2024-11-25 01:57 ص

سياسة أوباما الشرق أوسطية في ولايته الثانية يرسمها اللوبي الصهيوني

2012-11-23

بقلم | سمير كرم

وضع روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لـ”معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني” نفسه في موقع عضو في مجلس الامن القومي الأمريكي واعتبر نفسه “عضوا وهميا” في هذا المجلس. وكتب هذه المذكرة ضمن سلسلة المرصد السياسي التي يصدرها هذا المعهد وتحمل المذكرة رقم 1995. ثم كتب ساتلوف المقدمة لتكون بمثابة السيناريو الذي يضعه المعهد المذكور. حدد ساتلوف المقدمات والاهداف التي يتصور (اي يتصور اللوبي الصهيوني) لهذه السياسة في الفترة القادمة التي تمثلها السنوات الاربع المقبلة لرئاسة باراك اوباما.

وللحقيقة فان ما كتبه ساتلوف يعطي صورة دقيقة لما تود اسرائيل ان يحدد سياسات اوباما التالية بالنسبة لاسرائيل والدول العربية في وقت يتساءل فيه العرب في حيرة عن ما ستكون عليه هذه السياسة الأمريكية في الحقبة المقبلة. وهنا يكمن الفارق الجوهري بين موقف اسرائيل والموقف العربي بانتظار الخطة القادمة للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة وتجاه الصراع الذي يحكم المنطقة في اطار من المصالح الأمريكية. للحقيقة فان المذكرة التي كتبها ساتلوف معتبرا انه انما يرسم ملامح السياسة الأمريكية في الشرق الاوسط كما يمكن ان يكتبها عضو في مجلس الامن القومي الأمريكي ترسم بدون شطط او مبالغة ما ينبغي ان تكون عليه هذه السياسة لتحقيق المصالح الأمريكية كما تحددها اسرائيل. ولعله يجدر بالذكر في هذه المقدمة ان نذكر ان ساتلوف اختار صفة الشجاعة ليطلقها علي عضو مجلس الامن القومي الأمريكي الذي وضع نفسه مكانه دون اي صفة اخري. فهو لم يختر مثلا صفة الموضوعية او الاخلاص للمبادئ السياسية الأمريكية او الاسرائيلية. ونسمح لانفسنا بان نفسر صفة الشجاعة هنا بانها تعني الجرأة اكثر مما تعني اي شيء آخر والمقصود هو الجرأة في تصور صهيوني لمقدمات ونتائج السياسة الأمريكية في الشرق الاوسط كما ينبغي ان تكون في فترة رئاسة اوباما لأمريكا وبالتالي مسئوليته عن تحقيق اهداف اسرائيل من خلال هذه السياسة.

تطابق أمريكي – إسرائيلي

ولقد كتب الكثير وقيل اكثر في عواصمنا العربية عن ما نتوقع من اوباما وسياسته في منطقتنا اذا ما نجح في الفوز بفترة رئاسة ثانية. واتسم ما كتب وقيل عربيا اما بسيطرة الاماني علي الافكار بتوقع سياسة من اوباما تتجه نحو التوازن، واما بتوقع اشد درجات الانحياز من ادارة اوباما الي اسرائيل كما هي العادة من رؤساء أمريكا المتعاقبين ديمقراطيين وجمهوريين تجاه الصراع العربي – الاسرائيلي. اما ساتلوف المدير التنفيذي للمعهد فيؤدي واحدا من اهم الادوار في مواءمة السياسة الأمريكية والاسرائيلية فان المذكرة التي كتبها تتميز بمعرفة واسعة ومباشرة بمقدمات السياسة الأمريكية وأهدافها ومعرفة لا تقل وثوقا بما تريده اسرائيل وبالتالي ما تتوقعه من رئيس أمريكا.. يحدد ساتلوف ثلاث قضايا يعتبرها “الاكثر الحاحا في جدول اعمال الشرق الاوسط “، والمقصود هو بالطبع قضايا المنطقة علي جدول الاعمال الأمريكي. القضية الاولي هي “منع ايران من الوصول الي قدرة تصنيع أسلحة نووية”. والثانية هي “اسقاط نظام بشار الاسد في اقرب وقت ممكن لفرض هزيمة استراتيجية علي ايران وفصل محور المقاومة الذي يربط طهران ودمشق وحزب الله في بيروت والثالثة هي “الحيلولة دون انهيار واحدة او أكثر من الانظمة الملكية الموالية للغرب في البحرين والاردن والمغرب”. والاحري ان ندهش لان المؤلف لم يذكر السعودية، ولكن ذكرها سياتي في سياق مشابه فيما بعد.. ينتقل ساتلوف بعد ذلك الي مايسميه “القادة الاقليميون الثلاثة الذين يستحقون ايلاء اهتمام خاص” (من جانب ادارة اوباما) ويذكرهم بالترتيب التالي :”رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو، اذا قاد حزبه للفوز في انتخابات الكنيست في يناير القادم فشكل حكومة ائتلافية اخري، فانه علي الارجح سيظل في منصبه لما تبقي من رئاسة اوباما”. الثاني هو “رئيس الوزراء العراقي نور المالكي. يعد العراق محور الارتكاز الثالث في دبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الاوسط”. الثالث هو “الجيل القادم من الامراء السعوديين … ان احتمالية نقل السلطة الي احفاد ابن سعود قد بدأت بالفعل. اما الابناء الباقون لمؤسس المملكة – بمن فيهم الملك عبد الله الذي سيبلغ من العمر تسعين عاما في السنة المقبلة – فهم علي شفا الرحيل السياسي”.. والملاحظ هنا ان الرئيس المصري (الجديد) محمد مرسي لم يرد في اي ترتيب بين القادة الثلاثة الذين يستحقون ان توليهم الادارة الأمريكية اهتماما خاصا.

الجهاد في سيناء

وينتقل الكاتب الصهيوني بعد هذا الي ما يسميه “الكوارث الثلاث التي يجب علي واشنطن تجنبها”. اولها “زوال المملكة الهاشمية، ثانيا انهيار السلطة الفلسطينية، ثالثا ظهور معقل جهادي في سيناء”.. ويمكننا ان نلاحظ هنا ان الكارثة الاولي بدأت ملامحها في الظهور في احداث الاردن الاخيرة قبل ان ينتهي ساتلوف من كتابة مذكراته. اما الكارثة الثانية فقد بدأت اسرائيل نفسها تهدد بان تنهي وجود المنظمة اذا اصرت هذه علي اللجوء للامم المتحدة لنيل مقعد دولة مراقب غير عضو فيها. اما الكارثة الثالثة فان الغموض يحيط باحتمال وقوعها ولا تبدو السلطة المصرية قادرة علي القيام بدور وطني بناء لمنعها.. وينتقل ساتلوف بعد هذا الي “المبادرات السياسية الثلاث لفترة الرئاسة الأمريكية الثانية”. وفي المبادرة الاولي يظهر ما يسميه “اعادة النظر في العلاقات مع حكام مصر الاسلاميين. ان النهج الأمريكي الحالي تجاه القاهرة يمثل استمرارا لما كان عليه الحال في عهد مبارك مع منح القليل من المعونات الاضافية. ولم تفكر واشنطن مليا في السياسات والاستراتيجيات والادوات وبناء علاقة جديدة مع الحكام الاسلاميين في مصر وينطبق هذا علي جميع القضايا الثنائية وهي المعونة الاقتصادية والعلاقات العسكرية والتواصل مع المجتمع المدني …”.

اما المبادرة الثانية فهي “ابرام اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة ومصر واسرائيل”. والمبادرة الثالثة هي “اصلاح العلاقات التركية – الاسرائيلية”.

في ختام المذكرة تأتي “العوامل الستة المغيرة للعبة والتي يمكنها ان تحدث تحولات كبيرة في المنطقة” .وهي كالتالي:

1- “الربيع العربي ونتائجه. قد تتحول المرحلة التالية من ثورات الربيع العربي نحو الانظمة الملكية في المنطقة، ومن المحتمل ان تصل الي المملكة العربية السعودية.

2- الارهاب من جديد بعد فترة هدوء مؤقت في الهجمات الكبري ضد اهداف أمريكية ومقتل اسامة بن لادن قد تعاني الولايات المتحدة من حدوث واحدة او اكثر من الهجمات الارهابية المفجعة …

3- ازدياد معدل المصادمات والهجمات في سيناء.

4- اسلحة الدمار الشامل في سوريا.

5- اعادة احياء الحركة الخضراء (الايرانية المعارضة) ستمثل احدي الفرص المحتملة للولايات المتحدة في احياء حركة المعارضة السياسية في ايران.

6- تجاوز العتبة النووية الايرانية. يجب الحيلولة دون حدوث هذا السيناريو المخيف باي ثمن.

هكذا نتبين اولويات اسرائيل لما ينبغي ان تكون عليه اولويات واهداف السياسة الأمريكية في الشرق الاوسط في السنوات الاربع القادمة. ولا يزال يلح علي الذهن العربي السؤال عما اذا كانت هذه الاولويات الاسرائيلية ستبرهن مرة اخري – ربما تكون المرة العشرين – علي انها اولويات أمريكية ايضا بالقدر نفسه وربما تمارس من جانب الرئاسة الأمريكية بحماس اشد وأمضي.

في هذه الاثناء سنظل نردد السؤال الذي يبدو انه لا يزول ابدا من اذهاننا عما اذا كانت المصالح الأمريكية تتطابق تماما مع المصالح الاسرائيلية في الشرق الاوسط كما في اي منطقة وفي اي زمان في فترة رئاسة أمريكية ثانية يفترض ان لا اهمية فيها للاعتبارات الانتخابية. والاجدي ان نفكر في سبل جديدة واكثر جدية في حمل أمريكا علي التفكير بطريقة مختلفة وبالتالي التصرف بطريقة مختلفة.
عن "الاهالي" المصرية