2024-11-27 07:34 م

العالم بين فكي العولمة والإرهاب !!

2015-03-31
بقلم: الدكتور رعد صلاح المبيضين
أزعم أن العولمة والإرهاب يعيشان في ذاتيين الأنا فيهما واحدة ، ذلك لأن العولمة قتلت الحاضر من أجل وهم المستقبل ، وجاء الإرهاب يحمل الماضي على جثة الحاضر المقتول ، إذاً نحن بين فعل عولمي تجاوز شرط ما ينبغي أن يرثه الجيل القادم ، من خلال قتل الحاضر ، وبين رد فعل ماضوي لم يكتمل نضجه وحجمه العصري لدرجة أنه يعتبر القتل العشوائي للأبرياء نصراً ، والمسألة للأسف لا تزال تجدد ذاتها بين طرفي الأنا الدموية ، بحيث يمكننا القول أنها طويلة الأمد وستظل تطرح نفسها في الوقت الذي ستكون الحلول عند كل منعطف متأخرة عن موعدها ، ويعود ذلك إلى نقطة الافتراق في فهم العولمة والإرهاب ، بحيث تجد البعض يهبط بسقف التفسير إلى حد لا يمكن تصوره، ومع ذلك فإن واقع الخلل السياسي العالمي يفرض على الساسة الأخذ بالتفسير النظري المجرد الأكاديمي والبرجوازي معاً ، وهنا تعالج الأخطاء بالأخطاء لكي تستمر حالة الغيبوبة الفكرية ـ السياسية ، كون الساسة أكبر من الاعتراف في ( مفكر الظل) أو ( المثقف المهمل ) وتبعاً لذلك يستمر التخلف العالمي سواء التخلف العلمي في الأخلاق أو التخلف الأخلاقي في العلم ، ويبقى العالم بين فكي عنف منغلق من أية عقلانية ، ويمارس الفعل ألتدميري دون أي اعتبار للإنسان من أجل تشتيت الذهن البشري خارج الزمان والمكان الحضاري ، بدليل أن الاستباقية الدموية تهدم كل منطق عقلاني قبل أن تقتل أو تفجر الأجساد ، وهذا للأسف لا يتم من خلال تناسي حالاتها الإنسانية فقط ، وإنما من خلال وضع المجموع البشري العالمي في كفة واحدة ، وهنا تكمن الطامة الكبرى عند طرفي معادلة القتل ، فالعولمة مثلاً هي قتل اقتصادي بطيء بقوة السلاح النووي ، أما الإرهاب فهو قتل فوري بقوة الجسد الجائع الذي أيقن موته في ظل العولمة ، فقرر الانتقام قبل موعد إصدار شهادة الوفاة الاقتصادية ! نعم يا سادة : جوع الإنسان ( خارق حارق متفجر ) وهذا ليس تبرير للإرهاب الذي نستنكره جميعاً ، وإنما هو بيان حقيقة الداء ، لان مفاهيم الماضي لا تتحرك إلا بفعل الجوع فقط وليس ( الدين ) الذي يسمو فوق الجميع ـ شئنا أم أبينا ـ ثمة أدوار كثيرة للدين لم تأخذ بأي إستراتيجية عالمية ، لهذا فإن الدين لا شأن له بالخيانة الإنسانية من طرفي المعادلة العولمة والإرهاب ، وهنا يجب أن تتحمل الدول مسؤولياتها كاملة سواء الدول الغنية أو الفقيرة ، الدول المصنعة وغير المصنعة ، الدول المتقدمة أو المتخلفة ، لأننا نتحدث عن حرب يقال أنها دينية ، وبين عالمين عالم ما قبل التجربة العلمية ، وعالم ما بعد التجربة العلمية ، حرب ليست طبيعية تعبث بأحشاء المجتمعات ، لهذا فإن وقف عجلة العولمة والإرهاب يحتاج إلى وضوح و شجاعة وأمانة وقوة في الطرح ، ويحتاج في تقديري أيضاً إلى العودة إلى نهايات الستينات من القرن الماضي ، أي إلى ثورة أيار في فرنسا عام 1968 م ، عندما تنحى الفكر عن رفع مقولته في حمل الحقيقة ومقاربتها ، وعندما تنحى المثقفون عن الضلوع في التعامل مع الشعوب من موقع المقدمة ، بعد أن نسي العالم المتقدم شيئاً أسمه ( استقلالية المجتمع المدني عن السلطة السياسية ) فكيف بالعالم التخلف يا ترى ؟!!! العالم الذي تجد الحق العام فيه أصبح وسيلة قضائية لمصادرة حرية المجتمع المدني ، مع أنه أي الحق العام وسيلة بيد المجتمع المدني لوقف الاتجاهات السلبية والتسلطية في الدول أو الحكومات ، وليت الأمر يقف عند هذا الحد ، بل أن بعض السلطات السياسية في الدول المتخلفة تنظر للحق العام وكأنه هبة منها للمجتمع المدني ، مع أن العكس هو الصحيح ! لكن لا أحد يريد أن يتفهم حدود وظيفته ، لهذا فإنني من هنا من الأردن قلعة أل البيت عليهم السلام في كل حين ، أدعو المفكرين والمثقفين من مسلمين ومسيحيين ويهود وبوذيين وغيرهم غربيين وشرقيين ، وأقول لهم : إن المهمة اليوم تتجلى في إعادة الوعي الإنساني ، وتجديده عبر مختلف المسارات ، ذلك لأن الهوة أصبحت سحيقة بين المواطنة والوطن وبشتى أنحاء العالم ، ولا بد لنا من إقرار الواقع وتحليله ومعرفته ، من أجل بلورة رؤية إستراتيجية عالمية ننقذ من خلالها شعوب العالم من الهزيمة التي تحولهم إلى موميات لا فعل لها سوى هضم القهر والذل الذي ينشىء الرغبة بالانتحار كملاذ لمواجهة تحديات المنظومة اللاإنسانية ذات الخراج الإرهابي ، هنالك دول مهمشة وشعوب مهملة وقضايا ممزقة ، تحت رحمة حلول وهمية ، وهناك أيضاً حكومات مافياوية لها صلة رحم لم تعد خفيه بالعولمة أللاإنسانية والإرهاب الدموي ، لهذا لابد من تحديد الرؤى نحو ما يجب أن يكون من خلال أدوات مقاربة الواقع مع من أصبحوا اليوم أبعد من الظل أو الهامش إلى أن أصبح العالم بين فكي العولمة والإرهاب !