2024-11-27 06:59 م

توازن الرعب يحول دون الانفجار الكبير، مُخيّم «عين الحلوة» نار تحت الرماد

2015-03-01
ناجي البستاني

يتوزّع اللاجئون الفلسطينيّون في لبنان، وعددهم نحو نصف مليون شخص تقريباً، على 12 مخيّماً، أكبرهم من حيث الكثافة السكّانية وليس الحجم الجغرافي هو مخيّم «عين الحلوة»، الأمر الذي زاد من بؤس وفقر الكثير من سكّانه، وسهّل إنخراط الكثير من شبّانه في التنظيمات المُسلّحة المتعدّدة فيه. وكل مدّة يعود الحديث عن خطر مُحدق يخيّم على المخيّم المذكور وعلى محيطه الصيداوي، بفعل إلقاء قنبلة صوتيّة هنا، وإطلاق رصاص هناك، وبث شائعة إغتيال هنالك. فهل فعلاً نحن أمام مرحلة دقيقة بالنسبة إلى واقع المخيّم الأمني، أمّ أنّ الأمور لا تزال مضبوطة؟
لا شكّ أنّ الوضع في المخيّم دقيق جداً، نتيجة تكاثر وتداخل المشاكل بعضها ببعض، حيث أنّه بات أفضل ما يطمح إليه الأفرقاء المتخاصمون داخل المخيّم يتمثّل في إستمرار حال الهدوء النسبي الناجم من توازن للرعب أكثر منه من توافق بين الفصائل الفلسطينيّة المختلفة والمتعددة الإمتدادات الإقليمية والولاءات ومصادر التمويل، إلخ. والوضع داخل «عين الحلوة» هو اليوم غير ما كان عليه منذ بضع سنوات، وهو غير ما كان عليه منذ بضعة عقود أيضاً. فالزمن الذي كانت تفرض فيه حركة «فتح» سيطرتها التامة على المخيّم قد ولّى، والزمن الذي كانت فيه حركة «فتح» تتفاهم مع حركة «حماس» و«تحالف القوى الإسلاميّة» قد مضى أيضاً. والسبب أنّ عدداً كبيراً من الشبّان الفلسطينيّين من مخيّمات سوريا، وخاصة من مخيّم اليرموك، توافدوا في السنوات الثلاث الأخيرة إلى المخيّم، وتوزّعوا على جماعات مسلّحة صغيرة، بعضها مُصنّف في خانة المتشدّد دينياً. وأسفر التزايد الفوضوي للمنظّمات المُسلّحة، وتضارب مصالحها، في تغييب أيّ مرجعيّة موحّدة يُمكنها ضبط تصرّفات المسلّحين الفلسطينيين داخل مخيّم «عين الحلوة». ولم تعد الأمور محصورة بمنظّمات معروفة نسبياً، مثل «عصبة الأنصار» و«جند الشام» و«فتح الإسلام» و«كتائب عبد الله عزّام»، إلخ. بل صار يشمل العديد من المنظّمات الأخرى الحديثة المنشأ، ومنهم مثلاً حركة «أنصار الله»، وحتى بعض قادة الأزقّة الذين يديرون مجموعات صغيرة هي أقرب إلى «العصابات المسلّحة» منه إلى أيّ نواة مشروع عمل مقاوم ضدّ الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
ومع إستمرار الحرب الدمويّة المفتوحة في سوريا، وتوفّر تمويل كبير لجهات إسلاميّة متشدّدة معارضة للنظام السوري، زاد أيضاً عدد التنظيمات المُصنّفة أصوليّة والتي تعمل ليل نهار على إستقطاب المزيد من المناصرين، تارة عبر الإغراء المالي وطوراً عبر «غسل الدماغ» السياسي والديني. وزاد الوضع سوءاً في الفترة الماضية، نتيجة فرار عدد لا بأس به من المطلوبين اللبنانيّين والسوريّين من القضاء أو من السلطات الأمنيّة الرسميّة، إلى داخل المخيّم باعتباره ملجأ عاصياً على سلطة الدولة، بغضّ النظر عن تمثيليّات تسليم مطلوبين إلى الدولة اللبنانية من وقت لآخر، حيث غالباً ما يتمّ تسليم متورّطين بجرائم مدنيّة وليس مطلوبين بتهم أمنيّة وإرهابيّة. وفشل السلطات اللبنانية في توقيف الإرهابيّين الفارين إلى داخل مخيّم «عيم الحلوة»، يعود إلى ما قبل إغتيال القضاة الأربعة في قصر عدل صيدا في 8 حزيران 1999، وهو بلغ اليوم مرحلة متقدّمة جداً من العجز التام المفروض بواقع السلاح الفلسطيني المتفلّت والمُغطّى بواقع الخشية على اللاجئين المدنيّين.
وبحسب أوساط متابعة للوضع داخل المخيّم، فإنّ توافق الحد الأدنى، وإستقرار الحد الأدنى، الذي كانت كل من حركتي «فتح» و«حماس» قد نجحتا في بسطه سابقاً، لم يعد قابلاً للحياة، نتيجة إزدياد الحركات المسلّحة على جوانب كلّ منهما. وإضافة إلى ذلك، إنّ علاقة أنصار حركة «فتح» المحسوبين على السلطة الفلسطينيّة في «رام الله» بقيادة محمود عباس، متدهورة مع أنصار مسؤولين سابقين في الحركة نفسها، وهما القيادي محمد دحلان المفصول نهائياً من «فتح»، والقائد السابق للكفاح المسلّح محمود عبد الحميد عيسى الملقّب بإسم «اللينو» والمجمّدة عضويته في الحركة. والوضع داخل مؤيّدي حركة «حماس» ليس أفضل حالاً، حيث تنعكس الخلافات المستمرّة بين أركان الحركة، لجهة الموقف الواجب إتباعه من الحرب في سوريا، وكذلك من الحركات الإسلامية الناشئة في العالم العربي، بلبلة على أنصار الحركة، في ظلّ نقص واضح في التمويل المالي يُساهم بدوره في إنتقال مقاتلين سابقين فيها إلى منظّمات إسلامية صغيرة لكن قادرة على تأمين رواتب جيّدة بشكل دوريّ. 
وأمام إنتشار السلاح والمسلّحين بشكل فوضوي مُطلق داخل مخيّم «عين الحلوة»، وليس في حيّ الطوارئ فقط كما كانت الحال عليها في السابق، فإنّه لا يُمكن الحديث إلا عن نار تحت الرماد، تؤكد الاوساط، ولعلّ ما يساهم في ضبط الوضع، وما أسفر عن إرجاء أيّ مواجهات داخليّة واسعة فيه، لا يرتبط بالقوى الأمنيّة المشتركة التي يقودها «العميد» خالد الشايب، ولا بجهود أمين سرّ القوى الإسلامية، الشيخ جمال خطاب الذي يحظى بكلمة مسموعة في صفوف الكثير من «الإسلاميّين»، ولكنّه يتمثّل في «توازن الرعب»، بحيث تُدرك الأطراف كافة أنّ أيّ معركة داخلية ستكون مُدمّرة للجميع، حيث أنّ لا قدرة لأيّ طرف في حسم المعركة عسكرياً، خاصة وأنّ الأمر لم يعد محصوراً بمؤيّدين للسلطة الفلسطينيّة وبآخرين معارضين لها، بل يشمل الكثير من المُنظّمات المتعددة الإتجاهات والولاءات. وتُدرك الأطراف الفلسطينيّة كافة أيضاً أنّ أيّ مُواجهة مسلّحة ستؤدّي إلى عدد ضخم من القتلى والجرحى في صفوف المدنيّين، بفعل الإكتظاظ السكّاني في أروقة وأزقّة المخيّم الصيداوي الذي بالكاد تتجاوز مساحته الكيلومتر الواحد المربّع، في حين يزيد عدد سكّانه عن ستّين ألف نسمة، وبعض المصادر يتحدّث عن نحو ثمانين ألف نسمة! 
وفي الخلاصة، الأكيد أنّ الدولة اللبنانية لن تلجأ إلى أيّ إجراء أمني من شأنه إشعال المواجهات مع فصائل مسلّحة داخل مخيّم «عين الحلوة»، والأكيد أنّ الإنقسام الفلسطيني الداخلي يحول دون السماح بأن يحصل عكس ذلك، أي أن تهاجم فصائل فلسطينيّة الجيش اللبناني في محيط المخيّم بشكل واسع ومنظّم، وليس عبر عمليّة فرديّة محدودة. والأكيد أنّ «توازن الرعب» بين الفصائل الفلسطينية المتعددة داخل «عين الحلوة» هو الذي يفرض الإستقرار الحالي الزائف، وبالتالي بمجرّد سقوط هذا التوازن الدقيق في حجم السلاح والمسلّحين بين الأطراف الفلسطينية المتواجهة، لا مفرّ عندها من خروج النار من تحت الرماد، حيث أنّ شهيّة الفصائل الإسلامية المتشدّدة في إقصاء حركة «فتح» كبيرة جداً، ولو بعد حين!
عن صحيفة "الديـار" اللبنانية