2024-11-24 11:04 ص

عسكرة الإرهاب الممنهج وتداعيات الحسم الميداني في سوريا (الحلثة الاولى)

2015-03-17
بقلم: الدكتور حسن أحمد حسن

ها قد تجاوزت الدولة السورية العام الرابع من الحرب المفروضة عليها، ومن حق كل مواطن سوري أن يفتخر بأنه ينتمي إلى وطن تحول إلى أكاديمية كونية في محاربة الإرهاب الممنهج والمدعوم من قوى عالمية عظمى تدعي محاربة الإرهاب نظرياً وتقوم عملياً بتبنيه ورعايته والإيعاز إلى أدواتها وأتباعها من الأقزام والأزلام وأشباه أنصاف الرجال المتحكمين برقاب العباد ومقدرات البلاد في عدد من الدول الإقليمية لتكريس إمكانياتها وعائدات نفطها وغازها لتفتيت الدولة السورية.
 ولضمان النجاح في تنفيذ المهمة تم تجميع عشرات الآلاف من الإرهابيين القتلة من كل أصقاع الدنيا والزج بهم في الساحة السورية بهدف فرض حالة من التشظي الداخلي التي تهيئ البيئة الاستراتيجية المطلوبة لتعميم ظاهرة تفتيت دول المنطقة واحدة تلو الأخرى  خدمة لمصالح الكيان الصهيوني الذي أضحى عاجزاً عن حماية مصالح الدول التي أنشأته وأمدته بكل أسباب العربدة والفلتان، فضلاً عن كونه عاجزاً عن حماية وجوده في ظل قواعد الاشتباك الجديدة التي فرضها محور المقاومة وجاءت واضحة صريحة على لسان سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله.
هذا يفسر ابتلاع الجنرالات الصهاينة والمسؤولون السياسيون ألسنتهم دفعة واحدة بالتزامن مع  تصفيد أيديهم وشدها إلى أعناقهم المغلولة لضمان ابتلاع مرارة العجز واجترار تداعياته بعيداً عن وسائل الإعلام التي لم يعد بإمكانها الاستمرار في التطبيل للعربدة الصهيونية التي جاءت بيادرها بعكس حسابات حقول  نتنياهو وزبانيته المتخبطين في بحر من الخيبات الداخلية والإقليمية والدولية.
اليوم وبعد انقضاء أربع سنوات على الصمود السوري الأسطوري من حق المتابع المنصف أن يتساءل: هل واقع الدولة السورية اليوم أفضل أم أسوأ مما كان عليه قبل عام كحد أدنى؟ وهل بقي لدى المايسترو الصهيو ـ أمريكي أوراقاً صالحة للاستخدام، أم أنه مضطر لإعادة تحميض بعض الأوراق التي لم تحترق تماماً وإن لفحتها ألسنة اللهب السوري وتبلور عوامل القوة الشاملة لمحور المقاومة؟ وأية سيناريوهات محتملة تنتظر القادم من الأيام؟ والإجابة على هذه الأسئلة تتطلب دقة ومصداقية تستند إلى الواقع الميداني وما أفرزته هذه الحرب المفتوحة حتى الآن. 


عسكرة الإرهاب وخصوصية الحرب على سورية


بعيداً عن التهوين أو التهويل أصبح من المسلم به أن الحرب التي واجهتها الدولة السورية شعباً وجيشاً وقائداً تتجاوز بمضامينها ودلالاتها كل أنواع الحروب المعروفة، وبالتالي هي حرب مركبة تضم في طياتها الحرب التقليدية التي تنشب بين الجيوش لأن أعداد من تم الزج بهم يفوق إمكانية أي تنظيم إرهابي، وبغض النظر عن تناقض المصادر حول أعداد المسلحين الذين انخرطوا في أعمال حربية في مواجهة السوريين هناك شبه إجماع على أن العدد يتجاوز المئة ألف، أي أننا أمام قوام جيش من حيث العدد، ولديه كل أنواع السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل بما في ذلك الطيران الحربي، حيث أسند هذا الدور لسلاح الجو في جيش الكيان الصهيوني، كما قام الطيران التركي ببعض المهام الميدانية، واستناداً إلى ذلك نحن أمام شكل من أشكال الحرب التقليدية، وهي في الوقت ذاته حرب استخباراتية واقتصادية وإعلامية ونفسية ودبلوماسية وسياسية بامتياز، فضلاً عن كونها حرباً تفردت بعسكرة معولمة تجلت في استمرار دوران عجلة المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وارتفاع نسبة مبيعات السلاح في العالم وتدفق السلاح من العديد من الدول ووصوله بأمان إلى أيدي العصابات الإرهابية المسلحة، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بإشراف مباشر ومتابعة مستمرة من قبل العديد من أجهزة الاستخبارات المتخصصة وتنسيق الجهود بين تلك الأجهزة على اختلاف مرجعياتها، ولعلها المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها تظهير عولمة العسكرة الممنهجة للتنظيمات الإرهابية المتعددة بما فيها تلك الموضوعة على لائحة الإرهاب وفق قوانين رسمية صادرة عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع /2170 ـ 2178 ـ 2199 ... الخ./.


المصطلحات الوافدة تحت المجهر


قد لا يتسق مع المنهج العلمي ومقومات الدراسات التحليلية الاستراتيجية المخصصة لحرب مفتوحة منذ أربع سنوات التوقف عند المصطلحات التي تم تفصيلها في الخارج وتصديرها إلى المنطقة وعبر كل وسائط الاتصال الحديثة في عصر السماوات المفتوحة، لكن ونظراً للدور الكبير الذي كانت تأمله أطراف التآمر والعدوان من تعميم ما تفتق عنه العقل العسكري المكلف بقيادة هذه الحرب على الدولة السورية أرى من الضروري جداً التذكير ببعض تلك المصطلحات التي لا تعدو أن تكون كلام حق يراد به باطل، مثل: الشعب يريد ـ الحراك السلمي ـ الجيش الحر ـ الانشقاق في صفوف الجيش العربي السوري ـ المعارضة المسلحة ـ المسلحون المعتدلون ـ تقسيم الإرهاب إلى حلال وحرام... الخ وهناك الكثير الذي لا يتسع المجال لذكره، ومن حق المواطن السوري ان يرفع صوته عالياً ويقول لمن تحدث باسمه وقال : "الشعب يريد" من فوضك للحديث باسم الشعب السوري الذي يدرك أن الكثيرين ممن تصدروا لوائح المتشدقين باسم هذا الشعب لا يمثلون حتى أنفسهم، وهم منبوذون من أقرب الناس إليهم، ولا يعبرون إلا عن وجهة نظر مموليهم، أما ما أسموه انشقاقاً فهو لم يتجاوز حالات الفرار كظاهرة مشتركة في جميع جيوش العالم، ونسبة الفرار لم تتجاوز المعدلات المعروفة عالميا في حالات الحرب، ولم يشهد الجيش العربي السوري على امتداد أربع سنوات حالة انشقاق لأية وحدة من وحداته الصغرى وإنما حالات فرار فردي يتم تضخيمها في الإعلام وإدراج قادة مسرحين من الخدمة منذ سنوات قبل عام 2011م أو اختطاف جنود على الطرقات العامة وإجبارهم على إعلان الانشقاق، أو الضغط والتهديد وغير ذلك من أساليب غدت مفضوحة لدى القاصي والداني، والأمر ذاته ينطبق على ما أسموه بيئة حاضنة فتبين أنها حاضنة بالإكراه وقد تحولت إلى بيئة نابذة " طاردة " بالضرورة، وهنا لابد من التذكير بأن جرائم العصابات الإرهابية المسلحة قد ساعدت على تعافي الأماكن التي أصابتها عملية الكي في الوعي الجمعي السوري، أما موضوع سلمية الحراك فهو بحق يبعث على السخرية والاستهجان، وللتذكير فقط فإنه في اليوم الأول لذاك الحراك أي في 17/ 3/ 2011م. أصيب عدد من رجال الشرطة وقوات حفظ النظام بجراح منها شظية في فخذ أحدهم، فهل يكون ذلك بالهتاف والشعارات؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر استحضر بعض التواريخ كاستهداف قافلة مبيت عسكرية على طريق بانياس كان في 12/4/2011م. وقد أدى ذلك إلى ارتقاء عدة شهداء بينهم ضابطان، ومجزرة مفرزة الأمن العسكري في نوى بتاريخ 23/4/2011م. ومجزرة نهر العاصي بتاريخ 6/8/ 2011م. ومجزرة  جسر الشغور في أيار  من العام نفسه والقائمة تطول، فأية سلمية يتشدقون بها؟؟.


تدرج الحسم العسكري

لا شك أن إدراك القيادة السورية لحجم ما تم التخطيط له وتعاملها العلمي والدقيق مع ما حدث وعدم الانجرار وراء ردود الأفعال كان له الدور الجوهري في افتضاح حقيقة هذه الحرب التفتيتية التي تستهدف جميع دول المنطقة دونما استثناء وفي مقدمتها دول محور المقاومة،  وهذا ما تجلى بتعليمات صارمة بمواجهة من أسموهم متظاهرين سلميين ومنعهم من تخريب البنية التحتية وتدمير المنشآت العامة والخاصة من دون سلاح وعلى امتداد عدة أشهر، وقد أظهر رجال الجيش العربي السوري وبقية الأجهزة المختصة  إحساساً عالياً بالمسؤولية وتقيدا حرفياً بالانضباط الطوعي والرفيع فكانوا يواجهون أولئك " المتظاهرين" وهم على يقين أن بينهم الكثير من المسلحين الذين استهدفوا الجيش والمتظاهرين بآن معا، ومع ارتفاع مستوى استخدام السلاح علانية من قبل العصابات الإرهابية المسلحة بدأ الرد التدريجي، حيث تم الانتقال من الدفاع السلبي إلى الدفاع الإيجابي فالهجوم التكتيكي ومن ثم العملياتي وأخيراً الانتقال إلى الهجوم الاستراتيجي الذي أثبت قدرة الجيش العربي السوري على فتح عدة جبهات بشكل متزامن وكل جبهة تتضمن عدة معارك وكل معركة على أكثر من محور واتجاه، وهذا ما نشهده في فتح عدة جبهات في الجنوب عبر مثلث النار الذي يربط ثلاث محافظات : درعا ـ القنيطرة ـ ريف دمشق، وجبهة شمال وشرق حلب، وجبهة شمال اللاذقية، وجبهة الحسكة إضافة إلى المعارك اليومية في ريف إدلب وحمص وحماة ودير الزور وأخيراً الرقة، وهذا الأداء الميداني العالي يقوم به الجيش العربي السوري بعد مرور أربع سنوات كان أعداء سورية والمقاومة يراهنون فيها على تآكل الجيش وتصدعه، فتبين أن التصدع قد انتقل من العصابات إلى الإرهابية المسلحة إلى مشغليها، أي أنه شمل الوكيل والأصيل بآن معا ، 
ويكفي هنا أن نذكر بأن الحسم الميداني الفعلي قد بدأ بتطهير بابا عمرو التي قال عنها قادة العصابات الإرهابية المسلحة: " تسقط واشنطن ولا تسقط بابا عمرو" وفعلاً سقطت واشنطن في بابا عمرو التي عادت إلى حضن الوطن مطهرة من رجس العصابات التكفيرية المأجورة وزارها السيد الرئيس بشار الأسد كما زار الخطوط الأمامية للمواجهة المفتوحة في أكثر من منطقة ساخنة ، وبعد بابا عمرو كرت السبحة فكان تطهير القصير التي قصرت عمر العصابات المسلحة وقصمت ظهر داعميها ومموليها من دول إقليمية وعالمية، ونظرة سريعة اليوم لما تم تطهيره من مدن وبلدات على امتداد الجغرافيا السورية وبخاصة في العام الأخير من هذه الحرب تبين حجم الإنجازات النوعية التي راكمها الجيش  العربي السوري ومن يقف معه من قوات دفاع وطني ولجان شعبية ومقاومين مؤمنين بأن ضريبة المواجهة مهما ارتفعت تبقى أقل بكثير من ضريبة الخنوع والإذعان، وهنا تطول القائمة فمن تحرير الزارة وقلعة الحصن وعسال الورد وفليطة وجبعدين وحوش عرب ورنكوس وبقية بلدات القلمون إلى كسب وما حولها، إلى المنطقة الصناعية في حلب بعد تأمين طريق السلمية ـ  خناصر حلب، إلى عدرا العمالية وعدرا البلد وعدرا الصناعية فالمليحة والعديد من بلدات الغوطة الشرقية غلى حلفايا ومورك وبقية الريف الشمالي لحماة، وكذلك تطهير حقل الشاعر ولاحقا العديد من آبار النفط والغاز في المنطقة الشرقية، ولا ننسى إخراج المسلحين من مدينة حمص القديمة والتوقيع على العديد من المصالحات المحلية التي حقنت الدماء ومكنت الجيش من المناورة بالقوات وتحقيق إنجازات ميدانية يومية على امتداد الجغرافيا السورية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق وباعتراف من سبق وتعهدوا بتفتيت الدولة السورية في غضون أشهر قليلة.

المصدر: قناة (المنــار) اللبنانية