2024-04-30 01:53 م

سياسيو الولايات المتحدة الأمريكية والحكم على الأفعال ..

2016-09-30
بقلم: محمد عياش
يقول هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق : الفرق الرئيس بين السياسيين والمثقفين , هو أن السياسيين يجب عليهم التحرك فورا ً , وفي كثير من الأحيان , لا تكون لديهم إمكانية لتصحيح أخطائهم , في حين أن المثقفين يملكون الوقت الكافي للتفكير والتأمل وإعادة ترتيب أفكارهم وفقا ً للتطورات والمتغيرات .. ويجري الحكم على السياسيين من خلال أفعالهم و تصرفاتهم لا أقوالهم . فسلوك الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة تعاني عدم التخطيط والتنظيم وبالتالي فلا يمكن أن تتقدم برؤية سليمة للحل , لذلك نرى وفي غالب الأحيان تصل لشبه اتفاق في آخر لحظة من الوقت اللازم لاتخاذ موقف أو قرار , ومعظم الأفكار تتم أحيانا ً في الطائرة كما حدث مع وزير الخارجية الحالي جون كيري عشية الإعلان عن اتفاق مع روسيا لحل الأزمة السورية . الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن , وقع تحت تأثير الهجمات على برجي التجارة العالميين في 11 / أيلول 2001 , وكان عليه اتخاذ قرارات صعبة ظنا ً منه أنها تجلب المسؤولين عن الهجمات للعدالة , وتقضي على إمكانية وقوع كارثة مماثلة , وتجعل العالم أكثر أمانا ً.. والحرب ضد أفغانستان و العراق كانت بمثابة تتويجا ً لهذه الاستراتيجية الاستباقية , إلا أن الأحداث وبعد مرور خمسة عشر عاما ً كشفت الأخطاء الفادحة التي تميزت بها السياسة الأمريكية والبريطانية . المعارضون لخيارات السياسة الخارجية التي انتهجها بوش , يصرون على أنه المسؤول عن الفوضى الجارية حاليا ً , والتي استولدت المنظمات الإرهابية , وعن المكانة الدولية للولايات المتحدة , بالإضافة إلى الزيادة في الإنفاق الدفاعي الذي يؤثر في الميزانية , وعن السمعة السيئة التي اجتاحت العالم , بالرغم من الحملات الإعلامية التي تروج لها الولايات المتحدة , بأنها راعية الأمن والسلم الدوليين . الحرب على العراق , تعتبر بالخطأ الاستراتيجي من منظور عدم كفاية الأدلة على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل , وهذا ما اعترف به رئيس الوزراء البريطاني توني بلير , وطلب من الشعب العراقي ( المعذرة ) وأنه كان ضحية المعلومات الخاطئة .. وهو القائل : حتى لو لم يملك العراق أسلحة دمار شامل سنشارك الولايات المتحدة بالحرب ضده .. والحقيقة بعيدة عن الطرفين , لأنها بيد رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك , المجرم شامير , الذي هدد بوش بالتحرك سريعا ً ضد العراق وإلا ستقوم الطائرات الإسرائيلية بالقصف المباشر لبغداد . ومن منظور عدواني ، لم يكن ردّ فعل واشنطن مفاجئا ً. كان في واقع الأمر تطبيقا ً لسياسة القوة العظمى، التي تجسّد هيمنتها. وكانت الفوارق بين جورج دبليو بوش وأسلافه، فوارق في الأسلوب لا في الجوهر، ولم يكن في أهدافه ورؤيته ما يشكل انقلابا ً. وبعبارة أخرى، بوجه عام، كان هنالك استمرارية في استراتيجية الولايات المتحدة قبل الفظائع وبعدها , والفرق يكمن بنسبة الثقافة التي يتمتع بها الرئيس الأمريكي , فغالبا ً ما كان الحديث ينصب على شغف الرئيس الأمريكي للقراءة والتأليف , وبالتالي فإن الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة حُكمت من رؤساء تحركهم ثورة اللحظة . ولا تزال سياسة القوة تلعب دورا ً رئيسا ً. ومع ذلك، فإن النموذج الذي يذكره المؤرخ الإغريقي، ثيوسيديز في وصف الحرب بين أثينا وإسبارطة من عام 431-404 قبل الميلاد، والذي يقول إن الدول تتصرف عائدة لتعزيز قوتها.. هذا النموذج، يصعب تطبيقه بالقدر نفسه، في أعقاب أحداث أيلول مباشرة وضرورة القضاء على «داعش»، مثال مباشر على ذلك. وقد تنشأ في المستقبل حالات أكثر تعقيدا ً، مثل الإرهاب البيولوجي الذي يتطلب سياسات أكثر تنسيقا ً . بعد خمسة عشر عاماً من أحداث هجمات أيلول، فإن عملية العولمة، وظهور تهديدات عالمية يغيّران جزئيا ً الطريقة التقليدية في التفكير. وفي هذه المرة، لا تمهّد الواقعية السبيل إلى اتخاذ إجراءات من جانب واحد، بل لإنشاء هياكل وبُنىً متعددة الأطراف.. وقادم الأيام سيتقلد رئيس جديد للولايات المتحدة , والخيار بين اثنين , الأول عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب , وعن الديمقراطي هيلاري كلينتون , والاثنان يعدان استمرارا ً لسياسة السرعة في اتخاذ القرار , وبينهما إسرائيل المستعجلة من الاستفادة مما يجري في محيطها , ويبقى المقياس الوحيد , الحكم على الأفعال والتصرفات لا الأقوال .