2024-11-24 05:11 م

"التشيع البريطاني" و"الوهابية" و"مستقبل الحرب الطويلة"

2016-10-17
زينب عقل
 تحت عنوان "مستقبل الحرب الطويلة وأثرها على الجيش الأميركي" أصدرت مؤسسة راند التابعة لوزارة الحرب الأميركية تقريرًا تستشرف فيه هذه الحرب. يفسر التقريرالحرب الطويلة بأنها "نضال ملحمي ضد الخصوم العازمين على تكوين عالم إسلامي موحّد يحلّ محلّ الهيمنة الغربية". يشير إلى الأعداء بأنهم "ليسوا دولا قومية، ولكنهم شبكات غير نظامية متفرقة". قام بتصنيفهم إلى أربع فئات: الجهاديون العالميون، والجهاديون المحليون، والقوميون الدينيون، والعلمانيون القوميون. يأتي "حزب الله" ضمن الفئة الثالثة، أي القوميين الدينيين.

يصف تقرير راند الجماعات في الفئة الثالثة بأنها "سياسية بقدر كونها منظمات عسكرية ". ويضيف: "كثيرا ما يتلقون دعمًا هائلًا وسط جماعة من السكان، ويتمتعون بشرعية أكبر من الفئة الأولى والثانية. لا يمكن القضاء عليهم بسهولة من خلال القوة العسكرية". ويشير: "كما رأينا في الصراع بين إسرائيل وحزب الله، فإن الحل العسكري قد لا يكون وسيلة مناسبة لتحقيق أهداف سياسية في مواجهة هذه التنظيمات".

"حرب الأفكار" ، هي الاستراتيجية الأكثر فعاليّة مع الفئة الثالثة، تعتبر أن الأيديولوجية هي ساحة القتال الرئيسية. يؤكد التقرير أن الولايات المتحدة تواجه مهمة خطيرة، وهي" الحد من جاذبية هذه الأيديولوجية وتهميشها بحيث أن لا يكون في إمكانها أن تشكل تهديدا لأمريكا أو لحلفائها".

التشيع البريطاني
الواقع أن محاولات الولايات المتحدة لتشويه سمعة وأيديولوجية حزب الله واضحة ومكشوفة، ابتداءً من ال 500 مليون دولار المخصصة لشيطنته، مرورًا بإعلانات اللوائح الإرهابية بين فينة وأخرى، والاتهامات بالعمليات الارهابية الملفقة في الدول الأوروبية، وليس انتهاءً باستخدام التيار الشيعي المتطرّف لتنفيذ استراتيجيتين تحدث عنهما التقرير، الأولى "فرّق تسُد"، والأخرى هي التأثير على المعتقدات بحيث تصبح متناسبة مع المصالح الأميركية.

"التشيع البريطاني" هو المصطلح الذي أطلقه اية الله العظمى السيد علي الخامنئي على هذا التيار المتطرف. الأكيد أن ثمّة معطيات وأدلة تؤكد دعم المملكة المتحدة للتطرف الشيعي ما استدعى إطلاق هذه التسمية عليه. كما أن دعم التطرّف والعمل على تغذيته وتصعيده ليس غريبًا على البريطانيين، إذ عمد الاستعمار البريطاني إلى تنظيم الوهابية وتنصيبها على عرش الزعامة الإسلامية عقب انهيار الدولة العثمانية، عندما كانوا بصدد تعيين خليفة للمسلمين. وعلى خطٍ موازٍ، يبدو أن إخراج المتطرف الشيعي الكويتي ياسر الحبيب من السجن بوساطة من بريطانيا، وتقديم الدعم والحماية له على أراضيها، وترخيص محطته التلفزيونية التي تبث ليل نهار خطاب الفتنة والكراهية، هو أحد مصاديق المصطلح.

وثائق وأدلة تحدّث عنها الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية آية الله الشيخ الآراكي تثبت دعمًا تقدمه المملكة السعودية لهذا التيار. مرّةً جديدة تثبت السعودية أنها ليست إلا أداة استعمارية من أعلى تطرّفها الوهابي إلى أخمص استراتيجياتها. فبعد أن عاثت فسادًا في تسطيح المذهب السني وتوهينه، تعمد إلى دعم الخطاب المعاكس الذي يؤمن لها الإمداد المستمر للتجييش وزيادة الانقسام والفرقة. عبر امبراطورية من الفضائيات المتناحرة، تبثّ الشتم واللعن والتكفير المبتذل وأسوأ أنواع الخطابات الفتنوية والتحريضية، وتفرغ الإسلام من مضامينه وأبعاده التقدمية. ما يفضحها بأنها متناقضةٌ دينيًا لكنها متفقةٌ استراتيجيًا.

قناة bbc البريطانية، عرضت تحقيقًا وثائقيًا تحت عنوان "أثير الكراهية" يتناول هذه الفضائيات. تتبعت مصادر التمويل من لندن الى العراق مرورًا بشمال أفريقيا، خلصت إلى أن التمويل يُجمع من التبرعات. إلا أن حلقةّ مفقودة أوضحها التحقيق دون أن يفصح عنها، توحي بتورط الأجهزة الاستخبارية المختلفة.

احد الخطباء البارزين والمصنف أحد نجوم هذه الفضائيات، كانت الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي قد منعت بث محاضراته على القنوات الفضائية التابعة لشبكة الإعلام العراقي. على خلفية خطاباته التحريضية المشهور عنها في الوسط العراقي بأنها مدفوعة الأجر. إلا أن أجره كان "لوجه الله" بحسب ادعائه عندما طلب اعتلاء المنبر الحسيني في احدى مدن جنوب لبنان. وفي عقر دار المقاومة انتقد الشهداء واستخف بالجهاد. ثم عمد الى تحريض الأخ الشيعي على أخيه الذي يحرّم التطبير، الأمر الذي يستدعي تسليط الضوء على خلفية هذه التحريضات الاستخبارية منها والعقائدية. فالرجل الذي لا يتقاضى أقل من 50 ألف دولار على الموسم العاشورائي، يتطوع للتشكيك في منهج المقاومة الاسلامية القائم على الجهاد الدفاعي ضدّ الأعداء، وتسييل ثقافة التكفير بين أبناء الطائفة الواحدة، إذ أعلن أن من يحرّم التطبير "هو في قعر جهنّم".

فأين يلتقي الرجل مع تقرير راند؟
يرى التقرير أنه كي يتحقق مسار"حرب الأفكار" كما هو مدبر له، يجب أن يكون الوضع السياسي في الشرق الأوسط موافقًا لمصالح الولايات المتحدة. وفي هذا السياق يؤكد التقرير على "أنه سيكون على حزب الله وسوريا وحماس تقليص الحشود العسكرية على طول الحدود مع إسرائيل ووقف الأعمال الاستفزازية". الأمر الذي لن يحصل إلا بتغيير العقيدة الجهادية لمجتمع المقاومة، وتتكفل "الحرب الطويلة" بذلك. إلا أن خطاب "نجم فضائيات التشيع البريطاني" كان نافرًا، ففشلت بداية المحاولة كما يبدو، تمامًا كما فشلت الاستراتيجية الأقدم قدم الشعوب "فرّق تسُد" من خلال التأكيد على الثوابت المجتمعية والمواقف المعتدلة.

الأنتروبولوجيا، هي علم دراسة الإنسان طبيعيًا واجتماعيًا وحضاريًا. وظّفه الغرب جيدًا لخدمة أهدافه الاستعمارية، من خلال الرصد الدقيق للقوى والتيارات وحتى الشخصيات، وتشخيص الملائم منها مع الاستراتيجيا. علمٌ راكمه الغرب خبرةً في فرز التيارات المرغوبة، ونوع المعارك والمواجهات التي تحسن خوضها. وإلا، ما الذي يفسر سيطرة الجزيرة البريطانية على نصف العالم؟ وعلى ماذا تعتمد شبه القارة الأميركية الجديدة للسيطرة على قارات العالم القديم؟

لمّا لم يكن في أسس الإسلام أي مكان للتطرف والكراهية، فإن الأكيد – بحسب الوقائع التاريخية- أن التيارات المتطرفة التي تبرز على الساحة الإسلامية لبث الكراهية وإضعاف شوكة المسلمين، ليست إلا تغذية الاستعمار أو المصالح السياسية. والجدير ملاحظته أن كلا الوهابية والتشيع البريطاني، يذكر حزب الله بأنه "حزب الشيطان" ويتفقان بأن إيران هي العدو الكافر، ويصران بأنهما الراية المحقة الوحيدة كلٌّ في مذهبه، وينتهيان بجمهورهما إلى عدم معارضة الأنظمة. وكلاهما لا يحركان ساكنًا لخدمة القضية الفلسطينية.
 
موقع العهد