2024-11-25 05:37 م

النكسة ما زالت آثارها مستمرة (2)

2016-06-18
بقلم: عبدالحميد الهمشري
سأتناول في هذه الحلقة أسباب قيام الحرب وأسباب الفشل العربي في مواجهة العدوان والهزيمة السريعة وكذلك ممارسات سلطات الاحتلال القمعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة " الضفة الغربية وقطاع غزة" منذ اليوم الأول للاحتلال. ** أسباب قيام حرب حزيران "يونيو" 1967: يمكن تلخيص الأسباب التي أدت لاشتعال الحرب بالآتي: * إطلاق تهديدات صهيونية : في العاشر من أيار (مايو) 1967م هدد الجنرال رابين - رئيس هيئة أركان الجيش الصهيوني آنذاك - بدخول دمشق في حال استمرت المناوشات التي كانت شبه مستمرة على الجبهة السورية واستمرار دخول الفدائيين إليها عبرها وهدم النظام القائم فيها. وفي الرابع عشر من أيار (مايو) أعلن ليفي أشكول - رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك - عدم استطاعة كيانه التسامح في حوادث التسلل وهدد باتخاذ إجراءات رادعة ضد دول الجوار العربي. * التحرك العربي المضاد : في السادس عشر من أيار (مايو) أبرق رئيس الأركان المصري، إلى قائد القوات الدولية، يطلب فيها انسحاب تلك القوات من مراكز المراقبة على الحدود. وفي ذات اليوم استدعى يوثانت (الأمين العام للأمم المتحدة) المندوب المصري الدائم في هيئة الأمم المتحدة، وأعلمه أن الانسحاب الجزئي للقوات الدولية غير مقبول، فهي إما أن تنسحب برمتها ومن كافة المواقع أو أن تبقى تلك القوات حيث هي. وفي السابع عشر من أيار (مايو) قامت القوات المصرية باحتلال مواقع القوات اليوغسلافية. وفي الثامن عشر من أيار (مايو) طلبت مصر رسمياً من يوثانت ضرورة سحب القوات الدولية من أراضيها ومن قطاع غزة في أسرع ما ممكن. وفي التاسع عشر من أيار أصدر يوثانت أوامره بانسحاب القوات الدولية من سيناء. وفي 15 أيار (مايو) أعلن الكيان الصهيوني التعبئة الجزئية، وأعلنت مصر التعبئة العامة. وفي 22 أيار (مايو) أقفلت مصر مضائق تيران وأعلن الرئس المصري الراحل جمال عبد الناصر أنه إذا أرادت إسرائيل الحرب فلتتفضل. وفي 23 أيار (مايو) أعلن أشكول في الكنيست أن منع الملاحة في المضائق يعتبر عملاً عسكرياً. وفي مساء ذات اليوم أعلن جونسون الرئيس الأمريكي أن إقفال المضائق يعتبر عملاً غير قانوني. وفي 24 أيار (مايو) أعلنت كل من أمريكا وبريطانيا، ضرورة فتح مضائق العقبة للملاحة الدولية، ولو أدى ذلك لاستعمال القوة. وفي 26 أيار (مايو) اجتمع أبا ايبان وزير خارجية الكيان العبري آنذاك مع الرئيس الأمريكي جونسون وأعلن بعد اللقاء أن انسحاب الكيان العبري من شرم الشيخ بعد حرب السويس عام 1956 كان مشروطاً بتأمين حرية الملاحة. وفي 26 أيار (مايو) أعلن جمال عبد الناصر: إذا قام الكيان العبري بعمل عدواني ضد أية دولة عربية فإن حربنا معها ستكون شاملة حيث سيكون هدفنا تطهير الوطن المحتل واتهم الولايات المتحدة بأنها العدو الأكبر وأن بريطانيا تابع ذليل لها. وقد طالب الرئيس الأمريكي عبد الناصر بضبط النفس وعدم المبادرة بالعدوان. وفي الساعة الثالثة والنصف من صباح اليوم التالي حمل السفير السوفياتي في القاهرة رسالة مماثلة من ألكسي كوسيغين - رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة - إلى الرئيس المصري. أما يوثانت فقد زار القاهرة وأعلن منها أن مصر لن تكون البادئة بالعدوان وأنها ترغب في إعادة لجنة الهدنة المشتركة التي كانت قائمة قبل عدوان السويس. وفي 30 أيار (مايو).. وصل الملك الراحل الحسين فجأة إلى القاهرة ووقع مع مصر معاهدة دفاع مشترك. وفي 1 حزيران (يونيو) أعلنت إسرائيل التعبئة العامة، وانضم موشي ديان إلى الوزارة الإسرائيلية كوزير للدفاع. وفي 4 حزيران (يونيو) أكد السفير العراقي للحكومة الأردنية أن معلومات مؤكدة وصلت إلى الاستخبارات العسكرية العراقية تؤكد أن إسرائيل ستشن هجومها يوم 5 حزيران (يونيو).. ولقد أبلغ الملك الحسين ذلك للرئيس عبد الناصر في ذات اليوم. وفي يوم 5 حزيران (يونيو) 1967م بدأ الهجوم الصهيوني على الجبهة المصرية. ** أسباب النكسة : يمكن اختصار أسباب النكسة السريع بالآتي : - الاستعداد الصهيوني للحرب الذي كان مرتباً لها بإحكام وغياب ذلك على مستوى القيادة العربية الموحدة بسبب غياب إرادة القتال لدى تلك القيادة واستخدام الدولة العبرية لعنصر المفاجأة في ضرب القوات العربية التي انتظرت الضربة الأولى وكانت ماحقة وتم التحجج بعدم توقع مثل تلك الضربة. - امتلاك القوات الصهيونية لأسلحة غربية حديثة ومتطورة منحتهم التفوق على مجمل الأسلحة العربية التي لم تكن بكفاءة السلاح المقدم للكيان الصهيوني حيث كان لدى الدولة العبرية سلاح طيران ضارب من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا ودبابات متطورة حصلت عليها ضمن صفقة من ألمانيا الغربية في ذلك الحين وقدرة أعلى في النيران. - الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية للكيان العبري عسكرياً واقتصادياً ولوجستياً. - نقص التدريب الجيد في صفوف الجيوش العربية بمقابل كفاءة عالية في التدريب للجيش الصهيوني الذي كان كذلك مدعوماً من القواعد العسكرية الأجنبية " الأمريكية والبريطانية " المتواجدة على الأراضي الليبية آنذاك وكذلك في دول عربية أخرى حيث استخدمت تلك القواعد لمساعدة الصهاينة في هذه الحرب. - غياب التنسيق بين الدول العربية المشاركة في الحرب وهيمنة القرارات الارتجالية وعدم كفاءة القيادات العسكرية العربية المخولة في قيادة دفة المعركة. - غياب استراتيجية المواجهة مع القوات الغازية حيث اعتمدت أسلوب الحرب النظامية المسيطر عليها من قبل الدول الغربية بما تملكه من تكنولوجيا متطورة تلغي قدرة العرب على المواجهة. ** ممارسات سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة: منذ اليوم الأول للاحتلال بدأت مليشيا وجيش الاحتلال باقتحام المناطق الحدودية وأخذوا بإطلاق النار على كل جسم متحرك على الأرض وكذا الحال بالنسبة لطائراته حيث قصفت المدارس والمساجد والمراكز الأمنية وقد سقط جراء ذك المئات بل الآلاف من السكان المدنيين ثم بدأوا بتجميع السكان المدنيين العزل وإحضار باصات " شركة إيجد" الصهيونية تمهيداً لترحيلهم القسري فبدأوا بنقلهم إلى خارج مناطق سكناهم مجبرين إياهم للتوجه إلى نهر الأردن واجتياز الحدود نحو الضفة الشرقية لنهر الأردن بانتهاج أسلوب التهجير القسري والجماعي حيث ابتدأوا أولاً بنقل علية القوم في كل منطقة حدودية من أعضاء مجلس بلدي ونواب ومحامين وأطباء ومهندسين وتجار ومن ثم السكان وكانوا يجبرون الناس بالقوة على الركوب بالباصات الصهيونية وكل من يحاول الامتناع أو يقاوم يطلقون النار عليه ، وقد فعلوا ذلك مع كثيرين وقد استمر ذلك على مدى عدة أيام من الاحتلال مباشرة .. حيث امتلأت بالنازحين المخيمات في الأردن وهذا أحدث ضجة عالمية واحتجاجاً رسمياً عربياً على ذلك حيث تم وقف عملية التهجير بضغط من الأمم المتحدة على الكيان الصهيوني. * ممارسات ميلشيا وجيش الاحتلال : حين دخل جيش ومليشيا قوات الاحتلال لمدن الضفة الغربية وقطاع غزة عاثوا بها فساداً حيث بدأوا بسلب المحال التجارية بكسر أقفال أبوابها من خلال إطلاق النار عليها من أسلحتهم وباعتقال شباب مدنيين ونقلهم لسجون منها سجن عتليت الصهيوني حيث كان يتواجد فيه أسرى من الجيش المصري وقد بقي الشباب المدنيين قرابة الشهر في سجون الاحتلال أطلق سراحهم بعد ذلك وتحدثوا عن سوء المعاملة التي تعرضوا لها وكذا الحال بالنسبة للأسرى من الجيش المصري في تلك السجون . * اعتداءات على المقدسات الإسلامية : حين احتلال القدس دخل الجنرال موردخ إيجور الصهيوني المسجد الأقصى المبارك هو وجنوده، ورفعوا العلم الصهيوني على قبة الصخرة، وحرقوا المصاحف، ومنعوا المصلين من الصلاة فيه، وصادروا مفاتيح أبوابه، وأغلقوه على مدى أسبوع كامل منعوا خلاله الصلاة والأذان فيه .. وتمكنت القوات الصهيونية من فرض سيطرتها على المدينة التي دخلها موشي دايان وزير الدفاع الصهيوني آنذاك وخطب قائلاً: “لقد أعدنا توحيد المدينة المقدسة، وعدنا إلى أكثر أماكننا قدسية، عدنا ولن نبرحها أبدًا”. هذا ما تم عقب الاحتلال وسأوافيكم بالاعتداءات التي جرت على مقدسات المسلمين في فلسطين منذ العام 1968 وحتى اليوم. * اعتداءات على المقدسات المسيحية : واعتدت سلطات الاحتلال على مقدسات مسيحية أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر اقتحام المغتصبين الصهاينة لكنيسة بئر يعقوب للروم الأرثوذكس في نابلس، حيث ذبحوا رئيس الكنيسة الأرشمندريت فيليمينوس ، ولا تزال جثته المحنطة موجودة في كنيسة صهيون للروم الأرثوذكس في القدس، ويمكن مشاهدتها لمنْ يود ذلك.. كما حول الصهاينة كنيسة مار جريس للروم الأرثوذكس في حي الشماعة في القدس إلى بناية سكنية. وكذلك حطموا أبواب كنيسة القديس يوحنا المعمدانية ونوافذها وسرقوا محتوياتها في عين كارم ، كما غيروا أيقونة السيدة مريم العذراء التي تحمل صورة السيد المسيح بمنظر حقير ونجس ومخجل وعرضت في معرض تل أبيب وكتب عليها السلام على أم المسيح. ناهيك عن سرقة الصهاينة لتاج السيدة مريم العذراء ونزعهم عنه اللآلئ الثمينة قبل إعادته إلى جانب قصفهم بالقذائف لممتلكات كنيسة القديس جورج، وقد اضطر بطريرك اللاتين إلى إغلاق ثلاث كنائس بعد انتهاكها وسرقة محتوياتها، كما جرى استخدام الكنيسة الأرمنية للقديس المخلص ثكنة للجيش الصهيوني .. إلى جانب تناول البوليس اليهودي للخمور في المغارة المقدسة لكنيسة المهد أثناء إقامة قداس ليلة عيد الميلاد سنة 1967م وهذا بشهادة المطران اللاتيني نعمة السمعان كل هذا تم في عام 1967 . وسأدرج لاحقاً قائمة تتضمن اعتداءات الصهاينة على المقدسات المسيحية بفلسطين منذ عام 1968 وحتى الآن. * كان انتشار القوات الصهيونية عند الاحتلال على طول نهر الأردن أولاً الحد الفاصل بين الضفتين ومن ثم في المدن الرئيسية ثم أخذ بالانتقال التدريجي إلى القرى التابعة لتلك المدن.. ومنذ اليوم الأول للاحتلال بدأ بإقامة مغتصبات في الأراضي الأميرية في المناطق التي احتلت من ضمنها مغتصبة كفر قدوم في الضفة الغربية. لكن الانتشار الصهيوني لم يكن محكماً في منطقة الأغوار في الشهور الثلاثة الأولى للاحتلال حيث عاد الكثير من المهجرين من خلال عبورهم لنهر الأردن متجهين لمناطق سكناهم كما دخل مقاتلون فلسطينيون مدربين عبر النهر وبدأوا بتجميع الأسلحة وبناء القواعد في المدن والريف الفلسطيني. خلاصة القول أنه من الأيام الأولى للاحتلال بدت ملامح التوجه الصهيوني بعدم رغبتهم بالانسحاب من المناطق المحتلة ودعم غربي " أورو أمريكي " للاحتلال ولهول الصدمة لم يتمكن العرب من تجميع صفوفهم وقواهم وترتيب مقاومة ضد الاحتلال في المناطق المحتلة لغياب الاستراتيجية العربية الدفاعية في مثل هذا الحال.