2024-11-30 12:52 م

سوريا: إنّهم يسرقون البشر!

2015-03-02
علاء حلبي 
بعيداً عن ريف حلب الشمالي المشتعل بالمعارك بين الجيش العربي السوري والفصائل التي تؤازره من جهة، وفصائل «إسلامية» و«جهادية» من جهة أخرى، وفي الريف الآخر من حلب، في الجنوب الذي يسيطر عليه المسلحون، والقريب نسبياً من نقاط التماس مع الجيش السوري، ترقد مجموعة كبيرة من الجثث المتفحمة داخل قبور جماعية في مقبرة قرية صغيرة، أصبحت مقصداً لـ «مافيات» الإتجار بالأعضاء البشرية، والذين يتخلصون من ضحاياهم في هذه المقبرة.
تلك المعلومات يؤكدها لـ«السفير» مصدر معارض فضّل عدم الكشف عن اسمه، مشيراً إلى أن آخر «الدفعات» التي استقبلتها مقبرة قرية الشيخ لطفي (خمسة كيلومترات جنوبي مدينة حلب) تمثلت بأكثر من 50 جثة وصلت إلى القرية في وقت متأخر من ليل السبت الماضي، موضحاً أن مسلحين قدموا إلى المقبرة وحفروا قبوراً عدّة، دفنوا فيها الجثث بشكل جماعي (كل خمس أو ست جثث في قبر)، قبل أن يغادروا المقبرة تحت جنح الظلام، ومن دون أية طقوس دينية تترافق عادة مع دفن الموتى.
ويشير المصدر المعارض الى ان كل الجثث التي وصلت هي لأشخاص فُتحت بطونهم وأُفرغت من كامل الأحشاء قبل حرقها، في محاولة لتشويه معالمها.
وعن مصدر هذه الجثث، يكشف المصدر عن أنّ من قام بإحضارها، ذكر أنها نُقلت من تركيا، الأمر الذي يرجّح أن أصحابها تعرضوا لعمليات سرقة الأعضاء في المستشفيات التركية، قبل أن يتم إحراق جثثهم في مكان بعيد عن الأعين داخل الأراضي السورية، ليتم بعدها دفنهم.
المصدر الذي تحدث إلى «السفير» لم يحدد الفصيل الذي احضر عناصره الجثث ودفنها في المقبرة، لكنه اشار الى انه من بينهم ملثمون.
ومع ذلك، فإنّ الوقائع الميدانية تشير إلى أن مسلحي «الجبهة الإسلامية» («أحرار الشام» و «لواء التوحيد») يتقاسمون السيطرة على قرية الشيخ لطفي، إلى جانب مسلحي تنظيم «جبهة النصرة»، الأمر الذي يمكن ان يحصر الجهة التي تقف وراء هذه العملية بين هذه الفصائل الثلاثة، علماً بأنّ «حركة أحرار الشام»، التابعة لتنظيم «القاعدة»، تعتبر القوة الأكبر في القرية، وفق ما أكد مصدر ميداني.
وتتقاطع المعلومات التي أوردها المصدر المعارض، والذي طالب جميع المنظمات والجهات المسؤولة بفتح تحقيق عاجل، وزيارة المقبرة، مع تواتر أنباء حول اختفاء مقاتلين خلال المعارك الأخيرة التي وقعت بين الفصائل «الإسلامية» و «الجهادية» وبين الجيش السوري في الريف الشمالي، والتي شهدت نشاطاً كبيراً في عمليات نقل وإسعاف المصابين إلى الداخل التركي، الأمر الذي يفتح الباب أمام احتمال أن تكون هذه الجثث تعود إلى مقاتلين أصيبوا خلال هذه المعارك، خصوصاً أن من بين المصابين مسلحين أجانب (بينهم مقاتلون من الشيشان والقوقاز وأوزبكستان)، وهم يقاتلون ضمن «جيش المهاجرين والأنصار»، الذي يقاتل بدوره إلى جانب «جبهة النصرة»، التي تضم أيضاً مقاتلين عرباً وأجانب، في مزارع الملاح في الريف الشمالي، علماً بأنّ «حركة أحرار الشام» تضم أيضاً مقاتلين غير سوريين، ممن انقطعت صلاتهم بعائلاتهم بعد قدومهم إلى سوريا، الأمر الذي يجعل عملية إخفاء الجثث سهلة.
إلى جانب ذلك، رأى المصدر المعارض أن اختيار المسلحين لقرية في الريف الجنوبي، وحرقهم الجثث قبل دفنها، قد تدل على وجود مقاتلين من ريف حلب الشمالي سُرقت أعضاؤهم، ليتم دفنهم لاحقاً بعيداً عن قراهم وأعين أقربائهم، خصوصاً أن عمليات إسعاف المصابين تتم عشوائياً، ووفق دفعات كبيرة، كما يُوزَّع المصابون على مستشفيات عدة، الأمر الذي يجعل عملية تتبع المريض والوصول إليه (في حال عدم وجود أحد من أقربائه) معقدة، حيث يُنقل المصابون إلى المستشفيات الحكومية التركية في كل من عنتاب وكلّس وأورفة وأنطاكيا، إضافة إلى مستشفيات في الريحانية غير الحكومية (من بينها مستشفى «أورينت» الذي يملكه رجل الأعمال السوري غسان عبود) في لواء اسكندرون السوري الذي تحتله تركيا.
وتشكل تركيا «مركز استقبال كبيراً لضحايا تجارة الأعضاء»، وفق مصدر طبي تحدث إلى «السفير»، حيث ذكر أن الحدود مفتوحة كليَّاً ومن دون ضوابط من جهة، وتعدد الفصائل المقاتلة على طول الشريط الحدودي الذي يتجاوز الـ 800 كيلومتر من جهة أخرى، مهَّدا التربة لغرس وانتشار هذه «المافيات»، والتي ينشط بعضها تحت ستار «العمل الإنساني»، في وقت لم تتخذ فيه السلطات التركية أية إجراءات للحد من هذه الظاهرة، بل «على العكس تماماً، المستشفيات الحكومية التركية تشكل أحد ابرز مراكز نشاط المافيات»، وفق المصدر، الذي أشار، خلال حديثه إلى «السفير»، الى دلائل عدّة، من بينها قصة الشاب أحمد عبد الكريم محمد، البالغ من العمر 19 عاماً، والذي تعرض لسرقة أعضائه في مستشفى «أنطاكيا الوطني» في تركيا، ووثق ذووه الجريمة في تسجيل مصوّر (نشرت «السفير» قصة الشاب في الخامس من شهر شباط من العام 2014).
ويظهر الفيديو الذي نشرته مجموعة «تجمع شباب مورك الأحرار» المعارضة على موقع «يوتيوب» بطن أحمد وقد شق بشكل كامل وخِيطَ من عنقه وحتى أسفل بطنه، في وقت كان يتحدث فيه مصور التسجيل عن سبب وجود هذا الشق، مؤكداً أن سببه «سرقة أعضاء تعرض لها في المستشفى الوطني في أنطاكيا»، قبل أن يوارى الشاب في الثرى في قرية اللطامنة.
إلى ذلك، اكد مصدر طبي آخر متابع لملف الإتجار بالأعضاء البشرية أن «المافيات» تتنقل بشكل زئبقي من منطقة إلى أخرى، متعقبة أثر المعارك، لافتاً الى ان نشاطها يزداد مع ارتفاع وتيرة المعارك في كل مرة، الأمر الذي يوفر لها «سلعاً خاماً يسهل التعامل معها، بعيداً عن الخوض في عمليات خطف، حيث ترتفع نسب المخاطرة»، إلا أن ذلك لا يعني توقف ظواهر الخطف بقصد سرقة الأعضاء، «تبعاً لاحتياجات السوق»، على حد تعبير المصدر.
وتعتبر دول أوروبا أكثر الدول استقبالاً للأعضاء البشرية المسروقة من سوريا، وفق رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق حسين نوفل، الذي كشف عن وقوع آلاف حالات سرقة قرنيات العيون وتهريبها إلى دول أوروبا وبعض الدول الآسيوية، وتسويقها على انها مستوردة من مناطق بعيدة عن سوريا، حيث يتم إدخالها إلى أوروبا بشكل نظامي، وهي من العوامل التي جعلت من تركيا مركز جذب كبيراً لهذه «المافيات» التي تسهل عمليات نقل الأعضاء المسروقة إلى الدول الأوروبية.
وبالإضافة إلى حالة الشاب أحمد عبد الكريم محمد، وثّق ناشطون أسماء أخرى لسور