موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على السماح لذوي ضحايا 11 أيلول (سبتمبر) 2001 بمقاضاة المملكة السعودية، لدورها المزعوم في الأحداث، يفتح الباب أمام نهب ثرواتها، بالاستيلاء على الأصول المالية السعودية في الولايات المتحدة الأميركية، والمقدرة بمئات مليارات الدولارات.
وافق مجلس الشيوخ الأميركي، في السابع عشر من الشهر الجاري، على مشروع قانون يقضي لذوي ضحايا الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 بمقاضاة المملكة العربية السعودية استناداً إلى اتهام مؤسسات خيرية سعودية بأنها كانت الممول الرئيس لتنظيم (القاعدة) الذي قام بالهجمات، ووجود صلات بين منفذي العملية وشبكة سعودية قامت بتقديم العون لهم عندما وصلوا (حينذاك) إلى ولاية كاليفورنيا الأميركية.
مشروع القانون يسمى "العدالة ضد الإرهاب"، وإذا ما تم إقراره من قبل مجلس النواب الأميركي سيمنع المملكة السعودية، ودول أخرى ممن يشتبه بارتباطها بالإرهاب، من الاحتماء بالحصانة الأجنبية في المحاكم الفيدرالية الأميركية. ورغم أن القانون يتحدث عن السماح بمقاضاة دول أجنبية دون تحديد، إلا أنه يستهدف بالدرجة الأولى المملكة السعودية، وربما يمس دولاً أخرى من مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يهدد علاقات التحالف التاريخية بين السعودية والولايات المتحدة، علماً بأنها تمر في مرحلة بالغة الصعوبة.
وفي حال تم تمرير هذا المشروع سيتم تغيير القانون الأميركي المتعلق بالحظر على الموطنين الأميركيين مقاضاة الحكومات الأجنبية أمام القضاء الأميركي، مما يثير مخاوف المملكة السعودية، التي هددت على لسان وزير خارجيتها، عادل الجبير، ببيع أصولها المالية في الولايات المتحدة، مما سيشكل خطراً على الاقتصاد الأميركي.
ويعد مشروع القانون الجدل حول الصفحات، 28 صفحة، التي حجبت من تقرير لجنة التحقيق بأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وحسب كبير مراسلي شؤون الأمن القومي الأمريكي، جيم سكيوتو، تدور تلك الصفحات المحجوبة حول "مسؤول حكومي واحد ومدى معرفته بأن الهجمات ستقع، التحقيق يدور حول ما إذا كان قد قدّم الدعم للمهاجمين، خاصة وأن هناك أدلة على أنه قابل بعضهم.. السؤال هو: هل كان هذا المسؤول السعودي يتصرف بمفرده؟ هل كان يقوم بذلك بشكل غير قانوني أم أنه كان يحظى ببعض الدعم والمساندة أو على الأقل غض الطرف من قبل شخصيات في العائلة المالكة السعودية؟..".
في الإجابة على السؤالين السابقين يؤكد سكيوتو أن ما قالته الإدارة الأميركية حتى الآن إنه ما من دليل على أن للأمر صلة بالسياسة الحكومية السعودية أو أن الأمر كان متعمداً. قد تكون هناك أدلة على وجود بعض الأثرياء السعوديين الذين دعموا على الأقل ماليا تنظيم "القاعدة" المسؤول عن هجمات سبتمبر ما يجعل القضية بالغة الحساسية"، وإدارة بوش الابن هي من بادرت إلى حجب الصفحات الـ28 من التقرير، بينما طالبت السعودية في حينها بالكشف عن مضمونها. وبدوره هدد الرئيس أوباما برفض مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس الشيوخ، لكنه علل رفضه بسبب الخشية من أن يفتح ذلك الباب أمام مواطني دول العالم بمقاضاة حكومة الولايات المتحدة الأميركية.
حجم الأصول المالية السعودية في الولايات المتحدة يفرض عليه تعتيم، غير أنه استناداً إلى التقرير السنوي الأخير لوزارة الخزانة الأميركية، 2015- 2016، تبلغ 612.371 مليار دولار إلى جانب امتلاك السعودية لسيولة حجمها 285.238 مليار دولار، تضاف إلى امتلاكها لسندات دين آجلة بقيمة 264.768 مليار دولار، وسندات دين عاجلة بقيمة 62.370 مليار دولار.
ويتقاطع هذا الرقم مع مطالبة أعضاء في الكونغرس الأميركي بتجميد 750 مليار من الأصول المالية السعودية في الولايات المتحدة، وإن كان من المستبعد جداً احتمال إقدام الإدارة الأميركية على مثل هكذا إجراء، إلا أنه يثير القلق لدى السعوديين، الذين يضعهم مشروع القانون الأميركي أمام خيارات صعبة، فالإبقاء على أصولهم المالية سيبقيهم دائماً تحت سيف مسلط على رقابهم، وبيعهم للأصول المالية سيحمل معه خسائر اقتصادية للسعودية.
أما بالنسبة لأي مواطن عربي متابع لهذه القضية فالمسألة محزنة، لأن كل هذه الثروات تضخ في الاقتصاد الأميركي، بينما تقف الولايات المتحدة الأميركية ضد الحقوق العربية، وفي الوقت الذي ينعم فيه الأميركيون بفائض الثروات العربية يقع عشرات الملايين من العرب تحت خط الفقر، ويمكن إنقاذهم من براثن الجوع باستثمار جزء من الأصول المالية السعودية والخليجية في الولايات المتحدة.
كما يمكن لأحدنا أن يتخيل لو أن بلداناً مثل مصر أو اليمن أو السودان أو سورية أو المغرب أو الأردن أو موريتانيا مجتمعة تم دعم اقتصادها بـ300 مليار دولار كاستثمارات تعود بالنفع أيضاً على المستثمرين.. مما لا شك فيه لو حصل ذلك لكنا أمام صورة عربية مختلفة تماماً، ولو امتلك السعوديون الجرأة في نقل جزء من أصول أموالهم إلى بعض تلك البلدان يمكن أن نكون أمام صورة مختلفة. وبقليل من التدقيق ليس من مصلحة السعودية الإبقاء على أصول أموالها في الولايات المتحدة، لأنها تعرض نفسها للنهب، فمشروع القرار الذي صادق عليه الكونغرس مجرد بداية، أو كما يقال في المثل الشعبي العربي (تعليق الجرس)، لنهب الثروات السعودية والخليجية، أو في أقل تقدير إبقاء الحكومة السعودية، والحكومات الخليجية، تحت وطأة الابتزاز.