2024-11-27 12:35 م

الفلسفة والمخابرات

محطة تجسس المانية بالقرب من ميونيخ

2015-02-24
بقلم: الدكتور رحيم الساعدي
كلاهما يوصف بالاستبطان والهدوء ومحاولة المعرفة والغموض ، وكلاهما نهم بحب الاكتشاف واعتقاده باهميته بل وايمانه بنرجسيته العليا ، فالانا في الفلسفة وفي الجانب المخابراتي تبرز بشكل عاقل وواثق ، لقد لفت انتباهي فوكو وهو يحاول جومسكي في مقابلة جمعتها ، كان يستبدل جلسته باستمرار ، ويتصنع حركات قلقة بالرغم من انها عاقلة جميله اما جومسكي الذي بقي ثابتا لم يتحرك كثيرا وكلاهما كان فكرا كبيرا ، فالانا الفلسفية عاقلة وهكذا الاستخبارية. وهنا لا اريد التحدث عن نظرية المؤامرة التي يدسها منتقدوا الكثيرمن الفلاسفة ومنهم اركون وغيره لمنهجه في الانسنيات ، والقاضي بان منهجه ( المنسوخ من الفكر الفرنسي ) محاولة لضرب الثوابت الاسلامية ، فهو(وفق رايهم) منهج يحاول تدجين وتفكيك المبادئ فهو يعمد على تحويل النص الى مدونة ، كما يتبنى ذلك ابو زيد ،ومع اني لا استبعد هذه الافكار تماما الا ان الحديث عن هذه النقطة غير مجد تماما وقد لا استبعد مثلا استفادة بعض المفكرين من الجهد الاستخباري او التقارير التي تابعوها سيما في الحرب لمعرفة الكثير من الافكار والاحداث فالمفكر توينبي بردة الفعل والتحدي والاستجابة التي استلهمها من الفيلسوف وعالم علم النفس يونغ كان يطلع على التقارير التي تدون في الحرب ومع عمله في الخارجية وفي دائرة المخابرات حصرا اطلع على الاحداث ونظر الى افكار ربما تبدو موجهة نحو هدف يخدم الدولة التي يعمل لاجلها وهكذا كان شبنكلر الذي كان يعيش في المحيط الالماني وكتب حول الحضارة وتبدلها او المانيا وخصائصها (ناقدا او موافقا ) ويمكنني القول – وهذه ليست بالفتوى – ان مجمل فلاسفة التاريخ كانوا يعملون وفق خطط رسموها او اختمرت لمساندة الافكار التي يؤمنون بها ونصرة معتقدهم او وطنهم او صنعوا افكارا موجهة نحو غايات مرسومة ، ولا يبتعد عن هذه الاسطر ذكر هنكنكتون او فوكوياما الذان نظرا لسقوط الحضارة ووجها عملا ربما لم يكن يعرفة الساسة ، وكلها (افكارا وفلاسفة ) تعتبر عاملا توجيهيا نحو اهداف مرسومة وتتصل بالجانب الاستراتيجي اكثر من اتصالها بالفلسفة ولكنها اخذت طريق الفلسفة لانها افكار تتسم بالخصوبة والمغايرة وهي محفزة او محركة او مسقفزة لافكار اخرى والفلسفة او الفكر احيانا كان عاملا مهما في هيجان او خدمة الطغات ، واتذكر في العراق ان ناظم كزار مثلا اعتمد على الافكار النفسية لبعض الخبراء الالمان ( المانيا تبدو في كثير من الحيان بلا مشاعر فهي محض عقل وواجب والة) لانتزاع اعترافات السجناء العراقيين (السياسين منهم ) ، وهذه االقاعدة طبقت بشكل واسع ومهم في الحروب الحديثة ، فالمفكر في خدمة الحرب احيانا وفي حاشية الطاغية غالبا ، ولايعني هذا ان لا صلة لهذه القضية في التاريخ ، كما انني لا اريد اتهام ارسطو والفاربي وغيرهم بالتقرب من السلطان والعمل ضمن المنظومة الاستخبارية التي تذلل العقبات للسلطان، فان هذا الموضوع يحتاج معرفة ، ما هو حجم استفاده الاسكندر او سيف الدولة من هذين الفيلسوفين على المستوى السياسي وما الذي امكن تطبيقة في الدولة من الافكار . ولا يمكننا مثلا اعتبار يوسف (ع)عميلا استخباريا للفرعون او مفكرا ضمن حاشيته ، لمجرد انه قدم له حلا منهجيا لازمة انسانية بل وعالمية كبيرة ،بمنهج يوصف بـ (التنبؤي ، الافتراضي ، المستقبلي ) وهو الامر الذي يذكره باشلار باعجاب في كتابه الماء والاحلام ، ولكن يجب الاشارة الى فهمين في هذا الموضوع الاول هو الاستفادة المباشرة والموجهة والمخطط لها ولو بشكل يبتعد عن التفصيل عن الافكار الفلسفية وغيرها من الفكرية والاستراتيجية والدراسات المستقبلية في دعم الدول التي تتنبنى هذه الافكار والفلاسفة والجانب الثاني هو اللامباشر ويخص استفادة الدول المستبدة وغير المستبدة من افكار الفلاسفة والمفكرين بطريقة لا مباشرة ويمكننا استعراض مجموعة من الاسئلة تخص قضية الفلسفة والمخابرات ، وهي تحاول معرفة الاواصر والمتقاطعات والمتقاربات من الافكار ، فالحديث في هذا الجانب يعني السؤال عن مديات قرب الفلسفة من الدولة ، وهو موضوع مهم عند القول بموضوعين مختلفين وليس عن ذات موضوع ( ليس عن امومة الفلسفة للدولة ، بل عن علاقة متضادة بين الدولة والفلسفة ) اقصد عن تبعية الدولة للفلسفة وتبعية فروع الفلسفة للدولة وايهما انتصر ( وكانها علاقة بين السيد والعبد) ، فالفلسفة صنعت الدولة ثم الدولة اصبحت السيدة الاولى وشغلت الفلسفة ضمن دوائرها ، وهذا جانب مهم يجب ان يبحثه طلبة العلم لاعادة انتاج وتكرير الفكر . ايضا السؤال عن دور فلسفة التاريخ بل والاجتماع في القضية الاستخبارية على مر التاريخ ، فما يدهشني ان احدا لم يكتب فلسفة عن الرحالة ودورهم ، نعم كتبوا حول الاستشراق ولكن الرحالة لهم الدور الخطير بهجرة الافكار وطلب المعرفة او الدور المخابراتي على مر التاريخ ، ولا اتهم الجميع هنا ولكن قد اتهم البعض منهم ، فما يدهشك ان يكون توجه الفلسفة الغربية المعاصرة او الجانب السسيولوجي منها موجه نحو المجتمع ، وحتى العسكر الغربي كان يفكر بطريقة استخباراتية فهناك تقارير قراتها لاحد الضباط البريطانيين في دول الخليج ، دَوَنَ فيها الاسماك في الخليج وعندما يصل الى قضية سمك القرش يقول ان الشيعي لا ياكله بينما السني ياكله ويستخدم زعانفه كمقو جنسي ، هذه المعلومة وغيرها انما هي نتاج جزئي لمفكر جزئي ويمكن القياس على الافكار الكبير التي تقوم بتحويل التاريخ وفق مسارات تتبناها الدولة للسيطرة وتطويع الافكار . اعتقد بان مؤسسسة راند للدراسات اليوم والتي تفتح فرعا وحيدا للعرب في قطر تستثمر التخطيط طويل وقصير المدى وتستثمر الجانب الاستراتيجي لصياغة الافكار التي اقل ما يمكن القول عنها انه جهد استراتيجي استخبارتي فكري بامتياز ، ومن المؤلم القول ان الفلسفة يمكن لها ان تكون موضوعا وتابعا للدولة اوافكار الدولة .