2024-11-24 04:11 م

الاستراتيجية الاميركية ضد روسيا - (1) -

2015-12-10
بقلم: عبدالسلام المهدي الرقيعي*
الاستراتيجيون الامريكيون ديدنهم الاهتمام بلابعاد التاريخية ، وقد يكونوا هم اول من استفاد من دراسة التاريخ الروسي وتوظيف ماتم استنتاجه من تلك الدراسة في وضع استراتيجياتهم ، حيث يبدو انهم تاكدوا من ان الروس يبلون بلاءً جيداً ان كانوا يقاتلون على جبهة واحدة لاسيما ان كانت تلك الجبهة على حدود روسيا الغربية ، اما ان كانوا يقاتلون على جبهتين او اكثر فانهم لا يحسنون القتال وهم بالتالي اكثر عرضة للهزيمة ، بل ان البعض مستنداً الى سوابق تاريخية يرى ان الروس تسهل هزيمتهم اذا ما هوجموا عبر حدودهم الشرقية ، فقد هزمهم التاتار ، كما هزمتهم اليابانيون عندما هاجما روسيا من الشرق . فيما استطاع الروس هزيمة فرنسا ( نابليون ) ، وهزيمة المانيا ( هتلر ) عندما هاجما روسيا من ناحية الغرب . معلوم انه هناك اسباب وظروف اخرى لانتصار او هزيمة اعداء روسيا غير ان المعطى الاساسي في اغلب الظن هو عدم قدرة الروس على القتال في جبهتين في وقت واحد . يدلل الاستراتيجيون الامريكيون على صحة ذلك بعدم قدرة الاتحاد السوفييتي على مواجهة جماعات مقاتلة لا ترقى الى مستوى جيش ، واعتى مالديها من اسلحة كان عبارة عن صواريخ ( ستينجر ) المضادة للطيارات والمحمولة على الكتف ، فقد تمكنت الجماعات الاسلامية في افغانستان من طرد الروس من ذلك البلد . حيث كانت في نفس الوقت تخوض منظمة عمال بولندا ( التضامن ) مدعومة من الجماهير البولندية صراعاً مدنياً متصاعداً ضد النظام الشيوعي الحاكم في بولندا ومن وراءه الاتحاد السوفييتي بطبيعة الحال . ويرى الاستراتيجيون الامريكيون ان حرب العصابات في افغانستان شرق الامبراطورية السوفييتية من ناحية ، ومجرد اثارة القلاقل في بولندا في اقصى غرب دول حلف وارسو من ناحية اخرى ، كانا كفيلين ليس فقط بهزيمة الاتحاد السوفييتي ، بل بانهياره وتفككه وتلاشي حلف وارسو ، وفوق ذلك ماحصل من ردة عن الايديولوجية الماركسية في دول الاتحاد السوفييتي بما في ذلك روسيا نفسها ناهيك عن جميع دول شرق اوروبا . (( الاسس التي ترتكز عليها الاستراتيجية الامريكية )) بداية قد يكون من المجدي الاشارة الى انه يخطيء من يظن ان الاستراتيجيين الروس غير مدركين لابعاد وحيثيات الاستراتيجية الامريكية المعدة لمواجهة بلادهم ، ومخطيء ايضاً من يعتقد انه ليس لدى الروس استراتيجية لمواجهة امريكا ، ولعله يكون من الوهم ان يتصور احداً ان الروس لم يستعدوا قواعداً لمواجهة الاستراتيجية الامريكية الموضوعة لمواجهة روسيا . غير انه ينبغي التنبيه في المقابل الى امر غاية في الاهمية وهو ان الاستراتيجية الامريكية محبوكة بدهاء غير متناهي ، وبدقة ومهارة حرفية مذهلة ، حيث ان الاستراتيجيين الامريكيين تاسيساً على افتراضات مسبقة لما سيتخذه الروس من خطوات في مواجهة الاستراتيجية الامريكية ، فخخوا استراتيجيتهم ليس بما يضمن استيعاب واحتواء تلك الخطوات وتفعيلها لمصلحة خططهم في الصفحة التالية من الاستراتيجية فحسب ، بل انهم - وهو الاهم - اغلقوا كل الابواب في وجه الخطوات الروسية الموجهه لمقاومة الاستراتيجية الامريكية ، بحيث لن يبقي امام الروس الا خيار اتخاذ تلك الخطوات التي حسب حسابها الاستراتيجيون الامريكيون ووضعوا الخطط لاحتواءها . وبذلك يتم التصدي للخطوات الروسية من جهة ، ومن جهة اخرى جعل الروس وكانهم بخطواتهم تلك يقومون بتنفيذ خطوات لصالح الاستراتيجية الامريكية فيما يعتقدون بانهم يطبقون خططهم لمواجهة الامريكيين ! . اولاً :- الابعاد العسكرية 1 - اقحام وتوريط روسيا في حروب جانبية ، لتشتيت القوات الروسية في جبهات متباعدة ما من شانه تبديد وهدر فاعلية تلك القوات ، وكذلك استنزاف روسيا مادياً امام تكاليف لوجستية وادارية باهضة تتطلبها مجرد عمليات استنفار لتلك القوات ، مابالك عندما تكون تلك العمليات هي عمليات حربية . وكان التفعيل العملي الاول لهذا البند هي تلك الحرب التي اندلعت في اوكرانيا على حدود روسيا ، حيث شرعت بدايةً الولايات المتحدة في تذعير روسيا من عملية انضمام اوكرانيا للاتحاد الاوروبي ومن ثم انضمامها لحلف شمال الاطلسي ، واذا كان انضمام اوكرانيا للاتحاد الاوروبي من شانه ان يقلق روسيا الى حد بعيد ، فلابد ان انضمامها لحلف شمال الاطلسي من شانه ان يصيب الروس ليس بالقلق فحسب بل بالفزع والهلع . كيف لا ؟ وبالامس القريب كانت روسيا متخوفة من نصب صواريخ استراتيجية اطلسية في اراضي بولندا والمجر باعتبارها مهددة للامن القومي الروسي ، مابالك عندما تصبح موسكو على مرمى حجر من مدافع الحلف في اوكرانيا . وعندما تحركت الجماهير الاوكرانية وعزلت الرءيس الاوكراني الموالي لروسيا ، عندما اعلن عن رفضه التوجه نحو الانضمام للاتحاد الاوروبي وعن تفضيله للتوجه نحو الاتحاد الاوراسي الذي تتزعمه روسيا ، ومن ثم اجريت انتخابات نجح فيها التيار الموالي للتوجه نحو الاتحاد الاوروبي . عندها تاكدت روسيا من حجم الخطر المحدق بها ، غير ان الطبخة الامريكية كانت تنقصها بعض الخطوات . يلاحظ هنا ان الامريكيين كانوا على دراية تامة بان الروس لن يتهاونوا في شان انضمام اوكرانيا للاتحاد الاوروبي ولحلف شمال الاطلسي ، ورغم ذلك وامعاناً منهم في توريط روسيا في نزاع مع اوكرانيا ولاهداف تضمنتها استراتيجية امريكية اخرى في مواجهة الاتحاد الاوروبي !! - سنتناولها في حلقة قادمة - ، لم ينس الامريكيون تسريب معلومات استخباراتية الى روسيا مفادها ان الامريكيين لا يكترثون لو صعدت روسيا نزاعها مع اوكرانيا واحتلت مقاطعات في شرق اوكرانيا لتكون منطقة عازلة بين روسيا واوكرانيا ، بل ان الولايات المتحدة لن تحرك ساكناً حتى اذا احتلت روسيا شبه جزيرة القرم حيث ان امريكا تعتبر شبه الجزيرة اراضي روسية ضمها ادارياً لاوكرانيا ( نيكيتا خورتشيف ) الزعيم السوفييتي من اصل اوكراني . امام هذا الاغراء العصي على المقاومة المتمثل في ضم مقاطعات غنية بمخزون ضخم من المعادن ، وفي استعادة شبه جزيرة القرم ذات الاهمية الاستراتيجية باطلالتها على البحر الاسود ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى يعرف الروس ان دخول اوكرانيا في نزاع معهم من شانه الحوءول دون انضماهها لحلف شمال الاطلسي الذي يرفض ضم اي دولة يكون لديها نزاع مع دولة اخرى او تكون بها حرب اهلية . لذلك سارع الروس لابتلاع الطعم ونفذوا ما توقع الامريكيون فاحتلوا مقاطعات في شرق اوكرانيا وضموا شبه جزيرة القرم بعد استفتاء عاجل لمواطنيها ، وبذلك ووقعوا في الفخ . شانهم في ذلك شان ( الراحل صدام حسين ) عام 1990 عندما رمت له السفيرة الامريكية في بغداد الطعم ، حيث قالت له اذا ما غزت العراق الكويت فذاك شان عربي لا يهم الولايات المتحدة البتة ، فما كان الصباح حتى كان الجنود العراقيون يتناولون افطارهم بالقرب من قصر امير الكويت ، فيما كان صدام واعلامه يرددون ان الكويت مقاطعة عراقية عادت الى دولتها الام العراق . وماكان من الولايات المتحدة في المقابل الا ان دعت الى تحالف لتحرير الكويت وطرد الجيش العراقي منها ، ضم فيما بعد اكثر من ثلاثين دولة منها دول عربية . حيث هزم الجيش العراقي وحررت الكويت ، والان يدرك الجميع ان تلك الحرب كانت صفحة من صفحات الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط ، تلتها فيما بعد صفحات اخرى متوالية حتى وصلت الى مانراه من مشاهد الان . ويشار هنا الى انه وفقاً لاستراتيجيتها المتضمنة توريط روسيا في حرب استنزافية جانبية في اوكرانيا ، فان الولايات المتحدة ماانفكت تحبط كل محاولة حل النزاع الاوكراني بالطرق السلمية ، رغم المساعي التي يبذلها كل من الاتحاد الاوروبي ومنظمة الامن والتعاون الاوروبي حيث تم عقد اجتماعات في ( مينسك ) عاصمة روسيا البيضاء شاركت فيها روسيا واوكرانيا وفرنسا والمانيا - لم تشارك فيها امريكا - ، حيث ان امريكا تسعى الى زيادة استنزاف روسيا وذلك باطالة امد النزاع الروسي الاوكراني ، بل يمكن القول ان الولايات المتحدة ترنو الى ان يكون النزاع الروسي الاوكراني شانه شان النزاع الجورجي الروسي الذي لم ينته حتى يومنا هذا . كما ان الروس من صالحهم الا تتم تسوية الامور الاوكرانية حتى لا تتمكن اوكرانيا من الانضمام الى حلف شمال الاطلسي . من جهة اخرى طفق حلف شمال الاطلسي في القيام بمناورات في البحر الاسود وفي دول البلطيق واخرى في بولندا ورومانيا اغلبها بهدف استفزاز روسيا ودفعها لاستنفار قواتها لارهاقها واحباطها تحت وطاة الترقب والتربص واستدامة استنزافها بدفع تكاليف غير محسوبة حال قيامها باجراء مناورات مماثلة ومقابلة لتلك المناورات التي يقوم بها حلف شمال الاطلسي ، لاسيما وان زخات الرصاص المستعمل في مناورات الحلف يكاد يسمعها سكان العاصمة الروسية . 2 - التفعيل الثاني لبند توريط روسيا في حروب استنزافية جانبية ، كان في التورط الروسي في الحرب السورية ، واذا كان الروس لن يبالوا كثيراً بالحرب في اوكرانيا على اعتبار ان العدو الامريكي اصبح يدق على الباب الغربي للامبراطورية الروسية العتيدة ، لاسيما وان ( السيد فلاديمير بوتين ) عزف على الوتر القومي وحرك المشاعر القومية للروس لدفعهم لخوض الحرب في اوكرانيا وبالتالي القبول بتباعاتها خاصة نعوش الجنود الروس التي تاتي من الجبهة الى المدن الروسية ، ناهيك عن اضرار اخرى سنتناولها في بنود وحلقات لاحقة من هذه السلسلة . فان اقناع الروس باهمية تدخل روسيا في مستنقع الحرب السورية امر يحتاج الى توظيف عواملاخرى لكي يتسنى للقيادة الروسية اقناع الشعب الروسي ، وذلك مادفع ( بوتين ) الى محاولة اعطاء بعداً دينياً لذلك التدخل حيث شرع قساوسة وكهان الكنيسة الشرقية الى الحث على التدخل الروسي في سوريا ومباركته باعتباره تدخلاً لانقاذ اتباع الكنيسة ( الارثودكسية ) في سوريا الذين يتم ذبحهم وتهجيرهم على ايدي قوات الدولة الاسلامية ، كما تم توظيف العامل القومي الاستراتيجي التاريخي للابقاء على موطيء القدم الوحيد المتبقي لروسيا على شواطيء البحر المتوسط الدافية ، وعامل اخر هو مقاتلة الرهابيين الاسلاميين في عقر دارهم هناك في الشرق الاوسط قبل ان يسقط النظام السوري ويتفرغ الارهابيون لقتال روسيا على تخومها الشرقية في الربوع الاسلامية في وسط اسيا . ومتوهم من يظن ان روسيا قررت التدخل في سوريا بين عشية وضحاها ، فروسيا دولة عظمى حتى وان كانت ليست الاعظم ، فلا ينبغي لها ان تكون دولة تنطعية قراراتها رهن بما يحلم به قادتها في الليلة السابقة ، اننا في هذا المقام نتحدث عن دول ترسم استراتيجيات وتواجه استراتيجيات مضادة ، في ميادين حروب طاحنة ليس فيها مكاناً للهزل بل ان الخطاء هنا ينبغي ان يكون ضيق المجال . فسوريا تدخل في المجال الحيوي الروسي ويعرف الاميركيون ذلك ، بل ان الروس يعتبرون ان امنهم القومي من ناحية الجنوب يبداء من سوريا ، ولذلك لم يكن الروس بعيدين قط عما يجري في سوريا ، فكانوا منذ البدء يمدون جيش بشار الاسد بالعدة والعتاد ، ولم يتوانوا لحظة عن دعم نظام الاسد في المحافل الدولية ، وشاركوا في الموتمرات المتعلقة بحل المشكل السوري ( جنيف 1 وجنيف 2 .. الخ ) ، بل انهم عندما هدد الرءيس الامريكي بضرب سوريا بعد اثبات استخدام نظام الاسد للسلاح الكيماوي ، تدخلت روسيا ونزعت فتيل الازمة حيث امرت الاسد بتسليم اسلحته الكيماوية ما ادى الى تراجع الرءيس الامريكي عن قراره بضرب سوريا وهو التراجع الذي لم تحسبه دولاً عظمى وكبرى وصغرى كانت في لحظة ما ترى ان ضرب سوريا اصبح امر لا تفصله عن الواقع ال بضع سويعات . كما ان روسيا كانت متيقنة من ان الارهاب الاسلامي في الشرق الاوسط سينتقل حال سقوط نظام الاسد في سوريا سينتقل حتماً الى وسط اسيا وربما الى الجمهوريات الاسلامية شمال القوقاز داخل الاتحاد الروسي نفسه ، وذلك في اطار معرفة الروس بابعاد الاستراتيجية الامريكية ، ولذلك عمل الروس مبكراً على تسهيل التحاق العشرات من الارهابيين الاسلاميين في الجمهوريات الاسلامية داخل الاتحاد الروسي بالمحاربين في صفوف الدولة الاسلامية في سوريا لكي يتاتي لروسيا سحقهم هناك عندما تحين ساعة التدخل الروسي في سوريا ، وبذلك تتمكن من تصفيتهم دون ان تثير مشاعر اكثر من عشرين مليون مسلم روسي ، ودون ان تلحقها اية ادانة من المجتمع الدولي ، كما ان روسيا بتدخلها في سوريا ستوءمن قواعدها في الساحل الشمالي لسوريا ، ناهيك عن انها بحمايتها لنظام الاسد من الانهيار ستظهر بمظهر الدولة الوفية لصديقها بشار الاسد ، وذلك سيدفع دول اخرى عاجزة عن حماية نفسها الى الانضواء تحت مظلة الصداقة الروسية تطلعاً لان تحميها تلك الدولة الملتزمة بحماية اصدقاءها . غير ان الروس في المقابل هم اسرى الاستراتيجية الامريكية تجاههم ، حيث ما ان صمت دوي المدافع لبعض الوقت في اوكرانيا حيث ان التوتر لايزال يسود المشهد في الجبهة الاوكرانية ، حتى حركت امريكا كل من تركيا والاردن في مشهد يوحي بقرب تدخل في سوريا من قبل قوات مشاة ودروع تركية من الشمال واخرى اردنية من الجنوب ، وذلك ما ادى الى استشعار روسيا بان الحرب في سوريا تكاد ان تنتهي وسيصار الى تقسيم سوريا الى دويلات ، لذا سارعت الى التدخل لتحمي حصتها من الكعكة السورية على اقل الاحتمالات ان يكون نصيبها دولة علوية ، حيث القواعد الروسية ، في شمال سوريا قد يحكمها صديقها بشار الاسد . روسيا تعرف تماماً تفاصيل الاستراتيجية الامريكية تجاهها ، غير انه لم يكن امام روسيا خيار اخر في مواجهة هذه الاستراتيجية الا خيار وحيد وهو التدخل في سوريا للاعتبارات السابقة ، وتطبيقاً لقاعدة (. خير وسيلة للدفاع هي الهجوم ) ، واي خيار اخر هو اكثر ضرراً لمصالح روسيا . انظر كيف تصبح خطوات روسيا حيال الاستراتيجية الامريكية ماهي الا فقرة من بند من بنود تلك الاستراتيجية الماكرة . روسيا اليوم ولجت في المستنقع السوري كجبهة ثانية لتشتيت الجيش الروسي . اما القول بان الولايات المتحدة لم يكن لها استراتيجية واضحة في الشرق الاوسط ، وان سياسة الرءيس الامريكي الحالي اتسمت بالتردد وعدم الوضوح وبتجنب مواجهة الروس ، هو في اغلب الظن قول قاصر ، وتشوبه دونية التحليل وهو في الغالب قولاً يردده الاعلام العربي ( صاحب تجربة احمد سعيد وصوت العرب في حرب 67 ) ، ذاك الاعلام الذي يبني خطابه على اثارة العواطف واثارة الحمية ومحاولة تحريض اصدقاءهم على عدوهم وكانهم يروا حروب اليوم وقودها الشجاعة وتحفيز الاصدقاء لنصرتهم ، وهم بذلك لا يعدو كونهم كمن يحرث في البحر ، لان الدول اليوم حتى الصغرى منها ، لا تدخل حروباً لا تتماشى مع مصالحها ، مابالك بالدول الكبرى والعظمى . وان كانت الولايات المتحدة قد حثت حلف شمال الاطلسي على اجراء مناورة في البحر المتوسط تشارك فيها اعداد كبيرة من سفن وطيارات الحلف وحوالي ثلاثون الف جندي تستمر حتى قرب نهاية العام الميلادي ، لكي تذهب الروع عن تركيا والاردن وباقي الدول العربية في الخليج ، تلك الدول التي افزعها وذعرها التدخل الروسي في سوريا . 3 - اما التفعيل الثالث لتوريط روسيا في حروب جانبية لم يتم بعد ، وهو سيكون في اسيا الوسطى وربما يمتد الى الجمهوريات الاسلامية داخل الاتحاد الروسي نفسه ، وهذه الحرب في وسط اسيا سيشعلها المتطرفون الاسلاميون في وقت قريب ، ولسنا في حاجة هنا الى التذكير بان تنظيم الدولة الاسلامية قد اعلن عن تاسيس ولاية اسلامية في وسط اسيا تحت مسمى ( ولاية خرسان ) وكان واليها قد بايع الخليفة البغدادي راس الدولة الاسلامية في الشرق الاوسط ، والملفت للنظر ان هذه الحرب تدخل من جهة ثانية ضمن استراتيجية امريكية اخرى لمواجهة الصين من الغرب - سنتناولها هي الاخرى في حلقات لاحقة من هذه السلسلة ان شاء الله - ، ومعلوم ان العشرات من المسلمين الصينيين المتطرفين لاسيما من جمهورية ( تركستان الشرقية ) يقاتلون الان في صفوف قوات الدولة الاسلامية في الشرفق الاوسط وهم على اهبة الاستعداد للقتال في وسط اسيا ضد الصين ، وهذا مادفع الصين الى التصريح بانها قد تتدخل الى جانب روسيا في الحرب في سوريا . وروسيا وكذلك الصين كل على علم بالاستراتيجيات الامريكية تجاه روسيا والصين والاتحاد الاوروبي ، غير ان دهاء هذا النسر الامريكي وقوته التي لا تضاهى جعلت الدب الروسي والتنين الامريكي في حيرة من امرهما ، غير انهما لم يتركا الحبل على الغارب بل ان روسيا شرعت في اجراء مناورات عسكرية واسعة في وسط اسيا شاركت فيها جيوش الدول الاسلامية التي تحد روسيا من جهة الشرق ، كما اجرت مناورات اخرى بمشاركة الجيش الصيني ، وان كان تلك المناورات الروسية تدخل في بند استنزاف روسيا بالانفاق العسكري المرتفع التكلفة . اغلب الظن اننا سنعود للحديث عن ابعاد توريط سوريا في حرب في اسيا الوسطى في حلقة لاحقة . بقى ان نقول اننا سنتناول البعد الاقتصادي والسياسي على التوالي لهذه الاستراتيجية الامريكية تجاه روسية في الحلقة القادمة والحلقة التي تليها من هذه السلسلة . عذرا على الاطالة غير انني ازعم ان الامر يستدعي تفصيلاً اكثر غضينا عنه الطرف . مع ترحيبنا بتعليقات الجميع سلبية كانت ام ايجابية لانها سوف تثري وتفيد اكثر مما تضر ، والله من وراء القصد . 
*دبلوماسي ليبي 
almarj91@gmail.com