2024-11-29 05:38 ص

جرائم «داعش» تطال مصر.. من ليبيا

2015-02-16
أضاف تنظيم «داعش»، جريمة جديدة إلى سجله الوحشي، بعدما نفذ تهديده بقطع رؤوس 21 مصريًّا قبطيًّا في ليبيا، في تطوّر يعزز المخاوف بشأن تمدد التنظيم التكفيري إلى الأراضي الليبية، وينذر بفتح جبهة جديدة ضد الإرهاب في شمال أفريقيا.
وجاءت جريمة قتل المصريين، الذين خطفوا على أيدي التكفيريين في مدينة سرت على الساحل الليبي في كانون الثاني الماضي، بعد ساعات من دعوة إيطاليا إلى تشكيل «ائتلاف» ضد الإرهاب في ليبيا، وعشية وصول وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان إلى القاهرة لتوقيع الاتفاق بشأن تزويد الجيش المصري بطائرات «رافال» ومنظومات عسكرية أخرى.
إعدام المصريين
وفي شريط فيديو نشره «داعش»، بعنوان «رسالة موقعة بالدماء إلى أمة الصليب»، ظهر طابور من المتشددين الملثمين، وهم يقتادون الرهائن المصريين، الذين وصفوا بأنهم «رعايا الصليب من أتباع الكنيسة المصرية المحاربة»، على «ساحل ولاية طرابلس على البحر الأبيض المتوسط»، بحسب ما أورده التنظيم التكفيري.
وتحدث أحد التكفيريين باللغة الإنكليزية قائلًا: «أيها الناس، لقد رأيتمونا على تلال الشام وسهل دابق، نحزّ رؤوسًا لطالما حملت وهم الصليب وقد تشربت الحقد على الإسلام والمسلمين، واليوم، نحن في جنوب روما، أرض الإسلام ليبيا، نرسل رسالة أخرى».
وتابع: «أيها الصليبيون، إنّ الأمان لكم أماني، لا سيما أنكم تقاتلوننا كافة، فسنقاتلكم كافة، حتى تضع الحرب أوزارها، فينزل عيسى عليه السلام، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية. وهذا البحر الذي غيبتم به جسد الشيخ أسامة بن لادن... أقسمنا بالله لنشوبنّه بدمائكم».
إثر ذلك، استعرض الشريط المصوّر، الذي رجَّحت مصادر أمنية أن يكون قد سجّل قبل أيام، كلًّا من الرهائن المصريين جاثمين عند الشاطئ، قبل أن يقوم الإرهابيون بقطع رؤوسهم، بينما كان المتحدث يقول إن «هذه الدماء النجسة بعض ما ينتظركم ثأرًا لكاميليا وأخواتها».
وكان تنظيم «داعش» هدد، يوم الجمعة الماضي، بإعدام المصريين المختطفين، ما لم يتم تسليم كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين، اللتين ترددت شائعات عن تحولهما للإسلام، ثم عودتهما للمسيحية مرة أخرى.
وحرص التكفيريون على إظهار رؤوس بعض القتلى المقطوعة وقد وضعت على ظهورهم، ودماؤهم تسيل في مياه البحر الذي صبغ باللون الأحمر، قبل أن يرفع المتحدث خنجره قائلًا: «سنفتح روما بإذن الله، وعد نبينا صلى الله عليه وسلّم».
الرد المصري
وفي أول رد فعل من السلطات المصرية على هذه الجريمة، سارع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دعوة مجلس الدفاع الوطني إلى اجتماع عاجل، معلنًا الحداد الرسمي لمدة سبعة ايام.
يذكر أن مجلس الدفاع الوطني يملك حاليًّا قرار إعلان الحرب والتدخل العسكري خارج البلاد، في ظل غياب برلمان منتخب.
وتوجه السيسي، عقب الاجتماع، ببيان إلى الشعب المصري قال فيه إن «هذا الإرهاب الخسيس الذي طال مصر، هو حلقة جديدة من حلقات الإرهاب التي تضرب الإنسانية كلها»، مشددًا على أن الوقت قد حان للتعامل مع الإرهاب «من دون انتقائية وازدواجية في المعايير».
وأضاف السيسي إن «مصر تحتفظ لنفسها بحق الرد، بالأسلوب والتوقيت المناسبين للاقتصاص من هؤلاء الإرهابيين»، مشيرًا إلى أنه دعا مجلس الدفاع الوطني إلى الانعقاد فورًا وبشكل دائم للتباحث في الإجراءات والقرارات الواجب اتخاذها، وطلب من الحكومة الاستمرار في التنفيذ الصارم لقرار منع المصريين من السفر إلى ليبيا، وتسهيل عودة المصريين الراغبين في العودة إلى وطنهم، وتكليف وزير الخارجية الذهاب إلى نيويورك لإجراء الاتصالات اللازمة مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، والمشاركة في القمة الدولية حول الإرهاب من أجل وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته واتخاذ الإجراءات الكفيلة التي تتسق مع ميثاق الأمم المتحدة.
ولم يكشف السيسي عن طبيعة الرد المصري على الجريمة، التي تأتي في ظل وضع بالغ الحساسية تخوض فيه القوات المسلحة المصرية حربًا مفتوحة ضد الإرهاب في سيناء، في وقت عقدت فيه الحكومة المصرية ووزارة الخارجية اجتماعَين عاجلَين للبحث في الإجراءات الواجب اتخاذها لحماية المصريين في ليبيا.
وفي هذا الإطار، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأفريقية السفير معصوم مرزوق لـ «السفير» إنه «يجب أولًا تحديد ممرات آمنة لإجلاء المصريين من ليبيا، خاصة المتواجدين في الأماكن الخطرة، وذلك في أسرع وقت ممكن»، مشيرًا إلى أن هذا الأمر «يجب أن يتم بالتنسيق مع الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ودول الجوار».
وأضاف أن «هذا العمل الوحشي لن يمر دون قصاص»، مشددًا على أن «مصر لن تغفر هذه الجريمة البشعة في حق أبنائها».
وعن احتمال اتخاذ قرار بالتدخل العسكري في ليبيا، قال مرزوق إن «هذا الأمر متروك لتقدير القيادة السياسية، حيث المرحلة لا تحتمل اتخاذ قرارات متعجلة وانفعالية».
ورأى أن «التدخل يجب أن يكون في إطار سياسي وقانوني، وبالتنسيق مع دول الجوار»، لافتًا إلى أنه «ينبغي أن تقوم جامعة الدول العربية بدورها، وكذلك يجب التحرك على مستوى مجلس الأمن الدولي لإدانة تلك الجريمة وكل من يساند أو يمول تلك التنظيمات الإرهابية، سواء كانوا أفرادًا أو دولًا».
من جهته، قال الخبير العسكري اللواء حسام سويلم، في اتصال مع «السفير»، إن «تنظيم داعش يعمل على تحقيق أهداف خارجية لتوريط مصر، والسعي إلى إحداث فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين داخل البلاد».
وأضاف سويلم: «أتوقع توجيه ضربات عسكرية نوعية إلى عناصر تنظيم داعش في ليبيا ردًّا على هذه الجريمة»، مؤكدًا أن «أماكن الإرهابيين في ليبيا معروفة للدولة المصرية، ولا بد أن يكون هناك تواجد كثيف للأمن المصري داخل القبائل الليبية».
وأشار سويلم إلى أن هذه الضربات لا تستدعي بالضرورة إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، بل يمكن أن تكون عبر وسائل استخباراتية.
وفي أول تعقيب على الجريمة، أصدرت الكنيسة القبطية بيانًا جاء فيه: «تستودع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وعلى رأسها البابا تواضروس الثاني في هذه اللحظات العصيبة شهداءها الأبرار، واثقين في أن وطنهم العظيم لن يهدأ له بال حتى ينال الجناة الأشرار جزاءهم العادل إزاء جريمتهم النكراء».
وتابع البيان: «إذ نشارك أُسَرَ أبنائنا الأحباء، فإننا نعزي الوطن كله، ونؤكد أن دماءهم تصرخ أمام الديان العادل الذى لا يغفل ولا ينام، وسيجازي كل أحد عما صنعته يداه، ونصلي إلى الله أن يحفظ مصر ووحدتها، وأن يُنْعِم بالسلام في ربوع البلاد».
وقال الكاتب القبطي مدحت بشاي لـ «السفير» إن «ما حدث أمر مؤلم وبشع»، متسائلًا: «كيف يظهر مسؤول ليبي على شاشة التلفزيون ليؤكد انتهاء الأزمة، ثم نُفاجأ بالشريط يُبَثُّ على هذا النحو المفجع؟».
وأضاف: «للأسف، في الوقت الذي يرتكب فيه المتشددون هذه الجرائم البشعة، نرى من يتصالح مع هذا الفكر في الداخل».
وعن دور الدولة المصرية، قال بشاي: «نعرف أن الوضع في ليبيا منهار، وأن جهاز المخابرات ووزارة الخارجية كانا يجريان اتصالات لحل الأزمة، ولكن لم يكن هناك تواصل مع أهالي الضحايا»، مشددًا على ضرورة أن «تتخذ السلطات المصرية إجراءات حاسمة لمنع سفر المصريين إلى ليبيا حتى لا تتكرر المأساة».
من جهته، اعتبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، في بيان، أن «هذا العمل البربري الهمجي لا يمت إلى دين من الأديان، ولا إلى عرف من الأعراف الإنسانية، ولا ينمُّ إلا عن نفوس مريضة تحجرت قلوبها فذهبت تعيث فى الأرض فسادًا تقتل وتسفك النفوس البريئة من دون حق».
بدوره، أدان مفتي الجمهورية المصرية شوقي علام جريمة قتل المصريين، قائلًا إنه «بإقدام هؤلاء الهمج على هذه الفعلة النكراء قد استحقوا لعنة الله وغضبه عليهم ومصيرهم جهنم».
أما «حزب النور» السلفي، وبالرغم من إدانته جريمة ذبح المصريين، على لسان رئيسه يونس مخيون، بوصفها «جريمة بشعة تنافي الإسلام»، إلا أنه أكد أن «من ظهروا في فيديو الذبح ليست لهم علاقة ببن لادن، كما ادعوا»، رافضًا التدخل العسكري في ليبيا، باعتباره «محاولة لتوريط الجيش المصري نتيجة لفشل التحالف (الدولي) المناهض لداعش».
وجاءت الجريمة «الداعشية» الوحشية بعد أنباء عن قيام التكفيريين بخطف 20 صيادًا مصريًا في مدينة مصراتة، ما دفع بالسلطات المصرية إلى اتخاذ قرار بحظر السفر إلى ليبيا، والشروع في إجراءات لإجلاء المصريين العاملين في هذا البلد الغارق في الفوضى، بحسب ما ذكرت نقابة الصيادين المصريين.
كما ترافقت الجريمة مع دعوة أطلقتها إيطاليا لتشكيل تحالف ضد الإرهاب في ليبيا.