أصبحت أزمة انخفاض أسعار النفط، أزمةً إقليمية ودولية بإمتياز، فيما يحاول العديد من الخبراء دراستها لمعرفة أسبابها وآثارها المستقبلية. لكن الأزمة التي تُعتبر اقتصادية المنشأ، ليست بعيدة عن عالم السياسة أيضاً. فالسعودية ومن خلفها الدول الخليجية، تعتبر نفسها عرَّابة السياسة النفطية في المنطقة، وهو الأمر الذي تُعبِّر عنه هذه الدول من خلال سياسات مجموعة أوبك. وبين السياسة الصحيحة لهذه المنظمة والأخرى الخاطئة، دخلت الحسابات السياسية في التوقعات الإقتصادية، لينتج عنها أزمةً كبيرة أصبحت تأكل دول المنظمة، لا سيما نتيجة الإصرار على زيادة العرض من النفط، في محاولةٍ لضرب كلٍ من روسيا وإيران. لكن الواضح أن الدول الخليجية نفسها، وقعت في شر أفعالها، وهي تعاني اليوم من نتائج سياسات أوبك غير الواقعية. وهو الأمر الذي يدفعنا لمقاربة المسألة بموضوعية، بالإعتماد على الحقائق والوقائع الإقتصادية للدول.
قراءةٌ سريعة في واقع سوق النفط اليوم:
إن الحديث عن الواقع العالمي لسوق النفط، يدفعنا لذكر عددٍ من الأسباب الرئيسية التي تُعتبر أساسية في الأزمة الحاصلة، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
- تراجع الطلب في السوق العالمية، والذي يتمثل بتراجع طلب كلٍ من الصين وأمريكا. فتباطؤ النمو الإقتصادي في الصين، أدى إلى ضعف الطلب على النفط بمعدل مليون برميل يومياً. من جهةٍ أخرى فإن تراجع اعتماد الإقتصاد الأمريكي على النفط الخارجي نتيجة ارتفاع انتاجه الداخلي من النفط الصخري بنسبة 15% مقارنة بمستوى العام 2014، ساهم أيضاً في انخفاض الطلب العالمي على النفط. وهنا لا بد من الإشارة الى أن أمريكا والصين، تعتبران المستهلك الأساسي والمُحرك الرئيسي للطلب العالمي، على النفط الخارجي.
- من الناحية الأخرى الأساسية، فإن انخفاض الطلب على النفط، يُقابله إرتفاعٌ في العرض، نتيجة السياسات الخاطئة التي تعتمدها أوبك، الى جانب النتيجة الطبيعية لعودة إيران الى السوق النفطية بعد الإتفاق النووي.
في الدلالات والتحليل:
إن وصف الواقع بدقة هو الأساس في تحديد المشكلة الحاصلة. وبما أن الأسباب الأساسية والتي قدمناها أعلاه، يمكنها أن تدل على مسار السوق النفطية. فيما نجد أن السياسات الخاطئة لأوبك، تُعتبر السبب الرئيسي في الأزمة الحاصلة، وهنا نقول التالي:
- لقد أصرت منظمة أوبك على إبقاء الإنتاج النفطي على حاله في محاولةٍ للمحافظة على حصتها السوقية. لكن هذا الإصرار كان سبباً أساسياً فيما آلت له الأمور على الصعيد الإقليمي والعالمي، لا سيما بعد أن كان واضحاً ومن خلال المؤشرات كافة، بأن الطلب العالمي على النفط تراجع، وبالتالي فإن النتيجة الطبيعية لتراجع الطلب مع عرضٍ ثابت في السوق، يعني إنخفاض الأسعار.
- لكن المُستغرب في الأمر أن الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية، سعت لترسيخ هذا الواقع والإبقاء عليه، بهدف إخضاع كلٍ من روسيا وإيران. فيما لم نسمع حتى اليوم صراخ موسكو أو طهران، بينما تضُجُّ وسائل الإعلام الخليجية بالحديث عن الأزمات المالية التي تضرب الدول الخليجية. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فقد خسرت الدول الخليجية نحو 500 مليار دولار خلال عام نتيجة انهيار أسعار النفط . وهو الأمر الذي يُبيِّن أن هذه الدول تخوض حرباً ضد نفسها بسبب إصرارها الإبقاء على سقوف الإنتاج المرتفعة. وهو الأمر الذي ينطبق على كلٍ من السعودية والكويت تحديداً.
- كما أن أعضاء المنظمة الآخرين كالجزائر وفنزويلا، يعانون من وضعٍ حرجٍ إذ تعتمد الجزائر بنسبة 70% من مدخولها على النفط، بينما تعتمد فنزويلا عليه بنسبة 96%، مما يجعلهم عُرضةً للإفلاس. كما أن منطقة اليورو، والتي تعاني من أزمة تضخمٍ قاتلة، أدى انخفاض أسعار النفط الى تزايد الأزمة بالنسبة لها فيما يخص معدلات النمو الإقتصادي والدخول في الإنكماش.
النتيجة:
لا شك أن التغير في أسعار النفط يعتمد على سياسات السوق. لكن السياسة التي تعتمدها أوبك تؤثر بشكلٍ كبير ورئيسي في تحديد واقع السوق النفطية. ولعل السؤال الأبرز يكمن حول التعنت السعودي والخليجي في الإبقاء على الإنتاج كما هو، في ظل أزمةٍ واضحة المعالم. فيما تُكرر الرياض سياساتها الإنفرادية والآنية، لأهداف سياسية بعيدة التَّحَقُّق. فإغراق العالم بالأزمات من أجل ضرب روسيا وإيران لن ينفع. بينما تعاني الدول الخليجية نفسها من أزماتٍ مالية جراء انصياعها للعقل السعودي. وكذلك تتخبط الدول الأوروبية في مشكلاتها الإقتصادية كنتيجةٍ لقواعد السوق. بينما لا يبدو أن الهدف من إخضاع كلٍ من روسيا وإيران تحقق. فطهران أصبحت محط الوفود العالمية، القادمة للإستثمار. بينما من الواضح أن الدول الخليجية أحرقت نفسها بنفطها.