2024-11-28 07:21 م

هذه هي الأهداف الاستراتيجية لتنظيم "داعش" الإرهابي!!

2015-07-12
محمد سعدون – التقرير

عندما أعلنت عن قيام “الخلافة” قبل عام، حددت داعش، أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو الدولة الإسلامية، هدفها النهائي بأنه إنشاء دولة تقوم على تعريفها للقانون الإسلامي أو الشريعة. ولكن هذا الهدف في حاجة إلى وسائل وأدوات للوصول إليه، وهو في النهاية أيضًا يبقى الهدف المعلن فقط؛ وبالتالي فهو لا يمنع المتشككين من محاولة قراءة ما وراء السطور، ومعرفة ما إذا كان هناك أهداف ضمنية تختبئ وراء الهدف المعلن، وما إذا كانت هذه الأهداف هي الحقيقة التي تسعى داعش لفرضها على من هم تحت سيطرتها والمجتمع الدولي، في حين أن الهدف المعلن لم يوضع إلا للتمويه والتشويش، والأهم من ذلك كله، التجنيد.

ولم تكن السنة الماضية كافية للتحقق من صحة الافتراضات الكثيرة أو خطئها حول الأسئلة الأهم التي مازالت تحوم حول برنامج داعش ومشروعها منذ وجد التنظيم حتى اليوم، ومن هذه الأسئلة: ما الذي تريده داعش حقًا؟ ما هي أفضل الوسائل لمواجهتها؟ من هي الجهات التي من الممكن الاعتماد عليها لدحر التنظيم سواءً في سوريا أو العراق؟ ما هي الأولويات في المعركة ضد داعش؟ وهل يجب أن يسبق الحل السياسي نظيره العسكري، أم العكس؟

وفي محاولة للإجابة عن السؤال الأبرز بين كل هذه الأسئلة، وهو “ما الذي تريده داعش؟“، نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية تقريرًا بمناسبة الذكرى الأولى لإعلان التنظيم عن “الخلافة” يتضمن آراء لجنة من كبار الخبراء بالأهداف التي يدعيها قادة الدولة الإسلامية، وبإمكانية تحقق هذه الأهداف على أرض الواقع.

وفيما يلي، قائمة أهداف تنظيم الدولة الإسلامية كما وردت في تقرير الإندبندنت بناءً على الآراء المختلفة للخبراء الدوليين الذين استشارتهم الصحيفة:

– التوسع كما فعل النازيون في أوروبا:

الهدف الرئيس لداعش هو خلق دولة الخلافة في الأراضي ذات الأغلبية المسلمة. وينبغي النظر إلى توسعها بطريقة مماثلة لتوسع النازيين في أوروبا. وقد بدأت داعش بالفعل القضاء على حدود العراق وسوريا، وهي ترغب بفعل الشيء نفسه في أماكن أخرى. وسوف يركز التنظيم على الأهداف الأكثر إغراءً، والتي تتوفر فيها ظروف مماثلة لتك التي توفرت في المناطق التي سيطر عليها في كل من العراق وسوريا. وربما يؤدي إضعاف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP) للسماح لداعش بالتوسع هناك أيضًا.

– توطيد حكمها:

ولتحقيق هذا الهدف النهائي عمليًا، يسعى التنظيم الآن للسيطرة على مناطق جديدة، وتوطيد حكمه فيها، وفي الوقت نفسه، دفع الجماعات الجهادية المنافسة بعيدًا. ويعتقد أن المجموعة، وبعد الظن بأنه يمكنها تجاوز العراق، سوف تركز أكثر على سوريا والأسد في الوقت الراهن.

– إنشاء دولة فاعلة:

ما هو واضح بجلاء هو أن داعش تستخدم زورًا اسم الإسلام لارتكاب الفظائع الوحشية ضد المسلمين وغير المسلمين. وتدعي داعش أنها أنشأت دولة فعالة للعراقيين وجميع المسلمين السنة. ولكن الواقع هو العكس، حيث يواجه الناس الجوع والمرض والعنف.

– حكم كل العالم:

تريد داعش أن يعلن جميع المسلمين الولاء للخلافة، ولهذه الخلافة أن تحكم كل العالم. وأما أهدافها الأكثر واقعية، فهي البقاء على قيد الحياة، والتوسع، وهي أمور  نجحت داعش في القيام بها حتى الآن.

– تحدي أعداء الماضي:

يركز الجانب الختامي من رواية داعش على نهاية العالم، وفقًا لأحاديث نبوية منتقاة. وهذا ما يفسر تركيز التنظيم على روما (أو بيزنطة)، وبلاد فارس (أو إيران)، اللتين كانتا من أكبر أعداء الإمبراطورية الإسلامية في القرن الثامن وما بعده. وتحدد بعض النبوءات بلدة دابق في شمال سوريا كموقع لإحدى المعارك الكبرى في أوقات نهاية العالم. وفي كل عدد من مجلة دعاية داعش التي تحمل الاسم نفسه، وهو “دابق”، هناك تذكير بقول لأبي مصعب الزرقاوي، هو: “لقد تم إشعال الشرارة هنا في العراق، وسوف تستمر حرارتها بالتكثف -بإذن الله- حتى تحترق بها الجيوش الصليبية في دابق“.

– تصدر “هرم الإرهاب“:

هدف تحقيق الخلافة هو هدف مشترك بين العديد من المنظمات الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك تنظيم القاعدة. وهدف داعش هو الوصول إلى تحقيق هذا الهدف، وهي تسير بشكل جيد في طريقها نحو القيام بذلك. الهدف الأول هو السيطرة على أكبر قدر ممكن من الشرق الأوسط، حيث سيكون من شأن هذا أن يوفر لها الشرعية ومنحها مزيدًا من المصداقية في عيون أتباعها. والهدف الثاني هو القيام بهجوم مذهل ضد الغرب، من شأنه أن يضمن مرة واحدة، وإلى الأبد، مكان داعش على قمة “هرم الإرهاب” العالمي، ويعلن موت تنظيم القاعدة.

– الوصول إلى جيل من المسلمين:

ذكرت داعش أنها تريد بناء الخلافة، وقد كان لديها خطة دقيقة، وثابتة، ومنظمة، لإثبات قوة قناعتها بهدفها. ويعتقد أنه سيكون من الممكن تفادي قدرة التنظيم على الوصول إلى أهدافه فقط من خلال الإيمان بأن علينا جميعًا أن نفعل ما في وسعنا لوقف خططه. ومن بين الـ 1.6 مليار شخص مسلم في العالم، هناك نسبة 62 في المئة من هذا العدد تحت سن الـ 30 عامًا. ولذلك، نحن بحاجة إلى أن نفهم أن التهديد لا يتمثل بداعش فقط، بل في الشريحة الديمغرافية التي تتأثر بها، والتي ستكون موجودة لفترة طويلة حتى بعد ذهاب داعش.

– مجرد البقاء على قيد الحياة:

وبدوره، يعتقد شارلي وينتر، وهو محلل في مؤسسة لمكافحة التطرف، أن هدف داعش بسيط جدًا، ويتمثل في البقاء فقط. ويأتي البقاء على قيد الحياة من خلال الزخم والتوسع، ولكن رواية داعش في نفس الوقت لن تعمل إلا من خلال التركيز على ضمان الاستقرار والتوحد. وبعبارة أخرى، لا تشمل جاذبية التنظيم الأنصار الأيديولوجيين لمفهوم الجهاد فقط، بل وتشمل أيضًا أولئك الذين يعانون من الحرب والراغبين بالاستقرار؛ وبالتالي، سوف تحاول داعش في الأشهر القليلة القادمة إنشاء هذا الشعور بالاستقرار، ومن ثم نشره. ومن الصحيح أن داعش تتحدث عن معركة نهاية العالم مع روما، ورفع الراية السوداء فوق قصر باكنغهام؛ إلا أن وينتر يعتقد بأن كل هذه مجرد خطابات، ووسيلة تستخدمها المجموعة لجذب المجندين الجدد، ولمجرد البقاء على قيد الحياة.

ولعل التحليل الأبرز عالميًا لنوايا الدولة الإسلامية هو ذلك الذي كتبه غريم وود لمجلة “الأتلانتك” في شهر مارس من هذا العام. وقد حظي هذا التحليل باهتمام واسع النطاق جدًا؛ حيث وجد فيه الكثيرون ملاذًا لفهم ماذا تريد داعش حقًا، وعثر فيه آخرون على مادة يصبون عليها نقدهم اللاذع، متهمين الكاتب بربط التنظيم بالدين الإسلامي دون مراعاة لشعور “المعتدلين” من معتنقي هذا الدين.

وفي محاولته الإجابة على سؤال: “ما هي الدولة الإسلامية؟ من أين جاءت؟ وما هي نواياها؟“، كتب وود أن بساطة هذه الأسئلة قد تجعلها أسئلة مخادعة، وأنه لا يبدو أن الكثير من القادة الغربيين يعرفون الإجابة عنها. وأضاف وود: “في ديسمبر، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تعليقات سرية لقائد العمليات الخاصة الأمريكية في الشرق الأوسط، الجنرال مايكل ناغاتا، يعترف فيها أنه قد لا يفهم جاذبية الدولة الإسلامية كثيرًا. وقال: لم نهزم الفكرة… حيث إننا حتى الآن لم نستوعبها. وأيضًا، أشار الرئيس الأمريكي، باراك أوباما العام الماضي إلى أن الدولة الإسلامية غير إسلامية، وأنها مجرد فريق أشبال تابع للقاعدة. وتعكس كل هذه العبارات الحيرة حول ماهية المجموعة، وقد تكون ساهمت في وقوع أخطاء استراتيجية كبيرة”.

ويعترف وود بأن الجهل المحيط بالدولة الإسلامية مفهوم نوعًا ما، ويقول: “إنها مملكة النساك، وقلائل هم من ذهبوا إليها وعادوا منها. لقد تحدث البغدادي مرةً واحدةً فقط أمام الكاميرا؛ ولكن خطابه وفيديوهات الدعاية العديدة، ومنشورات الدولة الإسلامية، متوفرة على شبكة الإنترنت، وقد عمل مؤيدو الخلافة بقوة لجعل مشروعهم معروفًا للعامة”. ويضيف الكاتب أنه، ومن خلال هذه المنشورات، “نستطيع أن نستنتج أن دولتهم ترفض السلام كمبدأ، وأنها جائعة للقتل الجماعي، وأنها غير قادرة دستوريًا على بعض أنواع التغيير بسبب وجهات نظرها الدينية، حتى لو كان التغيير يخدم بقاءها؛ إنها تنظر لنفسها كمبشر ونذير، وكصانع مانشيتات نهاية العالم القريبة”.

ومن وجهة نظر وود، تسير الدولة الإسلامية وفقًا لنوع خاص من الإسلام مرتبط برؤيتها للطريق إلى القيامة، وهذا قد يساعد الغرب في معرفة عدوه؛ وبالتالي، توقع سلوكه. ويضيف الكاتب أن الجميع أساؤوا فهم طبيعة الدولة الإسلامية من جانبين على الأقل؛ هما: أولًا، الميل للنظر إلى الجهاديين على أنهم متجانسون؛ وبالتالي إسقاط منطق القاعدة على تنظيم تجاوز القاعدة بشكل حاسم. وقال وود: “لا يزال أنصار الدولة الإسلامية الذين تحدثت معهم يتكلمون عن أسامة بن لادن مستخدمين لقب الشيخ أسامة، الأمر الذي يوحي بالتبجيل؛ ولكن الجهادية تطورت منذ أن احتلت القاعدة ذروتها ما بين عامي 1998 و2003، وهو ما يجعل كثيرًا من الجهاديين يزدرون أولويات المجموعة، وقياداتها الراهنة”.

ويعتبر الكاتب أنه من الضروري التركيز على ملاحظة أن “الجهاديين أشخاص حديثون، وعلمانيون، لديهم هموم سياسية حديثة، ولكنهم يتنكرون في زي ديني من العصور الوسطى”. ويقول وود إن معظم ما تقوم به داعش لا يبدو منطقيًا إلا عند رؤيته في ضوء التزام مخلص بالرجوع بالحضارة الراهنة إلى البيئة التشريعية للقرن السابع، والمجيء بنهاية للعالم. ويضيف وود: “ثانيًا، نحن نساق إلى طريق خاطئ آخر، عن طريق حملة غير سليمة، حتى لو كانت ناتجة عن نية حسنة، تنفي طبيعة دين العصور الوسطى للدولة الإسلامية”.

ويؤكد وود على أن أغلب من يتحدثون بصراحة عن تبني هذا الموقف هم قادة ومؤيدو الدولة الإسلامية أنفسهم؛ حيث إنهم يسخرون من “الحداثيين”، ويؤكدون في محداثاتهم على أنهم لن يحيدوا عن تعاليم الحكم التي وضعها النبي محمد وأصحابه الأوائل. ويقول وود: “كثيرًا ما يتحدث هؤلاء برموز غريبة أو قديمة بالنسبة لغير المسلمين، ولكنها رموز تشير إلى التقاليد والنصوص المبكرة للإسلام”.

ويعطي الكاتب مثالًا على فرضيته السابقة، قائلًا إن الشيخ المدعو “أبو محمد العدناني”، وهو المتحدث الرسمي باسم الدولة الإسلامية، دعا في شهر سبتمبر المسلمين في الدول الغربية، مثل فرنسا وكندا، للبحث عن كافر، وتحطيم رأسه بصخرة، أو تسميمه، أو دهسه بسيارة، أو تدمير محاصيله، وهي عقوبات قد تبدو غريبة بالنسبة للغرب. وأضاف الكاتب أن ما قاله العدناني كان خطابًا متوجًا بنقاشات عقائدية وفقهية، وأن دعوته لمهاجمة المزروعات أو المحاصيل لها جذور في تعاليم النبي محمد، التي تأمر بعدم مهاجمة الأبار والمزروعات إلا في حال كانت جيوش الإسلام في موقف دفاعي، حيث يتوجب على المسلمين في بلاد الكفار أن يسمموا المياه، وألا يرأفوا بالكفار أبدًا.

وهنا، يصل وود إلى الاستنتاج الذي أثار انتقادات كبيرة لمقاله، قائلًا: “إن الحقيقة هي أن الدولة الإسلامية، إسلامية. بل وإسلامية جدًا. من الصحيح أنها اجتذبت مرضى نفسيين، وباحثين عن المغامرة من السكان الساخطين في الشرق الأوسط وأوروبا، ولكن الدين الذي يدعو له أتباعها الأكثر تحمسًا مأخوذ من تفسيرات متماسكة للإسلام”.

ولتأكيد فرضيته السابقة، يقول الكاتب إن كل قرارات داعش الكبيرة تقريبًا تلتزم بما يدعوه التنظيم في صحافته وإعلاناته بـ “النهج النبوي”. ويضيف أنه من الصحيح أن أغلب المسلمين يرفضون الدولة الإسلامية، إلا أن الادعاء بأنها ليست مجموعة دينية يجب أن يكون محط تحليل إذا ما أردنا محاربته، وقد قاد هذا الأمر الولايات المتحدة إلى التقليل من تقدير شأن المجموعة، وإلى دعم خطط “حمقاء” لمواجهتها.

وللاستجابة لداعش بطريقة تعزز تدمير تطرفها، بدلًا من المساعدة في تقويتها، يقول وود إن هناك حاجة للتعرف على السلالة الفكرية للدولة الإسلامية. وللوصول إلى هذا الهدف، يقسم الكاتب ما تبقى من مقاله إلى خمسة أجزاء معنونة بالإخلاص، الإقليم، البقاء، القيامة، المعركة، والامتناع. وفيما يلي، أهم ما تضمنته هذه الأجزاء:

1. الإخلاص

نشرت الدولة الإسلامية في شهر نوفمبر  شريط فيديو يعيد أصولها إلى أسامة بن لادن، ويعترف بأبي مصعب الزرقاوي، وهو القائد المتوحش للقاعدة في العراق منذ عام 2003 حتى مقتله في عام 2006، كسلفٍ مباشر للتنظيم. ومن الجدير بالملاحظة أن الفيديو لم يذكر خليفة بن لادن، أيمن الظواهري، وهو جراح العيون المصري الذي يتزعم القاعدة الآن؛ حيث إن الظواهري لم يقم بمبايعة البغدادي، وتزداد كراهيته بين زملائه من الجهاديين، وأدى فقدانه للكاريزما إلى عزلته. ورغم ذلك، كان الانقسام بين القاعدة والدولة الإسلامية ينمو منذ فترة طويلة، ومن الممكن تفسير هذا الشقاق جزئيًا بشغف المجموعة الأخيرة المبالغ فيه بسفك الدماء.

وأحد رفاق الظواهري في عزلته رجل دين أردني يدعى “أبو محمد المقدسي” 55 عاماً، ولديه كل المؤهلات كي يكون المهندس الفكري للقاعدة، وأهم جهادي لا يعرفه القارئ الأمريكي العادي. وهناك توافق بين المقدسي والدولة الإسلامية فيما يتعلق بغالبية مسائل العقيدة؛ وكل منهما مرتبط بشكل وثيق بالجناح الجهادي من الإسلام السني المسمى السلفية، وهم يقتدون بالتالي بالسلف، وهم الرسول نفسه وأقدم أصحابه، كنماذج سلوكية، حتى فيما يتعلق بالحرب، واللباس، والحياة العائلية، وطب الأسنان. وما تنتظر الدولة الإسلامية وصوله هو جيش “الروم”، الذي سيبدأ العد التنازلي لنهاية العالم مع هزيمته في دابق.

وقد تجاوز الزرقاوي معلمه المقدسي في التطرف، وانتقده بحدة فيما بعد. وقد كانت دموية الزرقاوي موضع نقاش؛ حيث وصلت كراهيته للمسلمين الآخرين على أساس عقائدي إلى درجة تكفيرهم وقتلهم، وتعد ممارسة التكفير في الإسلام أمرًا محفوفًا بالمخاطر، وهي ممارسة توسع في ارتكابها الزرقاوي من دون مبالاة. وقد كتب المقدسي لتلميذه السابق موصيًا إياه بالحرص، وعدم إصدار أحكام نهائية بالكفر، أو وصف الناس بالمرتدين بسبب أخطائهم. وفي حين قد يبدو الفرق بين المرتد والمخطئ صغيرًا، إلا أنه لا يزال نقطة خلاف أساسية بين القاعدة والدولة الإسلامية.

وفي حين يعد إنكار قدسية القرآن أو نبوة محمد ارتدادًا صريحًا عن الإسلام، يعتبر الزرقاوي والدولة التي أنتجها أفعالًا أخرى عديدة كأسباب لنزع الإسلام عن المسلم. ومن بين هذه الأفعال في بعض الأحيان، بيع المشروبات الكحولية أو المخدرات وارتداء الملابس الغربية وحلاقة الشخص للحيته والتصويت في الانتخابات، حتى ولو لصالح مرشح مسلم، والتراخي في إطلاق لقب مرتد على الآخرين. وتشمل هذه الفئة كذلك أن يكون الشخص شيعيًا، كما هو حال أغلب العراقيين العرب؛ حيث تنظر الدولة الإسلامية إلى التشيع كبدعة، وإلى الممارسات الشيعية الشائعة، كالتعبد في أضرحة الأئمة وجلد النفس علنًا، كسلوكيات لا أساس لها في القرآن أو السنة.

ويجادل وود أيضًا بأن الدولة الإسلامية تلتزم، بالإضافة لعقيدة التكفير، بتطهير العالم عن طريق قتل عدد كبير من البشر. وأشار الكاتب إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تقول بحدوث إعدامات فردية في المنطقة بشكل مستمر إلى حد ما، وإن الإعدامات الجماعية تحدث كل بضعة أسابيع. وفي حين أن معظم ضحايا هذه الإعدامات هم من “المرتدين” المسلمين، يبدو أن المسيحيين الذين لا يقفون في وجه الحكومة الجديدة معفيون من الإعدام الفوري؛ حيث يقبل البغدادي بأن يعيشوا طالما أنهم يدفعون الجزية، وطالما استمروا معترفين بخضوعهم.

ويعزو الكاتب حالة الإنكار وعدم التصديق التي يتلقى بها الغربيون أخبار عقيدة وممارسات الدولة الإسلامية بأنها نتيجة مرور قرون من الزمن منذ توقف الحروب الدينية في أوروبا، ومذ أن توقف الناس عن الموت بأعداد كبيرة بسبب نزاعات عقائدية لا يستطيع الكثيرون فهمها. ويتابع وود أن تجاهل العامل الأيديولوجي وراء داعش يعكس نوعًا آخر من التحيز الغربي، وأنه عندما يصرخ منفذ الإعدام المقنع “الله أكبر” بينما يقطع رأس مرتد، فإن هذا الشخص يقوم بذلك بدافع الأسباب الدينية.

وانتقد وود ما قالته عدة منظمات إسلامية بأن الدولة الإسلامية هي في الحقيقة غير إسلامية، قائلًا: “إنه لمن المطمئن بالطبع أن نعرف أنه ليست لدى الأغلبية العظمى من المسلمين أي رغبة باستبدال أفلام هوليوود بإعدامات علنية كترفيه مسائي؛ إلا أن المسلمين الذين يصفون الدولة الإسلامية بأنها ليست إسلامية هم عادةً كما قال لي برنارد هيكل، وهو باحث في جامعة برنستون وخبير مهم في أيديولوجيا المجموعة، محرجون ولديهم رؤية حالمة عن دينهم تتجاهل ما يتطلبه هذا الدين تاريخيًا وقانونيًا“. ووفقًا لهيكل أيضًا، تعد الدولة الإسلامية غارقة بالحماسة الدينية، وتملأها الاقتباسات القرآنية. ويقول هيكل: “حتى جنود مشاتهم يقولون تلك الأشياء باستمرار“. وأضاف: “يريد الناس تبرئة الإسلام … إنها تعويذة أن الإسلام دين سلام، وكأن هناك شيئًا يسمى الإسلام! إنه ما يفعله المسلمون، وكيف يفسرون نصوصهم. هذه النصوص مشتركة بين جميع المسلمين السنة، وليس الدولة الإسلامية فقط. ولدى هؤلاء الناس شرعية مساوية لأي شخص آخر“.

ويؤكد هيكل كذلك على أن مقاتلي الدولة الإسلامية يرجعون إلى الإسلام المبكر، وأنهم مخلصون في إعادة إنتاج أنماطه الحربية حرفيًا، بما في ذلك عدد من الممارسات التي يفضل المسلمون الحديثون عدم الاعتراف بها كجزء أصيل من نصوصهم المقدسة. ويقول هيكل: “ليست العبودية، والصلب، وقطع الرؤوس، بأشياء ينتقيها (الجهاديون) غريبو الأطوار من تقاليد العصور الوسطى“.

ويقارن وود بين داعش والوهابية، قائلًا إن أي مجموعة أخرى لم تحاول في القرون الماضية الارتباط بإخلاص أكثر راديكالية بنموذج الرسول مما فعلت الدولة الإسلامية سوى الوهابيين في الجزيرة العربية في القرن الـ 18. ولكن هيكل يرى فرقًا مهمًا بين هاتين المجموعتين، ويقول: “لم يكن الوهابيون وحشيين في عنفهم. وكانوا محاطين بالمسلمين، وغزوا دولًا كانت إسلامية بالفعل، وهو ما وضع الأغلال على أيديهم“.

2. الإقليم:

يقول وود إن من بين عشرات الآلاف من المسلمين الأجانب الذين يعتقد أنهم هاجروا إلى الدولة الإسلامية من فرنسا، والمملكة المتحدة، وبلجيكا، وألمانيا، وهولندا، وأستراليا، وإندونيسيا، والولايات المتحدة، وأماكن أخرى كثيرة، من جاء للقتال، وهم كثيرون، ومن جاء بنية الموت، وهم كثيرون أيضًا. ويضيف أن الدولة الإسلامية تسعى لبناء مجتمع كامل.

وتحدث ووود عن سفره إلى أستراليا في شهر نوفمبر للقاء موسى سرانتونيو، وهو رجل عمره 30 عامًا، تم تحديده من قبل الباحثين كواحد من اثنين من أهم “المسؤولين الروحيين الجدد” الذين يرشدون الأجانب المنضمين إلى الدولة الإسلامية. ورغم طرده من قناة اقرأ التليفزيونية التي عمل فيها كداعية لمدة ثلاث سنوات بسبب دعواته المستمرة لإنشاء الخلافة، قال سرانتونيو لوود إنه يشمئز من فيديوهات قطع الرؤوس. ولا يحب مشاهدة العنف، وإنه يقف علنًا ضد التفجيرات؛ لأن الله حرّم الانتحار، ويختلف مع الدولة الإسلامية في نقاط عديدة أخرى. ولكن رغم ذلك، لا يعترف سرانتونيو، كما هو حال كثير من مؤيدي الدولة الإسلامية، بشرعية الخلافة ما إذا لم تعمل على تطبيق القانون الإسلامي الذي يشمل الرجم والبتر، وما إذا لم ينحدر الخلفاء من قبيلة الرسول، قريش، وهو الشرط المتوفر في أبي بكر البغدادي، على عكس بن لادن، وعلى عكس الخلفاء المزيفين للإمبراطورية العثمانية.

ونقل وود عن سرانتونيو قوله إن الخلافة لا تعد كيانًا سياسيًا فقط، بل ووسيلة خلاص كذلك. وأبلغ سرانتونيو وود بالحديث النبوي القائل إن من يموت بدون إعلان البيعة، يموت ميتة الجاهلية، أو “ميتة غير المؤمن“. وعندما أجابه وود بالقول إن معنى ذلك أن غالبية المسلمين العظمى عبر التاريخ، وتحديدًا كل من ماتوا بين عامي 1924 و2014، ماتوا ميتة غير المؤمنين، رد سرانتونيو بالقول إنه قد تمت إعادة تأسيس الإسلام من خلال الخلافة. وأضاف: “لم أقل إني أعلنت البيعة“، مذكرًا وود بأن مبايعة الدولة الإسلامية أمر غير قانوني بموجب القانون الأسترالي. وتابع سرانتونيو: “لكنني أؤكد على أن البغدادي موافق للمتطلبات … سوف أغمز لك بعيني، ولك أن تستنتج ما تريد!“.

وفي لندن، وقبل لقائه مع سرانتونيو بأسبوع، التقى وود مع ثلاثة أعضاء سابقين في مجموعة إسلامية محظورة تدعى: “المهاجرون”. وهؤلاء الأشخاص هم: أنجم شوداري، أبو براء، وعبدول موحد.

ويقول وود إن الأشخاص الثلاثة أظهروا رغبتهم في الهجرة إلى الدولة الإسلامية كما فعل العديد من زملائهم، ولكنهم قالوا إن جوازات سفرهم قد صودرت من قبل السلطات. ويعتبر الثلاثة أيضًا أن الخلافة هي الحكومة المستقيمة الوحيدة على وجه الأرض، رغم أنهم مثل سرانتونيو لم يعلنوا البيعة بعد.

ويؤمن شوداري، وهو القائد السابق للمجموعة، وتلاميذه، بالدولة الإسلامية بإخلاص، ويتحدثون بصوتها في أمور العقيدة. وعند لقائه بوود، قال شوداري: “قبل الخلافة، كان 85 بالمئة من الشريعة مفقودًا من حياتنا“. وأعطى مثالًا على ذلك، قائلًا إنه بدون الخلافة لا يستطيع الأفراد الساعون للعدالة بتر يد السارق الذي يتم الإمساك به متلبسًا. ويقول وود إنه يتوجب على الخليفة أن يطبق الشريعة، حيث إن الانحراف عن ذلك سيجبر الذين بايعوه بأن يبلغوه سرًا بخطئه، وعزله واستبداله إن أصر عل الخطأ. وفي المقابل، يتوجب على الرعية طاعة الخليفة، ومن يصرون على تأييد الحكومات غير المسلمة بعد إنذارهم، يجب اعتبارهم مرتدين.

وأرجع شوداري إساءة فهم الشريعة إلى تطبيقها بشكل ناقص من قبل أنظمة مثل السعودية، التي تقوم بقطع رأس القاتل ويد السارق. واتهم شوادري السعودية، وأماكن أخرى، بتطبيق العقوبات الإسلامية فقط، من دون توفير العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يخلق السخط على الشريعة ككل. وأضاف أن تصحيح هذا لن يتطلب سوى توفير السكن المجاني، والطعام، والثياب للجميع، وبالطبع، ترك من يريد المزيد من الثراء يحصل عليه من خلال العمل.

وبدوره، كان عبد المجيد، ويبلغ من العمر 32 عامًا، متحمسًا أيضًا لمناقشة الرفاه الاجتماعي، وقال لوود إن الدولة الإسلامية توفر رعاية صحية مجانية، وإن توفير الرفاه الاجتماعي ليس خيارًا سياسيًا بالنسبة للدولة الإسلامية، بل هو سياسة إجبارية في شريعة الله.

3– القيامة

يقول وود إن المسلمين بشكل عام يقرون بأن الله فقط هو من يعلم الغيب والمستقبل، ولكنه يضيف أن المسلمين متفقون في الوقت نفسه على أن القرآن وأحاديث الرسول تتضمن لمحة عن هذا المستقبل. ومن هنا، يستنتج وود أن ما يميز الدولة الإسلامية عن سابقاتها من الحركات الجهادية، ويجعل الطبيعة الدينية لمهمتها أوضح، هو أنها تعتقد بأنها شخصية محورية ضمن السيناريو الذي وضعه الله ليوم القيامة.

ويقارن وود بين الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، قائلًا إنه في حين تتصرف القاعدة كحركة سياسية ذات أهداف عالمية، مثل طرد غير المسلمين من الجزيرة العربية ومحو إسرائيل وإنهاء الدعم الذي تتلقاه الديكتاتوريات في الدول المسلمة، تعد فكرة نهاية الزمان هي الفكرة المهيمنة على دعاية الدولة الإسلامية. وينقل وود عن ويل ماكانتس، من مؤسسة بروكلين ويقوم بتأليف كتاب عن فكر نهاية العالم، قوله إن “بن لادن والظواهري من عائلات سنية رفيعة المستوى، تحتقر هذا النوع من التكهن، وتعتقد أنه شيء مشترك بين العوام“.

ويقول وود أيضًا إن الآباء المؤسسين للدولة الإسلامية رأوا علامات نهاية الزمان في كل مكان خلال السنوات الأخيرة للاحتلال الأمريكي للعراق. ويضيف إن هؤلاء توقعوا ظهور المهدي خلال عام فقط، وينقل عن ماكانتس قوله إن شخصية إسلامية رائدة في العراق اتصلت ببن لادن عام 2008 لكي يأخذ حذره من أن مجموعة يقودها مليونيرات تتحدث عن المهدي طوال الوقت، وتضع قرارات استراتيجة بناءً على الوقت الذي يعتقد أنه سوف يظهر فيه. وردت القاعدة على ذلك بأن كتبت لهؤلاء القادة: “كفوا عن ذلك“.

ونقل وود عن سرانتونيو قوله إنه سيكون هناك 12 خليفة شرعي فقط، وإن البغدادي هو الخليفة الثامن، وإن جيوش الروم سوف تواجه جيوش الإسلام في شمال سوريا، دابق، وإن آخر مواجهة للمسلمين ستكون ضد المسيح الدجال في القدس.

وبما أن النبوءة النبوية المتعلقة بمعركة دابق تشير إلى العدو الذي سيحاربه المسلمون باسم روما، فيتساءل وود من هي”روما” تحديدًا الآن، خصوصًا أنه ليس لدى البابا أية جيوش؟ وتلقى وود إجابةً على سؤاله هذا من سرانتونيو، الذي قال إن ما تعنيه روما هو الإمبراطورية الرومانية الشرقية، التي كانت عاصمتها ما يعرف الآن بإسطنبول. وأيضًا، نقل وود عن مصادر أخرى اقتراحها بأن روما قد تعني أي جيش كافر؛ وبالتالي فإن الأمريكيين يفون بهذا الغرض بشكل جيد، وفقًا لوصف الكاتب.

ومما قاله سرانتونيو لوود أيضًا إن الخلافة بعد معركتها في دابق سوف تمتد لتصل إلى إسطنبول نفسها. وفيما بعد، ووفقًا لاعتقاد البعض، سوف تغطي الخلافة الكرة الأرضية كلها، رغم أن سرانتونيو يقول إن موجتها لن تتخطى ربما ما هو أبعد من البسفور، قبل أن يأتي المسيح الدجال من منطقة خراسان في شرق إيران ويقوم بقتل أعداد كبيرة من مقاتلي الخلافة، بحيث لا يتبقى منهم سوى 5 آلاف مقاتل محاصرين في القدس. ووعند هذه اللحظة، سوف يعود المسيح، وهو ثاني أكثر الأنبياء قداسةً في الإسلام، ليقود المسلمين للنصر الأخير.

وبعد كل هذا السرد لسيناريو نهاية العالم كما يعتقد مؤيدو الدولة الإسلامية، يستنتج وود أن الهزائم التي تتلقاها الدولة الإسلامية لا تعني شيئًا وفقًا لهذه النظرية؛ حيث إنه من المقدر إلهيًا أن شعب هذه الدولة سوف يدمر تقريبًا في كل الحالات.

4– المعركة

يؤكد وود على أن للنقاء الأيديولوجي الذي تتمتع به الدولة الإسلامية ميزة واحدة، هي أنه يسمح لنا بالتنبؤ ببعض ما ستقوم به المجموعة. ويقارن وود من جديد بين هذا التنظيم والقاعدة، قائلًا إنه من النادر أن كان التنبؤ بأفعال أسامة بن لادن أمرًا ممكنًا، وإن زعيم القاعدة السابق اختتم مقابلة تلفازية مع بيتر أرنت من سي إن إن، بإجابته على سؤال: “ما هي خططك للمستقبل؟” بالقول: “سوف تراها وتسمع عنها في الإعلام، إن شاء الله“. وبشكل معاكس لهذا الجواب المحير الذي أدلى به بن لادن، لا تتوانى الدولة الإسلامية عن التباهي والتفاخر بشكل علني بمعظم خططها، وهو ما يكفي حتى يستطيع العالم تخمين كيفية إدارة حكمها وتوسعها إذا ما كان هذا العالم يصغي إلى ما تقوله بشكل جيد.

وقال شوداري وتلاميذه لوود إنه، وبما أنها أصبحت خلافة الآن، فإن الدولة الإسلامية تتحمل مسؤولية ما يصفه الشرع الإسلامي بـ “الجهاد الهجومي”، وهو ما يعني التوسع قسرًا إلى المناطق التي لا يحكمها المسلمون. وأكد شوداري لوود أن المسألة ليست موضوع دفاع عن النفس فقط، وأنه من غير الخلافة، يصبح “الجهاد الهجومي” مفهومًا غير قابل للتطبيق، وأن إعلان الحرب لتوسيع الخلافة إحدى مسؤوليات الخليفة الرئيسة.

ولم يتوان شوداري عن وصف قوانين الحرب التي تنفذها الدولة الإسلامية على أنها قوانين رحيمة، بدلًا من أن تكون قوانين وحشية كما يتم وصفها. وقال شوادري لوود إن على الدولة واجبًا هو إرهاب عدوها، وكأن فعل ذلك من خلال قطع الرؤوس، وصلب الناس، واستعباد النساء والأطفال، سوف يسرع من قدوم النصر، ويؤدي إلى تفادي صراع طويل. وبدوره، قال أبو براء لوود إن القانون الإسلامي لا يسمح باتفقات سلام تستمر لأكثر من عقد من الزمن، وإن الحدود الجغرافية أمر ملعون. وأضاف أبو براء أنه يتوجب على الخليفة القيام بالجهاد لمرة واحدة في السنة على الأقل، وأن الخليفة سيكون على خطأ إذا لم يفعل ذلك.

ورغم أن الخمير الحمر، الذين قتلوا نحو ثلث سكان كمبوديا، حصلوا على مقعد كمبوديا في الأمم المتحدة، يقول أبو براء إن هذا الأمر غير مقبول بالنسبة للدولة الإسلامية؛ حيث إن إرسال سفير إلى الأمم المتحدة يعني الاعتراف بسلطة غير سلطة الله. ويضيف أبو براء أن هذا النوع من الدبلوماسية شرك، وأنه سيكون سببًا مباشرًا لإعلان هرطقة البغدادي واستبداله بخليفة آخر. ولا يتوقف الشرك على هذا فقط، بل يتعداه إلى استخدام الوسائل الديمقراطية في الخلافة، مثل التصويت لمرشح سياسي يسعى لأن يكون الخليفة.

واعتبر وود أن استجابة الولايات المتحدة وحلفائها للدولة الإسلامية جاءت متأخرة، وتحمل حيرةً من نوع ما. وأشار الكاتب هنا إلى أن طموحات المجموعة وخططها الاستراتيجة كانت قد أصبحت واضحة منذ 2011، عندما قال المتحدث الرسمي باسمها، العدناني، لمؤيديها إن هدف المجموعة هو “استعادة الخلافة الإسلامية“، وأضاف أنه لم يبق سوى أيام قليلة على نهاية الزمان. وذكر وود أيضًا بتسمية البغدادي نفسه بـ “أمير المؤمنين” في عام 2011. وقال إن العدناني عاد ليعلن في أبريل 2013 أن الحركة “جاهزة لإعادة رسم العالم على منهاج الخلافة النبوي“، وفي أغسطس 2013، عن أن الهدف هو إنشاء دولة إسلامية لا تعترف بالحدود. وأضاف وود: “لو أننا حددنا نوايا الدولة الإسلامية مسبقًا، وأدركنا أن الفراغ في سوريا والعراق قادر على إعطائنا الفرصة لإخراجها، لكنا دفعنا العراق لتقوية حدوده مع سوريا، وصنعنا صفقات استباقية مع سنته، على الأقل. ولكن ما حدث هو أنه، ومنذ أكثر من عام بقليل، قال أوباما لمجلة نيويوركر إنه يعتبر داعش أضعف شركاء القاعدة”.

 ويؤكد وود على أن الفشل الغربي في تقدير الاختلافات الجوهرية بين الدولة الإسلامية والقاعدة قاد لاتخاذ قرارات خطيرة. ويعطي الكاتب مثالًا على هذا، قائلًا إن الحكومة الأمريكية وافقت في الخريف الماضي على إنقاذ الرهينة بيتر كاسيج من خلال التواصل مع شخصيات مؤسسة للدولة الإسلامية والقاعدة؛ حيث تم الاتصال بكل من أبي محمد المقدسي، وهو معلم الزرقاوي وأحد كبار القاعدة، وتركي البينالي، وهو من كبار مفكري الدولة الإسلامية وتلميذ المقدسي السابق، على الرغم من اختلاف الشخصين بسبب انتقادات المقدسي للدولة الإسلامية.

وذكر وود أن ما حدث هو أن المقدسي كان قد دعا الدولة الإسلامية بالفعل من قبل للإفراج عن آلان هنينج، وهو سائق التاكسي البريطاني الذي دخل سوريا لنقل المساعدات للأطفال، وقالت صحيفة الغارديان البريطانية في ديسمبر إن الحكومة الأمريكية طلبت من المقدسي عبر وسيط التدخل لدى الدولة الإسلامية من أجل الإفراج عن كاسيج.

ورغم أن المقدسي حينها كان ممنوعًا من التواصل مع إرهابيين في الخارج من قبل السلطات الأردنية، أعطت الولايات المتحدة للأردن الإذن بشراء المقدسي لهاتف جديد بأموال أمريكية، والسماح له بالتواصل بحرية مع تلميذه السابق، البينالي، لعدة أيام، قبل أن تعود الحكومة الأردنية لاستخدام هذه المحادثات كحجة لسجن المقدسي، وقبل أن يظهر رأس كاسيج مقطوعًا في شريط فيديو أصدرته الدولة الإسلامية.

وبالإضافة إلى استنتاج بعض النقاد ان توسط المقدسي قد يكون أدى لنتيجة معاكسة، هي تسريع مقتل كاسيج والأسرى الآخرين لدى الدولة الإسلامية، يقول وود إن مقتل كاسيج كان مأساةً بالتأكيد، ولكن نجاح الخطة الأمريكية كان سيكون مأساةً أكبر؛ حيث إن المصالحة بين المقدسي والبينالي كانت ستشكل بدايةً لعودة العلاقات بين أكبر منظمتين جهاديتين في العالم.

وينتقد وود مواجهة الدولة الإسلامية من خلال الوكلاء الأكراد والعراقيين على أرض المعركة، ومن خلال الهجمات الجوية، أيضًا، قائلًا إن هذه الاستراتيجية لم تزعزع الدولة الإسلامية عن أي من الأراضي التي فازت بها، واكتفت بمنعها من مهاجمة بغداد، وإربيل، وقتل الشيعة والأكراد هناك، بشكل مباشر. ودعا وود إلى عدم التسرع في تجاهل دعوات بعض المراقبين للتصعيد، بما في ذلك من خلال إرسال عشرات آلاف من الجنود الأمريكين، حيث إن الدولة الإسلامية تعلن أنها قاتلة، وهي تسعى بشكل ضمني لفناء أعدائها، وهي أيضًا مستمرة في ارتكاب الفظائع بشكل يومي في الأراضي الخاضعة لسيطرتها.

ومن الطرق الناجعة لكسر السحر الذي تضعه الدولة الإسلامية على أتباعها، وفقًا لوود،  الانتصار عليها عسكريًا، والسيطرة على الأجزاء التي تحكمها الخلافة الآن في كل من سوريا والعراق. ويقول الكاتب إنه من غير الممكن القضاء على تنظيم القاعدة؛ لأنه يستطيع الانتقال إلى العمل السري، ولكن الدولة الإسلامية لا تستطيع فعل ذلك؛ وبالتالي، لن تكون الخلافة في حال خسرت سيطرتها على أراضيها. ويضيف وود: “إن الخلافة غير قادرة على التواجد كحركة سرية؛ لأن من متطلباتها أن تكون تمتلك السلطة على الأرض؛ وبالتالي، إذا ما قمنا بنزع سيطرتها على الأراضي، فإن كل تلك البيعات التي حصلت عليها سوف تصبح غير ملزمة”.

ولا يستثني الكاتب إمكانية استمرار من قاموا بمبايعة الخلافة بمهاجمة الغرب، وقطع رؤوس الأعداء، بشكل حر، ولكنه يؤكد على أن القيمة الدعائية للخلافة سوف تختفي في هذه الحالة، وسيختفي معها الواجب الديني المزعوم القائل بأنه يتوجب على المسلمين الهجرة إليها.

ورغم أن الكاتب يشير إلى أن الولايات المتحدة تستطيع تشتيت وهزيمة الدولة الإسلامية بطريقة لا تتعافى معها أبدًا إذا ما نفذت هجومًا في دابق أرسلت إليه موارد ضخمة كما لو أنه معركة تقليدية؛ إلا أنه يعود ليحذر من مخاطر التصعيد واصفًا إياها بالضخم.

وعن هذه المخاطر، يقول وود: “الدولة الإسلامية نفسها هي أكبر مؤيد للغزو الأمريكي … وبالتالي، سوف يشكل الغزو الأمريكي نصرًا دعائيًا هائلًا للجهاديين حول العالم؛ حيث إن الجميع مؤمنون بأن الولايات المتحدة تريد شن حملة صليبية عصرية وقتل المسلمين، بغض النظر عما إذا كانوا يريدون مبايعة الخليفة أم لا”. ويضيف الكاتب أن أي غزو أمريكي آخر سوف يؤكد هذه الشكوك ويدعم التجنيد لصالح الدولة الإسلامية، ويتساءل أيضًا عن تبعات مهمة أمريكية فاشلة أخرى، مذكرًا بأن الجهود الأمريكية السابقة في الاحتلال هي ما أدى لصعود الدولة الإسلامية، بعد أن قادت لخلق مساحة للزرقاوي وأتباعه.

وهنا، يعود وود للقول إن الاستمرار في استنزاف الدولة الإسلامية من خلال الضربات الجوية، والحروب بالوكالة، يبدو أفضل الحلول العسكرية السيئة المتوفرة. ويضيف أنه، وعلى الرغم من عدم قدرة الأكراد والشيعة عل حكم كامل المنطقة السنية في سوريا والعراق لأنهم مكروهون هناك وليس لديهم الشهية للقيام بمثل هذه المغامرة؛ إلا أن هؤلاء قادرون على منع الدولة الإسلامية من تحقيق هدفها ومسؤوليتها في التوسع، مما يزيد من شبهها بأي حكومة فاشلة في جلب الرخاء لأهلها في منطقة الشرق الأوسط.

ويعتبر وود أن تهديد الدولة الإسلامية للولايات المتحدة أصغر من تهديد القاعدة بسبب أيديولجيتها. واستشهد وود هنا بما قاله البغدادي في نوفمبر لعملائه السعوديين، من أنه يجب التعامل مع الرافضة أولًا ، ومن ثم مع المؤيدين السنة للملكية السعودية، قبل الصليبين وقواعدهم. وذكر الكاتب أيضًا بأن المقاتلين الأجانب وعائلاتهم يسافرون إلى أراضي الخلافة بتذاكر ذهاب بلا عودة، قائلًا إن هؤلاء يريدون العيش في ظل الشريعة الحقيقية، وكثير منهم يريدون الشهادة.

وأما فيما يتعلق بهجمات “الذئب الوحيد” التي شنها بعض من مؤيدي الدولة الإسلامية ضد أهداف غريبة؛ فيقول الكاتب إنه يجب توقع هجمات أكثر من هذا القبيل، ولكن لابد أيضًا من ملاحظة أن معظم المهاجمين حتى الآن كانوا أشخاصًا غير قادرين على الهجرة للخلافة بسبب مصادرة جوازات سفرهم أو لمشاكل أخرى. وأضاف أنه على الرغم من استخدام الدولة الإسلامية لهذه الهجمات في دعايتها؛ إلا أنها لم تخطط، أو تمول، أيًا من تلك الهجمات حتى الآن.

ويؤكد وود على أن الحل لجعل الدولة الإسلامية تقضي على نفسها بنفسها هو احتواؤها جيدًا؛ حيث إن هذا التنظيم لا يمتلك حلفاء بين الدول، وهو أمر تضمن أيديولوجيته أنه لن يحدث في المستقبل أيضًا؛ والأراضي التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية غير مأهولة وفقيرة في معضمها رغم مساحتها الشاسعة. ويضيف الكاتب أن التقارير عن بؤس الدولة الإسلامية سوف يؤدي إلى فقدان الحركات الإسلامية الراديكالية في أماكن أخرى لمصداقيتها أيضًا؛ حيث إنه لم يحاول أحد تطبيق الشريعة بطريقة صارمة وبالعنف أكثر مما فعل هذا التنظيم.

5– الامتناع

لا يؤيد وود تسمية المشكلة مع الدولة الإسلامية بأنها مشكلة مع الإسلام، قائلًا إن الدين الإسلامي يسمح بتفسيرات كثيرة، وإن مؤيدي الدولة الإسلامية اختاروا التفسير الذي أرادوه. ولكن رغم ذلك، يعود الكاتب ليؤكد أن وصف الدولة الإسلامية بأنها غير إسلامية سوف يقود لحدوث نتائج عكسية، خاصةً “في حال كان من يسمعون رسالة هذا التنظيم قرأوا النصوص المقدسة، ورأوا فيها ما يدعم العديد من ممارسات الخلافة بشكل واضح“. وهنا، يقول الكاتب إن بإمكان المسلمين القول بأن العبودية غير شرعية الآن، وبأن الصلب خطأ في هذا المنعطف التاريخي؛ إلا أنهم غير قادرين على شجب العبودية والصلب صراحةً من دون مخالفة القرآن ومثال الرسول.

ويتحدث وود عن سرانتونيو، والسلفيين الآخرين الذين التقاهم في لندن، قائلًا إنه من غير الممكن إحراجهم، وإنهم لم يتزحزحوا عن مواقفهم أمام أي سؤال قام بطرحه. وأضاف الكاتب أن هؤلاء الرجال ليسوا مجانين، بل تحدثوا معه بدقة أكاديمية جعلته يشعر أنه في حصة دراسات عليا جيدة. وقال: “لقد استمتعت بصحبتهم حتى، وهو الأمر الذي أخافني مثلما أخافني أي شيء آخر”.

وينصح وود المسؤولين الغربيين بالامتناع عن الإدلاء بدلوهم فيما يتعلق بشؤون المناظرات العقائدية الإسلامية بشكل مطلق، قائلًا إن باراك أوباما نفسه انجرف إلى التكفير بادعائه أن الدولة الإسلامية “ليست إسلامية”، وإن المفارقة هنا تكمن في أن أوباما، وهو ابن غير مسلم لرجل مسلم، قد يصنف كمرتد؛ إلا أنه رغم ذلك يمارس اليوم التكفير ضد المسلمين.

وفي النهاية، ذكر وود باعتراف جورج أورويل في مارس 1940 بأنه لم يقدر أبدًا على كراهية هتلر؛ حيث إنه كان هناك شيء بطولي في هذا الرجل حتى عندما كانت أهدافه جبانة أو كريهة، “لو قتل فأرًا، كان يعرف كيف يجعله يبدو بهيئة تنين“. وقال وود إن لدى مؤيدي الدولة الإسلامية نفس هذا النوع من الجاذبية التي امتلكها هتلر، وإنهم يعتقدون أنهم مشاركون بشكل شخصي في صراعات تتجاوز مدة حياتهم، وفي دراما ينتصرون فيها للحق.

ويعود وود في ختام مقاله للتذكير مجددًا بإحدى مقولات أورويل بأن الفاشية نفسيًا أكثر تعقلًا ومنطقية من مفاهيم الاشتراكية والرأسمالية المتعلقة بالاستمتاع والتلذذ بالحياة. وبدلًا من قول: “إنني أمنحكم وقتًا ممتعًا“، قال هتلر: “إنني أمنحكم المقاومة، والخطر، والموت“، فارتمت أمة بأكملها عند قدميه.

وبالتالي؛ يستنتج وود أنه لا يجب التقليل من قيمة هذه الجاذبية العاطفية، والدينية أو الفكرية، للدولة الإسلامية. قائلًا إن هذا التنظيم أظهر استعداده حتى للتبشير بفنائه شبه الكامل، وثقته بأنه سوف يحصل على العون من الله طالما كان مخلصًا لنهج النبوة.

وفي النهاية، يقول وود إن الآليات الأيديولوجية قد تستطيع إقناعنا بزيف رسالة المجموعة، وإن الآليات العسكرية قد تحد من الرعب الذي تنشره الدولة الإسلامية، وإن أية إجراءات أخرى غير هذه الإجراءات لن تكون قادرة على فعل أي شيء. ويضيف: “من الممكن أن تكون هذه الحرب طويلة، حتى ولو لم تستمر إلى نهاية الزمن“.