2024-11-29 11:56 م

المشهد السوري: ماذا بعد مرور 4 سنوات على الأزمة؟

2015-03-16
دمشق/ تحدّث الباحث الأكاديمي السوري الدكتور خيام الزعبي في حوار مع الإعلامية وفاء العرفاوي لـ«المغرب» عن 4 سنوات من الازمة السورية وتأثيرات اللاعبين الدوليين في ابعادها ، معتبرا ان الحرب الكونية ضدّ دمشق لا تعدو ان تكون مخططا صهيو-امريكي بامتياز ، ,إجتياح داعش لسوريا جزء من عملية إستخباراتية عسكرية مخطط لها بعناية وتحظى بدعم سريّ من الولايات المتحدة وإسرائيل ، وتابع الزعبي القول أن الجيش السوري سيضع النقاط على حروف «الملحمة» التي تسطرها سوريا منذ بداية العدوان، بعد أن تمكنت من إفشال المؤامرة، التي شاركت فيها كل قوى الشر المتمثلة في واشنطن والغرب على حدّ قوله . • كيف ترون المشهد السوري بعد مرور 4 سنوات على الازمة ؟ تدخل الحرب المفروضة على سوريا عامها الخامس، وأمريكا موغلة حتى النخاع في دعم الجماعات التكفيرية التي تقاتل الجيش السوري، وتنحاز إنحيازاً واضحاً لهذه الجماعات، وبعد تفكك الإتحاد السوفياتي، أصبحت إقامة إمبراطورية طائفية مترهلة، تمثل كل أنواع التخلف والهمجية، وتقف بوجه روسيا والصين، فكانت الدوائر الغربية صاحبة المشروع الإستعماري الجديد في المنطقة مدركة جيداً إن مخططها عرضة للتخريب وعدم التحقيق طالما سوريا بخير، فكان القرار ضرب مكونات الشعب السوري الذي كان من الصعب إختراقه لأنه يملك مقومات حضارية عريقة، فجاء إعلان حرب الإبادة التي تساهم بها أمريكا وحلفاؤها بكل ثقلهم، ولكن الحقائق على الأرض تؤكد أن هذا العام سيكون عام الحسم، وأن الجيش السوري سيضع النقاط على حروف الملحمة التي تسطرها سوريا منذ بداية العدوان، بعد أن تمكنت من إفشال المؤامرة، التي شاركت فيها كل قوى الشر المتمثلة بأمريكا والغرب. في مقدمة القضايا المقلقة هذه الايام هي مخطط إعادة تفتيت سوريا، فعندما أرادت أمريكا ضرب سوريا قامت بطرح الكعكة السورية على حلفائها، فمنهم من قبل في العلن ومنهم من قبل في الخفاء، واليوم نرى عجزاً دولياً له مآربه وأهدافه في إطالة الوضع الحالي في سوريا، تلكؤ دولي يسير ببطء نحو تغيير اللعبة ، هذا التلكؤ ليس نابعاً إلا من مخطط دولي لإنهاء الدولة السورية، وما السكوت عما يحدث فيها من جميع الأطراف إلا بهدف زيادة الأزمة حتى يحين الوقت لاستلامها وتقسيم الكعكة فيما بينهم، فالأحداث التي شهدتها المنطقة لعبت الإدارة الامريكية دوراً رئيسياً في صناعتها وتطويعها لصالحها ولصالح حليفتها إسرائيل، والضبابية التي تلف الساحة السورية وعدد الضحايا الذي يتزايد هنا وهناك وجبل الأوهام الذي يتراكم باسم الحرية والديمقراطية لا يمكن أن تحجب حقيقة أساسية مفادها أن المنطقة دخلت فعلاً في داومة مخطط لتفتيتها الى دويلات عنصرية وطائفية وزعزعة أمنها واستقرارها. • لم تنجح المبادرات المتتالية في التوصّل الى حلّ سياسي لما يحصل في سوريا ماهي الاسباب حسب رأيكم ؟ إن المتابع لأحوالنا اليوم وما نعيشه من صراعات وحروب وتشظي في النسيج المجتمعي وإندثار لقيم التسامح والتعايش يعكس لنا الصورة الحقيقية لمدى التدخلات الخارجية في سياساتنا مستغلةً الفجوات الإقتصادية والتفكك في الأنظمة السياسية، حيث دأبت أمريكا وبعض الدول العربية وإلى جانبهما تركيا على إذكاء فتيل الصراعات الداخلية وإشعال الدعوات الإنفصالية والنعرات الطائفية في إطار البلد الواحد وذلك لتحقيق أغراض وأهداف خاصة بسياسة هذه الدول، والإستحواذ على سوريا وتحويلها إلى ساحة حرب لتصفية حساباتها عبر تقويض الحياة العامة في سوريا وتفكيك نسيجها المجتمعي كي تجعل من سوريا دولة ضعيفة يتحكم الغرب بكل شؤونها وتخضع الساسة لأجندتها وسياستها، وهذا ما لا يرضاه أبناء سوريا حيث يعتبرون بأن السياسة الغربية عدوهم الأول كونها تموّل الجماعات الإرهابية والحركات التكفيرية لإلغاء الآخر، وبالتالي فالذي يحدث في سوريا من تدخلات ودعم للجماعات المسلحة مثل دعم مسلحي تنظيم «داعش» وفكرها القائم على الموت وسياسة الدعم الأمريكي القائم على تقسيم المجتمعات بات حقيقة لا ينكرها أحد في سعيها لتدمير المجتمعات العربية. واليوم تصب المتغيرات السريعة في المنطقة العربية في مصلحة النظام في دمشق من القاهرة الى تونس الى اليمن الى الكويت والسعودية التي وصل حريق الدولة الإسلامية الى مناطقها في عرعر وحتى لبنان الذي يعيش هذه الأيام نقاشاً حكومياً جدياً لإعادة التنسيق مع دمشق لحل مشكلة اللاجئين وأمن الحدود والمختطفين العسكريين وملفات اقتصادية متعددة، لذلك بدأت أغلب الدول الغربية والعربية بتحفيز سياسة الحوار بدل سياسة السلاح في سوريا وهذا ناتج عن قناعة تلك القيادات بأن خطوتها الدموية تجاه سوريا قد فشلت وإن صناعتها للإرهاب قد كشفت، لذلك ليس أمامهم إلا الخضوع الى الإرادة السورية والمعارضة السلمية بأن تحديد مصيرها من خلال الحوار فقط، وبالتالي فإن بعض الدول التي كانت سابقاً شريكاً أساسياً في الحرب على الدولة السورية بدأت بالاستدارة والتحول بمواقفها وقامت بمراجعة شاملة لرؤيتها المستقبلية لهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية، فمعظم الدول الخليجية يدق الخطر أركانها وأمريكا تلاشت أحلامها في تسيد المنطقة وتركيا ما تزال تلاحقها الإتهامات بدعم داعش وفتح حدودها اليهم حتى إن رئيس الوزراء التركي داود اغلو صرح بأن تركيا سوف تغلق الحدود حتى تنهي هذه الإتهامات، وفي هذا السياق تم التأكيد على أهمية الضغط على الدول التي توفر الدعم المالي والسياسي والعسكري واللوجيستي للتنظيمات الإرهابية للتوقف عن ذلك إلتزاماً بقرار مجلس الأمن رقم «2170» الذي أصبح ملزماً لجميع الدول والذي يتناقض مع إدعاءاتها بالعمل للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الراهنة في سوريا. • ماهو تقييمكم للدور الدولي والإقليمي في الازمة السورية ؟ اليوم خُلطت أوراق الشرق الأوسط وهُزت خريطته التي رسمها الإستعمار الأوروبي وضربت تحالفات عمرها عقود بعرض حائط المصالح الوجودية لأنظمة الحكم القائمة، هذا الوضع المُستجد أعاد خلط التوازنات الإقليمية في سوريا وإذ برموز الأنظمة القديمة تعود إلى الساحة السياسية من باب مكافحة الإرهاب مستفيدة من أجواء الحرب الأممية على تنظيم الدولة الإسلامية، فالمتتبع لتطورات الأحداث الحالية التي تتفاعل على الساحة السورية الموغلة في وحل وبراثن التحالفات والحروب بين أطراف عدة،وتضم بين ثناياها قوى خارجية، يدرك وجود تحالف أمريكي تركي لتحقيق مصالحهم وأهدافهم في سوريا، لذلك لم نتفاجأ مما تخطط له تركيا لتلعبه في المنطقة، خاصة وأنها تعتبر الحليف الرئيسي لما يسمّى إسرائيل في المنطقة وبينها وبين الكيان اليهودي إتفاقيات عسكرية وثيقة، وبذلك عملت تركيا في سورية منذ إنطلاق العدوان عليها على تقديم مبررات عديدة للتدخل العسكري للأراضي السورية، ولعبت دوراً أساسياً في دعم المجموعات المتطرفة وتأمين ملاذات آمنة لها وتسهيل حركتها، والهدف الرئيسي كان ولا يزال لأردوغان هو إسقاط نظام الرئيس الأسد وتقسيم سوريا وإقتطاع أجزاء من الدولة السورية وضمها الى الإمبراطورية العثمانية. وفي سياق متصل هناك أطراف خارجية عربية وإسلامية تدفع باتجاه تكرار السيناريو الليبي والعراقي في سوريا، وفتح سوق جديد مشابه لأسواق الفوضى المسلحة الدموية التي إندلعت في المنطقة بين معسكرات خارجية كل طرف يدعم سوقه ويسعى الى الانتصار على غريمه، وهنا لا بد من الانتباه الى أن إنهيار الدولة السورية لن يكون في مصلحة الأطراف الداخلية المتصارعة ولا الأطراف الخارجية المتنازعة، وبالمقابل فإن الإعتماد على الخارج لا يجدي نفعاً بل هو اتجاه للمزيد من الإغراق والإنزلاق نحو الهاوية، فالذين يعتقدون أن الفوضى المسلحة وإطالة أمد الحرب في سورية يمكن أن يكون مصدر استقرار لهم، فهم مخطئون وكل التجارب التي مرت بها المنطقة تؤكد أن أضمن طرق الإستقرار تتمثل في منح سوريا الأمان والسّلام، فلا أمن للمنطقة بدون أمن سوريا، ومن هذا المنطلق يجب على أمريكا والدّول الأخرى التي تدعم التطرّف والإرهاب في سوريا أن تأخذ العبر من الوقائع والتجارب السابقة، وتدرك أن التهديد الناشئ من ثقافة الإرهاب يتعدّى دول المنطقة ليصل الى كل العالم، وخصوصاً تلك الدول الحاضنة والداعمة له. يخطئ من يعتقد أن الرئيس أوباما آتٍ على رأس تحالف دولي من أجل القضاء على داعش، وتطهير البلاد من هذا التنظيم. لا أبداً! أمريكا عائدة الى المنطقة ويتقدمها الرئيس أوباما حاملاً سلة في مرفقه ليحصد ما زرع، وقد أنشأت داعش بديلاً عن القاعدة العجوز بعد أن استنزفتها وقامت بالدور الذي أسندته إليها، وصرفتها من الخدمة عندما خرجت القاعدة عن النصّ، وبالتّالي فإنّ هدف اللّعبة الجديدة لإدارة أوباما هي نشر الفوضى الخلاقة وتفتيت وتقسيم سوريا ، ومن هنا يمكنني القول إن التدخل الأمريكي في سوريا لن يتوقف عند ضرب داعش فقط، فليس من المعقول أن تترك أمريكا نظام الأسد، عدوها اللدود، يحصد مجاناً ثمار عملياتها العسكرية ضد عدوه اللدود الذي هو أيضاً «داعش»، وليس من المعقول أن تقبل الولايات المتحدة، التي لا تخفي رغبتها في رحيل الأسد، أن تهدي إليه نصراً مجانياً أو تدعم وجوده في السلطة، الشيء المؤكد هنا هو أن الغارات التي بدأتها أمريكا لن تكون نهاية العمل العسكري الأمريكي في سوريا بل ستكون بدايته،وبالتالي فإن التحالف الدولي لمحاربة داعش هو عملية جراحية تخفي وراءها أهدافا خطيرة. • الأزمة الى اين ؟ في سياق متصل إن التوقعات التي خططت لها أمريكا وحلفاؤها جاءت في غير صالحهم، لو تابعنا المسار الذي رسمته أمريكا في سوريا والتي وضعت به كل إمكاناتها من أجل تفكيك الدولة السورية وإسقاط نظامها، نجد بأنه لم ينفع لإسقاط سوريا بل فشلت وسقطت كل أقنعتها ورهاناتها، في هذا الإطار نرى إن سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية في حالة يرثى لها وتعاني من ضربات مستمرة، فالأخبار القادمة من الشمال السوري لم تكن سارة بالمرة لأمريكا وحلفائها، الذين مازالوا يراهنون على وجود مقاتلين معتدلين فيها يمكن أن يراهنوا عليهم لإسقاط النظام السوري، حيث إبتعلت جبهة النصرة الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في بلاد الشام آخر ما تبقى من مقاتلين «معتدلين» أنفقت عليهم أمريكا أموالاً طائلة و زودتهم بأسلحة فتاكة، فهزيمة «حزم» التي كانت مفضلة لدى أمريكا من قبل «جبهة النصرة»، سهلت عليها الاستيلاء على مخازن الأسلحة النوعية التي زودت بها أمريكا والغرب «معتدليها» في سوريا، وبالمقابل تعمل سوريا على فرض سيطرتها على المنطقة الجنوبية، ليس فقط في الجولان وإنما على امتداد المنطقة الجنوبية وصولاً الى الحدود مع الأردن، والمجموعات المسلحة التي كانت تشعر بالراحة والأمان، باتت تتعرض لعمليات ملاحقة عنيفة من جانب الجيش السوري وحلفائه حزب الله وإيران، مما زعزع سيطرتها على المناطق الحدودية، إذ وجدت إسرائيل نفسها، والمجموعات المسلحة أيضاً أمام تحد وواقع جديد، يهدد المصالح المتبادلة بينهما، وأصبح ميزان القوى في المعركة الدائرة في المنطقة منذ أسابيع يميل لصالح الدولة السورية، وإسرائيل اليوم في مرحلة تاريخية بكل المقاييس، سوف تغير شكل ما يجري في الساحة السورية كليا، في حال تمكن الجيش السوري من السيطرة على الشريط الجنوبي لسوريا من الحدود الأردنية وصولاً الى القنيطرة، وفي حال تحقق ذلك فهذا يعني أن حزب الله وإيران باتا على أبواب إسرائيل. • يزيد وجود التنظيمات المتطرفة وعلى راسها داعش ، في سوريا من ضبابية الواقع السوري بعد سيطرته على مناطق هامة، لو تفسرون لنا ماهي المناطق الواقعة تحت سيطرة هذا التنظيم ؟ يعتبر تنظيم داعش أكبر خطر على الإسلام والمسلمين وهو أيضاً عدو الإنسانية، فبعد أشهر من المعارك الضارية التي خاضها المقاتلون الأكراد، جر تنظيم داعش ذيول الهزيمة، في مدينة عين العرب ''كوباني'' الواقعة على الحدود السورية التركية، حيث تكبَّد جهاديو التنظيم خسائر ثقيلة، وبدأ أبناء هذه البلدة بالعودة فرحين إلى ما بقي من بيوتهم، رافعين رايات النصر، التي حلت محل أعلام داعش البيضاء والسوداء،الأمر الذي يثبت خواء ادعاءات داعش أنه لا يقهر، فالتساؤل الذي يفرض نفسه هنا بقوة: ما مصير تنظيم داعش بعد هذا الإنتصار، هل سيسقط ، ومتى؟ خاصة إن جميع المعطيات الواقعية تشير الى أن تنظيم داعش في هذه الفترة بدا يضعف وينكمش في مختلف المحافظات السورية والعراقية. الحرب ضد داعش تدور في العديد من الجبهات ما بين كوباني والأراضي السورية وفي وسط العراق في الموصل وصولاً الى تكريت وصلاح الدين وهنالك تنظيمات إرهابية في صحراء سيناء المصرية وفي ليبيا واليمن وتونس ودول إفريقية حتى فرنسا لم تسلم من هجمات خلايا داعش، لكن تبقى كوباني الجبهة الأكثر سخونة بنيران الحرب، والبوابة الوحيدة التي جرّت داعش أذيال الهزيمة والخيبة وراءها كما كبدتها خسائر كبيرة لا تعد ولا تحصى من حيث عدد قتلى مقاتليها وقياداتها وتدمير ترسانتها العسكرية، بذلك أثبت الأكراد والجيش السوري قوتهم وحزمهم للتصدي لتنظيم داعش، كما أثبتوا للعالم أجمع إنهم قاموا بعمل بطولي عظيم في الدفاع عن الوطن والأرض والشرف. الأوضاع الميدانية في سوريا تتجه نحو تضييق الخناق على تنظيم داعش، فتقدم القوات الكردية والجيش السوري في حلب كل ذلك سوف يضع مقاتلي التنظيم في كماشة يمكن خلالها ضرب طوق عليه وتحجيمه في مناطق حلب على أقل تقدير، والملفت للنظر إن الولايات المتحدة أرادت إطالة أمد المعركة لغرض إبعاد شبح الإرهاب عن نفسها وعن أوروبا بجعل سوريا ملاذاً للإرهابيين من كل أصقاع الأرض.