2024-11-28 06:53 م

تفجير اسطنبول.. هل ينهي العلاقة الغامضة بين تركيا و "داعش"

2016-01-13
تنظيم "داعش" يضرب قلب تركيا مرة أخرى ويعيد النقاش مجددا حول العلاقة "الملتبسة" كما يصفها البعض، بين الأتراك وتنظيم "الدولة الإسلامية". ضربات "داعش" استهدفت هذه المرة اسطنبول بعد أن ضرب التنظيم في السابق كلا من العاصمة أنقرة وبلدة سروج الحدودية جنوب البلاد.
وبعد وقت وجيز من تفجير اسطنبول الذي راح ضحيته عشرة أشخاص معظمهم سياح ألمان، و15 جريحا، أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" هو المسؤول عن التفجير كما أعلن نائبه نعمان كورتولموش، أن الانتحاري الذي نفذ الهجوم يعتقد أنه سوري عبر إلى تركيا من سوريا، رغم أن التنظيم المتشدد لم يعلن حتى الآن مسؤوليته عن الحادث الدموي.
ولطالما واجهت أنقرة اتهامات بتقديم مساعدات للتنظيم الذي يسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا، عن طريق الدعم اللوجستي وتسهيل عبور مقاتلي التنظيم إلى سوريا بالإضافة إلى استقبال عدد منهم للعلاج، ولعل أعنف هذه الاتهامات جاءت من روسيا مؤخرا بعد التوتر الكبير بين الروس والأتراك على خلفية حادث الطائرة الروسية، حين اتهمت موسكو أنقرة بالتورط في حماية تهريب نفط "داعش". لكن تركيا كانت في كل مرة ترفض تلك الاتهامات بشدة وتؤكد على موقفها المناهض للإرهاب.
مرحلة المواجهة مع "داعش"
وبعد الهجمات المتتالية التي تعرضت لها تركيا من "داعش" يتحدث خبراء ومتابعون عن تحول في إستراتيجية تركيا تجاه التنظيم المتشدد، بدأت ملامحه تظهر منذ استجابة تركيا للضغوط الدولية والمطالب بالتنسيق مع التحالف الدولي في الحرب ضده. بشير عبد الفتاح الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية والخبير في الشؤون التركية، يقول في تصريحات لـDWعربية إن السياسية التركية تجاه "داعش" تشهد بالفعل تحولا فبعد الاتهامات التي كانت توجه لأنقرة بدعم "داعش" أو على الأقل التنسيق معه في البداية، بهدف تلافي شر التنظيم ووجود تأييد شعبي له إلى حد ما داخل تركيا من جهة، ومن جهة أخرى بسبب انشغال تركيا بالخطر الأكبر وهو الأكراد، "تركيا اليوم تتحول من سياسة غض الطرف أو التنسيق مع داعش إلى ضرب داعش ومواجهته". لكن هذه المرحلة باعتقاد الخبير المصري لم تبدأ مؤخرا بل منذ أن بدأ التنظيم بشن هجمات ضد تركيا، ويرى عبد الفتاح أن هذه الهجمات تأتي بدورها انتقاما من أنقرة بسبب تنسيقها العسكري مع التحالف ضد "داعش" والذي كانت تحاول تركيا بدورها من خلاله إثبات عدم صحة الاتهامات لها بدعم "داعش".
من جهته يشاطر حسن أبو هنية، الخبير الأردني في قضايا الإرهاب، الرأي بأن السياسة التركية إزاء "داعش" تعرف تحولا ليس بالجديد بل بدأ بعد تفجيرات أنقرة التي أوقعت 128 قتيلا "منذ ذلك الحين غيرت تركيا إستراتيجيتها فقد شددت المراقبة على الحدود واتخذت جملة من الإجراءات الأمنية في الداخل أسفرت عن اعتقالات في صفوف عناصر تابعة للتنظيم بالإضافة إلى تنظيمات كردية وحركات يسارية تعتبرها تركيا أيضا إرهابية، وأحبطت عبور أكثر من 3300 مقاتل داعشي إلى سوريا". وبالتالي لن يحدث حاليا تحول بقدر ما سيتم فقط تعزيز هذه الإجراءات المتخذة سلفا، حسب الخبير الأردني.
الأكراد: هاجس تركيا الأول
رئيس الوزراء التركي داود أوغلو سارع بعد الهجوم إلى دعوة المجتمع الدولي لدعم تركيا كما حصل في الهجمات التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس. وأكد أن "الإرهاب يستهدف جميع الدول"، مشيراً إلى عزم بلاده على "محاربة التنظيمات الإرهابية العالمية". واعتبر أوغلو أن الفراغ الأمني في سوريا يشكل أحد المصادر الرئيسية للإرهاب الذي يضرب بلاده والمنطقة.
ولم يفوت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من جانبه هذه المناسبة للتأكيد مرة أخرى على موقف تركيا من حزب العمال الكردستاني حيث صرح أنه "لا فرق بين داعش وحزب العمال الكردستاني وبقية التنظيمات الإرهابية" في سياق حديثه عن الجهة المسؤولة عن تفجير اسطنبول. ويقول أبو هنية إن تركيا تدفع ثمن سياساتها الإقليمية بالإضافة إلى السياسات الدولية في التعامل مع "داعش" "موقف تركيا ودول كالسعودية وقطر فيما يتعلق بدعم المعارضة المسلحة كان يفتقر لرؤية واضحة، فتركيا لم تدعم داعش نفسه لكنها دعمت تنظيمات تسميها بالمعارضة المعتدلة وداعش استفاد بشكل غير مباشر من هذا الدعم".
الخطأ الآخر باعتقاد الخبير الأردني هو أن تركيا كانت تضع محاربة إقامة دولة كردية على حدودها على رأس أولوياتها "هذا كان يشكل هاجسا بالنسبة للأتراك وخطرا يفوق أي خطر آخر بما في ذلك داعش" ، وهو ما يتفق معه الخبير المصري بشير عبد الفتاح بالقول "منظومة الأمن القومي التركي لطالما ركزت تاريخيا على الأكراد كأكبر خطر في وجه تركيا، لكن تركيا في الوقت الحالي عقدت صفقة ضمنية يتم بموجبها تقبل وتفهم الدول الكبرى ضرباتها ضد المتمردين الأتراك مقابل تعزيز وجودها في الحرب ضد داعش".
هل تتدخل تركيا بريا؟
مع كل هجوم يشنه تنظيم "داعش" في تركيا يبدأ الحديث عن احتمال تدخل تركيا بريا لضرب أهداف التنظيم، فعلى الرغم من الإجراءات التركية الأمنية المشددة والتنسيق المخابراتي العالي بين مختلف الجهات الفاعلة في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، يبدو أن التنظيم مازالت له قوة وقدرة على زرع خلايا وأنصار له في الداخل التركي. لكن أبو هنية يستبعد أي تدخل بري في الوقت الحالي، ويقول "أعتقد أن حدوث ذلك صعب، فإذا لم تقم تركيا في السابق وفي ظروف أقل تعقيدا من الآن بتدخل من هذا النوع، كيف تقوم به اليوم في ظل التوتر الكبير مع الروس الذين أصبح لهم نفوذ داخل سوريا؟"
وهو ما يعتقده أيضا الخبير المصري عبد الفتاح، الذي يرى أن التدخل التركي البري في سوريا وإن كان يحظى بتفويض من البرلمان إلا أنه صعب في الوقت الحالي بسبب الوجود الروسي. "سيكون السؤال هو: هل يتدخل الأتراك لحماية التركمان أم لقتال الأكراد أو لدعم داعش؟" يتساءل عبد الفتاح. لكن الخبيرين يتفقان على أن تركيا ستظل تطالب بإقامة منطقة آمنة داخل سوريا رغم كون هذا المطلب أصبح شبه مستحيل بعد تصاعد التوتر بين موسكو وأنقرة على خلفية إسقاط الأتراك المقاتلة الروسية في 24 نوفمبر الماضي، وما تلى ذلك من تصعيد روسي ضد تركيا، خاصة مع سيطرة قوات النظام السوري على مناطق قريبة من الحدود التي كانت تريد أن تقيم فيها تركيا منطقة عازلة. رغم ذلك يقول الخبير المصري " روسيا أجهضت تقريبا هذه الإمكانية إلا أن تركيا تستفيد أيضا من حماية أمريكية وإذا حدث تنسيق أمريكي -روسي وتم التوافق على خلق منطقة آمنة ولو بمساحة أقل من التي طالبت بها تركيا، يصبح ممكنا في هذا الإطار فقط أن يكون لأنقرة وجود بري في سوريا".
عن DW