بقلم: محمد فاروق يس*
المسئول العادل هو من يتلمس البطانة التقية الورعة التى لا تخشى فى الحق إلا الله لترشده إلى أبواب الصلاح لمن إئتمنه الله عليهم ، لا التى تقف على بابه لمرائته لتجلب لنفسها المنفعة وله المفسدة وللعباد الضياع، فتكون المهلكة.
وما أحوجنا فى ظل ما نعانيه من تراخى وإهمال واللامبالاة التى غلف الله بها قلوب بعض مسئولى الجهاز الإدارى والتنفيذى للدولة ممن تولوا مسئولية هذا الشعب المكلوم الى إستذكار وإستقراء جواب الحسن البصري الورع رداً على كتاب الخليفة عمر بن عبد العزيز الذى سارع ليسأله طلب النصيحة ليحدد له صفات الحاكم العادل، فكان جوابه له ليس بكتاب بقدر ما كان ميثاق ودستورا لكل مسئول حتى يرث الله الأرض ومن عليها !!! فبين له أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف، وهو كالراعي الشفيق على رعيته، الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب الخير، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من الطامعين المتربصين، يفرح بعافيتها، ولايغتم بشكايتها، وهو كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده، وهو القائم بين الله وبين عباده يسمع كلام الله ويُسمعهم، ويعلم أن الله ينظر إليه فينقاد إلى الله ويقودهم إليه، وهو الذى يتذكر الموت وما بعده وتبرؤ أشياعه وأنصاره عند المشهد الأعظم، فيتزود للفزع الأكبر، وأن الله قد أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، وأوجب القصاص العاجل لكل صاحب حق حياة لعباده، وهو وصى اليتامى، وخازن المساكين، يربى صغيرهم، ويقوم كبيرهم.
لقد طال الفساد كل نواحى حياتنا الصغيرة قبل الكبيرة، فأصبحنا نعيش الفساد ونهتم منه، يُنغص علينا حياتنا اليومية، ويُذيقنا ويلاته ونتجرعه وكأنه شراب من حميم، تُشجينا تصريحات المسئولين بالقضاء عليه، وبداخلنا أمل الخلاص من ويلاته ويصارعنا عدم التصديق أوعدم القدرة وربما عند البعض عدم توفر الإرادة لديهم، فيتسائلون؟ ماذا تفعل جحافل الأجهزة الإدارية عند تلقيها تقارير الأجهزة الرقابية المعنية بالرقابة على الفساد!! فنتعامل مع مانشتتات المسئولين الغير مسئولة بمحاربتها والقضاء عليها بكل الإستهانة واليأس. فهل نحن فى حاجة الى ثن القوانين الجديدة؟! أم الى تفعيل تقارير الأجهزة الرقابية؟! فلقد تُرسخ وتُعمق الفساد وإنطلقت يد الفاسد ليزداد فساداً وإفسادا، فليس بالقرارت ولا بالمانشتتات ولا بالقوانين والأكاذيب نقضى على الفساد، فدرء المفسدة مُقدم على جلب المنفعة، وإلا ضاعت الهوية فالتعود على الظلم والاستهانة بالمظلوم وبأبسط حقوقه يؤدى حتماً إلى الانهزامية واللامبالاة، وطول أمده إلى فقدانه الأمل للحصول على إستحقاقاته الطبيعية فيتعمق شعوره بزعزعة إنتمائه، والتشكك فى مُعتقداته وثوابته المكونة لشخصيته فتضمحل شيئاً فشيئاً وتتحور لتكون ضمن الجينات المكونة للشخصية المصرية ، فلم يعد الفساد والإفساد وحرفية إدارته وحتمية القضاء عليهم مجرد خطبة عصماء يشارك فيها الجميع بل أصبح ممارسة يومية، وأعلم أننى لا أُضيف فى ذلك أى جديد إنما للتذكِرة فهو يجرى فى أواصل الدولة ومؤسساتها مجرى الدم فى الجسد العليل، ويا ليته يقف عند حد، فالفساد والكذب لا سقف لهم، فالفاسد مُفسد لغيره إن لم يرتدع، ويصير الأمر كالفيرس يُلوثُ كل ما يحيط به، فماذا بعد شراء الضمائر وفساد الذمم، فالأمر لا يتعلق بسلوكيات مجتمعية لفاسدين، أو يتعلق بإقتصاد مصر الذى بات مهدد الآن، بل إنه يتعلق بأغلى وأثمن ما تمتلكه مصر وهو شبابها، آنتركه فريسة لليأس والإحباط والتخبط الفكرى والضياع والكُفر بكل ما حوله، إنه أمل مصر حاضرها ومستقبلها، والإستثمار الصحيح فيه هو المحور الرئيسى لنمو أى دولة، وإنتشالها من الغرق والوصول بها الى بر الآمان، الشفافية والصدق والمكاشفة الشجاعة والمشاركة البناءة قد تجعله يتفهم ويواجه ما آلت اليه النتائج التراكمية لكافة الأنشطة الخدمية والإدارية والإقتصادية من تدنى مُزرى، قد تجعله يشعر بآدميته المفقودة وبوجوده المُتلاشى، تصريحات المسئولين المتعارضة والمتخبطة، أو المؤشرات الاقتصادية الموارية الغير قارئة للواقع كلها تزيده حيرة وإرتباك، فعندما يصل اليه أن إجمالى حجم الدين العام قرابة نحو 95% من إجمالى الناتج القومى، وهو ما يشكل على الطبقات المتوسطة وما دونها تهديدا خطيراً، فماذا هو بفاعل؟ هل يستطيع أحد أن يشارك بإيجابية فى شئ غير واضح له أو غير مفهوم أبعاده السلبية، وما حال البلاد من حولنا ببعيد، وكيف هو بفاعل وسط تهليل وتزمير وسائل الإعلام المأجورة والمتعددة بكافة أنواعها لتصريحات الوزراء والمسئولين!!! أيمكن له أن يصدق أو يعقل إلا أنهم يتحدثون عن موقع جفرافى غير مصر ليس على الخريطة!! إنهم يعيشون وسط الكذب والخداع والخوف وعدم الكفاءة فيهرعون إلى المؤتمرات والندوات واللقاءات التليفزيونية والإجتماعات ثم يخرجون على المواطن بأحلام يستفيق منها فى أول رحلة ميكروباس يتأمل خلالها تغريدات المسئول وهو يُشاهد المدن الجميلة النظيفة التى كان يعيش فيها وقد تحولت الى عشوائيات تتطاول فى البنيان وحولها ما حولها من ملوثات سمعية وبصرية يشتم معها رحيق عوادم السيارات ويتعمق فى إسترسال التغريدات وهو يتعامل مع المصالح الخدمية فيلقى ما يلقى من تدنى للآدمية والخدمات وتحولها الى المزاجية، فيأبى بكل حزم وعزيمة أن يستفيق من أحلام تلك التغريدات، فهل لها وقع السحر عليه أم أنه يخشى حقيقة اليقظة، إنها حالة مصرية!!!!!!!!!!!!!!. كان لا ينقصها إلا بركات الزند لتحقيق العدالة الناجزة، مفتاح إنقاذ مصر هو سرعة وضع منظومة متكاملة لتحقيق العدالة الناجزة والتى قد تكون أشد خطراً وفتكاً بالوطن من الإرهاب، وإلا فسوف ينهار ما تبقى من مؤسسات وإقتصاد ومجتمع وإنسانية. *عضو المجلس المصرى للشئون الاقتصادية
mfyassin4@yahoo.com