عادل الجبوري
كشفت الأحداث الاخيرة وما افرزته من تفاعلات، ان المملكة العربية السعودية تعيش مشاكل وازمات معقدة، جعلتها تتصرف بقدر كبير من الانفعال والتسرع، لترتكب الخطأ بعد الآخر، وبالتالي فإنه بدلا من نجاحها في تطويق واحتواء مشاكلها وأزماتها القائمة ، راحت تتسبب في تفاقمها على الصعيدين الداخلي والخارجي لتخل المزيد منها.
من أية زاوية نظرنا لقرار تنفيذ حكم الإعدام برجل الدين السعودي المعارض الشيخ نمر باقر النمر، فإنه من الصعب بمكان ان نعثر على مبررات ومسوغات مقبولة يمكن للرياض اللجوء اليها وهي تتخذ ذلك القرار الخطير للغاية.
خلال الأعوام الثلاثة الماضية واجهت الرياض ضغوطات داخلية وخارجية عديدة، ليس من خصومها وأعدائها فحسب وإنما حتى من اقرب حلفائها وأصدقائها، فالانتقادات التي كانت ومازالت توجه اليها من قبل أوساط ومحافل غربية سياسية واعلامية وحقوقية متعددة أزعجتها وأحرجتها كثيرا، وأكثر من ذلك أدت الى تأزم علاقاتها مع بعض الأطراف الدولية والإقليمية، ولعل رفضها اشغال المقعد غير الدائم في مجلس الأمن الدولي قبل عامين، عكس عمق ازمتها وحجم تأثرها بالضغوطات من شتى الاتجاهات.
من فشل الى آخر
فملف حقوق الانسان في السعودية، لا يمكن الدفاع عنه من قبل اي طرف لما يحويه من ارقام وحقائق مفزعة عن انتهاكات وتجاوزات تتقاطع مع المواثيق الدولية، ولعل ما تتداوله منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقاريرها الدورية، وما تسلط عليه الاضواء وسائل اعلام غربية واسعة الانتشار من انتهاكات كبيرة لحقوق الانسان في السعودية، وخصوصا ما يتعلق بحرية التعبير، وحرية ممارسة العمل السياسي، والطقوس والشعائر الدينية، يعد مؤشرا واضحا على ذلك.
هذا جانب، والجانب الاخر يتمثل في ان السعودية تورطت في ملفات اقليمية معقدة وشائكة من خلال تبني مواقف غير محايدة وبعيدة كل البعد عن الموضوعية، كما هو الحال في سوريا وفي اليمن، ناهيك عن دعمها للارهاب في العراق بصور واشكال مختلفة طيلة اثني عشر عاما، وتدخلاتها غير المقبولة في الشأن اللبناني.
أضف الى ذلك، فإن هناك خلافات وتقاطعات غير قليلة بين الرياض ومعظم عواصم الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي، اما حول الحدود، او بسبب التوجهات والسياسات الاستعلائية للمملكة ونظرتها الى اشقائها الخليجيين باستصغار، ومحاولتها فرض الوصاية عليهم باستمرار.
أما في اطار الاوضاع الداخلية، فانه بعيدا عن اصوات الرفض والمعارضة واساليب التعامل اللانساني مع أي توجه معارض للنظام الحاكم، حتى لو كان سلميا، وبعيدا عن الازمات والضغوطات الاقتصادية، فان الخلافات والصراعات العميقة بين اقطاب العائلة الحاكمة طفت على السطح، ولم يعد بالامكان اخفائها والتعتيم عليها، لاسيما بعد رحيل الملك عبد الله الصيف الماضي، وتولي شقيقه سلمان العرش، وما ترتب على ذلك من ابعاد واقصاء عدد غير قليل من الكبار في عائلة ال سعود، وبعضهم من اشقاء الملك، أمثال مقرن بن عبد العزيز وسواه، وصعود نجم اشخاص من فئة الشباب وتوليهم المواقع المهمة والحساسة، مثل محمد بن سلمان، ومحمد بن نايف. الامر الذي عمق الخلافات والاحتقانات، ووسع الهوة فيما بينهم، بشكل انعكس على مجمل المواقف السعودية، التي بدت متخبطة ومتسرعة وغير مدروسة، والشهور العشرة الاخيرة الماضية تكفي للتدليل على ذلك.
وعلى الرغم من كل ما قدمته السعودية للجماعات الارهابية المختلفة، كتنظيم القاعدة، ومن ثم تنظيم داعش، وعناوين ومسميات اخرى، الا انها بقيت عرضة للابتزاز من قبل تلك الجماعات، وهو ما عمق ازماتها ومشاكلها، لاسيما وان المؤسسة الدينية الوهابية، صاحبة التأثير الاكبر في مجمل السياسات السعودية تعد غطاء اساسيا للفكر الارهابي التكفيري في المنطقة والعالم قاطبة.
واغلب الظن ان كل تلك المعطيات، مثلت اسقاطات طبيعية لقرار تنفيذ حكم الاعدام بالشيخ النمر، الذي جاء مفاجئا لمختلف الاوساط والمحافل السياسية وغير السياسية الدولية والاقليمية، بل وكان مفاجئا للشارع السعودي نفسه، لسبب بسيط، هو انه لم تكن هناك مستجدات تدفع اصحاب القرار في الرياض الى الاقدام على خطوة غير حكيمة من شأنها ان تزيد من حجم الضغوطات والمشاكل والازمات التي ترزح تحت وطأتها الاسرة السعودية الحاكمة، ناهيك عن ان الشهيد الشيخ النمر لم يرتكب فعلا يبرر اعدامه، فهو تبنى منذ البداية النهج السلمي في حركته المعارضة، ولم يكن يمتلك تنظيما مسلحا، ولم يطالب بإسقاط النظام، بقدر ما طالب بتصحيح المسارات الخاطئة، واصلاح السياسات السلبية.
في الوقت ذاته، فإنه كان نزيل السجن منذ اكثر من عامين، وربما لم يكن من الممكن تهديد السلطات الحاكمة من وراء القضبان، الا اذا كانت السلطات نفسها تشعر بقوة تأثيره وحضوره حتى وهو في السجن.
فضلا عن ذلك فأن شخصيات وجهات دينية وسياسية من مختلف انحاء العالم الاسلامي توسطت لدى الرياض لثنيها عن تنفيذ حكم الاعدام بحق الشيخ النمر بعد صدور الحكم عليه في منتصف شهر تشرين الاول/اكتوبر من عام 2014، وحصلت تلك الشخصيات والجهات على تطمينات بأنه لن يتم تنفيذ حكم الاعدام بحقه، لكن يبدو ان عمق المأزق في مراكز القرار، وحالة التخبط وانعدام البوصلة لدى حكام الرياض انتهت بهم الى تلك النقطة.
ولم يك غريبا بالمرة ان تتعرض السعودية لموجة انتقادات واعتراضات حادة من شتى الاوساط السياسية والحقوقية والشعبية في العالم الاسلامي ومناطق اخرى من اوروبا واميركا واستراليا على اعدام النمر، لم تتمكن ماكنتها الاعلامية الضخمة ومؤسستها الدينية، وامكانياتها المالية الهائلة من التصدي لها، ولعل ما خفف عنها وقلب الموازين لصالحها بمقدار معين هو احراق سفارتها في العاصمة الايرانية طهران، وقنصليتها في مدينة مشهد، من قبل مواطنين غاضبين، ذلك الفعل الذي ادانته كبار الشخصيات السياسية والدينية الايرانية، واعتبرته عملا مرفوضا.
وعلى الرغم من التعاطف الذي حظيت به الرياض جراء احراق ممثلياتها الدبلوماسية في ايران، والذي حاولت استغلاله سياسيا واعلاميا لحرف الانظار عن تبعات اعدام الشيخ النمر، فإنها لن تستطيع التخلص من تلك التبعات مهما فعلت.
واليوم فإن الخلافات في داخل اروقة السلطة، وبين اقطاب العائلة الحاكمة تحديدا تفاقمت الى حد كبير، وبات كل طرف يحمّل الطرف الاخر مسؤولية ما الت اليه الامور، والضغوطات الاقتصادية راحت تتزايد، بفعل اجراءات المقاطعة، واصوات الرفض الداخلية ستعلو وسوف يسمع صداها اكثر من ذي قبل، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران يمثل خطأ اخر يضاف الى سلسلة الأخطاء السعودية القاتلة، التي لم تبدأ بشن العدوان العسكري على اليمن ربيع العام الماضي، ولم تنته بإعدام الشيخ النمر قبل ايام قلائل، ولا يبدو انها ستتوقف في ظل وجود العقليات الحاكمة نفسها، واتباع المنهجيات العقيمة عينها، ورفض الاحتكام الى الوقائع القائمة في عالم اليوم.
نقلاً عن موقع العهد