2024-11-24 06:51 م

(صنافير وتيران) عربيتان ضمن السيادة المصرية.. ولا حق لآل سعود بهما

2016-04-10
السيد شبل
 من زار شرم الشيخ المصرية، سيجد عروضًا سياحية متعددة لزيارة جزيرة (تيران ذات الـ 80 كم2) في رحلة بحرية (لا تحتاج لتصريح أو جواز مرور)، تلك الجزيرة التي تظهر قريبة جدًا وبوضوح أمام الناظر من أعلى هضاب شرم الشيخ، ماثلة وسط مياه خليج العقبة، وتتحكم هي وشقيقتها التي تقع إلى الشرق منها (صنافير ذات الـ 33كم2)، في ملاحة الخليج.. من يديرها؟ وما هو تاريخها؟ تمهيد: – لم يعرف الوطن العربي التقسيم الحدودي القطعي، بالصورة الحالية، إلا مع الاستعمار.. مما يعني أن المنطقة قبل تاريخ الاستعمار الحديث، كانت متصلة، والمناطق الحدودية فيها متداخلة.. صحيح أن العواصم كان لها وجود، والمناطق معتبرة، فالشام شامًا، والحجاز حجازًا، واليمن يمنًا، ومصر مصرًا، لكنها متداخلة ذائبة في بعضها البعض.. كما محافظات وأقاليم اليوم داخل القطر الواحد، وحتى بدون حدود المحافظات التي تكون مرسومة على الورق، لتحديد مسؤوليات المحافظين والمسؤولين المحليين، ولا وجود لها في الواقع المعيشي اليومي. – كانت لمصر منذ العهد الطولوني في منتصف القرن التاسع الميلادي وحتى الغزو العثماني في 1517 ميلادية، السيادة الفعلية على الحجاز، وكان حكام الحجاز المحليون يدينون بالولاء السياسي لحكام مصر (من الطولونيين، إلى الإخشيديين إلى الفاطميين إلى الأيوبيين وانتهاءًا بالمماليك)، بمعنى أن حكومة مصر المركزية كانت تمسك بالبحر الأحمر من ضفتيه، على طول الألف كم تقريبًا التي هي الحدود بين مصر والسعودية اليوم. – دولة السعودية لم تنشأ بصورتها الحالية سوى في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، وسبق نجاح آل سعود في تأسيس مملكتهم، محاولتين فاشلتين، أجهض أولاهما إبراهيم باشا بن محمد علي، وفي الثلاث تجارب (وإن بنسب متفاوتة) كان لآل سعود تحالف مع “الوهابيين” المتطرفين، أتباع منهج ابن تيمية، أحد أكثر فقهاء الظاهر، تعصبًا ونصّية وتكفير، وتوظيفًا للدين في خدمة السلطة!. البداية: - بعد نجاح محمد علي وأبناؤه في حماية الأراضي الحجازية من الهجمة الوهابية 1818، صارت لمصر السيادة عليها، بل وامتد العمّال المصريون في بعض المناطق الشرقية من الجزيرة العربية، كانت في البداية برضا السلطان العثماني، ثم صار رضاه ذاته بلا وزن، بعد رفض "محمد علي" التبعية له وتمدده بجيوشه حتى الأستانة، ولولا تحالف الأوروبيين مع العثمانيين، وفرض معاهدة لندن عام 1840، لتأكدت السيادة. لكن الأوربيون خشوا تنامي الحركة التي قادها محمد علي، وتوحّد مصر وسوريا والمنطقة العربية، وقرروا كبح جماحه، وحاربوه في الشام، ونافسته بريطانيا في اليمن التي كان قد وصل إليها في منتصف ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وتم حصاره داخل حدوده، وتقليص عدد قوات جيشه، وفرضت عليه ضرائب مرهقة للباب العثماني والتبعية الاسمية!. لكن الحقيقة، رغم كل ذلك، فإن حدود مصر الشرقية بعد 1840، وإن كانت (بموجب المعاهدة) قد تراجعت بمحازاة البحر الأحمر شمالًا عن الأراضي المقدسة، إلا أنها كانت أكبر من حدودها الآن بكثير، حيث شملت العقبة (الأردنية، حاليًا)، وجنوبًا حتى محافظة ضبا والوجه ضمن منطقة تبوك (السعودية حالًيا)، وربما امتدت شرقًا وفي العمق حتى مدائن صالح شمال المدينة المنورة.. وبقيت الحدود على هذه الكيفية، حيث يتولى الجيش المصري تأمين طريق الحج البري عبر القلاع الحجازية، ولم يتخلَّ عنها لصالح العثمانيين، إلا مع حلول عام 1885 وحتى 1892 ميلادية.. وذلك لأسباب متشابكة بينها الضعف المصري ، وتراجع أهمية الطريق البري للحج، ومحاولة كسب الود العثماني من جانب عباس حلمي الثاني. مما يعني أن الجزيرتين صنافير وتيران، كانتا مجرد نقطتين في البحيرة العربية (البحر الأحمر) الذي تسيطر مصر على خليجية (السويس والعقبة) وعلى البحر ذاته، من الضفتين المصرية والحجازية.. على الأقل حتى محافظة "الوجه" في الفترة ما بين (1818 وحتى 1892). – بدأ ترسيم الحدود الشرقية لمصر، في 1906، بين بريطانيا التي كانت تحتل مصر، وبين السلطنة العثمانية التي كانت تبسط سلطتها على الشام، وكان كل طرف يحاول توسعة المناطق التي تتبع له، للاستحواز على مساحة أكبر تحت سلطته.. قبل هذا التاريخ، لم تكن تعرف المنطقة هذا التقسيم الخطي، ويكفي أن نذكر بأن الشام بقي يدار من قبل حكام محليين ضمن سيادة الحكومة في مصر منذ الطولونيين وحتى الغزو العثماني، ولم تخرج مصر منه إلا في (فترة مستقطعة) مع ضعف الفاطميين، وهبوط وافد غريب على المنطقة وهم السلاجقة الأتراك، وسيطرتهم على الشام حتى فلسطين كلها، ثم وقوع الغزو الصليبي، مستغلًا ضعف السلاجقة وحروبهم البينية!. الحدود التي رسمها (البريطانيون والعثمانيون) انتهت إلى خط من نقطة على ساحل البحر المتوسط، وحتى نقطة على رأس خليج العقبة، وهو الخط الفاصل اليوم بين سيناء وفلسطين المحتلة، مع مراعاة (أم الرشراش المحتلة – إيلات حاليًا).. وقد كان فيها حامية من قوات الشرطة المصرية مكونة من أكثر من 300 فرد استشهدت على يد العصابات الصهيونية بعد 48، وفيها قلعة أسسها السلطان المملوكي قنصوة الغوري (تنسب إليه الغورية، بالقرب من جامع الأزهر)، آخر سلاطين المماليك!. – في الثلاثينيات، بسط آل سعود، بمباركة غربية، سيطرتهم على (نجد والحجاز، وغيرهما) الأراضي التي تعرف اليوم باسم السعودية، وسموها باسمهم. – من هذا التاريخ، وبعده وصولًا إلى تأسيس الكيان الصهيوني، لم يجرِ نقاش بخصوص جزر خليج العقبة. – في 1948، تأسس الكيان الصهيوني، وتقرر منح “اليهود – الذين لا تربطهم أي صلة ولو تاريخية بأرض كنعنان” والذين لم يكونوا يملكون أكثر من 6,5 % من الأراضي، ما نسبته 55% من أراضي فلسطين التاريخية،وخاضت الجيوش العربية حرباً.. انتهت بخسارتهم وهيمنة الصهاينة، والقوى الإمبريالية الراعية لهم على نحو 77% من أراضي فلسطين التاريخية (فلسطين، ما عدا الضفة الغربية وغزة).. وانتهت الحرب عند النظم العربية بهدنة رودس في 1949. – في منتصف القرن العشرين، بالضبط، تتوجه قوى بحرية مصرية لتسيطر على جزيرتي صنافير وتيران، نظرًا لأهميتهما، ويقال أنه قد جرى تفاهم بين آل سعود ومصر بهذا الشأن. – مع ثورة يوليو 1952، تؤكد الثورة، ليس على تبعية الجزيرتين لمصر فقط، بقدر ما هو على الحق العربي في السيطرة على خليج العقبة، ومنع سفن “الكيان الغاصب” من العبور فيه، خاصة وأن “إسرائيل” كانت قد شرعت منذ يونيو 52، في تحويل أم الرشراش المحتلة إلى ميناء “إيلات”!. – لم تثر السعودية كبير حديث، في هذا التوقيت، بخصوص الجزر، فقد كان حضور عبدالناصر طاغيًا كرأس حربة مشروع المقاومة ضد الأطماع الإمبريالية، ولم يكن الصدام قد حان بعد بين حكام السعودية باعتبارهم وكلاء “الشيطان” بالمنطقة وجمال عبدالناصر.. ففي 1954، أكد عبدالناصر للأمم المتحدة تبعية الجزيرتين لمصر، ولم يكن ناصر، يرغب في توسعة الأراضي تحت سيطرته، أو المشاحنة في قضية حدودية (لا محل لها من الإعراب أصلًا كون الأرض العربية، وكفى)؛ بقدر ما كان راغبًا في التأكيد على حقه، في هذه الجزر، وبالتالي حقه في إغلاق الخليج أمام الملاحة، ومن ثم حصار “الكيان الصهيوني”. – تقع حرب 1956، وتتحالف اثنتان من أكبر القوى في هذه الفترة (بريطانيا – فرنسا) مع حامية مصالح الإمبريالية في المنطقة “إسرائيل” ضد مصر، بسبب تبنيها خيار التنمية المستقلة، وإرادتها الفكاك من عباءة التبعية، وتنويع مصادر التسليح، والسعي في بناء جيش وطني، إلى جانب دعم ثورات التحرر العربي (الجزائر، كمثال). – تنتهي الحرب بالصمود المصري، وتفشل القوى الثلاثية، في تحقيق أهدافها، ويثبت أهل القناة مدى جسارتهم في مقاومة الاحتلال بأبسط الإمكانات، وتمنح القيادة المصرية العربية بصلابتها الروح من جديد لشعوب العالم الثالث، وتؤكد استحقاقها لأن تقف إلى جانبها قوى دولية كبرى (كالاتحاد السوفيتي)، من موقع الندية لا الامتنان.. وتنسحب “إسرائيل” من سيناء وغزة، غير أن القوى الدولية تتفق على إبقاء، قوات في منطقة شرم الشيخ والجزيرتين، لتضمن “إسرائيل” عبور ملاحتها في خليج العقبة. – قبل يونيو 1967، يطالب جمال عبدالناصر، بإجلاء القوات الدولية، وتعود مصر للإمساك بمضيق تيران، والجزيرتين، ويُمنع مرور السفن “الإسرائيلية”. – تقع يونيو 67، وتتحالف قوى الاستكبار الغربي مرة ثانية مع “إسرائيل”، ضد القوى العربية الصاعدة، وتستغل ثغرات في المشروع الناهض، ويتم احتلال سيناء، بما فيها الجزيرتين. (( يُنشر كثيرًا، في وسائل إعلام، أن مصر قد استأجرت الجزيرتين من السعودية في هذا الوقت، وهذه معلومة غير موثقة، ولا معروف أوزان من صرحوا بها، أو المسئولين الذين حرروا عقود الإيجار، ثم أين المستندات "وهذا هو السؤال الأهم"؟؛ ثم، ما مدى منطقية، الحديث عن الجزر.. وسيناء كلها، وقعت تحت تصرف المحتل "الإسرائيلي"، بعد 67، ومنطقة الجزر تحت إدارة القوات الدولية منذ 56 وحتى إجلاء عبدالناصر لهم؟؛ وهل كان التصريح (إن صح) مجرد ترضية "صورية" ليس لها وزن للسعودية، حتى تستغلها أمام رأيها العام الداخلي؟؛ ثم في أي وقت تاريخي بالتحديد كانت الجزر تابعة للسعودية، أو لها سيادة عليها، حتى تمتلك الحق في التأجير أو الامتناع؟؛ أم كانت المسألة تصريحات سياسية "دبلوماسية" عربية متبادلة للتأكيد على وحدة الصف العربي وذوبان الخلافات في مواجهة العدو الصهيوني ؟!. )) – في 73 يؤكد المقاتل المصري على أصالة معدنة، ويعبر القناة ويتقدم في سيناء بعمق 15 كم، ويقدم كمًا هائلًا من البطولات.. ثم، ولأخطاء في إدارة القتال، تقع الثغرة ويتسلل الجيش الصهيوني، غرب القناة، ثم يقع حصار الجيش الثالث، ومن هنا يبدأ فصل جديد من فصول الصراع العربي الصهيوني، باتصال السادات مع كسينجر، وتبدأ مفوضات فك الاشتباك وتسليم الأوراق كلها للسيد الأمريكي. بنهاية السبعينات، توقع مصر منفردة على اتفاقية “كامب ديفيد” المعيبة، وتدخل تحت عباءة المصالح الغربية، وتخرج من قضية الصراع ضد العدو الصهيوني، وتفرط في سيادتها الكاملة على شبه جزيرة سيناء.. بتقسيمها إلى ثلاث مناطق رأسياً، من غرب القناة وخليج السويس، وحتى الحدود الحالية مع فلسطين المحتلة وخليج العقبة. وتقع منطقة شرم الشيخ والجزيرتين، ضمن المنطقة “ج”، وهي التي يحق لمصر فيها الحضور فيها بقوى شرطية محدودة، ويتواجد فيها نحو 2000 فرد تابع للقوات الدولية، أغلبهم من الولايات المتحدة الأمريكية. – منذ الثمانينات وربما قبلها، تثير السعودية، قضية الجزيرتين، من وقت لآخر، ويبرز السؤال عن تبعية الجزيرتين؟ والحقيقة أن الجزيرتين واقعتان، تحت إدارة القوات الدولية (لا أكثر ولا أقل) لضمان فتح مضيق تيران أمام سفن الكيان الصهيوني، وتحت سيادة نظرية أو اسمية (شبه محدودة) لمصر، تتيح للسائح مثلًا زيارتها. في ظل علاقات القرب بين نظام مبارك وآل سعود، لم تحتل القضية أهمية كبيرة، إلا أنها كانت تحضر عند ترسيم الخرائط السعودية، التي تضم فيها “صنافير وتيران” إلى حدودها المائية، ويبدو أن الإدارة المصرية وقتها (رغم كل سلبياتها) كانت تبدي تصلبًا وجرأة أمام السعودية، في حالة طرح الأخيرة تبعية الجزيرتين لها. الحقيقة، أن الجزيرتين، يكتسبان أهميتهما، من كونهما أداة في يد المقاومة العربية، لحصار الكيان الصهيوني، وحتى الآن يبدو سبب الخلاف مجهولًا، فالثابت أن الجزيرتين أراضٍ عربية، غلب عليهما الطابع المصري طوال التاريخ.. وتأكدت سيادة مصر عليهما بعد 48، وبشكل أوسع منذ الخمسينات، وأدتا دورهما ضمن مشروع جمال عبدالناصر، واستُلبا منه حينًا واستردهما حينًا آخر، أما اليوم فهما تحت إدارة القوات الدولية التي أغلبها أمريكي.. ومجهول سبب إثارة حكام السعودية (الذين لم ينشئوا دولتهم سوى في الثلاثينات!)، الجدل بخصوصهما، خاصة وأن السعودية تمتلك مساحات شاطئية متعددة على ذات المنطقة من الخليج (رأس الشيخ حميد، مثلًا)، ولا تستثمر فيها سياحيًا، لأسباب خاصة بها!، أم أن للأمر تفاصيل أخرى، تتعلق بإرادة تحقيق انتصار صغير وصوري وبلا وزن أو قابلية للتنفيذ، يتم توظيفه في تسويق صورة الحكام محليًا، وإضعاف مكانة مصر (وما تمثله مصر تاريخيًا) أكثر، أم للمسألة برمتها شق اقتصادي أو سياسي خارجي لم يتأكد بعد !. الخلاصة: لو كان الصدق متوفرًا، لكان الحوار العربي العربي، يدور حول إخلاء الجزيرتين من القوات الدولية، أولًا، وتكاتف عربي للتأكيد على حق الجيش المصري في بسط سيادته كاملة على سيناء، ثم الالتفات إلى فلسطين المحتلة.. قبل الحديث عن أي شيء آخر.. وطالما الحديث لم يمر من هذه البوابة، فهو باطل وكل ما سيترتب عليه، سيكون باطلًا مثله، ويحمل أهواء وأطماع فاعليه.