2024-11-30 12:45 م

«تركمان سوريا».. الحلم العثماني على أكتاف السلاجقة»

2015-12-03
علاء حلبي
منذ بداية الأحداث في سوريا قبل خمس سنوات، بدأت عملية تشريح المجتمع السوري وتقسيم مكوّناته وبلورتها بالتزايد، في محاولة لتعميق الجرح النازف في البلد الذي تأكله الحرب يومياً.
وبعد مرحلة «المناطقية» و «الطائفية» التي غزت المجتمع السوري، وساهمت وسائل الإعلام الداعمة للحرب في سوريا في تعميقها، بدأت الأحداث تأخذ مناحيَ أخرى ذات أبعاد عرقية، لتتحوّل الساحة السورية، وفق المفاهيم الرائجة في الوقت الحالي، إلى ميدان صراع بين «جيوش» ذات طابع عرقي - طائفي، ترتبط مكوّناته بعلاقات مع دول خارجية «تحمي امتداداتها»، فبرز الأكراد في الشرق السوري والشمال الشرقي، ونادت أوروبا بحماية مسيحيي سوريا، ما مهّد الطريق لتركيا للعب بورقة جديدة على الساحة السورية، تتمثل بـ «حماية التركمان». فمَن هم التركمان؟
تختلف الروايات التاريخية لوجود المكوّن التركماني في سوريا، ففي حين تربط بعض الروايات وجود هذا المكون بمراحل ما قبل الميلاد، ليتأثر بالوجود العثماني في سوريا، ويزداد ويأخذ مناحي مختلفة عن توجهات المجتمع المكون لسوريا خلال تلك الفترة، حيث تحول إلى «عصا العثمانيين» في المنطقة، تعيد روايات تاريخية أخرى أصول التركمان الى الهجرات السلجوقية نحو سوريا والدول المجاورة (العراق، لبنان ..).
ويقول زعيم «الحركة التركمانية الديموقراطية السورية» ‎المعارضة علي أوزتركمان، في مقالة بحثية حول تركمان سوريا نشرها في مجلات ومواقع بحثية عدة، «استخدم تعبير التركمان مرادفاً للغز، ولعل هذا التعبير شاع وتعمم عندما بلغ السلاجقة الأوائل مبلغ القوة والسيادة. وردت لفظة التركمان في كتاب تاريخ سيستان لمؤلف مجهول من القرن الخامس. ويبدو أن هذا الكتاب ألف بأقلام ثلاثة مؤلفين، وفي ثلاث فترات. وأن كلمة التركمان لها علاقة بدخول السلاجقة إلى منطقة سيستان، وذلك العام 428هـ / 1026م.، وهنا يقصد المؤلف بالتركمان جماعات السلاجقة».
خلال فترة الحكم العثماني لسوريا وبلاد الشام، ومع سياسة «التتريك» التي اتبعها العثمانيون، شكل التركمان «العمود» الفقري لهذه السياسة، فحوّلتهم السلطة العثمانية إلى «شرطي خفي» وزّعته بين مناطق حكمها، ودعمتهم بالمال والسلطة، على اعتبار أنهم يتقنون اللغة التركمانية، إحدى مشتقات اللغة التركية، رغم أن وجودهم في سوريا يسبق مرحلة الاحتلال العثماني للمنطقة.
ومع حكم حزب البعث العربي الاشتراكي لسوريا، وسياسته ذات التوجه القومي العربي، وتأكيده على اللغة العربية كلغة للدولة السورية، ذابت المكوّنات العرقية في بوتقة واحدة، خصوصاً مع انكفاء العمل السياسي في سوريا ذات المكونات العرقية المتعددة، إلا أن الجذور العرقية عادت، مع بدء الأحداث، لتطفو على السطح، خصوصاً مع بدء تفكك بعض مكونات المجتمع وارتباطاته الخارجية، وداعمي وممولي الجماعات المسلحة في سوريا.
تعميق الشرخ العرقي في سوريا أخذ مناحي عديدة، فبدأ التركيز على عرق الفصائل وتضخيم دورها، وربط وجودها بأماكن بدأت تحمل اسمها، فمثلاً تمّ إطلاق اسم «جبل التركمان» على مناطق توجد فيها قرى ذات غالبية تركمانية في ريف اللاذقية الشمالي، وهو اسم لا يتمتع بأية جذور تاريخية.
ومع أول ظهور مسلح موثق في سوريا في منطقة جسر الشغور بريف إدلب، بدأت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام تلتقط صوراً لمسلحين ملثّمين على الحدود السورية - التركية، من دون أن تذكر صفتها العرقية أو الطائفية، حيث كانت الأحداث حينها تأخذ طابعاً إعلامياً يتحدث عن «ثورة حرية»، إلا أن المسلحين الملثمين بالأسود حينها لم يكونوا سوى ركيزة إطلاق فصائل مسلحة ستلعب دوراً آخر في المستقبل مع استمرار الدعم التركي.
مؤخراً، ومع التدخل الروسي في سوريا، وتأمينه غطاء جوياً لتحركات الجيش السوري، كثر الحديث عن الفصائل التركمانية كامتداد لتركيا داخل الأراضي السورية، واعتبارهم «من التابعية التركية في سوريا»، ما يمكن أن يمثل ذريعة لأنقرة لاستمرار التدخل التركي على اعتبارها «حماية للرعايا الذين يدافعون عن وجودهم».
ما هي الفصائل التركمانية؟ عموماً، ووفق مصادر معارضة، لا توجد في سوريا فصائل تركمانية بشكل كامل، أي فصائل ذات مكوّن تركماني صافٍ، على غرار الفصائل الكردية، وإنما هي فصائل تقودها شخصيات تركمانية، وتحمل أسماء وألقاباً مستمدة من شخصية تاريخية تركمانية، على غرار نور الدين الزنكي، والظاهر بيبرس وغيرها، ويقاتل في صفوفها مسلحون من جنسيات مختلفة، إلا أنه يغلب عليها طابع التشدّد.
وتنتشر في سوريا مجموعة من الفصائل التي تحمل لقب «تركمانية»، تتوزّع عموماً على المناطق الحدودية مع تركيا، الممتدّة من ريف اللاذقية الشمالي وصولاً إلى ريف حلب الشمالي، على الرغم من أن المكوّن التركماني السوري لا يقتصر وجوده على هذه المناطق، حيث تنتشر في معظم المدن السورية عائلات ذات أصول تركمانية، كدمشق، وحمص، وغيرها، إلا أن هذه المناطق أمّنت طرق إمداد دائمة للفصائل المسلحة، وذريعة للتدخل التركي في سوريا على مسافات قريبة من الحدود.
وساعد وجود قرى عدة ينتمي أبناؤها إلى المكوّن التركماني في سوريا في ريفي اللاذقية وحلب في تنمية هذه الأهداف، فتمّ إيلاء هذا المكوّن اهتماماً خاصاً، وتم تشكيل تجمّعين سياسيين ينشطان في تركيا، هما «الحركة التركمانية الديموقراطية السورية»، و «الكتلة الوطنية التركمانية السورية». كذلك أولي التركمان اهتماماً كبيراً من قبل التجمعات السياسية السورية المعارضة، والتي تنشط في تركيا، فتمّ تخصيص 18 مقعداً للمكون التركماني في «المجلس الوطني» المعارض، و4 مقاعد في «الائتلاف السوري» المعارض، وكلا التجمّعين ينشطان من تركيا. كذلك ساعدت اللغة التي يمتلكها المسلحون ذات الأصول التركمانية في تشكيل جسر يربط بين المقاتلين السوريين وأولئك الذين قدموا من مناطق آسيوية، فمثلت الفصائل ذات القيادة التركمانية مركز استقطاب للمقاتلين الآسيويين، وأولى مقاصدهم في سوريا قادمين عبر البوابة التركية.
وترتبط الفصائل التي يقودها التركمان في سوريا بعلاقات وطيدة مع الفصائل «الجهادية» الناشطة في سوريا لكونها تقاتل تحت الايديولوجيا «الجهادية» ذاتها من جهة، وبسبب العلاقات القوية التي تربط مقاتلي هذه الفصائل بعناصر «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» وغيرها من الفصائل «الجهادية» الموجودة في سوريا.
ففي مناطق ريف اللاذقية مثلاً، تنشط العديد من الفصائل التابعة إلى «الجيش الحر»، إلا أن «الكلمة العليا» تعود لـ «جبهة النصرة»، خصوصاً بعد اختراق «النصرة» لمدينة كسب في آذار العام 2014. وعلى الرغم من الخلاف الظاهري بين فصائل «الجيش الحر» ذات الغالبية التركمانية في ريف اللاذقية و «جبهة النصرة»، إلا أن مصدراً معارضاً ينشط في ريف اللاذقية أكد، خلال حديثه إلى «السفير»، أن العلاقات بين هذه الفصائل «قوية»، حيث تعمل هذه الفصائل بتنسيق كبير في ما بينها، خصوصاً أن الفصائل ذات الأكثرية التركمانية تُعتبر من أكثر الفصائل استقبالاً للمساعدات العسكرية عن طريق تركيا، موضحاً أن «الخلافات في ما بينها ظهرت بين العامين 2013 و2014 إثر خلافات شخصية على الزعامة، إلا أن العلاقات رغم ذلك ظلت قوية ولم تتأثر».
ومع بداية العام 2015، وإثر الخلافات التي ظهرت في ريف حلب الشمالي بين الفصائل المتناحرة في ما بينها، والمعارك التي اندلعت مع تنظيم «داعش»، وانكفاء «جبهة النصرة» ورفضها الخوض في المعارك مع التنظيم، أعيدت هيكلة الفصائل المقاتلة في الريف الشمالي لحلب، وتم توسيع نشاط فصائل عدة ذات طابع تركماني، أبرزها «لواء السلطان مراد»، الذي كان ناشطاً منذ بداية الأحداث في سوريا، ويتميز بتغطية إعلامية كبيرة كانت موجهة نحو الناطقين باللغة التركية عبر مؤسسة إعلامية خاصة تحمل اسم «وكالة التركمان»، فتسلم «لواء السلطان مراد» مواقع «جبهة النصرة»، وتم تزويده بأسلحة ثقيلة واعتباره فصيلاً تركياً يقاتل في سوريا، قامت تركيا بتأمين غطاء جوي له مرات عدة خلال معاركه في ريف حلب الشمالي، على غرار الغطاء الجوي الذي يؤمنه التحالف الدولي للوحدات الكردية المقاتلة.
وفي هذا السياق، يقول مصدر سوري معارض يعيش في تركيا إن «التدخل الروسي في سوريا يمثل عثرة أمام المشروع التركي ذي الطابع التقسيمي، والذي يهدف بالدرجة الأولى لتأمين استمرار التواجد التركي في سوريا وإبعاد خطر الأكراد، حيث قبلت تركيا الدخول في التحالف الذي تقوده أميركا لمحاربة داعش رغم العلاقات الوثيقة بين تركيا وداعش، إلا أنها طلبت دعم فصائل خاصة، وكانت تعني بذلك الفصائل التي تقوم بدعمها بشكل مباشر وبينها حركة أحرار الشام والفصائل المقاتلة في ريف حلب الشمالي، وقدّمت غطاء سياسياً لهذا الدعم تمثل بحماية الأقلية التركمانية». ويرى المصدر المعارض خلال حديثه أن التدخل الروسي الذي اعتبر جميع الفصائل المقاتلة على الحدود التركية «جهادية» شكل تهديداً للمشروع التركي، وهو ما توّج بالتصادم الأخير في ريف اللاذقية وإسقاط تركيا لمقاتلة روسيّة.
وعلى الرغم من تعليق تركيا أملاً كبيراً على «حماية الأقلية التركمانية» في سوريا لتأمين استمرار تدخلها، إلا أن مصادر سياسية سورية تؤكد أن هذا الادعاء لن يستمرّ طويلاً، فتطورات الميدان هي التي ستقول كلمتها على الساحة السياسية، خصوصاً أن الحديث عن ارتباط «تركي - تركماني»، وحماية «تابعية» يصطدم مع واقع أن «التركمان في الأساس ليسوا أتراكاً، وأنهم موجودون في سوريا بصفة مواطنين سوريين، إضافة إلى أن قسماً كبيراً منهم موجودون بالفعل في مناطق عديدة أخرى بعيدة عن الحدود التركية وهم يعيشون حياة مواطنة بعيدة عن الانتماء العرقي».
وترى المصادر السياسية السورية أن «الغطاء الذي تحاول تركيا تصديره للمجتمع الدولي لن يغيّر حقيقة أن الفصائل التي تعتبرها تركمانية ما هي إلا جماعات جهادية»، موضحة أن «هذه الفصائل التي تقول تركيا عنها إنها تركمانية تضمّ في صفوفها جهاديين من جنسيات عديدة كالشيشانية والتركستانية وغيرها، فهل هؤلاء أيضاً معارضون يدافعون عن وجودهم؟ القضية بالمجمل هي محاولات تغطية لاستمرار دعم الجهاديين تحت مسمّيات مختلفة تتماشى مع السياق الدولي».
عن صحيفة "السفير" اللبنانية