا لمصالح الروس الحيوية ليس في الشرق الأوسط فقط ،وإنما كذلك في دول أسيا الوسطي والدول المحيطة بروسيا جغرافيا، بل تمتد إلي عمق الدول المحيطة ببحر قزوين، الذي يشكل أهمية إستراتيجية كبرى في العقيدة الأمنية الروسية ،إذ عملت مع حليفتها إيران على عقد قمة لمنظمة الدول المطلة علي شواطئ بحر قزوين ،الذي يعتبر أكبر بحر مغلق في العالم بمساحة تقدر ب371الف كلم مربع ويتجاوز طوله1200كلم، أما عرضه فحوالي 300كلم,وعمقه يقدر بأزيد من 1023متر وتصب فيه أنهار مهمة كنهر الفولغا الروسي وتوجد به عدة جزر مأهولة،، وغير مأهولة ,وله أهمية طاقوية واقتصادية قصوى إذ حسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين فإنه يحتوي على أزيد من 70الي80مليار متر مكعب من النفط الخام وهذا الرقم يفوق احتياطي السعودية النفطي بمرتين ونصف,بالإضافة إلي حوالي 250ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي ولا ننسي انه موطن للكافيار الفاخر الذي يصدر إلي كل دول العالم تقريبا,وتضم هذه المنظمة إضافة إلي روسيا وإيران ،كلا من اذرابيجان وكازاخستان وتركمانستان ,وقد أتفقت هذه الدول في أخر قمة عقدت بينها على منع تواجد أي قوة عسكرية أجنبية فيه وكذلك إتفق المجتمعون على عدم السماح لأي قوة غير قواتها بالتواجد حتى علي شواطئه ,إضافة لتقاسم ثروات بحر قزوين فيما بينها دون تدخل خارجي,فالتعاون الروسي الإيراني ،لا يقتصر على هذه المنظمة فقط بل للبلدين تواجد فعال ،ومهم في منظمات إقليمية مهمة عديدة من بينها منظمة شنغهاي التي تضم أيضا دولا كطاجاكستان ،وكازاخستان ،وقرغيزيا ،وأوزباكستان ،والصين، وسيتم تعديل ميثاقها الداخلي ليسمح بإنضمام دول رأت في هذه المنظمة البديل عن الأحادية الأمريكية كالهند، وباكستان، التي تريد أن تكون دولا كاملة العضوية بها وتستفيد بالتالي من امتيازاتها السياسية، والاقتصادية ،العديدة والمتميزة ،وقد كان للمنظمة مواقف عدائية إتجاه سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية على أسيا الوسطى إذ دعتها قمة2005 إلي إنهاء وجودها العسكري ،وغلق قواعدها الجوية في هذه المنطقة الهامة من العالم ،وقامت قوات هذه الدول بإجراء مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة في سنة2007بالقرب من جبال الاورال الصينية,وقد قامت بتأسيس بنك ومصرف مالي وصندوق للتنمية، داخل هذه الدول بالإضافة إلي نادي للطاقة,ورفضوا إنشاء نظام صاروخي بالستي كالذي يقوم بتطويره حلف الأطلسي لأن ذلك برأيهم يشكل تهديدا للأمن والسلم العالمي,ودعوا لإيجاد حل وتسوية للازمة السورية بعيدا عن الحل العسكري,فكل من روسيا وإيران تسعيان إلى لعب دور مهم ومحوري، في أسيا الوسطي، ومنع الولايات المتحدة الأمريكية من الهيمنة علي هذه المنطقة ،لأنها بالتالي ستضيق الخناق علي المصالح الحيوية لهذه الدول فيها,فالروس والإيرانيين يسعونا إلى تجاوز خلافاتهم التاريخية العميقة، بالتعاون في كافة المجالات المتاحة لذلك , إذ يذكر الدكتور والباحث الروسي فلاديمير ساجين الخبير في معهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم، خلال 500عام عرفت العلاقات بين الدولتين كل شيء,عرفت حربين في بحر قزوين قي القرن18,وتوقيع معاهدة للصداقة السوفيتية الإيرانية سنة1921,تسمح بدخول القوات السوفيتية إلى إيرانْ إذا جرى تهديد حدودها,لذلك لم تقم أمريكا قاعدة عسكرية على أراضي إيران قبل الثورة الإسلامية فيها عام 1979,وفي سنة1958 إنضمت طهران لحلف بغداد وهذا ما أزعج السوفيت وأثار حفيظتهم ،ولكن سرعان ما عادت العلاقات السياسية للتحسن بين الدولتين في أواسط الستينات من القرن المنصرم,وساهمت موسكو في تأهيل كوادر عسكريين ومختصين إيرانيين في كافة الميادين، حتى عندما كانت إيران أبرز حلفاء أمريكا في المنطقة أيام الشاه محمد رضا بهلوي,وعندما نجحت الثورة في إستلام زمام الحكم في البلاد بعد الإطاحة بالنظام الملكي كانت حذرة جدا في تعاملها مع السوفيت، لكن العلاقات بدأت في التحسن تدريجيا مرة ثانية بعد وصول بوتين إلي بيت الكرملين,وفي سنة2010باشرت روسيا في بناء مفاعل بوشهر النووي وراحت تحدث سكك إيران الحديدية، رغم أن روسيا ساندت القرارات الدولية التي فرضت عقوبات إقتصادية ،على طهران فيما يخص برنامجها النووي وقام الرئيس الروسي مدفيدف بإيقاف تنفيذ شحنة الصواريخ أس300التي كانت إيران قد وقعتها مع روسيا سنة2007,وبالمقابل وفي أوج الخلاف الغربي الإيراني وقبل توقيع الاتفاق النووي بينها ،وبين الدول 5+1ورفع العقوبات الاقتصادية عنها بالكامل، كان الروس يرفضون توجيه أي ضربة عسكرية إلى طهران مثلما دعت إليه دولا أخرى، كالسعودية أو إسرائيل ,فالتغير في العلاقات بين البلدين وعلى عدة محاور يعكس رغبة قيادة كل من روسيا وإيران في تجاوز خلافات الماضي والانطلاق نحو مستقبل مفتوح لمواجهة عدة تحديات يفرضها النظام العولمي الذي لا يعترف إلا بسياسة القوة ،ومنطق التكتلات ،والأحلاف السياسية، والاقتصادية والعسكرية,فمذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين والتي تنص أهم بنودها الرئيسية على التعاون في ميدان الطاقة والغاز الطبيعي، وكذا ربط شبكة الطاقة الكهربائية الروسية ،عبر خط اذرابيجان، وإنشاء محطات حرارية مائية,ولا يقتصر الأمر على هذا الحد بل إن التعاون بينهما سيشمل قطاعات حيوية كالنقل وإنشاء خطوط حديدية للسكك الحديدية, هذا إضافة إلى التعاون في المجال المالي والبنكي من أجل تسهيل المبادلات الاقتصادية بينهما,فحجم التبادلات التجارية بين البلدين ،بلغت 2مليار دولار في العام وسيرتفع هذا الرقم إلي 10مليارات دولار، في ظرف4سنوات المقبلة,وحسب ما ذكرته وكالة نوفوستي الروسية ،فان موسكو ستقوم بإقراض طهران5مليار دولار، من أجل تمويل مشاريع مشتركة مستقبلا,فيما هناك مشاريع روسية إيرانية ،أخرى قيد الإنجاز بلغت قيمتها المالية 40مليار دولار أمريكي,فالإقتصاد هو أحد الركائز الأساسية في علاقة البلدين، من اجل خلق عالم متعدد الأقطاب ،وكسر الهيمنة الأمريكية التي استمرت منذ سقوط الاتحاد السوفيتي فروسيا بوتين لن تنسى كيف كانت أمريكا والغرب ،تتحكم بمقدرات البلاد السياسية ،والاقتصادية، وبالأخص في فترة ولاية الرئيس بوريس يلتسن الأولى,حيث كانت واشنطن، من يتحكم بمفاصل الاقتصاد ،والدولة الروسية المنهارة ،إلي حد كبير,إذ كان هناك حوالي أزيد من 18خبيرا ماليا أمريكيا في روسيا يحددون ما هي الأمور التي يجب تمويلها ولها الأولية في السياسة المالية لموسكو وما هي الأمور التي لا تستحق التمويل ,فالميزانية العسكرية كانت ضعيفة جدا في ظل انخفاض أسعار البترول ،إلى حدود 10دولار مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، علما أن روسيا كانت ولازالت تعتمد عليه بشكل مهم في تمويل اقتصادها رغم أن احتياطاتها المالية، حاليا تتجاوز 250مليار دولار,فتلك الفترة المؤلمة والسيئة جدا من تاريخ روسيا كما يقول الدكتور رجب صفاروف مدير مركز دراسات إيران المعاصرة والذي صنف من طرف المركز الأمريكي للأبحاث سنة1998كواحد من أفضل100خبير في السياسة الدولية واحد المختصين 4الكبار في الشؤون الإيرانية,والذي يرى في ما تقوم به روسيا حاليا في تقاربها ألمصلحي والتاريخي مع إيران ومواقف البلدين المشتركة في عدة قضايا دولية ،كمحاربة الإرهاب ،والتصدي للهيمنة الأمريكية الامبريالية ،ودفاعهم عن القضايا العادلة والدعوة إلى عالم مختلف يكون لجميع دوله الحق في التنمية ،والعيش في أمن وسلام بعيدا عن الضغوط الأمريكية الغربية,ويضيف الدكتور طلال عتريس المختص في الشؤون الإقليمية ,بأن داعش والتي هي صناعة غربية إسرائيلية، باتت تهد السلم والأمن العالمي وبالتالي فإن على روسيا وإيران ضربها عسكريا في سوريا ،من أجل أن لا يصل خطرها إلى حدودها السيادية كدول,ويمتد ليشمل دول أسيا الوسطى في ظل وجود أكثر من 57الف موقع الكتروني ،من أجل تجنيد الشباب في هذه الدول وحثه على الإلتحاق بهذه التنظيمات الوهابية التكفيرية كالنصرة، وداعش ،فسيناريو أفغانستان ،لا يزال ممكن الحدوث ووجد ساحة بديلة له عوض أفغانستان وهو سوريا,التي يعني سقوط النظام فيها إنطلاق هؤلاء المسلحين نحو الدول ،التي جاؤوا منها منْ أجل نشر فكرهم المنحرف وجزء كبير منها يقع في أسيا الوسطى، ومنطقة بحر قزوين,وهذا ما تريد إيران تلافيه حسب رأي الدكتور عوض حيدر بور عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني,ويؤكد بأن الغرب وأمريكا ،الذين كانوا يرفضون أي حوار مع إيران أو الاعتراف بها كقوة إقليمية مؤثرة، باتوا مجبرين على التعامل معها كلاعب أساسي ،في حل مشاكل المنطقة بجانب روسيا وبدا الأمر جليا عقب توقيع الاتفاق النووي معها,فالتعاون الإيراني الروسي الذي غير معادلات الصراع في الميدان السوري، حسب إعتراف رئيس الأركان الأمريكي مارتن ديمبسي بات يشكل خطورة في وجه السياسات الأمريكية، في مناطق مهمة من العالم ،وهذا ما دفع بهم إلى ضرورة إيجاد تسوية سياسية للازمة السورية، وحث السعودية على إنهاء تدخلها العسكري في اليمن ،فرغم أن أمريكا قد لعبت ورقة الطاقة منْ خلال إنشاء خط باكو جيهان ،منْ أجل نقل غاز باكو في بحر قزوين إلى ميناء جيهان التركي عبر تيلسي الجورجية وإستغرق انجازه أزيد من 11سنة في ظل الحديث عن إحتياطي يقدر ب300مليار برميل من الطاقة ،وقدرة الخط على توفير احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي بعيدا عن غاز شركة بروم الروسية,ولكن أمريكا باتت تدرك جيدا التكلفة العالية لتشغيل هذا الخط ،وقدرة روسيا على إغلاقه في أي وقت عبر القيام بأعمال تخريبية ,أو الضغط على جورجيا عسكريا من اجل إيقاف تصدير الغاز في الوقت المناسب,وبالتالي علي الولايات المتحدة الأمريكية ،أن تعترف لروسيا وحليفها الاستراتيجي إيران,بقدرتهما على تغيير المعادلات الدولية ،وإرباك الغرب في عدة ملفات ومضايقتهم في أماكن نفوذ إستراتيجية سواء في أسيا ،أو الشرق الأوسط ،أو حتى القوقاز,فهل سيؤدي هذا التحالف إلى تشكيل تحالف دولي ،تقوده موسكو وطهران، من أجل إيجاد قيادة مشتركة له بعيدا عن النفوذ الأمريكي ،أم أن التركيبة الإيديولوجية، وإختلاف أجنداتها ستكون له نتائج سلبية على تحركاتها السياسية ،وتحالفاتها الاقتصادية، والعسكرية ،في السنوات القليلة القادمة,في ظل ظهور بوادر أزمة اقتصادية عالمية جديدة ،جراء الإنخفاض الحاد والغير متوقع في أسعار النفط العالمية والذي سيمس دولا رئيسية في أوبك كروسيا فيما ستبقى إيران بعيدة عنْ تأثيراتها نسبيا، لأنها ستستفيد من زيادة حصتها الإنتاجية ،نتيجة رفع العقوبات عنها ،وإستفادتها من غلاف مالي يقدر ب100مليار دولار، كودائع إيرانية كانت مجمدة في البنوك الدولية ، جراء العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها سابقا, وستساهم في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية ،وتسمح لإيران بحجم أكبر للمناورة السياسية خلافا للروس ،الذين سيرون في زيادة حصة إيران من المعروض النفطي ،إغراقا للأسواق العالمية وهذا ما سيؤثر سلبا علي إقتصادهم الطاقوي وعلى إنتاجهم النفطي في السوق الدولية.ورغم قمة أوبك التي عقدت في الجزائر، وما تمخض عنها من قرارات يمكن أن ترفع من أسعار البترول في الأسواق الدولية، ولكن هذا لا يعنى بأي حال من الأحوال تخلى إيران على سياساتها النفطية ،التي ترى أن تطبيقها ضرورة إستراتيجية في ظل ما تعيشه من أوضاع إقليمية متوترة، يمكن أنْ تضر باقتصادها ،الذي لازال يعانى نتيجة العقوبات الاقتصادية التي عاشتها طوال سنوات. 
كاتب جزائري