عبد الحسين شبيب
يبدو القرار السعودي بالمشاركة بقوات برية في عملية عسكرية ضد تنظيم داعش في سوريا امرا مستغربا في ظل الاخفاق العسكري السعودي في اليمن بعد 11 شهرا من العدوان على هذا البلد. المنطق يقول ان السعودية بدلا من ان ترسل قوات برية الى سوريا بدعوى المشاركة في محاربة داعش الاجدى بها ان ترسل هذه القوات الى الحدود السعودية الجنوبية من اجل استعادة الاراضي التي سيطر عليها الجيش اليمني واللجان الشعبية في سياق تقدمهم البري في العمق السعودي حتى دخلوا مدينتي الخوبة في جيزان والربوعة في عسير، وباتوا بعد سيطرتهم على جبل الدود الاستراتيجي يتحكمون بالنار بمناطق واسعة في جيزان.
اذن ما الذي يدفع جيشاً خسر حتى الان مئات القتلى من جنوده في الحرب ضد اليمنيين، وعدد غير معروف من الاسرى واكثر من 700 آلية عسكرية بينها رقم كبير جدا من دبابات الابرامز ومدرعات برادلي وغيرها من الاليات العسكرية المدرعة مثل هامر، ما الذي يدفعه الى الذهاب الى ساحة معركة بعيدة جدا عن حدوده ولا تتعلق بأمنه القومي وهو على هذه الحالة من الهزالة العسكرية والخيبة في اليمن؟
الوظيفة الاعلامية الاولى لهذا القرار هو ان السعودية التي تقود تحالفا اقليميا للعدوان على اليمن تريد ان تقول انها قادرة على العمل على اكثر من جبهة، وان حرب اليمن لم ترهقها ولن تمنعها من مد يدها على سوريا مجدداً، لان هناك من يعتبر ان الفشل السعودي في اليمن سيؤدي الى تقويض الدور الاقليمي للمملكة وكسر شوكتها. لكن هذه الوظيفة تبدو شكلية وغير مقنعة امام الغاية الفعلية من التدخل البري في سوريا رغم المخاطر الكبيرة الكامنة جراء هذا القرار على الجبهتين اليمنية والسورية.
لذا خلف هذا التهور يمكن البحث عن الوظيفة الحقيقية للمهمة البرية السعودية التركية في سوريا، وهي بالدرجة الاولى محاولة احتواء التقدم الروسي الايراني السوري على الارض بعد موجة الانتصارات الكبيرة الممتدة باتجاه الحدود مع تركيا من جهتي حلب واللاذقية بما ادى الى استعادة مناطق استراتيجية وتكبيد التكفيريين بمختلف مسمياتهم خسائر فادحة، بحيث اصبح المشروع الذي اعد لسوريا منذ خمس سنوات في خطر، ليكون المطلوب من التدخل البري التركي السعودي من اجل احتواء هذه الهزيمة بشكل سريع، وملء الفراغ الذي سيخلفه هؤلاء التكفيريون بعد فرارهم من مناطق حساسة. ويبدو ان القرار قد اتخذ بتسريع وضع الاقليم السني في العراق موضع التنفيذ والذي يمتد الى مناطق سورية وتشغله داعش وبقية المكونات التكفيرية، والذي باتت حدوده واضحة ومعلنة ومرسومة بدقة على خارطة التقسيم الجغرافي السياسي الجديد لبعض مناطق النزاع في الشرق الاوسط، وهو ما بات حديثا يوميا لدى العراقيين رفع من منسوبه اعلان رئيس اقليم كردستان العراقي مسعود البارازاني عن نهاية جغرافية سايكس بيكو، وايضاً التوجه الكردي الواضح لتكريس الدولة الانفصالية. وعليه فان الحرب في سوريا والعراق اذا كانت في مسارها الميداني قد انتهت الى خسائر استراتيجية للمشروع الاميركي الاوروبي العربي الذي يتم ادارته منذ سنوات، فان اقل نتيجة يسعى اليها هؤلاء الان هو تكريس تقسيم العراق الى ثلاث دويلات: كردية وسنية وشيعية.
وبما ان التحالف الدولي قد قرر انهاء تواجد داعش في الموصل والانبار والرقة ودير الزور، فان المطلوب الا يملأ الفراغ الحشد الشعبي العراقي ولا القوات السورية وحلفائها، بل المسارعة الى تكريس الانفصال باسم الاقليم السني، بحيث تكون وظيفة القوات البرية التركية السعودية هي توفير حماية عسكرية لهذا الاقليم على امتداد المساحة التي سيشملها على الارض العراقية والسورية، ويصبح هناك خطط تماس اقليمي تركي سعودي برعاية اميركية مقابل ما يسمونه التمدد العراقي والسوري والايراني والمدعوم من روسيا، تؤدي الى فرملة التقدم العسكري للقوى المؤيدة للدولة السورية على قاعدة عدم تحوله الى اشتباك اقليمي كبير او ربما حرب عالمية ثالثة.
وثمة وظيفة اخرى للحضور العسكري السعودي البري والجوي ومعها بعض العرب، اضافة الى تركيا، هي توفير ممر آمن لاخراج ما تبقى من داعش وقاعدة ونصرة الى ساحات نزاع اخرى لاستثمارها فيها بعدما انتهت وظيفتها في العراق وسوريا.
اما الوظيفة الرابعة للتدخل البري السعودي فهو محاولة احداث نوع من التوازن مع ايران بعد جرعة القوة الكبيرة التي تلقتها بفعل الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي، حيث اعتبر السعوديون والاتراك ان معركة ريف حلب الجارية هي تعبير عن فائض القوة الايرانية التي تشارك بفعالية وتدير هذه المعركة، لذلك لا بد من القول برأي السعوديين والاتراك ان لديهم ايضا القدرة على تحريك قوات على الارض في مناطق بعيدة طالما ان السنوات الخمس الماضية التي اعقبت ما سمي الربيع العربي قد رمت بمفهوم السيادة في سلة المهملات القانونية، وبات التدخل العسكري البري في اي بلد لا يحتاج الى اجازة من الشرعية الدولية المعطلة والمتهمة في اليمن وغيرها من مناطق الصراع. لكن ما هي تداعيات التدخل البري السعودي والتركي ومن يحب من الدول العربية وغير العربية في سوريا وما هو مصير الاقليم السني وخرائط الحدود الجديد؟ ربما تشبه تقديرات الوضع لهذه الازمة تقديرات الاميركيين لمرحلة ما بعد غزو الاميركيين للعراق عام 2003؟
المصدر: موقع "العهد" الالكتروني