2024-11-27 04:20 م

دولة «الكانتونات الفلسطينية» المحتلة!

2016-10-15
عز الدين أبو عيشة*
لم تكتفِ إسرائيل، التي علّقت ، تعاونها مع منظمة «اليونيسكو» بعد قرار المنظمة الدولية بأن لا علاقة ولا رابطَ تاريخياً أو ثقافياً لليهود بمدينة القدس والمسجد الأقصى، بما احتلته منذ العام 1948، بل هي تستمر في نهشِ أراضي الضّفة الغربية، لِتُقيم بؤراً استيطانية عليها توسعت للدرجة التي تكاد تجعل من المدن الفلسطينية الرئيسية السبع فيها، بمثابة «كانتونات» منعزلة بعضها عن بعض.
بناء المستوطنات يواجه بغضب كبير في الساحة الرسمية والدولية، ولكن من دون أي نتائج ملموسة على أرض الواقع، بل تكتفي الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، باستنكارات تلو الأخرى، تقول إن الاستيطان يُشكّل عائقًا أمام حلّ الدولتين، ويُعدّ حاجزًا أمام الدولة الفلسطينية الموعودة.
ويحذّر مدير العمل الشعبي في «هيئة مكافحة الاستيطان» عبد الله أبو رحمة، من المخطط الإسرائيلي الرامي لتحويل الضفة الغربيّة إلى سبع مدن وقطع التواصل بينهم من خلال فصلها بالمستوطنات والطرق الالتفافية.
ويكشف أبو رحمة في حديث لـ«السفير» عن أنّ المخطط الإسرائيلي «يسعى إلى جعل الدولة الفلسطينية ثماني مدن متفرقة، وهي بالاضافة الى غزّة، أريحا ورام الله والقدس وبيت لحم والأغوار، وشمال الضفة وجنوبها»، موضحاً أن «ذلك يتم من خلال عزل شمال الضّفة عن جنوبها بِبُؤرٍ استيطانية تسمى أصبع أرئيل، وهي سلسلة عمرانية استيطانية تبدأ من مدينة كفر قاسم في الداخل المحتل وتنتهي بنهر الأردن، وعزل رام الله عن الأغوار بطرق التفافية، ومن الجهة الغربية بجدار الفصل، وعزل بيت لحم عن القرى المجاورة لها، خلافاً عن القدس وغزة وأريحا المعزولتين فعلياً».

من جهته، يقول أستاذ القانون الدولي في الجامعات الفلسطينية حنا عيسى إن «إسرائيل تسعى لتحقيق السيادة الإداريّة، وليس الوطنيّة، للفلسطينيين، فتُريد أنّ تُقسّم المدن إلى كانتونات لِتُفتت الدولة المُتفق عليها في أوسلو 1993».
ويشرح عيسى لـ «السفير» أنّ السّيادة الإداريّة تتمثل بوجود السلطة الوطنية وممارسة أعمالها في المناطق المصنفة «أ» والتي من المفروض أنّ تُقام عليها الدولة الموعودة، وتتجاهل السيادة الوطنية في وحدة الأراضي والشعب.
وبحسب «هيئة مقاومة الاستيطان»، فإنّ إسرائيل تُسيطر على 450 ألف دونم، من إجمالي مساحة الضفة المقدرة بحوالي 5,860 كيلومتراً مربعاً، مُقاماً عليها 505 مستوطنات مختلفة المساحات، وقرابة 93 مستوطنة في القدس، بتعدادٍ سكاني يفوق المليون مستوطن.
وبالاجمال، بَلَغَ عدد المستوطنات في الضفة 159، والبؤر الاستيطانية 119، والمواقع العسكرية 93، والمباني المستولى عليها في القدس 93. كما وصل عدد البؤر الاستيطانية في القدس إلى 26، والخليل 21، وبيت لحم 15، ورام الله 30، ونابلس 11، وسلفيت 15، وقلقيلية 8، وطولكرم 3، وجنين 6، وأريحا 16، وطوباس 8.
وصادقت إسرائيل في شهر أيلول الماضي على بناء 89 وحدة استيطانية في مجمع شيلو الاستيطاني في الضفة.
وحول عمل «هيئة مقاومة الاستيطان»، يلفت أبو رحمة إلى أنّهم يعملون على إفشال مخطط ترحيل البدو، من خلال عدم الانصياع لسياسة الاحتلال المتمثلة بالترغيب بإعطائهم قطع أرض عوضاً عن منازلهم أو الترهيب بالهدم، مؤكداً أنهم «يُعيدون بناء كلّ ما تهدمه إسرائيل على الفور ومتابعته قانونياً»، لافتاً إلى أنّهم يُحضِّرون ملفاً كاملاً للجنائيّة الدوليّة حول الاستيطان والخطط الاستيطانية الجديدة.
ويعتبر عيسى أن القضيّة المرفوعة في محكمة الجنايات الدوليّة لا تؤتي ثمارها ولن تخطو أيّ خطوةٍ إلى الأمام، لأنّ المحكمة «بحاجة إلى مئة خطوة، كل خطوة منها تحتاج إلى خمسِ سنوات، ما يجعل القضية مطّاطة ولا أمل فيها»، مشدداً على أن «محكمة الجنايات الدوليّة شكلها قانوني، لكن جوهرها سياسي، بمعنى أنّ القضيّة تحتاج إلى موقف سياسي قوي وشجاع من القيادة الفلسطينيّة، لدحض ما تقوله إسرائيل بأنّ الأرض مُتنازع عليها، وهي تقُوم بغزوٍ دفاعي».
ويضيف في هذا الصدد أن «إسرائيل وقّعت على نظام روما ولم تُصادق عليه، إذاً هي غير طرف في الجنائية الدوليّة، والمحكمة عندما تنظر بالقضية يجب أن تكون دولة مقابل دولة وهما طرفان في المحكمة، خلافًا على أنّ الشّكوى تُرفع باسم الدولة».
وبدأ وفد من المحكمة الجنائيّة الدوليّة الأسبوع الماضي زيارته الأولى إلى فلسطين، للتوعية بالنظم القانونيّة ذات الصّلة في التّعامل مع الجرائم التي تقع ضمن اختصاص الجنائيّة الدوليّة. وانضمّت السلطة الفلسطينيّة لعضويّة «الجنائيّة الدّوليّة»، بداية العام 2015 على الرغم من احتجاجات الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة اللذين اعتبرا أنّ ذلك يُلحق الضّرر بعملية السّلام المتوقّفة بالفعل.
ويتفق عيسى وأبو رحمة على أنّ استمرار الاستيطان يجعل حلّ الدولتين ضرباً من الخيال، فلا يوجد دولة للفلسطينيين بل مجرد تجمعات.
وعلى الصعيد العربي والدولي، عقد السفراء العرب لدى الأمم المتحدة، في نيويورك اجتماعاً، لبدء المشاورات بشأن استصدار قرار حول الاستيطان ومتابعة مسألة العضوية الكاملة لدولة فلسطين.
«إسرائيل» تقاطع «اليونيسكو»
إلى ذلك، علّق الكيان الإسرائيلي، أمس، تعاونه مع «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة» (اليونيسكو) بعد إعلان المنظّمة أن لا علاقة ولا رابط تاريخياً أو ثقافياً. لليهود في مدينة القدس والمسجد الأقصى.
وقرّر وزير التربية والتعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس «لجنة إسرائيل» لدى المنظمة الدوليّة، تعليق كلّ نشاط مهني مع «اليونسكو» بعد تصويت «لجنة المدراء»، التابعة للمنظّمة، على القرار. وأوضح بينيت أنّ أعضاء «لجنة اسرائيل» لن يقوموا بلقاءاتٍ مع مسؤولين في الأمم المتّحدة، ولن يحضروا مؤتمراتٍ عالميّة، أو عقد أي تعاون فنّي مع المنظّمة الدولية، متّهماً إيّاها بمساعدة «الإرهاب».
وبحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، «تفتقر قرارات بينيت إلى أيّ أهمية عمليّة نظراً إلى عدم وجود أي نشاط مشترك بين اليونيسكو واللجنة الإسرائيليّة في الأسابيع المقبلة».
ويُصوّت المجلس التنفيذي للمنظمة، الثلاثاء المُقبل، على قرارين جديدين حول «فلسطين المحتلة»، وهي التّسمية الّتي حملها القرار المُتّخذ.
ولاقى قرار «اليونيسكو» ردود فعلٍ كثيرة على رأسها واشنطن الّتي دعت إلى عدم إقراره، معربةً عن قلقها «إزاء تكرار هذه القرارات السّياسية غير المفيدة».
*"السفير" اللبنانية