2024-11-30 12:37 م

دراسة خاصة.. المعارك في الجنوب السوري ، معركة الجنوبيين والاستعصاءات الاستراتيجية

2015-02-17
بقلم الدكتور حسن أحمد حسن

تتوالى فصول الحرب الممنهجة المفتوحة عبر البوابة السورية على محور المقاومة ومن يدعم مواقفه على الساحتين الإقليمية والدولية، وكلما أسدلت الستارة على فصل تعلو الأصوات المتناقضة بين التهوين والتهويل، وهنا مكمن الخطر، فالتقليل من أهمية فرملة المشروع التفتيتي وتكسير الكثير من أنياب ومخالب من يتبنونه أصلاء كانوا أم وكلاء يمنح تلك الأطراف وقفات تعبوية تمكنهم من إعادة تجميع عوامل القوة ونشر ما لديهم من قوى ووسائط وفق تكتيكات جديدة تأخذ بالحسبان مواطن التعثر السابقة، وهذا يمنح المشروع عمراً إضافياً يستنزف بعض عوامل القوى الشاملة لأطراف محور المقاومة، ويؤثر سلباً على معنويات البيئة الحاضنة للمقاومة فكراً ونهجا ًوطريقة حياة وتعامل أثبتت جدواها في ظل غياب توازن القوى إقليمياً ودولياً، كما أن تجميل الواقع المعقد وتصوير كل ما يحدث على انه إنجازات نوعية تحسب لمحور المقاومة من دون أية تكاليف تذكر، والاستهانة بما لدى أطراف المشروع الآخر وخطورة ما يخططون له ويعملون على تنفيذه في السر والعلن يعد خطأً فادحاً وكفيلاً بتحويل بعض التحديات إلى أخطار ومن ثم إلى تهديدات جدية تتطلب إمكانيات وضرائب إضافية جديدة كان بالإمكان استخدامها في مواقع أخرى، وفي مواجهة فصول لما تظهر بعد من هذه الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات، وساذج من يظن أن واشنطن ستسلم بانتصار محور المقاومة وحقه في الاستثمار بما ينجزه من نتائج تقض مضاجع صناع القرار الصهيو ـ أمريكي، وقد تدفعهم للهروب إلى الأمام، وهذا ما يجب أن يبقى حاضراً فوق الطاولة عند مناقشة أي صغيرة أو كبيرة في تداعيات هذه الحرب المفتوحة منذ أربع سنوات ونيف بشكل مباشر، ومنذ عقود بشكل غير مباشر، ولكي تكون النتائج التي تتوصل إليها أية دراسة موضوعية تهتم بتداعيات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط لابد من التأكيد على مسلمتين يجب أن تحكما أي تحليل سياسي أو عسكري أو استراتيجي لحاضر المنطقة ومستقبلها، وهما:


1- الولايات المتحدة الأمريكية ما تزال المايسترو الذي يمسك بالكثير من خيوط اللعبة الدولية ويقود قاطرة الحرب لتفتيت دول المنطقة ، وبما يحافظ على اتجاه البوصلة لخدمة المصالح الصهيونية على حساب مصالح شعوب المنطقة ودولها.


2- المواجهة المفتوحة والحرب التي تتخذ أشكالاً متعددة لم تكن موجهة في يوم من الأيام ضد أحد أقطاب المقاومة بشكل انفرادي بل تستهدف الجميع دونما استثناء، وهي جزء من حرب كونية بين مشروعين: مشروع التفرد بالقرار الدولي وتسخير المنظمات الدولية لخدمة ذلك، ومشروع مقاوم يرفض التسليم بأن واشنطن وحلفاءها قدر لا يمكن الهروب منه ولا مواجهته.


الانطلاق من الحقيقتين السابقتين اللتين ترتقيان إلى مستوى المسلمات يساعد الباحث على تقديم رؤية متكاملة عبر قراءة موضوعية لحقيقة ما جرى وما قد يجري، والتداعيات التي سيخلفها الإنجاز الميداني الجديد في الجبهة الجنوبية وعلى المحاور المتفرعة من مثلث النار باتجاه كل من : القنيطرة و ريف دمشق و درعا، فهل ما حدث مجرد انتصار تكتيكي ومرحلي ، أم أنه مقدمة حتمية لبلورة معالم الحسم العسكري المطلوب في جميع ميادين المواجهة على امتداد الجغرافيا السورية؟ ولماذا رضخت تل أبيب لقواعد الاشتباك التي حددها حزب الله على لسان أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله الذي أعلن سقوط كل قواعد الاشتباك السابقة، وترابط الجبهات على اتساع جغرافية المواجهة المفتوحة؟ 


البيئة الإستراتيجية:


الصدمة التي خلفتها معارك الجنوب السوري في الأيام القليلة الماضية تتطلب معرفة البيئة الإستراتيجية السائدة دولياً وإقليميا وداخلياً فعلى المستوى الدولي ما يزال  الاستعصاء الاستراتيجي يشكل العنوان الأبرز لتوتر العلاقات الروسية الأمريكية، والضغط الأمريكي ما يزال في تصاعد بغض النظر عن المواقف الأوربية التي لا تستطيع الدوران خارج الفلك الأمريكي، وما يتم تسويقه على أنه تناقض بين المواقف الأمريكية والأوربية هو تكامل في الأدوار وتوزيع للمهام المسندة لضمان استمرار إبعاد روسيا والصين من العودة كقطب مكافئ يستطيع ترك بصمته على القرار الدولي، وهذا يفسر رفع السقوف عند الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر تعديل العقيدة العسكرية واعتبار الناتو عدواً لروسيا، والعناد بكل جزئيات الساحة الأوكرانية مما أرغم  الطرف الآخر على محاولة تدوير الزوايا ، لكن مع زيادة الحقد والاستمرار بحرب النفط لضرب الاقتصادين الروسي والإيراني بشكل أساسي، والمؤشر الآخر على الاستعصاء الاستراتيجي تبلوَرَ في طلْبِ الرئيس الأمريكي من الكونغرس منْحَهُ تفويضاً جديداً لمدة ثلاث سنوات لاستخدام القوات المسلحة خارج الحدود الأمريكية مع إمكانية اللجوء إلى تدخل بري عند الضرورة في العراق وسورية بذريعة محاربة داعش، إضافة إلى رفع سقف المبالغ المطلوبة من نصف مليار دولار إلى أكثر من ثمانية مليارات لتدريب ما أسموه معارضة معتدلة في معسكرات تقام على أراضي بعض دول المنطقة.


 وعلى المستوى الإقليمي ما تزال الصورة قاتمة فتنصيب ملك سعودي جديد لم يترك أية آثار تذكر على السياسة الخارجية التي تجاهر بدعم المسلحين الذين يتم زجهم في سورية والعراق، وكذلك الأمر في مصادرة إرادة البحرينيين ومحاولة التنكر لإرادة الشعب اليمني بعد أن تمكن الحوثيون من فرض واقع قائم على الحدود الجنوبية للسعودية، والملف النووي الإيراني ما يزال يراوح بين تمسك طهران بحقوقها وبين مماطلة الغرب والتسويف في التوصل إلى اتفاق شامل ،أما حكومة العدالة والتنمية فالعنوان الأبرز الذي يختصر سياستها هو النفاق السياسي والدبلوماسي وإطلاق تصريحات تتناقض مع الأفعال وإعلان العداء الشخصي أكثر فأكثر من قبل أردوغان وطاقم عمله للدولة السورية ، والاستمرار بفتح الحدود لتدفق السلاح والمسلحين وتهريب النفط الذي تسرقه داعش وبقية التنظيمات الإرهابية بما يتناقض وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.


أما البيئة الداخلية فالمشهد الذي يحكمها هو الإعلان أكثر فأكثر عن ارتباط العصابات المسلحة بالكيان الصهيوني بشكل مباشر، ويمكن القول إن كل ما نفذه المسلحون منذ البداية ينسجم والأجندة الصهيونية، كما إن معطيات الواقع تؤكد أن جبهة النصرة وبقية التنظيمات الإرهابية المنتشرة في الجنوب السوري وعلى امتداد منطقة فصل القوات إنما تعمل بإشراف إسرائيلي مباشر يحدد الأهداف ويسند المهام ويشرف على التنفيذ ويقدم الدعم بكل أنواعه لتمكين المسلحين من تهيئة واقع جديد يهدد وحدة وسيادة الدولة السورية.


التبدل الجوهري في الساحة الميدانية أفرزته رعونة إقدام تل أبيب وإقدامها على اغتيال مجوعة من القادة والمقاومين اللبنانيين ومعهم جنرال إيراني بتاريخ 18/1/2015  ورد حزب الله الصاعق في 28/1/ 2015  في مزارع شبعا، وإطلالة سيد المقاومة وإعلانه سقوط كل قواعد الاشتباك السابقة وترابط الجبهات وحق محور المقاومة في الرد على أي عدوان على أي من أقطاب المقاومة، وأن الرد لن يقتصر على استهداف العصابات الإرهابية المرتبطة بتل أبيب بل سيمتد ليطال الكيان الذي يقدم لهم الدعم والرعاية والعمق الاستراتيجي الذي يمكنهم من الاستمرار بجرائمهم، وقد كان واضحاً أن حكام تل أبيب اضطروا لابتلاع ألسنتهم واجترار مرارة رد حزب الله، والانكفاء الميداني الواضح الذي يؤكد فقدان الكيان لكل ما له علاقة بزمام المبادرة لحسابات ذاتية وموضوعية.
المعطى الجديد الذي يمكن تحميله مضامين داخلية وإقليمية ودولية هو واقع العصابات المسلحة في الجنوب السوري بعد إقدام داعش على إعدام الطيار الأردني حرقا وارتفاع نبرة الصوت الأردني وتهديد ملك الأردن بضرب داعش في عقر داره، ومحاولة تهييج الشارع الأردني وتهيئته ليكون قادراً على تقبل أية مغامرات جديدة يفكر بها النظام الأردني تنفيذاً لما يملى عليه لأنه مسلوب القرار والسيادة، ودوره منذ نشأة إمارة شرقي الأردني لم يتجاوز الدور الوظيفي ذي الصبغة الاستخباراتية.


الأسباب والأهداف:


 صحيح أن ما حدث في الجنوب السوري معركة في حرب مفتوحة، لكن لكل معركة أسبابها المباشرة وأهدافها الخاصة التي يتم تحديدها قبل بدء الأعمال القتالية، ومع أن معرفة المعلومات المتعلقة بذلك بدقة قد لا تكون متاحة قبل إن تضع الحرب أوزارها، إلا أن التحليل الموضوعي يقود إلى تحديد أولي للأسباب والأهداف المتوقعة، وتحت عنوان الأسباب يمكن الإشارة إلى ازدياد وتيرة تدفق المسلحين عبر تل شهاب  وغيره من المنافذ الحدودية وبالمئات يومياً، إضافة إلى دعوة متزعمي العصابات الإرهابية لاجتماعات سرية يشرف عليها ضباط إسرائيليون، ويبدو أن عين الجيش العربي السوري والمقاومة كانت ترصد تحركات أولئك وعلى مدار الساعة، وبخاصة بعد اتضاح العجز الإسرائيلي عن الرد المباشر على رد حزب الله في مزارع شبعا، وفي الوقت نفسه العجز عن  تبني عدم الرد كجزء من إستراتيجية جديدة ، فيصبح المعادل الموضوعي للرد عن طريق تلك العصابات المسلحة وإمدادها بكل ما يلزم لتكون أكثر قدرة على التحرك سواء باتجاه دمشق أو باتجاه الداخل اللبناني، وهذا ما لا يمكن السماح به، وإذا أضفنا إلى ذلك ارتفاع عقيرة النظام الأردني وتحشيد الآلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من المرتزقة الذين أتموا التدريب المطلوب بالقرب من الجدود السورية الأردنية وإتمام الاستعدادات لانضمام أعداد كبيرة من الجيش الأردني وجيوش خليجية أخرى لمرافقة ودعم العصابات الإرهابية المسلحة وتامين ما تحتاجه من إسناد ناري وتغطية تمكنها من إمداد المسلحين في درعا بما يحتاجونه للزحف نحو دمشق، وازدياد نشاط غرف العمليات المكرسة لمتابعة أي تدخل بري مباشر في سورية انطلاقاً من الأراضي الأردنية.


إضافة إلى ما تقدم هناك انكفاء واضح للمسلحين وتقهقرهم في مواقع عديدة وبخاصة في الغوطة الشرقية والقلمون والزبداني وريف حلب وحماة وإدلب مع ازدياد مطالبة السكان بخروج المسلحين وتنفيذ مصالحات محلية تضمن عودة الكثير من الأحياء والقرى والبلدات إلى حضن الدولة السورية، وهذا ما يثير حفيظة من يشغل تلك العصابات الإرهابية المسلحة ، ومن الطبيعي أن يفكر المشغلون بضرورة رفع الروح المعنوية المنهارة لمرتزقتهم بأية طريقة كانت، وهذا يعني إمكانية إشعال جبهة الجنوب لتخفيف الضغط عن المسلحين في ريف دمشق وحولها وفي المحافظات الأخرى وهذا يقودنا للحديث عن أهداف المعركة وفي مقدمتها:


1- درء جميع الأخطار والتهديدات المذكورة في الأسباب.


2- منع المسلحين ومن يدعمهم من تحشيد ما يلزم لاجتياح بري كان يتم التخطيط له انطلاقا من الأراضي الأردنية، وقطع الطريق على هكذا سيناريو يعني تحصين ثلاث عواصم / دمشق ـ بيروت ـ عمان/ من خطر الانزلاق نحو حرب شاملة.


3- الحيلولة دون إقامة ما أسماه الكيان الصهيوني بالجدار الطيب الذي يعني انتشار جبهة النصرة ومثيلاتها في منطقة فصل القوات وعلى امتداد الشريط الحدودي لتكون تلك العصابات حاجزاً يحرس أمن المستوطنين الصهاينة كما كان الأمر عليه في جنوب لبنان عبر الميليشات التي كان يقودها أنطوان لحد وسعد حداد.


4- قطع الطريق أمام تجمعات المسلحين في الجزء الشمالي، وحرمانهم من إمكانية التسلل باتجاه شبعا كمقدمة لإزعاج حزب الله وحاضنته الشعبية، وبالتالي قطع الطريق أمام إمكانية انتقال ألسنة اللهب إلى الداخل اللبناني غبر بوابته الجنوبية.


5- تكريس مصداقية المقاومة، وتنفيذ كل ما تعد به، فالجبهة التي أرادوها متصلة جغرافياً من جبل الشيخ إلى درعا غدت منطقة عمليات للجيش السوري وحلفائه المقاومين.


6- تهيئة البيئة المطلوبة لولادة مقاومة شعبية سورية على امتداد الشريط الحدودي مع الأراضي المحتلة، وإكسابها خبرات قتالية ميدانية تمكنها من الانطلاق بفاعلية تلزم أصحاب الرؤوس الحامية في تل أبيب على إعادة حساباتهم والترحم على الفترة التي سبقت حماقة استهداف المجموعة التابعة لحزب الله في القنيطرة.


النتائج الأولية والدلالات:


من المبكر الحكم على نتائج معركة الجنوبين اللبناني والسوري ودلالاتها فرحى المواجهة ما تزال دائرة وفي أشدها، ومع ذلك يمكن باختصار إلى عدد من النقاط الرئيسة، ومنها:


1-     الدقة العالية في التخطيط والكفاءة في التنفيذ النوعي  وسحق مجاميع العصابات الإرهابية المسلحة بأقل خسائر ممكنة وبأعلى مردودية.


2-    إرساء أسس فكر عسكري جديد يقوم على تنظيم التعاون وتنسيق الجهود وتنفيذ المهام بتكامل دور جيش نظامي مع مقاومة شعبية، وهذا أكثر ما يرعب حكام تل أبيب وبخاصة بعد أن صقل هذا التكتيك القتالي الجديد وتبلورت معالمه بفضل العمليات المشتركة منذ تطهير القصير وحتى تاريخه، وفي كل يوم تتم إضافة ما تفرزه هذه التجربة الفريدة من عبر ودروس مستفادة.


3-    تطهير عشرات الكيلو مترات المربعة/ حوالي مئة وخمسين كم2 / من رجس جبهة النصرة ومثيلاتها من العصابات المسلحة المدعومة إسرائيلياً وخليجياً.


4-    سقوط مصطلح الجبهات المنفصلة وتحول الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة إلى جبهة واحدة يدافع عنها الجيش السوري والمقاومة اللبناية وبدعم علني من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أي أن ما كانت تخشاه تل أبيب قد أصبح حقيقة وغدا الإيرانيون على حدود فلسطين المحتلة بشكل مباشر.


5-    سرعة الانهيار في صفوف العصابات المسلحة وتهاوي مقرات قياداتها بالجملة في أيدي الوحدات المكلفة بالتنفيذ.


6-    التزام الكيان الصهيوني بالصمت جراء العجز الفعلي عن تحريك أي ساكن بشكل مباشر لأن ذلك يعني اشتعال حرب تمتد ألسنتها إلى العمق الإسرائيلي أو ما يسمى بالبطن الرخو، وهذا يعني أنه ولى وإلى غير رجعة الزمن الذي كانت فيه " إسرائيل"  تعربد لأنها تستطيع إشعال حروب محدودة التوقيت والعمق ومعروفة النتائج بشكل مسبق.


7-     تطهير دير العدس ودير ماكر والدناجي والتقدم باتجاه كفر شمس وعدة قرى وبلدات أخرى، والسيطرة على تل مرعي وعدد من التلال الحاكمة والمطلة على نقاط التقاء محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق يمكن الجيش من تقطيع أوصال المجموعات المسلحة وطرق إمدادها سواء عن طريق الكيان الغاصب أو الأردن، ويمهد للتقدم باتجاه إنخل وجاسم وتل الحارة وصولاً إلى كامل منطقة فصل القوات، وهذا يعني أن كل ما عملت أطراف التآمر والعدوان على امتداد أكثر من عام قد تهاوى في غضون ساعات تحت أقدام الجنود السوريين وزملائهم الذين يضيفون الكثير إلى الفكر العسكري بما ينجزونه على مدار الساعة في الجنوب السوري.


باختصار شديد يمكن القول: إن معركة الجنوب تتجاوز بدلالاتها ونتائجها مفهوم المعركة الآنية والمحدودة جغرافياً، فهي مجموعة معارك لتحصين الجنوبين السوري واللبناني، وهي خطوة استباقية سحبت البساط من تحت أرجل العصابات المسلحة ومشغليها، وأصابت الكيان الصهيوني بالذعر والارتباك والتخبط، وجعلت قادة تل أبيب كمن يبتلع الموسى على الحدين، فلا هم قادرون على تدخل يحول كل الأراضي الفلسطينية إلى مسرح عمليات، ولا هم قادرون على التسليم بأن ما كان يحلمون بتحويله إلى جدار طيب قد تحول إلى  جدار مقاوم، ولاشك أن البناء على ما تم إنجازه  يتطلب استمرار  العمليات إلى أن يعيد الجيش العربي السوري انتشاره على كامل المواقع التي كان يشغلها قبل عام 2011م، ولن تعدم المقاومة الشعبية السورية التي تتبلور عن إيجاد السبل للانتشار في المنطقة منزوعة السلاح مستنسخة تجربة حزب الله مع إدخال التعديلات اللازمة والكفيلة بترسيخ قواعد اشتباك يحدد نوعيتها وماهيتها محور المقاومة، وهذا كفيل بلجم عربدة حكام تل أبيب وانكماش كيانهم السرطاني ليفقد دوره الوظيفي في حماية مصالح القوى الأطلسية بزعامة واشنطن، ولا يستبعد أن يتحول هذا الكيان إلى عبء حقيقي على الاستراتيجية الأمريكية، وعندها قد لا نتفاجأ إن صعدت واشنطن من سياستها العدوانية الكفيلة بدفع الكيان الصهيوني إلى حرب مفتوحة كمقدمة حتمية لتنظيف المنطقة من شرور هذا الكيان وما خلفه ويخلفه من كوارث وويلات وجرائم بحق أبناء المنطقة وشعوبها، وإذا كان هناك من يرون هذا الأمر بعيداً فمعطيات التحليل السياسي والعسكري والاقتصادي والجيوـ استراتيجي تشير إلى أنه أقرب مما قد يخطر على أذهان من ما يزالون مصرين على وضع بيضهم كله في السلة الأمريكية التي يبدو أن لا قعر لها.
المصدر: قناة (المنار) اللبنانية