ربى الحسيني
تصر السلطة الفلسطينية على أن اكتساب صفة الدولة - وإن كانت غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة، سيحوّل الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، من أراض متنازع عليها إلى دولة تحت الاحتلال... لكنّ ذلك ليس دقيقاً، فالأرض كانت وما زالت وستبقى محتلة، بحسب ما يؤكد خبراء في القانون الدولي.
كثيرة هي المنظمات الدولية التي صنفت أراضي العام 1967 على أنها «أراض محتلة»، كما أن دولاً عديدة اعترفت أصلاً بالدولة الفلسطينية، وبالتالي فإنّ الخطوة «الناقصة» التي يسعى إليها الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة لن تضيف إلى فلسطين سوى بعض «الايجابيات»، بحسب ما يقول البعض، وهي «إيجابيات» ترتبط خصوصاً برفع دعاوى أمام المحاكم الدولية، إذ إن ذلك يبقى رهناً بشروط قد تكون «تعجيزية»، في حين أن آخرين يرون في هذا المسعى مجرّد انتقال في صفة التمثيل من منظمة التحرير إلى السلطة الفلسطينية.
ولشرح صفة المراقب التي تسعى لها السلطة الفلسطينية، يقول أستاذ القانون الدولي حسن جوني في حديث إلى «السفير»، إن «ميثاق الأمم المتحدة لم يلحظ من الناحية القانونية أمراً اسمه دولة مراقب، ولكن في ظل التطوّر الذي يشهده القانون الدولي، وانطلاقاً من فكرة انه لا بد من استيعاب الجميع، تم إعطاء هذه الصفة لبعض المنظمات مثل جامعة الدول العربية والصليب الأحمر الدولي، فضلاً عن الفاتيكان».
يُذكر أن الأمم المتحدة منحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة المراقب في العام 1974، الأمر الذي وصفه جوني بـالخطوة «التاريخية»، خصوصاً أن المنظمة حصلت على حقوق لم تمنح لغيرها من المنظمات الأخرى، إذ «سُمح لها ليس فقط أن تكون مراقباً، بل أن تطرح مشاريع متعلقة بفلسطين، وأن تحضر جلسات الجمعية العامة... كما انها دعيت إلى حضور جلسات مجلس الأمن الدولي، وهي تمثل أيضاً دولة فلسطين في الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ودول عدم الانحياز».
لكن الخبير في القانون الدولي شفيق المصري لا يلحظ فرقاً في التمثيل الفلسطيني، بل يذهب أبعد من ذلك، ليعتبره «ترفيع» لمكانة فلسطين. ويرى المصري أن «منظمة التحرير ارتقت في الوضع الداخلي إلى السلطة الفلسطينية»، لكن المشكلة تكمن، بالنسبة إلى المصري، في أن «الدولة الفلسطينية حظيت بعد العام 1988 باعتراف أكثر من مئة دولة، لكن هذا الأمر لم يوظف بشكل إيجابي، إذ ذهبت منظمة التحرير إلى أوسلو وكأنها أغفلت الاعترافات»، وبالتالي، فهو يرى أن عودة الحديث عن الدولة الفلسطينية يجب أن ترتبط بخطوات جدية لإحياء هذه الاعترافات.
ويشرح المصري أنه «في الأمم المتحدة ليس هناك منظمة تحرير إذ تم استبدالها باسم فلسطين»، وبالتالي يبقى أن تضاف اليوم إليها كلمة «دولة».
أما جوني، فيرى أن «السلطة الفلسطينية بعد أوسلو أصبحت ممثلاً للشعب الفلسطيني في العلاقات الدولية»، وبالتالي فإن الحصول على صفة الدولة يجعل منها الممثل للشعب في المنظمة الدولية.
أرض متنازع عليها أم احتلال
وبحسب السلطة الفلسطينية، فإن «فلسطين قد تصبح مع هذه الخطوة دولة تحت الاحتلال، بحيث لن يستطيع أي إسرائيلي أن يجادل بأنها مناطق متنازع عليها»... فهل هذا الأمر صحيح في ميزان القانون الدولي؟
يجيب جوني بالنفي، إذ يؤكد إنه حتى لو تغير الوضع القانوني للسلطة الفلسطينية، «ستبقى مشكلة تحديد مساحة الدولة موجودة، وإسرائيل ستبقى على خلاف بشأن الحدود، وبالتالي ستبقى هناك أرض متنازع عليها».
ويوضح جوني أن «هناك العشرات من القرارات الدولية، فضلاً عن قرار محكمة العدل الدولية الاستشاري في العام 2004 حول جدار الفصل العنصري، وموقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكلها تعترف بفلسطين على حدود العام 1967، وهي بالتالي تعتبر هذه الأراضي، التي تشمل القدس الشرقية، أراضي محتلة... ولذلك، فإن شيئاً لن يتغير على أرض الواقع. وفي نهاية المطاف يبقى الاحتلال عدواناً بمعزل عما إذا كانت الأرض متنازعا عليها أم لا».
ويوافق المصري على الطرح القائل بأن لا فرق سيحدث على أرض الواقع في التحول من أرض متنازع عليها إلى دولة تحت الاحتلال، فبرأيه «المناطق محتلة سواء في دولة أم قبل أن تستوفي تلك الأراضي تلك الصفة».
الدولة ديبلوماسياً وقضائياً
يعكس المصري رأيه المؤيد للخطوة الفلسطينية من خلال «إيجابياتها» المتمثلة ببعض الحقوق الإضافية، ففلسطين ستصبح قادرة على تفعيل عملها الديبلوماسي وعلاقاتها الخارجية، سواء من خلال تبادل السفراء أم توقيع المعاهدات، فضلاً عن أن «التوصيف الجديد في الأمم المتحدة سيسمح لدولة فلسطين باتخاذ خطوات من قبيل تقديم شكاوى باسمها ضد الاحتلال الإسرائيلي، وليس بواسطة دولة عربية أو جامعة الدول العربية».
ومن هنا ندخل إلى الموضوع الذي يشغل بال الدول الأوروبية خصوصاً، وكان سبباً في اختلافها على تأييد الخطوة، وهو تقديم شكاوى ضد إسرائيل لدى المحاكم الدولية، فقد اشترطت بريطانيا على سبيل المثال للتصويت بـ«نعم» على المسعى الفلسطيني تعهّد السلطة الفلسطينية بعدم ملاحقة الإسرائيليين دولياً وخصوصاً أمام المحكمة الجنائية.
وفي موضوع المحكمة الجنائية الدولية، يسخر جوني مما يتردد عن لجوء الدولة المرتقبة إلى المحكمة لرفع دعوة ضد إسرائيل في ما يتعلق بقضية اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، ذلك أن اختصاصات المحكمة تقتصر على جرائم الحرب وجرائم العدوان والإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان. ويشرح انه «بحسب المادة 13 من ميثاق المحكمة لا يسمح لأي دولة ليست طرفاً فيها بأن ترفع دعوى قضائية، باستثناء مجلس الأمن والمدعي العام»، وبالتالي فإن فلسطين غير قادرة على ذلك باعتبار أنها ليست طرفاً في المحكمة، وبالتالي فإنه في حال تمت الموافقة على عضويتها، لن يكون ممكناً للدولة الجديدة أن ترفع دعاوى إلا بعد ستة أشهر من انتسابها.
أما في ما يتعلق بمحكمة العدل الدولية، فإن التصنيف الجديد، يسمح لدولة فلسطين غير العضو في الأمم المتحدة بتقديم الشكاوى، ولكن بشروط، و«المهم أن تصبح عضواً فاعلاً في المجتمع الدولي، وأن تعيد تفعيل نشاطها مع الدول التي اعترفت فيها سابقاً كدولة وهي أكثر من مئة»، بحسب المصري، الذي يشرح أن «تقديم ملف قضائي في محكمة العدل الدولية يجب أن يتم من قبل دولتين معاً»، أي فلسطين وإسرائيل، وبالتالي يبقى من الصعب أمام الدولة الجديدة اللجوء أمام محكمة العدل لمقاضاة الاحتلال.
عن صحيفة "السفير"