2024-11-25 04:57 م

عقلية الفيس بوك تحكم الإعلام

2015-03-05
بقلم : السيد شبل
المراقب لأحوال الإعلام المصري في الفترة الأخيرة سيدرك تمامًا أن عقلية "الفيس بوك" المتماهية بغشومية وعنفوان مع أي نوع من الدعايا، أصبحت تحكم الإعلام بكل صوره وأشكاله، فصار التقاط الأخبار يتم بعبث، وبسرعة ملفتة يتم الترويج لها والتحليل لمضمونها بل والبناء عليها. لكن العبث في حقيقته ليس محضًا لأنه مبنيٌ على أهواء، تجعل عملية الإدراك انتقائية، وعملية التحليل والاستنباط موجهة. وقليلون هم من يلتقطون أنفاسهم، قبل أن يشرعوا في تحليل المادة الخبرية، والتعرف على أوجه الصحة والبطلان فيها وعلى الأهداف الكامنة وراء انتشارها بتلك السرعة. هذه المسألة بتفاصيلها المتشابكة تظهر بين وقت وآخر، خاصة في ظل مخطط دولي بأدوات إقليمية يستهدف الوطن وأمنه ووحدته. في المقابل لا يوجد إعلام واعي قادر على تفنيد المغالطات وتوجيه الرأي العام في الاتجاه السليم؛ إما لضعف في المهنية، أو لنقص في المعلومات، أو لغياب الرؤية من الأساس. هذه المشكلة تنتج حالة من التشويش والتخبط من وقت لآخر، وتؤشر إلى أمر شديد الخطورة، وهو أن مسألة استهداف المجتمع من الداخل، وخلخلة الرأي العام المؤيد والمناصر، سهلة وفي الإمكان، ولا تحتاج أكثر من بث أخبار رمادية نصفها صحيح ونصفها خاطيء، أو نشر معلومات مجتزئة، أو تصريحات مقتطعة من سياقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، فتلتقطها الصحف وبرامج "التوك شو"، ويتعامل معها "المحللون" على أنها حقائق، حتى حين!. هذه الحالة لها ارتباط وثيق بالمسار الخبيث الذي تم انتاجه بعد عولمة الإعلام، و دمقرطة وسائل الاتصال، وتراجع دور الإعلام المملوك للدول. لكن التحصين ضدها ليس مستحيلًا، كما الشائع، شرط أن تتحدد مواطن الضعف التي تتم من خلالها عملية الاستهداف، بدقة، وهي: أولًا، عدم وجود إعلام قومي مهني ومحترف، لديه رؤية عامة، ويمتلك المعلومات؛ ثانيًا، عدم امتلاك آليات (صفحات، مجموعات...) للتأثير في ساحات التواصل الاجتماعي؛ ثالثًا، عدم وضوح الخطوط العامة التي تحكم السياسات المحلية والإقليمية والدولية. فوضوح الخط العام لنظام ما يتكفل -كعامل مساعد على الأقل- بالطعن في الدعايا المضادة، وحث العقل على رفضها مبدئيًا. ولا جدال في أن سيولة من نوع ما، وقعت بعد أحداث ما سمي بـ"الربيع العربي"، وأن واقعًا إعلاميًا –ليبراليًا بشكل من الأشكال-، صار يفرض نفسه، وأن مناخًا عامًا لا يزال في طور التعافي وغير مستعد لأية اجراءات عنيفة. وتلك الأسباب وغيرها تفرض على النظام المصري أن يكون على قدر من الاعتدال عند مواجهة تلك الحرب الإعلامية الدعائية، والمقصود بالاعتدال هنا هو السعي لامتلاك أدوات تتمكن عبرها من كسب الحرب، دون المساس -الصريح- بأدوات خصمك في المعركة من حيث ما هي أدوات، لا من حيث ما ينتج عنها، والفرق واضح. بطريقة أخرى: المطلوب الآن، وللأسباب السابقة، ليس المنع، وإنما المواجهة والتحصين، وعلاج مواطن الضعف، ووضع الخطط الشاملة التي يمكن بناءًا عليها شل قدرة الخصم على إحداث تأثير في الرأي العام المحلي، بأسلوب سلس يخلو من العنف المباشر. ما يثير تساؤلات عدة بخصوص هذه القضية، هو التباين الواضح بين أحاديث تُجرى وخطابات مطوّلة تُلقى، من وقت لآخر تتعرض لما صار معروفًا بـ"حروب الجيل الرابع": وهي حروب تعتمد –ضمن أشياء شتى- على الدعايا السوداء، وبث الشائعات، والتفتيت من الداخل معتمدة على مشاعية وسائل الاتصال في العصر الحديث، وعلى تراجع سلطة الدولة المركزية، وبين ما يجري على أرض الواقع بالفعل لمواجهة هذا النمط من الحروب، وهو ما لا مجال لرصده بأي صورة من الصور. وتلك التساؤلات تتكاثر مع مرور الوقت، خشية أن يكون نصيبنا من هذه الحروب هو الحديث عنها والتخويف منها، دون مواجهتها الفعلية. مما يترتب عليه مستقبلًا تزايد في مساحة الأرض التي تنمو فيها عقليات من نوع عقليات مدمني مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتعامل مع الأمور بسطحية، وتتطوع من تلقاء نفسها للسقوط في أفخاخ خصومها، وهؤلاء بلا شك يقدمون خدمات مجانية لأي جهات أو قوى خارجية تسعى لكسب معركتها مع الدولة المصرية باستخدام هذا النمط الحربي والعدائي الجديد.