2024-11-25 07:32 م

المتوسط .. كالبحر الاسود يتحول الى (بحيرة روسية)

2016-10-17
بقلم: جورج حداد
تشير المعطيات الواقعية ان روسيا والصين قررتا تعزيز النجاح في سوريا. وعلى الرغم من عدم وجود أي جندي صيني في موقع قتالي خارج حدود منطقة المصالح الطبيعية لبكين، فإن الصينيين يدعمون الروس دائما وفي كل شأن في مجلس الامن التابع للامم المتحدة، وفي غير ذلك من الفعاليات غير العسكرية.

ومن الملاحظ على هذا الصعيد ان روسيا بدأت تتبع في سوريا سياسة جديدة اكثر تشددا، وانها صمدت بوجه الضغوط التي تمارسها ضدها 130 دولة تتبع السياسة الاميركية، وتشارك في الحرب ضد جبهة المقاومة في سوريا.
وبهذا الخصوص فإن الصحفي الفرنسي المعارض تييري مايسان، رئيس تحرير موقع "فولتير" (voltairenet.org) ادلى بتصريح الى
الجريدة الروسية "برافدا"، نشرته ايضا في موقعها الالكتروني، ذكر فيه ان وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان قام في 11 ايلول الماضي بتوجيه اسطول بحري فرنسي الى البحر الاسود معلنا ان هذا الاسطول سيبقى هناك بشكل دائم.
وتلك هي بشكل ما سياسة حلف الناتو في البحر الابيض المتوسط وفي البحر الاسود. فما هو في تقدير تييري مايسان رد فعل روسيا على هذه المبادرات الاستفزازية لحلف الناتو؟ يقول:
روسيا بالمرصاد
ـ وفقا للاتفاقات السابقة، فإن القطع البحرية الغربية لا يحق لها المكوث في البحر الاسود اكثر من 20 يوما، وقد انتهج حلف الناتو هذا التكتيك على مدى عدة سنوات ماضية ولا سيما بعد الانقلاب في كييف. وعلى العموم فإن تاريخ البحر الابيض المتوسط ليس كما يعتقد البعض تاريخ النزاع بين شمال وجنوب المتوسط، بل تاريخ النزاع بين الشرق والغرب. وتبدي فرنسا الاهتمام بهذا الاقليم، مثلها مثل بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية، وكذلك روسيا والصين. ولا ننسى انه في نهاية العصور القديمة كان المتوسط بحرا صينيا. والسفينة الفرنسية الموجودة الان في البحر الاسود هي سفينة تجسسية طولها 100 متر، وهي لن تمكث هناك طويلا.
صراع على البحر الاسود
ولهذا السبب فإن الجيش الروسي بدأ في الوقت الحاضر ينشر في البحر الاسود تقنيات يستخدمها في البحر الابيض المتوسط، وفي كالينينغراد (الواقعة بين بولونيا وليتوانيا وبحر البلطيق). وهذه التقنيات تقاطع وسائل الاتصال المعادية في شعاع طوله 300 كلم انطلاقا من مركزها. وهكذا فإن السفينة الفرنسية ستكون محرومة من الاتصال بهيئة اركان حلف الناتو، ولذا من المستبعد ان تمكث طويلا في البحر الاسود.
وردّاً على سؤال: ما هو موقفك من وجهة النظر التي ترددت في مؤتمر قمة الناتو الذي عقد في فرصوفيا مؤخرا، والقائلة ان البحر الابيض المتوسط صار في نظر الناتويين (بحيرة روسية)، اجاب مايسان:
 بهذه الطريقة فإن الناتو يعترف بأنه لا يكاد يوجد شيء آخر يقوله حول ما يحدث في هذا الجزء من مياه المحيط العالمي.
تركيا تلعب بمصيرها
وتضطلع تركيا بدور كبير في اللعبة الدائرة في الاقليم، اكبر من الدور السوري.
وقبل عدة سنوات كان الاسطول التركي بالتحديد هو الذي يفرض قانونه في البحر الاسود. اما الان فإن الاسطول الروسي بدل الوضع تماما. ولكنه من المشكوك فيه ان يستطيع الروس التفاهم مع الاتراك.
وحول هذه النقطة يقول مايسان: انا لا اؤمن مطلقا بامكانية التقارب بين هاتين الدولتين. لقد طرح البعض هذه الفكرة بعد الاعتداء على اردوغان في شهر حزيران. وانا اعتقد ان هذين البلدين هما عدوان، أو على الاقل ليسا صديقين.
وانطلاقا من ذلك فإن الارهاب، الذي تفاقم في القوقاز الروسي في تسعينات القرن الماضي، استخدم الدعم بالبنية التحتية من قبل التنظيم غير الحكومي، الذي يتزعمه الان اردوغان ـ رئيس الجمهورية الحالي. فهذا الشخص لديه تجربة مديدة في العمل على زعزعة الاستقرار وزرع الفتنة في روسيا. وينطلق ذلك من تاريخ طويل للنزاعات الدائمة بين روسيا وتركيا على مدى قرون. ولم تكن علاقات تركيا مع روسيا علاقات سليمة في اي عصر مضى. ولا اعتقد ان ذلك سيتبدل.
اضغاث الكوابيس الاميركية
وفي هذا الصدد كانت المجلة الاميركية "شايكر" قد نشرت مقالا طرحت فيه فكرة ان بوتين يمكن ان يضطلع بدور وسيط بين بشار الاسد واردوغان. ورد مايسان على ذلك بالقول ان هذا التحليل غير صحيح. لانه للاسف لا يوجد شيء يمكن طرحه على طاولة المحادثات بين سوريا والبلدان المعتدية. والشيء الوحيد الذي يمكن الحديث عنه هو وقف الحرب. وهنا لا ضرورة للمناقشات. فهذه الحرب انما تدور فقط لان دولا خارجية، وعلى رأسها تركيا، السعودية وقطر، وبطلب من الولايات المتحدة الاميركية، تدعم بالطرق الحربية وبالتمويل والتسليح المجموعات المسلحة من كافة بلدان العالم، التي يراد بشكل ما تسميتها المعارضة المعتدلة. وهم يرتكبون الاعمال الارهابية الاكثر وحشية. وفي الوقت ذاته يعلنون ان فلاديمير بوتين سيقوم بدور الوسيط لهذه المجموعات. ويريدوننا ان نصدق ان الحرب الجارية انما تجري بالتنسيق وتوزيع الادوار بين مختلف اطرافها.
سوريا: تكون او لا تكون!
اما من الجانب السوري فالمسألة هي مسألة صراع وجودي ضد شر مطلق. وسوريا لا تريد المشاركة بأي شيء من هذا القبيل، بل هي ببساطة تريد وقف الحرب. اما الولايات المتحدة والدول التابعة لها فهي تتلبس تماما دور المعتدي.
ولا بد من توضيح حقيقة محاولة الانقلاب التي جرت في تركيا خلال الصيف المنصرم. كان من الواضح تماما ان اميركا تقف خلف هذه المحاولة. ولكن المحاولة كانت محبوكة بالضبط كي تفشل. لانه في الواقع لم يفعل اي شيء ضد الرئيس. كما لم يفعل اي شيء لدعم الاكراد.
وتناول تييري مايسان مسألة تحويل مرفأ طرطوس الى قاعدة عسكرية روسية، وقيام الصين بإنشاء قاعدة ثانية لها الى جانب القاعدة الروسية. فقال:
ـ ان الشيء الوحيد الذي يمكنني تأكيده ان فرقة من الجيش الصيني وصلت للعمل في مرفأ طرطوس، وخلال وقت معين يمكن البدء في استخدام المرفأ كقاعدة عسكرية. ولكن حتى الان لا يوجد هناك اسطول صيني. وحتى هذه اللحظة لا يزال الجيش الصيني يمتنع عن المواجهة مع القوات الغربية خارج منطقة النفوذ التقليدي للصين.
وخلال كل مجرى الحرب في سوريا، فإن الصين لم توافق ولا مرة على المشاركة في العمليات العسكرية. واذا كانت الصين تدعم روسيا حتى مستوى الفيتو في مجلس الامن التابع للامم المتحدة، فإنها على الصعيد العسكري لا تسير خلف روسيا.
ولهذا لا اعتقد ان استخدام مرفأ طرطوس كقاعدة عسكرية بحرية سيكون له على المدى المتوسط والطويل تأثير جدي على النتيجة النهائية للنزاع في سوريا.