2024-11-27 04:26 م

قراءة في حرب الايام الثمانية على غزة!! * انتصرت المقاومة وفريق العدوان في ضياع

2012-11-25
القدس/المنــار/ لم تعتد اسرائيل ابلاغ أية جهة أو طرف بخطواتها العسكرية والامنية، ما دامت هذه الخطوات في دائرة يمكن السيطرة عليها، وليست لها اية انعكاسات اقليمية تتعارض مع مصالح الاصدقاء.
لكن، هذا الامر المتبع، والذي اعتادت عليه اسرائيل منذ قيامها، والمحافظة على درجة عالية من استقلالية القرار، مع السماح بالتشاور مع الاصدقاء، تغير هذه المرة في ظل ما تشهده المنطقة من تغيرات وتبدلات في الساحات المجاورة، والتورط الغربي والامريكي، بشكل خاص في صعود حكام جدد في العواصم العربية.
ورغم وجود نوع من أنواع التشويش والتوتر في القناة السياسية التي تربط بين مكتب رئيس الوزراء نتنياهو ومكتب الرئيس الامريكي ، الا أن التنسيق الامني والعسكري الذي يعتبر من المسائل الاستراتيجية في البلدين لا يتأثر بما يحدث في القناة السياسية، على الرغم من أن الدفء في القناة السياسية يدعم ويخدم ما يحدث في القناة العسكرية.
والحكومة الاسرائيلية في ظل الاجواء والمتغيرات ومنعا لفهم خاطئ من جانب الاصدقاء للاحداث، تشاورت تل ابيب مسبقا حول مدى التفهم الامريكي، لما قد تقوم به اسرائيل ردا على استمرار التهديد القادم من قطاع غزة باطلاق القذائف الصاروخية، ورغم عدم اطلاعها واشنطن على طبيعة الهدف كعقاب لحركة حماس، الا أن الادارة الامريكية أبدت تفهما كبيرا للخطوات العقابية ضد غزة.
والتشاور المسبق هذه المرة بين اسرائيل وامريكا، كان مهما من شأنه اعطاء واشنطن الوقت الكافي لتوفير الغطاء الاقليمي والدولي للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة.
لكن، هذه المظلة "الغطاء" كان لها حدود يمكن استخدامها جوا، دون التورط برا، خشية "المفاجآت" وعدم اطالة مدة المواجهة، ووجهة النظر الامريكية هذه، جاءت متطابقة مع توصيات المستوى العسكري الامني الاسرائيلي، ورغم كل التهديدات التي أطلقتها اسرائيل، من حشد للاحتياط والتهديد بغزو بري الا أن التردد كان واضحا على مستوى صناع القرار، الذي كانوا يصدرون الاوامر للقيام بعمليات توغل ثم يعودون ويتراجعون عن ذلك بشكل سريع، حتى أنه في بعض الاحيان، كانت تصدر التعليمات لقوة عسكرية اسرائيلية لبدء توغلها في مناطق محددة بالقطاع، وقبل أن يبدأ هذا التوغل تصدر تعليمات معاكسة تطالب هذه القوة بالعودة الى الاماكن التي تحركت منها.
ومن خلال مراجعة سريعة لأحداث ايام الحرب الثمانية على قطاع غزة، فان الجيش الاسرائيلي لم يحقق اية مكاسب وانتصارات خارجة عن المألوف من خلال هذه العمليات العسكرية، واستنادا الى مصادر غربية حيادية فان الربح الوحيد في هذه الحرب أن قطاع غزة شكل ساحة لعدة اختبارات وميدان تجارب، وأكثر الجهات المستفيدة من الحرب هي الشركات التي تقوم بتصنيع وتركيب "القبة الفولاذية"، من هنا، كانت التغطية الاعلامية لهذه المنظومة مقصودة، وتصويرها بأنها أسقطت عشرات الصواريخ والقذائف، بغية جذب عشرات الدول للحصول على عقود لشراء هذه المنظومة، ولأنها منظومة دفاعية وليست هجومية، فلن يكون هناك مانع من تسويقها في المرحلة القادمة، كما أن الاسرار التصنيعية لها بامكان القائمين عليها ايجاد الطريقة المناسبة لتشفير هذه الاسرار.
ايضا، تضيف هذه الدوائر لـ (المنـــار) فان قطاع غزة قد شكل ميدانا لكشف نوايا النظام الجديد في القاهرة، ومدى استعداده للتضحية والاقدام على خطوات غير مدروسة محكومة عاطفيا ضد اسرائيل حيث اثبت نظام الرئيس محمد مرسي أنه لم يتردد في التعامل مع هذه الازمة بصورة ايجابية، وكانت استجابته سريعا للمساعي الامريكية الهادفة الى انهاء المواجهة بين المقاومة الفلسطينية واسرائيل، وميدان غزة سلط الاضواء على حقيقة أن غزة ليست في مرحلة التحول الى كيان مستقل عن الضفة الغربية، بل هي قطعت شوطا كبيرا ووصلت الى المرحلة النهائية في هذا التحول المدعوم من "الاخوة في الدين" أي جماعة الاخوان المسلمين، وليس كما يحاول البعض أن يدعي بأن العمليات العسكرية فتحت الطريق أمام الربط الجديد بين الضفة وغزة، فالعملية العسكرية والمساعي السياسية أثبتت أن السلطة ازاء هذا التطور لم يكن لها لا حول ولا قوة.
والأخطر من هذا، هو ما جرى داخل الغرف المغلقة من مشاورات، بين الفريق الثلاثي نتنياهو وباراك وليبرمان، الذين تعاملوا مع الامور في بداية العمليات مع قدرات المقاومة الفلسطينية باستهزاء، ثم في اليوم الثاني بدأت ثقتهم بأنفسهم تنخفض، واتضح ذلك بجلاء عندما منح هذا الثلاثي الفرص للمساعي المصرية الامريكية، بعد أن تلقوا الضربات والصدمات، وبدأت الصواريخ تتساقط على المدن والبلدات الاسرائيلية، وفي مقدمتها تل أبيب والقدس، كان هذا الاعلان الاسرائيلي يجب أن يخرج قبل ذلك بيوم، لكن، الصاروخ الذي وجد طريقه الى أحد المنازل في "ريشون لتسيون" بضواحي تل ابيب، منع هذا الاعلان ولم يعد بالامكان الخروج بعد هذه الضربة الصاروخية الى مؤتمر صحفي للاعلان عن تهدئة، ثم جاءت صدمة تفجير الحافلة وسط تل ابيب في شارع "شاؤول هميلخ" بالقرب من رئاسة هيئة الاركان.
وحالة القيادة الاسرائيلية لا تختلف عن حالة الشعب في اسرائيل فالجميع خرجوا من هذه الجولة مصدومين، وكان يمكن أن يلمس هذا بوضوح على وجوه المارة في الشوارع، وفي تل أبيب والقدس بعد اطلاق صافرات الانذار واضعين ايديهم على رؤوسهم وهم يركضون، فاسرائيل خرجت من هذه الحرب وهي تخشى "المجهول القادم".
فبعد أن كانت المفاجأة قادمة من الملعب الاسرائيلي انعكست الصورة لتصبح غزة هي صاحبة المفاجأة. حيث تم قصف تل ابيب والقدس.
وأدق وصف لنتنياهو وحالته بكلمة واحدة هي "الضياع" وظهر عليه التخبط والتردد وفقط توازنه، وكان مذعورا من تكرار صور جنازات الجنود وبكاء الامهات في حال دخل في هجوم بري على غزة، عندها ستكون الهزيمة أكبر.
لقد أنهى الطيران الاسرائيلي قصف بنك الاهداف في اليوم الخامس للحرب، وكان واضحا أن عمليات القصف بعد ذلك كان هدفها تمضية الوقت وعدم الجلوس مكتوفي الايدي أمام ضربات الخصم الصاروخية.
ويبقى القول أن هذه الحرب على غزة، وصمود المقاومة، وتراجع اسرائيل وهزيمتها، سيفتح الابواب أمام تطورات سياسية قادمة، هي الان تصاغ بين أيدي الجهات ذات التأثير اقليميا ودوليا.