2024-11-24 04:14 م

سوسيولوجيا الجنوب

2015-02-13
بقلم: الدكتور رحيم الساعدي*
لا ادري أهي كذلك أم ان الناس اخترعوها ،تلك الصورة التي تشير بحزن إلى ان الجنوب في كل بلدان العالم يعني الحزن والألم والفقر ،وتلك مسالة أتعاطف معها بشكل مزاجي ،وإلا فان معاني الشرق والغرب لا تعني شيئا من زاوية المكان ، فالأول يعني شيئا آخر بالنسبة إلى ما قبله وهكذا هو حال الغرب . وإذا وجد في القران الكريم ألفاظ ( الشرقية ، المشرق ، المغرب ...الخ ) أو الشمال وهي التي تقابل اليمين ، فذلك بلا ريب لا يعني تقديس الجهة والجهوية بقدر ما يشير إلى صفة معينة ، وربما تصدق هذه الملاحظة إذا ما تنبهنا إلى ان لفظ الجنوب لا يوجد في القران . وعلى أي حال فان عقد مقارنة بين الشمال في أي دولة والجنوب سوف يؤدي بنا إلى فهم اختلاف ما على مستوى المعيشة والبيئة والطبائع والناس والتلقي والتفكير . وإذا كان مثالنا العراق او الوطن العربي ، فلا اختلاف بين شماله وجنوبه من زوايا المجتمع والألم والحزن ، او غربه وشرقه ، والمختلف هنا هو اعتدال الجو ، فالبيئة (الأخرى) هي نفسها حتى ان الجنوب يتميز بتعدد موارده ، ولا يقال بان الشمال أكثر ترفا من الجنوب لوجود نوع من الحرية التي ساهمت ببناء مجتمعهم ،ولا معنى لما اسمعه من قياس خاطئ بكل الأحوال ينوه إلى ان الأنهار التي ترسم غالبا جروحا طويلة على اظهر بلدانها ، تتقيأ كل ما تلقفه في طريقها من أدران والآم لتلقيها في الجنوب فهي على هذا الحال تلقي بالذهب و الذكريات على حد سواء بل انها تعود إلى أعشاشها ونهايتها لتنام في البحر في نهاية الأمر . كما ان الانغماس في فهم ان الجو المعتدل في الشمال هو من ساعد على رسم الحضارة وتبديل الأجناس والأشكال يعارضه القول بان الحضارة الأولى في العراق استيقظت وتخمرت في الجنوب في ذلك الجو الحار نسبيا ، وكانت أولى الأفكار وأحلاها وأكثرها ديمومة تنتشر في أفق الماء والبردي . اما إذا نظرنا إلى خارطة العالم السياسية فسوف نجدها تشير إلى علاقة ( الغرب +الشرق ) في مفهوم السيطرة والخنوع ،السيد والعبد ، النفوذ والانكماش ،العلم والجهل ، الغنى والفقر والحاكم والمحكوم ، ولكن يجب ان لا يحدد خصوصية الشعوب في الحرية والاستقلال مفاهيم الشرق والغرب وان الغرب يتفوق دوما في حين ان الشرق يتراجع ، ولعل النظرية التي أخرجها احد المستشرقين (ماسينيون) والتي تصنف الناس إلى آري وسامي تمثل المصداق الأقوى على التمييز البائس للأفراد والشعوب ، فهي تحيلنا إلى حتمية صنعها رجل لا الخالق سبحانه ، وهي تناقض العدالة وفيها شيء من الطبقية الفكرية ، وهي لا تدعو الى التنمية بل الى الياس ، وهي ايضا بنيت على اسس العيون الخضر (ربما ) وسوف تنتهي باسس العقل الاخضر . من زاوية أخرى فان ما يخص البلد الواحد هو علاقة متنافرة أحيانا تتمثل ( بالشمال + الجنوب ) و( الشرق + الغرب ) وعلى أساس ابتعاد المحافظات من وسط الدولة ( العاصمة ) نلاحظ ان في هذه المحافظات تنخفض – وبشكل عام في العالم الثالث – الخدمات والمشاريع والثقافة والاهتمام الحكومي ، لان البلدان الشرقية تنظر إلى العاصمة نظرة التمييز بين الابن والبنت فتعطيه ( الابن =العاصمة ) أهم الأشياء ، وربما لأنها مركز الحكم فهي الأشهر إعلاميا وامنيا ...الخ . وفي سومر والحضارة الجنوبية ستلاحظ بان وسط العراق وغيره أصبح بعيدا عن الحضارة والعناية والتنمية وهي مسالة نسبية بكل الأحوال فوسط العراق بعد ذلك أصبح مركزا للحضارة . ولا ننسى ان طبيعة الجنوب في بعض البلدان جعلته المأوى الحقيقي لمحاربي الظلمة فهو يتبنى مشروع محاربة الظالمين – بحكم بيئته - وهكذا هو حال الشمال فالظلم ظلم أينما وجد في الشرق أم في الغرب . ولا يخفى ان وجود النفط ساهم في إفقار الجنوب والجنوبي فهو لم يحصل على مورده الذي يعتبره الجميع أشبه بالكعك الفاخر في يد اليتيم ، بالإضافة إلى انه لم يستطع زراعة أرضه بسبب صراع الغزاة على النفط في كل زمان ، وكان الحكومات المتعاقبة تفهم لعبة ان إعطاء الفقراء أكثر من حقهم سيؤدي إلى جعلهم السادة في حين ان العبيد هم الجماعة التي تستطيع ان تصنع بهم كل ما تريد . من كل ما تقدم نفهم ان الاتجاهات بشكلها العام نسبية نوعا ما والأرض ترتبط بالإنسان أو يرتبط الإنسان بها على حد سواء ، وبإمكانه التكيف في كل مكان لأنه مخلوق من الأرض والماء العذب وسوى ذلك ، وبالجانب الفكري يستطيع تبديد انطباع الاتجاه او الجهة او الجهوية التي ترتبط به بشكل سيئ او بشكل يؤدي الى التمجيد والسطوة ، وعلينا ان لا ننسى ان البيئة والوراثة (لا الجهة المكانية ) في كثير من الأحيان هي من يترك أثرا على شخصية الفرد كما تترك العقائد والتربية أثرا وكما يقول خبير العلوم السسيولوجية الامام علي (ع) وهم على قرب ارضهم يتقاربون .
*الجامعة المستنصرية