2024-11-27 01:37 م

لم يولد داعش ليموت.. أسباب قوته وبقائه

2016-04-03
إعداد علي فواز
مآلات داعش في عام 2016. تصريحات متفائلة صدرت عن مسؤولين أميركيين وعراقيين بقرب القضاء عليه. توازيها معارك على الأرض واستعادة مساحات سبق واحتلها التنظيم. هل تكون هذه السنة بداية نهايته انسجاماً مع التصريحات والتطورات العسكرية؟ما حقيقة الحديث الذي رافق ظهوره عن ارتباطه بأجهزة استخبارات غربية وعربية أوجدته لأهداف محددة وصلاحيات زمنية محدودة؟ إذا صحت هذه النظرية، هل انتهى الدور الوظيفي الذي كان يؤديه، في سياق الصراعات الإقليمية والدولية في المنطقة وعليها؟ إحاطة حول هذه الأسئلة وغيرها يقدمها المتخصص في الجماعات الإسلامية الدكتور محمد علوش صاحب كتاب "داعش وأخواتها، من القاعدة إلى الدولة الإسلامية".
لم يولد تنظيم داعش من أجل أن يموت. كما أنه لم يخلق فجأة. صحيح أنه انتشر بشكل سريع منذ ظهوره في العراق عقب خروج الأميركي من البلاد، لكنه كان امتدادا طبيعياً لتنظيم "دولة العراق الإسلامية" الذي انصهر في داخله عشرات التنظيمات الجهادية ذات المنشأ العراقي الصرف، جنباً إلى جنب تنظيم "التوحيد والجهاد" الذي أسسه الأردني أبو مصعب الزرقاوي في العراق.
الظروف التي نشأ فيها التنظيم وترعرع في أحضانها لم تتغير بل تعمقت. وهذا ساعده على تعزيز وجوده، مستفيداً من الإضطرابات السياسية والإقتصادية والإجتماعية الحادة التي طبعت المجتمع العراقي منذ بدء الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.
من هذا المنطلق من  المبكر الإجابة على سؤال أين يذهب داعش بعد استعادة الموصل والرقة ربطاً ببعض التصريحات المتفائلة عن اقتراب القضاء عليه. داعش يتمدد دون أن يغادر المنطقة. هو حالياً يقيم له مناطق نفوذ واسعة في شمال سيناء ودول الساحل الأفريقي، لكن التمركز الأهم له هو في ليبيا. وهو يسعى لتحويل ليبيا إلى نقطة ارتكاز للتوجه منها نحو أوروبا شمالاً وباتجاه عمق القارة الإفريقية جنوباً.
هل داعش لعبة استخبارية؟

لا يؤدي داعش لعبة لصالح طرف خارجي. هو أيديولوجية فكرية متكاملة. ومن غير الواقعي اختزال ظاهرته باعتباره صنيعة مخابراتية صرفة. ربما تمّ توظيفه أو استخدامه لمآرب ومصالح لم يسع هو لها ولا هو على علم أنه موظف فيها. والمطلع على المراسلات بين قيادات القاعدة وقيادات داعش خلال عملية الانفصال التي تمّت بين التنظيمين يتأكد أن كل التنظيمات مخترقة، وإن بدرجات متفاوتة. وتؤكد القاعدة حالياً أن تنظيم داعش مخترق من رأسه إلى عمقه.
من الناحية الإيديولوجية لم يستقر تنظيم داعش حتى الآن، بخلاف تنظيم القاعدة الذي وصل مرحلة "الإشباع الإيديولوجي" واستقرت مفاهيمه واتضحت رؤيته. تنظيم داعش متفوق على القاعدة عسكرياً وتجنيداً وإعلامياً لكنه ما زال يستعير أدبيات منظري القاعدة. هو يتطور أيديولوجياً، وليس بإمكاننا التنبؤ بالمستوى الإيديولوجي الذي قد يصل إليه أو يستقر عنده. لكنه مقارنة بالقاعدة فهو يزداد تطرفاً سلوكياً مع افتقاره الواضح للمنظرين الشرعيين المستقلين تماماً عن العباءة "القاعدية".
ويغلب على ظني، أنه سيصل إلى العقيدة نفسها التي حملها تنظيم "الجماعة المسلمة" بقيادة شكري مصطفى في مصر خلال السبعينيات من القرن المنصرم، وهو التنظيم الذي يُعرف إعلاميا بـ"التكفير والهجرة". أي إن فكره سيصل إلى المفاصلة التامة بينه وبين من هو خارج رحمه التنظيمي. فـ"المسلم" فقط من هو مبايع لـ"دولة الخلافة" وما عداه فإما مرتد أو كافر. حتى اللحظة لم يبلغ التنظيم هذا المستوى الإيديولوجي لكن المراقب لصيرورة تطور التنظيم المفتقر لعلماء دين، في ظل هيمنة الجسم العسكري عليه لا يستبعد أن يصل التنظيم إلى هذا المستوى. وعند وصول التنظيم إلى هذا المستوى الإيديولوجي سيتدمر داخلياً، بحيث سينشطر إلى تنظيمات تتقاتل في ما بينها كما تقاتل غيرها. وفي حال بقي التنظيم مسيطراً على بقعة من الأرض ينطلق منها ويقود خلاياه وفروعه، سيبقى متماسكاً إيديولوجياً. 
صعوبة القضاء على داعش

جُلّ مراكز الاستشراف الاستراتجية تتوقع أن العام 2016 لن يختلف عما كان عليه العام 2015 في العراق وسوريا. في العراق سيحصل تقدم للجيش العراقي ضد داعش، لكنه لن يكون كافياً للقضاء على التنظيم. والأمر يتطلب تعاوناً مشتركاً بين العراق وإيران وتركيا وإقليم كردستان والولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب. وهو أمر غير متوقع حدوثه بشكل مرضي خلال العام الجاري. وربما تحصل انتكاسات جديدة للجيش العراقي إذا ما ترددت الولايات المتحدة في دعمه أو تفجر الخلاف بشكل أكبر بين المكون السني والحكومة العراقية.
وفي سياق الحديث عن المواجهة مع داعش من المفيد التفريق بين داعش كتنظيم عسكري له نظامه الداخلي وتراتبيته الهرمية واستراتجياته العسكرية، وبين "داعش" الذي هو ظاهرة فكرية تتمدد في فضاء أوسع من التنظيم لتصل إلى "الأنصار" و"المتعاطفين" خارج الأماكن التي هي تحت سيطرته.
 
يُرجح أن تنظيم داعش سيتشظى أو يضمر أو يموت إذا ما تحالف العالم ضده وواجهه بعزيمة وإصرار. أما ظاهرة داعش، فلا يمكن مواجهتها بالعنف ولا بالسلاح لأنها نتاج اهتراء اجتماعي، فقد الثقة بذاته وبالدولة التي تحكمه، وعجز عن التكيف مع المتغيرات السريعة في بنية المجتمع، فركن إلى ثقافة نصوصية متصلبة من الموروث الديني سادت في حقبات الصراعات الإسلامية الداخلية، وخلال مرحلة الانهزام الحضاري للمسلمين أمام الغزوات المغولية والصليبية. وبروز الظاهرة بهذا الإتساع والعمق تطلب استدعاء النصوص المكبوتة في التاريخ والمعزولة في دواوين النقاشات الداخلية الدينية لإضفاء شرعية وجود ديني وتاريخي على الظاهرة، ولضمان استمراريتها في مواجهة كل ما قد يهدد بنيانها. 
تعميق المعرفة الدينية تماشياً مع تحقيق إصلاحات سياسية جذرية تقوم على إعلاء مصلحة المواطن على ما عداه على الصعيد الداخلي كفيل باحتواء الظاهرة بنسب عالية جداً. وإذا ما تكرس الاستبداد وتجذر فإن داعش ستولد توآئم وأفراد ولن تنتهي على الإطلاق. قد تخبو لكنها لن تموت. ومنذ ظهور حركات الإسلام السياسي قبل 90 سنة وإلى اليوم لم تنجح دولة أو نظام في القضاء على الأصول الفكرية لهذه الحركات. والمعالجات التي كانت قائمة على العنف ولّدت عنفاً مضاداً.
أما القضاء المبرم على التنظيم عالمياً يتطلب تضافراً دوليا يبدأ بحلّ القضية الفلسطينية بشكل عادل، والكفّ عن الكيل بمكاييل مختلفة تجاه العالم الإسلامي. وهذه في تقديري أمنيات أكثر منها أمور قريبة التحقق أو الوقوع.
كيف استفادت أميركا من داعش؟

ظهور داعش في العراق ساعد الولايات المتحدة على العودة إلى العراق من الباب الواسع وبسط نفوذها بأساليب جديدة بعد أن كانت مضطرة للخروج بناء على اتفاق مُوقع مع حكومة المالكي. لكن ليس تنظيم داعش وحده هو من يسّر العودة للولايات المتحدة، وإنما السياسات الخاطئة التي اعتمدتها الحكومة العراقية. فلا يمكن للعراق أن يحصن نفسه من التدخلات الخارجية ما لم يكن هناك عملية مصالحة حقيقية بين جميع مكوناته العربية والكردية والسنة والشيعة. 
في تقديري، الولايات المتحدة لا تريد أن تغادر المنطقة من أجل التفرغ للصراع مع الصين والهند في آسيا، كما يرى البعض. الشرق الأوسط سيظل منطقة حيوية للولايات المتحدة خلال السنوات القادمة. لكن المقاربة الأميركية لمصالحها ونفوذها تتبدل وتتحول. إدارة بارك أوباما سعت لإدارة المنطقة من بعيد عبر وكلاء قادرين أن يؤمّنوا مصالحها دون أن تتورط هي بما تورطت به في العراق وأفغانستان.
في خطابه الأخيرة عن حالة الاتحاد، قال أوباما إن داعش لا يمثل تهديدا وجودياً للولايات المتحدة. حتى الآن صحيح لا يمثل داعش خطراً وجودياً للولايات المتحدة لأنه لا يقدر على ما هو أكثر من تخريب بعض المصالح الحيوية للولايات المتحدة في العالم. لكن خطر داعش سيزداد صعوداً إذا ما نجح في الحفاظ على دولته لفترة طويلة. من هنا ترى الولايات المتحدة نفسها ملزمة بمواجهته والحد من نفوذه والقضاء عليه إذا أمكن. وفي حال تعذر القضاء عليه، فالعمل سيبقى مستمراً لتلقيم أظافره وإشغاله بنفسه.
القاعدة وداعش وأغلب التنظيمات السلفية الجهادية تمثل خطورة على الغرب حضارياً ووجودياً على المدى البعيد. فهي أصلا تدعو إلى إزالة الغرب وفرض الأيديولوجية الإسلامية عليه. ولا يمكن لهذه التنظيمات أن تتصالح مع الغرب في يوم من الأيام. وإلا اضطرت لخلع عباءتها الإيديدولوجية.
في سياق مواجهة التنظيمات المتطرفة، فإن الإستراتيجية الأميركية المتبعة في محاربة داعش والقاعدة على حد سواء تتجلى باستعمال الطائرات من دون طيار، والقيام بعمليات عسكرية محدودة خاطفة وسريعة، تقوم بها فرق كوماندوز، وتوفير مستشارين لجيوش صديقة، والعمل لخلق جيش مشكل من عدة دول عربية وإسلامية يقوم بمهام القوات الربية في لإنجاز الحل العسكري المطلوب. 

المصدر: الميادين نت