2024-11-30 08:48 ص

« طريق الحريق » الأميركي واعترافات أوباما

2016-06-04
م. سامر عبد الكريم منصور
احتاجت الولايات المتحدة إلى مائتين وأربعين عاما, منذ قيامها وحتى 21 أيار 2016, لتضع أمام رئيسها مشروع قرار حول شطب "تعابير مهينة للأقليات" من قوانينها الاتحادية. تلك العبارات والكلمات التي تتضمن احتقارا ودونية لأطياف واسعة من المواطنين الأميركيين, مثل أسود أو زنجي أو تلك التي تشير إلى الأصل كشرقي أو أسيوي. 
قبل أيام من توقيعه على مشروع القرار, تحدث  الرئيس الأميركي باراك أوباما من جامعة هاورد, التي يسميها الأميركيون "بلاك هارفرد" في إشارة إلى غالبية البشرة السوداء فيها, قال أوباما: " قبل ستين عاما ما كان أبي ليتمكن من تناول طعامه في احد مطاعم واشنطن". أراد أن يشير إلى تطور المجتمع الأميركي خلال العقود الماضية بعيدا عن الثقافة العنصرية التي سادت خلال تلك الفترة. وأضاف أوباما معترفا بأنّ "العنصرية لا تزال موجودة والتفاوت الاجتماعي لايزال قائما", قبل أن يدعو خريجي الجامعة "السوداء" للنظر إلى المستقبل دون أن ينسوا "إرثهم العرقي", ويوجه من خلالهم دعوة عامة لأصحاب البشرة الداكنة بأن يزيدوا نسبة مشاركتهم في الانتخابات, في ظلّ حماسة متدنية من قبلهم تجاه "صناديق" الديمقراطية الأميركية. وخلال مقابلة في حزيران 2015, قال أوباما بأنّ " موروثات العبودية والتمييز  في أمريكا ما زالت جزءا من الحمض النووي الذي انتقل." وأضاف بما يشبه اليأس: لم يتم شفاؤنا من العنصرية". لم يستطع أوباما أن يقول: من أجل الحفاظ على قشرة ديمقراطية، خلعت الولايات المتحدة جلدها فقط, فيما بقي جوهرها وإرثها العنصري راسخا في دوائر القرار الأميركي الحقيقية.

على طريق الحريق الأميركي, وبعد كوبا وفيتنام, يقف باراك أوباما في حديقة السلام في هيروشيما اليابانية ليتساءل: "لماذا نأتي إلى هيروشيما؟" ومسحة حزن تغلف وجهه ونظراته. لن يكون الجواب بأن الهيمنة الأميركية تتعرض لمخاطر ينبغي مواجهتها، يجب احتواء التهديد الصيني والروسي للحفاظ على نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها التي تعني حقها في نهب واستعباد شعوب العالم. فبعد لحظات من صمت وأسى تليق بالمناسبة, يضيف الرئيس الأميركي " نأت لنفكر مليا في القوة الرهيبة التي أطلق لها العنان خلال ماض ليس بعيدا". كادت الدموع أن تطفر من عيني أوباما وهو يلفظ كلماته الأخيرة أمام النصب التذكاري لضحايا القنبلة النووية الأميركية, وكممثل محترف لللنصب الإنساني الأميركي, ينحني أوباما ليضع بيدين ملطختين بالدماء, إكليلا من الورود على قبر مائتين وخمسين ألف قتيل, والملايين التي عانت ولم تزل من آثار قنابل الإرهاب النووي الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية. بعد سبعين عاما, لن تعتذر أميركا, بل ستطلب طي صفحة الماضي المؤلم, ليكون " دليلا على إمكانية تخطي حتى أكثر الانقسامات إثارة للألم. ودليلا على قدرة بلدين أن يصبحا ليس فقط شريكين بل أفضل الأصدقاء" هكذا قال "الديمقراطي الأميركي" أوباما في رؤيته لعودة أميركا إلى مسرح الجريمة في هيروشيما اليابانية. 

تحت راية الديمقراطية ارتكبت الولايات المتحدة كل جرائمها خلال العقدين الماضيين. ثمة ديكتاتور يجلس على صدر شعبه ويحتاج إلى القوة الأميركية لإزالته حتى يستطيع الشعب أن "يحكم نفسه بنفسه". شعب يبحث عن الحرية من قيود الاستبداد فتتبرع الإدارة الأميركية بتحريره. يرفع المحلل الإستراتيجي الغربي كفّه ليثبت نظارته على أنفه وهو يؤكد بأن الديمقراطية هي أفضل أداة حضارية سلمية لتجاوز الخلافات, وأنّ الشعوب الرازحة تحت أنظمة استبدادية تحتاج إلى مساعدة العالم الحرّ حتى تخرج إلى فضاء الحرية والديمقراطية. قبل أن يتحدث بفخر عن النموذج الديمقراطي الغربي, الديمقراطية الليبرالية التي تسمح للأغلبية بأن تحكم مع وجود قيود دستورية تحمي حقوق الأفراد والأقليات. النموذج الذي يجب تعميمه وتصديره إلى جهات الأرض الأربع, لتنعم الشعوب بالحرية والتعبير عن الرأي والتداول السلمي للسلطة و...

الغرب الذي يحتفي بديمقراطيته كنموذج يجب تصديره, هو الغرب الذي جرت تحت ظلال ديمقراطيته، أنهار من دماء الشعوب التي احتلها ونهبها ودمرها. العقلية الاستعمارية التي تحكم السياسة الغربية كانت دائما في حالة عداء تام مع الشعوب والدول التي "تحكم نفسها بنفسها". الديمقراطية كانت الشعار الذي "برر" كل الحرائق التي أشعلتها االولايات المتحدة الأميركية. الماضي القريب والحاضر يثبتان دائما بأن الديمقراطية كانت أداة "حضارية" بيد الإمبريالية الأميركية لتبرير الهدم والنهب والقتل والاستغلال والاستعباد. 

اختصار الديمقراطية في ورقة انتخابية وصندوق اقتراع سيكون شكلا زائفا ومضللا ما لم يقترن بثقافة مجتمعية ديمقراطية. الديمقراطية بالمعنى الواسع هي وصف لحالة مكونات وهويات مجتمع ما, تعيش باندماج وانسجام واحترام متبادل لأفكارها ومعتقداتها. الديمقراطية الأميركية التي يعترف رئيسها بأن التمييز والعبودية لا زالتا موجودتين في المجتمع الأميركي الذي لم يشف بعد من العنصرية كما اعترف أوباما. الديمقراطية التي لا تقبل حتى الاعتذار للملايين من ضحاياها في العالم، بل تدافع بشراسة عن قرارات القتل والتدمير, التي صدرت بطريقة ديمقراطية, بحق شعوب ودول. المجتمع الذي يحتاج إلى قرار رئاسي ليتوقف عن "التعابير المهينة للأقليات", والتي ستبقى حبرا على ورق أوباما مادامت العنصرية جزءا أساسيا من "الجينات الوراثية" للولايات المتحدة الأميركية التي قامت على جثث سكان البلاد الأصليين, وعلى العبودية. لا يمكن لديمقراطية حافلة بكل تلك التشوهات والأمراض الإنسانية أن تكون نموذجا, الا كشكل تختفي تحت سطحه اقذر الديكتاتوريات التي عرفتها البشرية.
عن "سوريا الان"