2024-11-24 12:58 م

الصحوة السعودية المتأخرة

2016-04-26
بقلم: سلطان كليب
لا تختلف السياسة العربية عن غيرها من السياسات العالمية التي تقوم على التضليل وطمس أو اخفاء الكثير من الحقائق ، أو الخداع في نقل المعلومة وايصالها لعامة الشعوب وخاصةً في المواضيعِ، السياسيةِ، والاقتصادية ، والأمنية ،والاتفاقات المبرمة واللقاءات السرية،والكشف عن كنوز الارض التي لم تستثمر بشكل صحيح وتعتبر فعلا كنزا محرّماً على شعوبنا العربية،وهذه الملامح تشترك بها السياسة بالعالم بشكل عام حتى الدول المتحضرة والمنفتحة سياسيا . لكن اللقاء الذي اجراه سمو الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي مع الاعلامي تركي الدخيل كشفت عن كثيرٍ من الامور التي كنا نتناولها بمقالاتنا عن السعودية من باب النقد والتمني ،من حيث الكشف عن الثروات الخام واستغلالها ،والتحول من الاستيراد الى التصدير ،ومن الاستهلاك إلى الانتاج،وعن المواقف السعودية من القضايا العربية التي لم تشفي صدر اي مواطن يؤمن بعروبته، ووحدة الدم والمصير،ربما يأتي وقتاً نسمع فيه اعترافاً وإقراراً صريحاً بالتقصير . السعودية كغيرها من دول العالم تعتبر صحرائها مخزناً للمواد الخام التي اغفلت السعودية عمداً عن استخراجها واستثمارها نتيجة الرخاء الاقتصادي، ودخلها الذي وصل الى 2 مليار دولار من عوائد النفط فقط يوميا ،ولم تفكر ان تاتي مثل هذه الظروف عليها يوماً ما كي تبني استراتيجيتها على تنوع مصادر الدخل ،لكي تتحول الى بلد صناعي متقدم ،وتوفر بديلاً للإنتاج النفطي أو رافداً موازياً له ،والذي يعتبر دخلاً اقتصادياً لو استخرج واستثمر بشكلٍ صحيح موازياً لعوائد النفط، والغاز، إن لم يتفوق عليه ،لأن ذلك سيحد كثيراً من البطالة، ويوفر مزيدا من فرص العملٍ لكافة طبقات ابناء الخليج العربي ويحد من نسبة البطالة المرتفعة،والذي يقر به ولي ولي العهد بان السعودية فيها من الكنوز الوفيرة ، ويقول : لدينا ستة في المئة من احتياطات اليورانيوم في الكرة الأرضية، هذا نفط آخر غير مستغل تماماً، ذهب، فضة، نحاس، يورانيوم، فوسفات، وغيرها من المعادن الموجودة لدينا، لم يستغل منها إلا 3 أو 5 في المئة. واستغلال بشكل غير صحيح، ويضيف أن هذا سيوفر فرصا كبيرة لليد العاملة السعودية فأين كنتم سمو الامير عن هذا الأمر وأنتم ولاة الأمر من مئتي سنة مضت ،ليتم الاقرار والاعتراف بذلك الآن ،وهل الزمن نتيجة الظروف السياسية القاهرة يسعفكم لتحقيق تلك الخطط الاستراتيجية . اليوم سمو الامير يكشف عن امورٍ كثيرة ،كان من الأولى ان يعترف بها من سبقوه ،بل وأن يحولوا تلك الشعارات إلى أفعال من عشرات السنين،ولكن الظروف السياسية والاقتصادية هي من أجبرت السعودية أن تلجا لهذا التفكير بعد الهبوط الحاد في أسعار النفط والذي سياتي بنتائج سلبية مستقبلا ويتسبب بمشاكل كبيرة في الميزانية، وتراجعا في الايرادات ،وسيشكل عبئاً يتحمله المواطن السعودي الذي تعود على الرخاء، وارتفاع الرواتب، والامتيازات، ،والإنخفاض الملموس في اسعار المشتقات النفطية ،والماء، والكهرباء ،وأغلب السلع المستوردة قياسا باسعارها في الوطن العربي وتدني الرواتب،إن لم يتم الاستعجال بتوفير البديل الذي يتم الاقرار به الآن وهو الاعتماد على استثمارات تشكل بديلا للإستغناء عن عائدات النفط وهذا من وجهة نظري من المستحيلات نتيجة الظروف السياسية . ولكن الطرح الذي يامله سمو الأمير في التنمية الاقتصادية من وجهة نظري أن بعض الامور فيها مخاطرة إن لم تدرس بشكلٍ جيد وخاصة موضوع طرح جزء من شركة أرامكو للإكتتاب العام بما يعادل 5% من اصول رأس مال الشركة المقدر بنحو 2 ترليون دولار ، وأرى أن هذا سيفتح الباب للإستثمار الصهيوني للهيمنة على رأس مال الشركة مع الأيام ، وغالبا الاستثمار الصهيوني ياتي من خلال عملائهم وأذرعهم التي تتعاون معهم سواء من العرب، او الغربيين،أو شركات فرنسية ،وبريطانية،وامريكية يعود رأسمالها للوبي الصهيوني وشركات روتشيلد المتغلغلة في الاقتصاد العالمي وبالنهاية استطاعت ان تهيمن عليه وتصبح هي صاحبة القرار إن لم تخرج الشركاء وهذا ما اتوقع ان يحصل مستقبلا . وتحدث عن التنمية من خلال صندوف"الاستثمارات العامة" وهي اصول لأراضي التي تتبع لخزينة الدولة ،سيتم تحويلها الى مشاريع اقتصادية ، لمجمّعات سكنية ،وتجارية ،وسياحية ، وبعض هذه الاصول كان متعثرا، او فاشلا،وبعضها يواجه اشكاليات ،ولا نعلم كيف ستنجح مثل هذه الاستثمارات بالوقت الذي تمر فيه السعودية في أصعب ظروفها ،النفط تهاوت اسعاره عالميا،أمريكا تلوّح بحجز أموال السعودية نتيجة احداث الحادي عشر من ايلول رغم تطمينات الادارة الامريكية بان الملف لن يفتح ، تكاليف الحرب في المستنقع اليمني ،تمويل الثورة السورية ،تغطية العجز في الموازنة لتعويض خسائر النفط التي تصل الى 370 مليار دولار سنويا نتيجة فارق السعر، وبنفس الوقت نتحدث عن مشاريع ضخمه بهذا الحجم في احلك الظروف . في مقالٍ سابق توقعت ان ياتي يوماً ونسمع أن السعودية فتحت باب التجنيس لأسباب سياسية ربما تتعلق بالوضع اليمني ،ولإيراني وفتح باب التجنيد مقابل الجنسية واعطاء كامل الحقوق للمجنيد كما تفعل الادارة الأمريكية مع الذين يقاتلون ضمن قواتها لفترة من الزمن خارج الحدود مقابل التجنيس ، حديث سمو الامير عن منح "القرين كارد" للمقيمين ارى انها بداية لتلك الخطوة التي تعني التوطين ، واستثمار اموال العرب من خلال السماح لهم بالتملُّك والاستثمار الذي حرموا منه لسنين طويلة وكان في السابق ولا يزال لا يسمح للأجنبي التملك والاستثمار وكان يتم التحايل من خلال الكفيل الذي يسجل كل شيء باسمه وأغلب من فعلوا ذلك خسروا كل املاكهم وثرواتهم حسب ضمير الكفيل الذي يطمع ويتغول على تلك الاموال وينكرها وحصلت حالات كثيرة ، ويعتبر هذا تحولا كبيرا في السياسة السعودية لأول مرة يحصل بتاريخ المملكة، وكنا نتمنى أن ذلك حصل من فتراتٍ طويلة فما المانع ان يحصل العربي المسلم على أي جنسية يريدها ،بل وتفتح الحدود من المغرب الى الخليج ويصبح العبور بالبطاقة الشخصية فقط ،دون ظروف سياسية هي من تفرض ارادتها لتغيير القوانين والتشريعات . والأمير يقر أن بأن هناك ظلماً يقع على الطبقة الفقيرة سواء في مجال أسعار الماء،والكهرباء والنفط ،حيث أن نسبة 70% من الأغنياء هم المستفيدون من فارق السعر نتيجة استهلاكهم لكميات أكبر من كل ماذُكر ، ولهذا السبب تم الاطاحة بوزير المياه والكهرباء السعودي عبدالله بن عبدالرحمن الحصين ،ولكن هل هذا هو الظلم الوحيد الذي يعاني منه المواطن العربي بشكل عام او السعودي ،الفارق الضخم في الرواتب ،والامتيازات ، اليس من اسس فقدان العدالة الاجتماعية ،البطالة المرتفعه بالدول العربية، والسعودية، اليست من اسس العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنه،تطبيق القوانين والأنظمة على الجميع بالسواسية ،حرية الراي والتعبير ،وتولي المناصب السيادية اليست من حقوق الفقراء والاغنياء سواء . ولم يخفي سمو الأمير أن السعودية تاتي بالدرجة الرابعه ،ثم الثالثة في الانفاق العسكري ، نتيجة شراء ترسانات ضخمة من كافة انواع الأسلحة ،ويقر أننا اليوم بحاجة إلى أن نتحول إلى بلدٍ مصنع ونعتمد على أنفسنا بالتصنيع العسكري ، لو تم هذا الأمر من قبل فهو يسير بشكل جميل وبالاتجاه الصحيح ، ولكن لا اعلم من أين ستغطي المملكة كل هذه المشاريع الاقتصادية الضخمة التي لم تفكر بها الحكومة السعودية في سنين الرخاء عندما وصلت أسعار النفط الى 150 دولارا للبرميل ، وان حسبنا الدخل اليومي سنجده يصل الى الثلاثة مليارات دولار اي ما يعادل 100 مليار شهريا مع الاستثمارات الاخرى ، فهل بهذه الظروف الصعبة تستطيع السعودية ان تحقق كل هذه الأحلام في خطة لا هي خمسية ولا عشرية بل عشرينية أم هي مجرد تطمينات للشارع السعودي كما يفعل السيسي في بيع أحلام واوهام للشعب المصري ،والذي اصبح يتوسل من الشعب أن يتكلم بالهاتف بجنيه لدعم مصر والجنيه يتهاوى امام الدولار ،فهل نلمس هذا على الاقتصاد السعودي ان اغرقت ايران الاسواق بالنفط ،ولديها 6 مليار برميل جاهز لضخها بالسوق ،والسعودية تهدد برفع الانتاج بزيادة 2 مليون برميل ،وحينها يصل برميل النفط الى خمسة عشر دولارا فمن اين سنوفر هذه الاموال لتحقيق هذه الاحلام مع اننا نتمنى ذلك كما اسلفت من قبل انه تم وحصل حتى لا ياتي عليهم مثل هذا اليوم العصيب . لا اعلم يبدو ان الحكومة السعودية كانت لم تفكر بالاستثمار الاقتصادي عندما كانت في اوج قوتها الاقتصادية كخطط استراتيجية تعزز النهوض بالوطن، بل تستطيع ان تسيد العالم بصناعات متميزة ومتطورة وتنافس أكبر الدول من خلال استثمار العقول العربية التي نهضت بالغرب واستثمرها وسخرها لإعلاء اقتاد بلادهم،ويبدو ان التطمينات الأمريكية ،اعطتهم أملا أن الوضع الاقتصادي لن يتزحزح ،أو ان النفط لن ينهاوى يوما الى هذا المستوى . وعندما أصبحت السعودية في أصعب ظروفها الاقتصادية، بدات تفكر بمشاريع بترليونات الدولارات علما أنها تمر في أصعب ظروفها ،السياسية،والاقتصادية،والمؤامرات تحاك بدول الخليج يراها حتى من عُميَت بصيرته، فهل القيادة السياسية ستقع في الخطأ التصحيحي مرة أخرى عندما تتحدث عن تنمية اقتصادية بهذا الحجم وهي على أبواب حرب مع عدو لدود بالنسبة لها ""ايران"، ولا نرى بصيص أمل للتقارب والمصالحة نتيجة الحروب المشتعلة في المنطقة في كل من اليمن، وسوريا، والعراق ،وقضية حزب الله في سوريا،حيث الخلاف على اشده حول هذه الملفات ،والعلاقات السعودية الايرانية متدهورة وتزداد سوءًا مع كل اشراقة صباح،و يجب على الحكومة السعودية قبل أن تفكر باي استثمار أن تضع على سلم اولوياتها قبل التفكير باي تنمية واستثمار ،انهاء الصراع في المنطقة والاتفاق مع إيران حول كل القضايا العالقة حول هذه الدول ومستقبل اسعار النفط ،وإلا فإن اي حرب ستنهي احلام الحكومة السعودية والخطر سيصبح أكبر لأن كل مشاريعها الحيوية والاقتصادية ستصبح في مرمى الصواريخ الايرانية وخاصة مصافي النفط ،والمطارات،وآبار النفط ، وحينها تتبدد كل الاحلام والخطط العشرينية لأن امريكا ومن خلفها الصهيونية العالمية ستشعل المنطقة من خلال حرب سنية شيعية لا تبقي ولا تذكر قبل الخطة العشرينية ان ترى النور وتشتعل حرب عالمية ثالثة نتيجة ذلك تجتاح اوروبا والعالم وينهار الاقتصاد العالمي والعربي، ومن يفكر بغير ذلك فهو لا يحسن القراءة السياسية كما هي الاقتصادية . .
*الاردن - اربد