قد يكون من الصعب استدراج كل التفاصيل كي تطفو على سطح أحداث الأزمة في سوريا للتدليل على الدور الأميركي في الأزمة ومحاولة التدخل في كل مفاصلها لأهداف باتت معروفة، وتصب في صالح الإرهاب المراد صهيونيًّا وأميركيًّا وغربيًّا وإقليميًّا تثبيت ركائزه على الأرض السورية، وتمكينه ليتولى عملية الهدم والتدمير للدولة السورية التي جاءت صراحة على ألسنة المسؤولين الأميركيين لأجل كيان الاحتلال الإسرائيلي وخدمة مشروعه الاحتلالي في المنطقة ومد أذرعه.
لكن من المهم توثيق التدخل الأميركي في الشأن الداخلي السوري وسعيه لتعميق الكوارث الإنسانية وتأزميها من خلال مواصلة دعم التنظيمات الإرهابية والدفاع عنها، والتستر على أدوارها من بوابته العريضة المسماة “المعارضة المعتدلة” لإخفاء الأجندة والأهداف الاستراتيجية الساعية إلى تدمير الدولة السورية، وإلحاقها بالإنجاز الأميركي ـ الغربي في تدمير الدولتين العراقية والليبية، حيث متطلبات هذا التوثيق تدوين الشواهد والأدلة مع أهمية شرحها وتوضيحها في مرحلتها والظروف المحيطة بها، وليكون ركيزة لوعي أعمق من شأنه أن يستنهض جذر الهم العربي، لا سيما في دهماء العصر والراهن المرتكزة على تغييب الوعي وسلبه، والمتمثلة ليس فقط في إيقاظ الفتن المتنقلة بنسخها الطائفية والعرقية والإقليمية ذات الطابع الفردي المتعفِّن، مع فائض من التورُّم المَرَضي لدى الأدوار الوظيفية، وإنما أيضًا في القدرة الهائلة على استنساخ أشكالها وصورها الهدامة.
ومن جديد الشواهد والأدلة الواجب توثيقها، هناك دليلان جاءا في صورة تصريحين على لسان أميركي وآخر روسي، ولكنهما عند الجمع بينهما يتبين المقدار اللازم من الحقائق الإضافية الدالة على حجم الصراع القائم بين الولايات المتحدة الساعية إلى تدمير وهدم سوريا لأجل كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ لكون عملية التدمير والهدم للدولة السورية تمثل الطريق المعبد نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبين روسيا الاتحادية الساعية إلى حماية كيان الدولة السورية من التمزق والتدمير. فقد نفت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون”، وجود تعاون أو تبادل معلومات بينها وبين العسكريين الروس في سوريا، مؤكدة أنه لا يوجد نية لفعل ذلك مستقبلًا. وحسب المتحدث باسم البنتاجون ميشيل بالدانتسا في تصريح لوكالة “انترفاكس”، يوم الاثنين 1 أغسطس: “نحن لا ننسق مع الروس، ولا نتعاون، ولا نتبادل المعلومات الاستخباراتية، كما أنه لا توجد اتفاقية لفعل ذلك”. مؤكدًا أن التنسيق يتم في إطار مذكرة تفاهم حول ضمان أمن الطلعات الجوية فوق سوريا، ولضمان أمن الطيارين فقط. أما روسيًّا فقد قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف إن “الحكومة السورية فصلت الإرهابيين عن “المعارضة المعتدلة” وعن المدنيين، واشنطن لم تكن مستعدة ولم تعتزم القيام بذلك طوال الأشهر الماضية بغض النظر عن تلك الإشارات والوعود التي أطلقتها”. مضيفًا لوكالة “نوفوستي”: “أود أن أقول إننا أكدنا للأميركيين أكثر من مرة أنه بعد كل جولة مفاوضات مغلقة وبعد التوصل إلى اتفاقيات معينة تقوم واشنطن بطرح مطالب إضافية جديدة تكسر التوازن وتعرقل التقدم”. مؤكدًا أن روسيا عندما بدأت عملية حلب، توجهت قبل كل شيء بدعوة تعاون إلى أميركا، والدعوة ما زالت قائمة لها ولجميع القوى الراغبة بتحسين الوضع الإنساني لسكان حلب الانضمام”.. مشددًا على أنه “فور حدوث تقدم ملموس للحكومة السورية والقوات المسلحة السورية بدعم منَّا، في مجال محاربة الإرهابيين في سوريا، بدأ الأميركيون باللجوء إلى حيل ممنوعة، والمطالبة بوقف محاربة الإرهابيين عمليًّا…”.
إن الوقوف على مثل التصريحات التي تمثل شواهد وأدلة على ما يبيَّت ويُراد لسوريا وشعبها مهم جدًّا لتصحيح الصورة لدى المتلقي العربي عامة والسوري خاصة بأن الولايات المتحدة غير معنية بمصالح شعوب المنطقة ورقيها وتحضرها وتماسكها وقوتها وتلاحمها، بل العكس تجد أن مصالحها وسياساتها المتدخلة في الشأن الداخلي والمزعزعة للاستقرار ستضر بوحدة الموقف العربي، كما أنها لا تخدم مشروع الاحتلال الإسرائيلي المراد مد أذرعه في عموم المنطقة وتأمين بقائه وهيمنته عليها، حيث لا يُراد لمصر أن تكون في موقعها، كما لا يراد لسوريا ولا للعراق ولا حتى لفلسطين أن تكون في واجهة قضايا الأمة. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تنطبع في عقل وفكر وقلب المواطن العربي، وبالتالي الدور الأميركي المعطل وأكده الامتعاض الروسي ـ كما جاء على لسان سيرجي ريابكوف ـ لا يصب إلا في خانة هدف التدمير المبيَّت ضد سوريا.
عن "الوطن" العمانية