2024-11-25 04:30 م

لهذا السبب أعدموا حارس الحضارة خالد الأسعد!!

2015-08-23
بقلم: الدكتور خيام الزعبي
في حادث شبيه، وربما أقسى من حادث حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، أقدم تنظيم داعش على إعدام عالم الآثار السوري الدكتور خالد الأسعد، لم يمض وقت طويل على نبأ إعلان داعش إعدام الباحث الأثري، إلا وتوالت ردود فعل السوريين الغاضبين إستنكاراً لمقتله من جهة، ولطريقة إعدامه التي وصفت بالوحشية من جهة أخرى، كما أحدثت هذه الواقعة ضجة كبيرة في وسائل الإعلام الغربية والعربية، إذ أدانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو" هذه الجريمة، كما أعلن الوزير الإيطالي داريو فرانشيسكيني تنكيس الأعلام في كل المتاحف والمراكز الثقافية التابعة للدولة، تكريماً لخالد الأسعد، وليس مفاجئاً أن نرى لوحات الشرف في جميع المحافظات السورية مزينة بأسماء من قدموا أرواحهم بسخاء في سبيل الله والوطن. منذ بداية الأزمة طغت ظاهرة غريبة على المجتمع السوري كغيرها من الظواهر الوافدة علينا من خلال سياسة العنف تتلخص بالإغتيال المنظم والمبرمج للعقول العلمية السورية، حتى باتت حالة خطيرة تهدد مستقبل سورية ونحن على يقين أن هذه السياسة يشترك فيها أكثر من طرف إقليمي ومحلي ممن إرتبطت مصالحهم مع مصالح بعض دول الجوار، ومن هنا فكل ما يجري في سورية من تدمير وتخريب لآثارنا ولمعالمنا الثقافية هو مخططاً رهيباً وحاقداً لإزالة شواخص سورية، والقضاء على ذاكرتنا وحضارتنا وثقافتنا وإستبدال العلم بهمجية التخلف، لذلك ما يزال الإرهابيون وخلاياهم النائمة ينشطون في سورية ويضربون فيها شمالاً وجنوباً ويحصدون أرواح السوريين بدم بارد وبكل وحشية ودموية، فاليوم الثلاثاء 18 آب سُفكت دماءسورية جديدة وسقطت ضحية أخرى بإغتيال شخصية علمية وثقافية مرموقة الدكتور خالد الأسعد، وهو الشخصية الوطنية المشهود لها بالخبرة والكفاءة، والمعروف بنشاطه الطويل لسنوات مع بعثات أثرية أمريكية وفرنسية وألمانية، استعانت بخبرته في عمليات حفر وبحوث بأطلال وآثار عمرها 2000 عام في تدمر، كما نشر تاريخ تدمر ومكتشفاتها، وشارك باسمها في المعارض والندوات الأثرية بكل اللغات، حتى أصبحت الوجهة الحضارية لسورية ومحج لكبار شخصيات العالم. بذل خبير الآثار خالد الأسعد الذي كان شاهد عيان لما حدث من إستباحة لآلاف القطع النادرة والمخطوطات والرقيمات والتماثيل، جهوداً كبيرة في سبيل تسليط الأضواء على جريمة سرقة الآثار السورية، وأفنى حياته للحفاظ على كنوز سورية الثقافية، كونه ينتمي إلى نخبة من الناس تدافع وتحمي وقت الأزمات، الكتب والآثار والوثائق الإنسانية من أجل الأجيال القادمة، كان عالماً عظيماً تعرض للقتل لأنه رفض خيانة مبادئه والتزاماته حيال تدمر من جهة، و لإيقاف ما يقوم به من توثيق من جهة أخرى, صمد الأسعد في مكانه ومات من أجلنا، وكان لديه إيمان لا يتزعزع بأهمية حماية الكنوز التي تركها لنا الأسلاف. السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا اختار داعش قتل الشهيد خالد الأسعد، بدلاً من الدخول إلى باب التفاوض، كورقة ضغط يمكن أن يستثمرها لتحيق أهدافه؟ الجواب هو أنّ داعش إنحاز إلى إستراتيجيته التقليدية في الحرب النفسية والإعلامية، ففضّل رسائل الترهيب والتخويف، عبر الأساليب الدموية والوحشية، إذ جعل عامل التوحش هو الرئيس والفاعل، فلم يترك وسيلة إرهاب واحدة إلا ومارسها، من أفلام وصور إنتشرت أو نشرها التنظيم عمداً على وسائل التواصل الإجتماعي مهدت له وساعدته في غزواته، لكن هذه الرسالة الإعلامية وصلت العنوان الخطأ تماماً، فجاء المردود عكسياً في مشهد إغتيال الأسعد، إذ سادت مشاعر الغضب الشديد ضد هذه الجريمة، وليس الخوف والهلع، فلم يأتِ ما يوحّد السوريين اليوم منذ سنوات، مثلما وحّدهم الأسعد فعلاً في مشاعرهم ضد التنظيم، ومع الدولة والوطن، فمعادلة كشفت زيف وضعف هذا التنظيم الذي اعتمد طوال السنوات الماضية على إستراتيجية حرب باتت مكشوفة، إستراتيجية يلعب العامل النفسي والدعاية الإعلامية الدور الأكبر فيها، من خلال بث الرعب في صفوف المدنيين ليفرض هيمنته وسطوته بأقل الخسائر الممكنة، بذلك أخطأ داعش العنوان، ووجه الرسالة المقلوبة بالنسبة للمواطنين، وخسر المعركة والصورة، فأعمال الأسعد ستبقى باقية ولن ينال منها المتطرفون، صحيح إنهم قتلوا رجلاً عظيماً لكنهم لن يتمكنوا أبداً من إسكات التاريخ. وأخيراً أختم بالقول إنه في مقابل الحقد والكراهية والدم والفتنة التي زرعها المتآمرون من الغرب والعرب في تربة الوطن السوري، فإنه بفضل إرادة أبناء هذا الوطن سنقتلع زرع التطرف والحقد، ونكسيه برياح المصالحة والتسامح والأمل، وسوف يبني السوريون ويورثون لأبنائهم وطنا حقيقياً يليق بهم وبتضحياتهم، وطن يعيد إلى سورية مهد الحضارة ووجهها الحقيقي، وبإختصار شديد إن سورية ستبقى صامدة بوجه الإرهاب الدولي والإقليمي من جهة، وبوجه الإرهابيين والقتلة من جهة ثانية مهما طال أمد الازمة، وما يؤكد إستطاعة سورية على الصمود بوجههم، هوإستعادة الجيش السيطرة على كثير من الأراضي التي إحتلها، فكل هذه الحوادث لا تهز الدولة السورية لأن لسورية مواقف في التاريخ، فيها إنتصارات باهرة مسطرة بأحرف من نور، ومن لا يعلم هذا يرجع للتاريخ، فيجد آلاف المواقف الوطنية والقومية، توضح له بأنه أمام دولة كالجبال، هدفها الرئيسي الدفاع عن الوطن والثأر للشهداء. 
khaym1979@yahoo.com