2024-11-27 12:01 م

مبدأ علانية المحاكمة على ضوء نظام المحكمة الجنائية الدولية

2016-10-09
بقلم: الدكتورة  صديقي سامية 
تتم محاكمة المتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في جلسات علنية يحضرها كل الأفراد دون تمييز مما يبعث نوعا من الطمأنينة في نفسية المتهم وفي نفوس الحاضرين، وهذا لا يخشى منه انحراف الإجراءات أو التأثير في مجريات الدعوى أو على الشهود أيضا، ويسود الشعور بالراحة لتحقيق العدالة وضمان تمتع المتهم بمحاكمة عادلة استنادا إلى مبدأ حرية الرأي العام في المجتمع لأن الشعب حريص على معرفة مثل هذه المسائل وتمكينه من الاطلاع عليها خصوصا إذا تعرق الأمر بجرائم تمس السلم و الأمن الدوليين، وفضلا على أن مبدأ علانية المحاكمة فيها حماية لذات أحكام القاضي من احتمال انصراف الذهن إلى خضوعه لمؤثرات خارجية في قضائه. وعليه يجب أن تكون جميع جلسات المحاكمة علنية تشمل كل الإجراءات التي تتخذ خلالها إلا في حالة ما اقتضى الأمر خلاف ذلك بجعل المحاكمة سرية شريطة أن يصدر الحكم علانية، و تعد علانية المحاكمة من ضروريات المحاكمة النزيهة و المنصفه، ويبدو هذا واضحا في الفقرة 01 من المادة 67 من نظام المحكمة الجنائية الدولية التي نصت على أنه ( عند البت في أي تهمة يكون للمتهم الحق في محاكمة علانية مع مراعاة أحكام هذا النظام الأساسي وفي أن تكون المحاكمة منصفة وتجري على نحو نزيه). إن الأصــل هو علانيــة جلســات المحــاكمة أمــام المحــكمة الجنــائية الدولــية لكـن استثنــاء هو الســرية لمقتضيات الخاصة للعدالة لاسيما في زمن اتسعت فيه سهولة انتشار المعلومات عبر الشبكة العنكبوتية وكثرة وسائل الإعلام البصرية والصوتية،مما يتوجب سرية هذه المعلومات لدواعي ضمان عدالة النزيهة ومنصفة، وذلك في حالات جاءت على سبيل الحصر أشارت إليها الفقرة 02 من المادة 68 من نظام روما الأساسي وتتمثل في حماية المجني عليهم وحماية المتهمين، وكذا حماية المعلومات الحساسة أو السرية التي يتعين تقديمها كأدلة. واستنادا لهذه الأسباب تقرر المحكمة إجراء جزء من المحاكمة في جلسات سرية كما يمكن للمحكمة أن تسمح بتقديم أدلة بأية وسائل مناسبة وكفيلة بتوفير الحماية للشهود أو الخصوم أو غيرهم. وننوه هنا أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لم يشر إلى إثبات علانية جلسات المحاكمة في محاضر وذلك لتمييز بين الجلسات العلنية والجلسات السرية، و لكن بما أنه اعتبر المحاكمة العلانية من حقوق المتهم يمكن للمحكمة تدوينها في محاضر من أجل إثبات أنها قامت بتمكين المتهم من الاستفادة بحق من حقوقه للحيلولة دون جعل إجرائها عرضة للطعن بل أكثر من ذلك نجد فقرة 02 من المادة 68 من نظام روما الأساسي تؤكد على أنه يجب على المحكمة أن تقرر ما إذا تحققت الأمور التي تشير لها وتجعل المحاكمة كلها أو في جزء منها سرية، وأن تثبت ذلك في محضر باعتبار السرية استثناءا لضروريات معينة، وبعد انتهاء مبررات السرية على المحكمة العودة إلى العلنية مباشرة دون الحاجة لإصدار قرار بذلك لأن العودة للأصل لا يحتاج إلى قرار. إن تدوين جلسات المحاكمة العلانية للمحكمة الجنائية الدولية في محضر التحقيق القضائي رغم عدم الإشارة إليها في نظامها الأساسي يعد من الإجراءات الصحيحة، ومن يدعي خلاف ذلك عليه إقامة دليل خصوصا أن الأمر هنا قد يصل إلى حد الطعن بالتزوير في الإجراءات والمحاضر، وبديهي بطلان الإجراءات التي كانت سرية في غير الأسباب التي أجازها النظام، ولا فائدة ترجى من العلانية ما لم تكن إجراءات المرافعة شفهية كونها مكملة لها، فعلانية الجلسات تتحقق كقاعدة عامة بحضور الجماهير والأطراف وإبداء أقوالهم وأوجه دفاعهم، والتطبيق العملي لقاعدة الشفاهية يتقضي على الدائرة المختصة القيام بمناقشة كل الأدلة و الإدعاءات و المدفوع أمام الجميع والموازنة فيما بينها حتى يتسنى القاضي تأسيس قناعته على الوقائع التي ناقشها ، وعلى الإجراءات التي تتم تحت علمه في جلسات المحاكمة من المرافعات والطلبات و الأقوال والشهادات، بشكل لا يدع مجال للشك والريبة لتمكينه من الوصول إلى حكم مبني على أسس حقيقية وواضحة. ونشير في هذا الصدد أن المرافعة تبقى شفوية حتى وإن قررت المحكمة الجنائية الدولية عقد جلسات سرية لأن مقتضيات السرية لا تمنع الأطراف من حضور الجلسات السرية وهي السبيل إلى تطبيق مبدأ المواجهة بين الخصوم و تحقيق الرقابة على سير إجراءات المحاكمة لتمكين القاضي من فحص الأدلة التي تطرح أمامه حتى يتمكن من إصدار حكمه بإنصاف. ومبدأ علانية المحاكمة رغم ما له من إيجابيات فيما يخض كفالة محاكمة عادلة وعدم التسويف والمماطلة في حسم الدعوى فإنه لا يمكن أن ننكر تأثير هذا المبدأ سلبا على الشخص المتهم عبر الصحافة ووسائل الإعلام، لذا يفترض على المحكمة الجنائية الدولية النظر مستقبلا في وضع قواعد و أحكام تنظم هذا المبدأ بطريقة تحقق موازنة بين حق الصحافة والإعلام في بث ونشر كل ما يجرى أثناء الجلسات وحق المتهم في محاكمة عادلة خالية من التأثير السلبي على شخصية المتهم من قبل الصحافة والإعلام.