2024-11-27 10:37 م

ما هي الأهداف الخفية التي كان يأملها الانقلابيون لو نجح انقلابهم في تركيا ؟

2016-08-04
سلطان كليب
الإنقلاب الذي حدثَ في تُركيا لم يكن إنقلاباً عاديّاً كأي إنقلاب يحصل في دول العالم الثالث ، ولا الأسباب والدوافع ذاتها ، ولاالنتائج التي ستترتب على نجاحهِ مشابهةً لأي انقلابٍ يخطط له العسكر بدعمٍ دولي كباقي دول العالم الثالث . غالباً الإنقلابات العسكرية هي حصرية على الدول المتخلّفة ، التي تحكُم بالدكتاتورية ،وهي تفتقر للديمقراطية والحرية ،دول تعيش الفقر والجوع والتخلف والرجعية، سيادتها وهمية،تعتاش على المنح، والقروض، والهبات، والمساعدات،يتغلغل في نظامها أجهزة الاستخبارات الغربية في أغلب مفاصل الدولة وهي ما يطلق عليها اليوم الدولة العميقة، المهيأة للتسهيل لأي انقلابٍ على نظام الحكم واستبدالة بنظام موالٍ ومخلص لغير وطنه وشعبه . هذه الانقلابات لا تعتبر مؤثرة على حياة الشعوب ،ولا رفاهية عيشها وحريتها ،أو خروجها من قيد الاستعمار الغير مباشرلأنها استمرأت الذل والعبودية في مرحلة سيئة ،ولكنها انقلاباتٍ تجذّر للدكتاتورية ،ومزيد من اذلال الشعوب وتجويعهم وافقارهم ،وتمرير سياسات قبلت بها القيادة السياسية الجديدة،وهي ذاتها لا تدرك الأبعاد والظروف التي كانت سببا لوصولها لسدة الحكم لتمرير مشروع استعماري يخطط له لمائة عام قادمة . الانقلاب الفاشل في تركيا أرى أنه يختلف ُعن طبيعة كل الانقلابات التي قام بها كلاً من القذافي ،ومبارك،وعلي صالح،والسيسي،وزين العابدين، وحافظ الأسد.. وسواء كان الانقلاب عسكرياً مباشراً ،أو التمسك بالحكم مدى الحياة حتى اصبح ملكياً شكلاً جمهورياً إسماً فهو انقلاب ،ونسبة النجاح 99،9 % مضمونه ،ولكن نظام الحكم هو استمرار للأسوأ فلم تلمس الشعوب حريتها او كرامتها ،او تتذوق طعم الحياة الكريمة أسوة بباقي الدول التي تحترم إنسانية شعوبها . لم نكن نستبعد الانقلاب الذي حصل في تركيا رغم قوة الدولة وتماسكها ،ولم نستبعد لليوم والغد ان يتم النيل من الرئيس "اردوغان" قتله وتصفيته باي صورة ،ولم نتفاجأ ان يتكرر الإنقلاب مستقبلاً رغم التطهيرات التي قام بها الرئيس "اردوغان"، ولن نتفاجأ أن تتحول النقمة الغربية والأمريكية من فشلها في الانقلاب إلى محاربة تركيا باقتصادها ،وخلق مبررات لفرض حصار أممي على تركيا ،ولن يغيب عن أذهاننا ان تقوم أمريكا والغرب بدعم المنظامات والأحزاب التركية باسلحة متطورة لإشغال الجيش التركي وزعزعته ،كل هذا متوقع من الغرب . فشل الإنقلاب أربك الإدارة الأمريكية وأجهزتها الإستخبارية ،وأصيبت بالصدمة والذهول ،لأنه لم يكن انقلاباً كباقي الإنقلابات ولم يراد منه أن يكون إنقلاباً كباقي الإنقلابات التي نوهتُ لها ،لأن هذا الانقلاب كان محكم الأركان ،انقلاباً شاملاً ليس على السلطة وانما انقلابا كاملا على الدستور ،والمؤسسة العسكرية والمدنية ،وانقلابا على المؤسسة الدينية والفكرية والثقافية ،إنقلاباً على الإقتصاد التركي ليعود إلى الصفر من خلال حكم العسكر ونهب خيرات الوطن وتدمير كل المشاريع التي قامت بها الحكومة وعملت عليها سنيناً طويلة،وانقلاباً يمتدّ أثره على دول الجوار القريبة والبعيدة سواء،إنقلاباً على تركيا الحديثة كما كان الانقلاب على تركيا العجوز لولادة شرق أوسط جديد أكثر ضعفاً وتمزُّقاً . أمريكا كانت واثقة ومتأكدة أن الانقلاب ناجحا ولا شك لديها ذرّة واحدة بالفشل ،لأن أمريكا اختارت "فتح الله كولن" كغطاء للمشاريع التي اقيمت باسم هذا الرجل من ثلاثين سنة ،وهذا الرجل يدعي الدين وهو غير متعلم فهو مجرد واعظ في مسجد،ودينه الصوفي كان هو البديل لدين عصري سيتم نشره بدلا من اتباع السلفية والصوفية في بلاد المسلمين ، فتم تأسيس الجامعات ،ومئات المدارس ،والمشاريع الكبرى التي تقدم المساعدات للفقراء ،وشركات كبرى ،وبنوك ، وهذا العمل ليس وليد يوم وليلة بل عمل عليه سنين طويله ، وبما أن فتح الله كولن صوفي فتم غرس مفاهيم الصوفية في فكر الطلاب الذين يتلقون تعليمهم في تلك الجامعات والكليات والمدارس وهم عشرات الالاف ان لم يكن ملايين من الاتباع ،وهم بالتأكيد من المخلصين للأب الروحي لهم ،هؤلاء الطلاب والخريجين تم الزج بهم في مؤسسات الدولة ،اساتذة جامعات،اطباء ،محامين،قادة عسكريين ،قضاة ،وتغلغلوا في الأمن، الاستخبارات،والبحرية، والتجارة ،ومنهم رجال الأعمال ،وبهذه الصورة فإن الانقلاب ليس انقلابا عسكريا كباقي الانقلابات ،بل هو انقلاب عسكري ديني ثقافي كان جاهزا لتتحول تركيا في أيام إلى تركيا العلمانية بثوب اسلامي صوفي يديره يهود الدونمه ليتم توزيعهم على بلاد العرب الجديدة كما تم تخريج الآلاف من خريجي الجامعات التركية ليحكموا بلاد المسلمين في كل مؤسسات الدول في سوريا والخليج العربي ومصربعد الانقلاب على الدولة العثمانية ونشوء الدويلات العربية . اما الجانب الاخر من الانقلاب أن تركيا أسست لاقتصاد قوي متين ،والدولة التي تبني اقتصادها فهي مستقلة في سيادتها وقراراتها ،وبالتالي لا تستطيع الادارة الأمريكية أن تملي شروطها على الدولة التركية وتحركها كيفما تشاء في ظل أصعب الظروف التي تمر بها المنطقة العربية وتريد حليفا مخلصا غارقا في الخيانة عريقا في التآمر،ولا يمكن للإدارة الامريكية ان تسخر الجيش التركي كما تشاء في حربها على الارهاب ،او ضم تركيا في التحالفات التي تتشكل كل يوم ثم تبدا وتموت ،أو تسخّر الجيش التركي مستقبلا للحرب مع إيران ،أو الوقوف مع امريكا كبقية الحلفاء ضد روسيا بوجود دولة ديمقراطية تديرها مؤسسات ،وقيادة مؤتمنه على الوطن والشعب ،لذلك امريكا بحاجة إلى هذا الانقلاب وبحاجة لأمثال فتح الله لتملي قبضتها على المؤسسة العسكرية التركية وتحرك قطاعاتها كما تشاء كما تفعل مع الجيش العراقي . وبالعودة إلى "فتح الله كولن" العلماني الذي ارتدى ثوب الصوفية والإسلام ،عندما تم القضاء والتأمر على دولة الخلافة الاسلامية ،تم تقسيم الوطن العربي إلى دويلات،والغرب يعي ويعلم أن المسلمين لا يمكن حكمهم إلا من خلال تيارات دينية تعتبر مرجعية لهم لأن المسلمين لا يقبلون بالأنظمة العلمانية والشيوعية وإن أقامت العدل ، فبرز لنا اتجاهان على أنهما يمثلان جماعة المسلمين ،فأسست بريطانيا مع نشوء دولة ابن سعود تحالفا بين محمد بن عبدالوهاب على انه الراعي للإسلام ومرجعية المسلمين(السلفيين) ،ونشا تيار الاخوان المسلمين في مصر ،لكنهما تياران لا يلتقيان فكريا حتى اليوم ،وهذا المطلوب ،بل كفّرا بعضهما البعض ،وأسوأ مرحلة مرّت على الأمة بعد الحكومات الدكتاتورية هي اعتبار المسلمين أن السلفيين والاخوان المسلمين هما المرجعية للمسلمين والمخلصين لهم من الاستعمار والظلم ،ولولاهما ما عرف المسلمون الاستعمار والظلم لأن كلا التياران من اكبر الحاميين للأنظمة الدكتاتورية والمدافعين عن وجودهما لليوم . وبينت بمقالات سابقة ان حكم الاخوان المسلمين والسلفيين كمرجعية للمسلمين قد ولىّ وانتهى ،وانه سيتم استحداث دين جديد كبديل لهذين التيارين ، ومع بروز فتح الله في هذا الانقلاب تاكد لي ان تيار فتح الله كولن الصوفي لو نجح الانقلاب هو البديل للسلفية والاخوان،وسيعاد فتح مكاتب له في مكة والمدينة والأزهر الشريف على أنه المرجعية للإسلام والمسلمين . فشل الانقلاب كان مخيّباً للآمال ، وبعثر الأوراق والخرائط ،هذا الانقلاب لم يختلف عن الانقلاب على الدولة العثمانية لأن من رحم تركيا كانت ستخرج قيادات جديدة ،ودويلات جديدة ، ودين جديد حسب المقاس الأمريكي ، كان حلم أمريكا ان يولد مصطفى كمال اتاتورك جديد ، وشرق أوسط جديد ،ولكن الله غالب على امره ، ولكن أمريكا ومن تأمرك معها لن ينفكوا عن اللجوء للخطط البديلة لتمرير مخططاتهم الاستراتيجية مهما كلفهم الأمر لأن بقاء تركيا قوية اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ،في شرق أوسط يلتهب ويتأجج نارا ،هذا ليس من صالح أمريكا لأن الاستراتيجيات لها فترة زمنية، تنتهي مرحلة ثم يبدا التاسيس لمرحلة اخرى ،فأسقطوا العراق ،وسوريا ،وليبيا ،واليمن ،ومصر،والدور القادم كان تركيا ليتم الانتقل بعدها الى الحجاز من خلال صدام بين ايران ودول الخليج بدون مصر وتركيا كسند داعم للأمة العربية ،هذا مكرهم وتفكيرهم ولكن أملنا بالله بحسن التدبير .