2024-11-28 04:36 م

كارثة الطائرة الروسية: حادث أم اعتداء؟

2015-11-02
حادث ناجم عن عطل تقني أم اعتداء من قبل تنظيم «الدولة الاسلامية»؟ سؤال فرض نفسه منذ الساعات الاولى لسقوط طائرة روسية، تنقل سياحاً كانوا يقضون إجازتهم في منتجع شرم الشيخ، خلال تحليقها في شبه جزيرة سيناء المصرية.
وكما هي الحال في معظم حوادث الطيران، كان من الممكن أن تميل التحقيقات الى البحث عن الاسباب التقنية كفرضية رئيسية. ولكن ان تسقط الطائرة المنكوبة فوق أجواء سيناء، التي تعد منطقة عمليات للفرع المصري في تنظيم «داعش»، والمعروف باسم «ولاية سيناء»، وان يسارع التنظيم المتشدد نفسه الى تبني «إسقاط» الطائرة المدنية، رداً على ما قال انه هجوم «صليبي» روسي على سوريا، يطرحان فرضيات اخرى، مرتبطة بالانشطة الارهابية لهذا التنظيم التكفيري.
وبدأت، يوم امس، التحقيقات لتحديد أسباب تحطم طائرة الركاب الروسية في سيناء، حيث اتسعت دائرة البحث عن الضحايا الـ224، فيما دعا الرئيس عبد الفتاح الى «عدم الخوض في أسباب سقوط الطائرة» الروسية وانتظار نتائج التحقيقات، التي قد تستغرق أشهراً.
وفي وادي الظلمات، في قلب محافظة شمال سيناء، ينتشر على الارض الرملية الجدباء الكثير من حطام الطائرة التي ما زالت تتصاعد منها رائحة الحريق بعد أكثر من 24 ساعة من المأساة.
وليست هناك أي جثة على الارض لكن عشرات الأكياس البلاستيكية السوداء والحمراء والبرتقالية يحرسها الجنود لا تترك مجالا للشك: انها تحوي أشلاء ركاب وأفراد طاقم الرحلة المنكوبة.
وأبعد قليلا، كانت سترة صغيرة الحجم لونها رمادي واحمر تذكّر بالمأساة، اذ كان 17 طفلا على متن الطائرة، بينهم رضيعة لم يتجاوز عمرها العشرة اشهر.
وأعلنت روسيا يوم حداد وطني وفتحت تحقيقا حول الشركة السياحية التي تقوم بتشغيل الطائرة.
وكانت السلطات المصرية قد أعلنت، امس الاول، انها عثرت على حطام الطائرة وأشلاء في دائرة قطرها ثمانية كيلومترات، ما يعني مبدئيا، وفق الخبراء، ان الطائرة المنكوبة، وهي من طراز «ايرباص ايه321-200» وتملكها شركة «متروجيت» الروسية، لم تصطدم بالارض كتلة واحدة، بل انفجرت في الجو وتفتتت.
وتم توسيع عمليات البحث، يوم امس، لتشمل دائرة قطرها 15 كيلومترا، بحسب ضابط في الجيش المصري، يشارك في عمليات البحث انطلاقا من قاعدة عسكرية في الحسنة، في قلب منطقة شمال سيناء، على بعد 60 كيلومترا من مكان تحطم الطائرة.
وبحسب هذا الضابط، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، فقد عُثر على 163 جثة من أصل 217 راكباً وسبعة افراد طاقم كانوا على متن الطائرة.
وكانت الطائرة قد أقلعت فجر امس الاول من منتجع شرم الشيخ في جنوب سيناء متجهة الى سان بطرسبورغ. وقطع الاتصال معها بعد 23 دقيقة من الإقلاع، فيما كانت على ارتفاع اكثر من 30 الف قدم (اكثر من 9 آلاف متر).
وبعد اكثر من 24 ساعة، ما زال الغموض يحيط بسبب تحطم الطائرة، حتى لو كانت الحكومتان الروسية والمصرية تشككان في إعلان الفرع المصري لتنظيم «الدولة الاسلامية» مسؤوليته عن إسقاطها، انتقاما من التدخل الروسي في سوريا.
وكان تنظيم «ولاية سيناء»، الذي أعلن البيعة لـ «الدولة الاسلامية» أعلن مسؤوليته عن «إسقاط» الطائرة الروسية، من دون أن توضح كيف.
وتعد منطقة شمال سيناء معقل هذا التنظيم حيث ينفذ اعتداءات شبه يومية على قوات الجيش والشرطة المصرية.
وأعلنت الحكومة المصرية، مساء امس الاول، العثور على الصندوقين الأسودين للطائرة، مشيرة الى ان اسباب الحادث ستتحدد بناء على تحليل البيانات الموجودة في الصندوقين..
ووصل محققون روس ومصريون برفقة وزير النقل الروسي ماكسيم سومولوف الى المكان بمروحية. كما توجه قرابة مئة من أعضاء فرق الإنقاذ الروسية مع معداتهم الخاصة الى الموقع نفسه بالطريق البري.
وفتح كذلك تحقيق في روسيا حيث تمت مداهمة مكاتب شركة الطيران، وشركة تنظيم الرحلات السياحية، بينما سيصل محققون من فرنسا وألمانيا الى مصر، في إجراء يطبق عادة عند تحطم أي طائرة «ايرباص»، اذ ان البلدين هما اكبر شركاء في الكونسورسيوم الاوروبي المنتج لهذه الطائرات.
وأعلنت شركات الطيران الفرنسية اير فرانس والالمانية لوفتهانزا والامارات ان طائراتها لن تحلق فوق سيناء «حتى إشعار آخر» لأسباب مرتبطة بالسلامة.
من جهته، أكد رئيس الوكالة الروسية المكلفة شؤون النقل الجوي الكسندر نيرادكو للتلفزيون الروسي من مصر ان «كل المؤشرات التي بحوزتنا تدل على ان انشطار هيكل الطائرة حدث في الجو، على علو مرتفع».
وبرغم تشكيك السلطات المصرية والروسية في البيان الصادر عن «داعش»، إلا ان خبراء في الطيران يقولون انه استناداً الى الصور، لا تزال فرضية الاعتداء والحادث مفتوحتين، ولكن من غير الممكن حالياً التوصل الى نتيجة حاسمة.
وبحسب المدير السابق لمكتب التحقيقات والتحاليل لسلامة الطيران المدني جان بول تراواديك، فإن «فحص البقايا وإتمام ذلك بالاطلاع على تسجيلات الرحلة سيتيحان سريعا تحديد اكثر الفرضيات ترجيحا، لجهة الاعتداء أو الحادث».
ويقول الخبير الدولي انه «يجب ترك المحققين يفحصون الحطام في الموقع. اذا كان هناك اعتداء يمكن استخلاص ذلك من تناثر الحطام، وايضا وخصوصا من البقايا: اذا كان ثمة أثر لمتفجرات واذا كان هيكل الطائرة قد تفسخ، فإن هذا الامر قد يثبت احتمال وجود قنبلة»، مشيراً الى ان «هذه فرضية بين فرضيات اخرى، ولكن لا يمكن ان نستبعد ايضا حصول مشكلة تقنية».
ووفقاً لترواديك، فإن التقديرات الاولية تشير الى ان الطائرة لم تهو وتتحطم على الارض. وليست هناك أجزاء صغيرة، وهذا يعني انها لم تسقط وتتحطم.
وهنا يُطرح السؤال: اذا كانت الطائرة قد انفجرت في الجو فما الأسباب المحتملة لذلك؟
يجيب خبير الملاحة الجوية روبرت غالان بالقول «قد يكون حصل ما يسمى انفجاراً تقنياً، أي انفجار محرك أو مشكلة حمولة... هناك حالات عدة تحصل فيها مشكلة كبيرة في الجو ما يؤدي الى تفكك الطائرة قبل ان تصل الى الارض من دون ان يكون ذلك اعتداء».
لكن المشاكل التقنية التي قد تتسبب بانفجار أو بانشطار نادرا ما تحصل، بحسب تراوديك، الذي يوضح ان «انفجارا للطائرة في الجو ناجما عن سبب داخلي يبقى أمرا غير مرجح الى حد بعيد».
وثمة سؤال آخر يطرح في هذه الحالة، وهو اذا كان السبب اعتداء، فما هي السيناريوات المحتملة، وهل فرضية تعرض الطائرة لصاروخ ذات صدقية؟
يجيب غالان ان «الطائرة قد تكون انفجرت في الجو إما بسبب انتحاري وإما بسبب قنبلة على متنها وإما ايضا إثر إطلاق صاروخ»، لكنه يستدرك قائلاً «اذا كانت الطائرة تحلق على ارتفاع تسعة آلاف متر فمن غير المرجح ان يكون تنظيم الدولة الاسلامية قد تمكن من إسقاطها لان الامر يتطلب إمكانات مهمة جدا، ووسائل رصد والتقاط بواسطة الرادار. في المقابل، قد تكون الطائرة تعرضت لمشاكل تقنية وهوت، وأسقطها تنظيم الدولة الاسلامية في المرحلة الاخيرة من سقوطها، ما دام يمتلك وسائل هجومية متوسطة المدى. لكن هذا الامر معقد بعض الشيء».
ويبقى السؤال اخيراً: هل يجب التعامل بجدية مع تبني تنظيم الدولة الإسلامية؟
تشكك الحكومتان المصرية والروسية في تبني الفرع المصري لتنظيم «الدولة الاسلامية» إسقاط الطائرة ردا على العمليات العسكرية الروسية في سوريا. لكن الخبير في الإرهاب ماتيو غيدير يرى ان «التبني يتمتع بصدقية لان فرع الدولة الاسلامية في مصر لم يكذب يوما في شأن ما يقوم به، على غرار تنظيم الدولة الاسلامية عموما، كون هذا الامر يؤثر في صدقيتهم».
ويضيف «كذلك، فإنّ حساب تويتر والمواقع الاخرى التي نشر عليها التبني لم يسبق أن نشرت معلومات خاطئة. وهناك ايضا الشكل التقليدي الذي يتوافق مع البيانات المعتادة للتنظيم» المتشدد.
(«السفير»، اف ب، رويترز، اب)