2024-11-27 11:30 م

عسكرة الإرهاب الممنهج وتداعيات الحسم الميداني (2)

2015-03-18
بقلم الدكتور حسن أحمد حسن


نتائج ودلالات

قد يكون من المبكر الحديث عن الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من هذه الحرب الممنهجة والمفروضة على الدولة السورية، وبخاصة في المجال العسكري الميداني وتداعياته الاستراتيجية، ومع ذلك يمكن باختصار ذكر العديد من النقاط المهمة التي لا يمكن إغفالها في أي بحث علمي لحرب استمرت أربع سنوات وبقيت الدولة التي تواجه هذه الحرب صامدة وأكثر تصميماً على التمسك بثوابتها السياسية، ومن أهم ما يمكن التوقف عنده ما يلي:

1-     نجاح الدولة السورية في ملف الأسلحة الكيميائية وسحب أية ذريعة للتدخل العسكري الخارجي ونقل الكرة إلى ملعب الآخرين انطلاقاً من أهمية إخلاء المنطقة من كل أسلحة الدمار الشامل بما فيها السلاح النووي الذي يغض الغرب الأطلسي النظر عن تكديسه في الترسانة الصهيونية.

2-    استطاعت المجاميع الإرهابية المسلحة بدعم خارجي متواصل وغير محدود من السيطرة على مساحات جغرافية في أكثر من محافظة، كما أن إجرامها قد خلف الكثير من الضحايا المدنيين والعسكريين، وتسبب بتهديم الكثير من البنى التحتية والمرافق العامة والتأثير بشكل مباشر على الحياة اليومية، لكنها أخفقت ومشغلوها في مصادرة إرادة الحياة لدى المواطن السوري كما أخفقت في انتزاع زمام المبادرة من يد الجيش العربي السوري، وبما أننا نتحدث عن حرب وحرب قذرة تشترك فيها عشرات الدول الفاعلة على الساحة الدولية فمن الطبيعي أن يكون هناك تقدم في جبهات وتعثر في بعضها، ومن الطبيعي أن حرباً مفتوحة كهذه ستخلف شهداء وضحايا، ومؤشرات ميادين المواجهة تؤكد رجحان كفة الجيش العربي السوري وازدياد هذا الرجحان في العام الأخير بشكل ملحوظ.

3-    انطلاق محدلة الحسم العسكري بوتائر وتسارعات تفوق قدرة أطراف التآمر والعدوان على التعامل مع التداعيات، وفتح عدة جبهات بآن معاً وإنجاز الكثير باعتراف وسائل الإعلام المعادية قبل الصديقة.

4-    إضافة الكثير من الدروس إلى الفكر العسكري، وبخاصة فيما يتعلق بقدرة الجيش على التكيف بسرعة فائقة مع متطلبات هذه الحرب الجديدة التي يخوض فيها الجيش حرب شوارع وحرب عصابات وأنفاق، وفي الوقت نفسه حرباً استخباراتية وتقنية ومعلوماتية يستثمر الجيش معطياتها في استهدافات دقيقة  لاجتماعات قادة التنظيمات الإرهابية المسلحة ويقطع الرؤوس المدبرة فتبقى رؤوس الأفاعي تتحرك عشوائياً  وبكل اتجاه. 

5-     التكامل الخلاق بين أداء الجيش وأداء المقاومة، وقد تكون سابقة في العلم العسكري أن يتم خوض أعمال قتالية على جبهة جغرافية عريضة بالتنسيق بين جيش نظامي ومقاومة منظمة كما هو الحال مع مقاتلي حزب الله الذين كان لاشتراكهم العلني في هذه الحرب تأثيرا مباشرا على نتائجها الميدانية، وهذا أكثر ما يرعب قادة الكيان الصهيوني، فحزب الله ازداد خبرة ميدانية في مواجهة العصابات التي تعمل وفق أجندة غرف العمليات التي تقودها الاستخبارات الأمريكية والصهيونية بشكل مباشر، والجيش العربي السوري راكم على خبراته الميدانية الكثير، ولا شك أ ن قادة الكيان الصهيوني يتابعون بألم وحسرة نتائج تكامل الأدوار بين الجيش والمقاومة وهم يرون قدرة المقاومين على الاقتحام بتغطية نارية من مختلف صنوف الأسلحة، وهذا بحد ذاته يرعب  من كانوا يتبجحون بشن عدوان عسكري ضد إيران فإذا بهم عاجزون عن حماية وجود كيانهم اللقيط.

6-    صراعات بينية متنقلة تحكم العلاقة بين العصابات الإرهابية المسلحة، وتزامن ذلك بانهيار دراماتيكي في الروح المعنوية لدى تلك العصابات ومحاولة كل فصيل تحميل المسؤولية لغيره، إضافة إلى خروج المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها تلك العصابات المسلحة وتحدي إرهاب أولئك القتلة وجرائمهم،  والإعلان الصريح عن مطالبتهم بالخروج من المدن والبلدات والقرى التي يسيطرون عليها ويذيقون أهلها سوء العذاب.

7-    سقوط قواعد الاشتباك التقليدية، واستبدال مصطلح الجبهات المتعددة بالجبهة المتواصلة جغرافياً وميدانياً، وهذا يعني السقوط النهائي لما كان يحلم به حكام تل أبيب من جدار أسموه طيباً فإذا به جدار مقاوم يمتد من الناقورة إلى الحدود الأردنية، وبدلاً من إبعاد شبح المقاومة عن الحدود مع لبنان فوجئ الصهيوني بأن امتداد الحدود مع فلسطين المحتلة أصبح عامرا بوجود المقاتل العربي السوري إلى جانب المقاوم السوري واللبناني والإيراني.

8-    كل ما كان يتم الحديث عنه من مناطق عازلة أو آمنة أو مناطق حظر جوي أصبح وراء الظهر شمالا وجنوبا، وحزب العدالة والتنمية يعاني من عزلتين خارجية وداخلية، وكذلك نتنياهو الذي أرغم كيانه على الإعلان عن انتخابات مبكرة تشير استطلاعات الرأي إلى حتمية سقوط نتنياهو بنتائجها المتوقعة، فضلاً عن التوتر الذي صبغ العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، وهذا لم يؤثر على المساعدات العسكرية والأهداف الاستراتيجية، أي أن ما يطفو على السطح من تناقضات لا يعني استبدال الاستراتيجيات، وإنما تعديل التكتيكات التي قد تتسع لتشمل فيما تشمل تبدل الوجوه الحاكمة وصعود أخرى قد تستغرق بعض الوقت ليتأكد من ما تزال على عينيه غشاوة أن أطراف التآمر والعدوان جميعاً في مركب واحد، وكذلك أقطاب محور المقاومة ومن يقف معهم إقليمياً ودولياً.

9-    صمود الدولة السورية عسكرياً كان الرافعة الوحيدة والضمانة التي لا غنى عنها لكل من يفكر باستبدال الأحادية القطبية التي تحكمت بالقرار الدولي على مدى العقود الماضية، ويخطئ من يظن أو يتوهم أن واشنطن كانت ستسمح بالحديث عن حل سياسي أو بإطلاق ما عرف بمبادرة ديمستورا أو تشجيع موسكو على جمع ما أسموه معارضة لولا الأداء الميداني النوعي للجيش العربي السوري ومن يقف معه في هذه الحرب التي لن يكون ما بغدها كما قبلها، وعلى شتى الميادين الداخلية والإقليمية والدولية. 

10-    صمود الجيش العربي السوري وإنجازاته على امتداد أربع سنوات هي ثمرة وطنيته وعقائديته التي وفرت له احتضاناً شعبياً والتفافاً وطنياً من الجيش والشعب حول القيادة الاستراتيجية للسيد الرئيس بشار الأسد، وغني عن القول إنه لولا رباطة جأش هذا القائد التاريخي وحكمته والثقة المتبادلة بينه وبين الغالبية من أبناء سورية مدنيين وعسكريين لكانت الخارطة الميدانية في مكان آخر، ولو أن ثقة السيد الرئيس بالقدرة على الصمود والانتصار اهتزت لحظة واحدة لكانت أعاصير ما أسموه ربيعاً عربياً اجتاحت سورية، وهذا يعني تلقائياً اجتياح المنطقة وإحكام القبضة الصهيو أمريكية على القرار الدولي عقوداً قادمة طويلة، لكن الثبات والثقة والأداء الإعجازي للجيش والصبر الاستراتيجي للشعب وتضافر جهود أقطاب محور المقاومة  نسف المشروع الإخواني في المنطقة، فاضطر أصحاب المشروع التفتيتي لزج الورقة الثانية وهي الإرهاب التكفيري حيث أرادوا من داعش أن تكون فزاعة لكنها تهاوت وتبين أن ما يحكمها لا يعدو ما يحكم الكيان الصهيوني وكلاهما أوهن من بيت العنكبوت.

هذه وقفة سريعة مع بعض المعاني والدلالات التي يمكن استخلاصها من حرب مفتوحة ضد الدولة السورية وبقية أقطاب المقاومة، وكل نقطة من النقاط المذكورة تستحق دراسة بحثية مستقلة تأخذ بالحسبان الإمكانيات المتاحة والبدائل الممكنة والسيناريوهات المحتملة التي تنتظر المنطقة وشعوبها، وهي بالمجمل تشير إلى أن هذه الحرب ستبقى مفتوحة إلى أن يقتنع الأمريكي بأن التكلفة أكبر من المردودية، وقد يكون ضمن قوام التكلفة المفروضة إرغام مفاصل صنع القرار على التفكير بأن الكيان الصهيوني أصبح عبئاً على إستراتيجية الهيمنة وبسط السيطرة الكونية.

للتواصل مع الكاتب:
dr.hasanhasan2012@gmail.com
dr.hasanhasan@yahoo.com