خليل عناني – واشنطن بوست (التقرير)
الظهور السريع للدولة الإسلامية، أو ما يعرف بـ “داعش”، أدى لدعشنة الإسلام السياسي. مفكرو الحركات الإسلامية والحركات نفسها أجبروا على إعادة تعريف أيديولوجياتهم واستراتيجياتهم وخطابهم بوجه القوة الجديدة. قد يكون هذا صعبًا، على الأقل الآن، لقياس الشعبية الفعلية للدولة الإسلامية داخل الحركات الإسلامية، خصوصًا “القديمة” منها مثل الإخوان المسلمين وأخواتها. إلا أنه من الواضح أن هذه التنظيمات أجبرت على التكيف. صعود الدولة الإسلامية ترك آثاره المباشرة وغير المباشرة على السياسات الداخلية والنقاشات داخل الحركات الإسلامية، خصوصًا بعد انقلاب مصر عام 2013 والقمع والعداء غير المسبوقين ضد الإسلاميين في المنطقة.
هذا الضغط عزز بالتوتر في الإعلام، وصناع السياسات، والمفكرين، والمعلقين.. إلخ؛ لإضفاء الضبابية على التنظيمات الإسلامية. السياسيون وصناع القرار، خصوصًا في الشرق الأوسط، حريصون على ربط الدولة الإسلامية للتنظيمات الإسلامية الأخرى مثل حركة الإخوان المسلمين لتشويهها وشيطنتها. بالنسبة لهؤلا السياسيين، التهديد ليس الدولة الإسلامية، بل الحركات التي تقوم بالانتخابات، التي تملك شبكات اجتماعية، تحترم قوانين اللعبة، وتسعى للسلطة. بذلك، “حرب الإرهاب” هي العصا السياسية التي تلوح بها لشرعنة خطابها عن الإسلاميين.
خطاب كهذا يخدم مصالح الدولة الإسلامية، التي تهدف لتقديم نفسها على أنها البديل الأكثر أصالة وواقعية للإسلاميين. بإعلان خليفة، وإنشاء دولة، تدعي الدولة الإسلامية أنها حققت ما فشل به الآخرون. من مصلحة الدولة الإسلامية عرض الحركات الإسلامية الأخرى أكثر استهتارًا وأقل “إسلامية”؛ لنزع الشرعية عنها وتجنيد المزيد من المؤيدين. إضفاء الضبابية على الخطوط بين التنظيمات المختلفة؛ يخدم مسعاهم، باستخدام امتدادهم للأعضاء غير الراضين للتنظيمات الأخرى، وتضخيم قوتهم المدركة.
الأثر الأكبر هو ما أسميه “دعشنة” الوسط الإسلامي. الإسلامية، كأيديولوجيا سياسية، تعكس سوقًا يمكن للإسلاميين أن ينشروا ويبيعوا أيديولوجياتهم وأفكارهم. خلال العقود الثلاثة الأخيرة، هذا السوق شهد صعودًا وهبوطًا بأنواع مختلفة من الإسلامية، بدءًا من الإسلام “الثوري” بعد الثورة الإيرانية في 1979، وانتقالًا لـ “الصحوة الإسلامية” خلال الثمانينيات والتسعينيات. مع بدء الألفية، انتشر “الإسلام الخفيف” مع الدعاة الجدد، ونحن الآن في لحظة الإسلاميين “الجامحين”، في مناطق مثل العراق وسوريا واليمن وسيناء مصر وليبيا ونيجيريا وأوروبا. خلال هذه الموجات، تنافس الإسلاميون، وتقاتلوا ومكروا ببعضهم البعض. هم مشتركون في معركة للسيطرة على “العقول والقلوب” لتوسيع دوائرهم ورفع الإقبال عليهم بين الشباب المسلم.
الدولة الإسلامية تسيطر على اللحظة الراهنة؛ لتقدم نفسها كنموذج للشباب الإسلامي حول العالم، دافعة إياهم لتبني أيديولوجيتها ومحاكاة تكتيكاتها واستراتيجيتها. الدولة الإسلامية تأمل أن تكون قوة اجتماعية دينية مهيمنة من خلال الاستفادة من فشل ما يسمى بالربيع العربي، وضعف الدول العربية، وهبوط الإسلاميين المعتدلين. استقطابها لا يعكس فقط عدم ثقة الإسلاميين الشباب بالحركات الإسلامية الأخرى، بل فخرها بحدة الدولة الإسلامية وقدراتها. بالرغم من تصرفاتها البربرية والقاسية، دعم الدولة الإسلامية ينمو عبر المنطقة من اليمن إلى الجزائر. بل إنها عبر البربرية والعدوانية استقطبت وأقنعت الداعمين للانضمام لصفوفها وتجريب وضوحها بأنفسهم كأنها لعبة ترفيهية.
لذلك، لفهم التناقض بين عنف الدولة الإسلامية واستقطابها بين الشباب الإسلاميين والمسلمين، يجب على المفكرين مراعاة دور المشاعر في دراسة الإسلامية. كما ناقش جيف جودين وجيمس جاسبر، العواطف تشكل المواد الخام للتعاطف الاجتماعي للتحرك والتجنيد. من المهم كذلك التكامل بين البنية النفسية بشكل اجتماعي والسياسة المتحمسة بدراسة الإسلامية، خصوصًا الإسلاميين الردايكاليين. لفهم كيف يتصرف الأفراد بتطرف، مثل آمدي كوليبالي الذي قام بهجمات المتجر اليهودي في فرنسا، أو دزوخار تسارانيف الذي يحاكم بسبب تفجيرات ماراثون بوسطن في 2013، يجب أن تفكك حوافزهم ونفسيتهم.
بالرغم من الاختلافات الكبيرة بين الدولة الإسلامية والإخوان المسلمين المصريين، صعود ووضوح الدولة مترافقًا مع الحملة ضد الإخوان؛ شكل انقسامات وانجرافات داخل الإخوان، مثيرًا نقاشات حادة بين القيادة والشباب. هذه الحوارات تدور حول ثلاث قضايا رئيسة: جدوى المشاركة السياسية، واستخدام العنف، والعلاقة مع النظام الحالي. فليس من السهل القول إن الإخوان المسلمين سيتبعون خطر الإخوان أو يتبنون سياساته، ولكن ليكون ذلك لتسليط الضوء على الأزمة الراهنة في الحركة وتحديد تبعات ذلك على مستقبل الحركة.
بعد عقود من المشاركة في السياسة الرسمية، وخوض الانتخابات والمشاركة في المناصب العامة؛ يبدو أن العديد من شباب الإخوان يتركون هذا الخط لصالح سياسة الشارع والمظاهرات. محفزين بالغضب واليأس، الأعضاء الشباب خسروا الإيمان بالسياسة الرسمية وينظرون بأنها لا تؤدي لمكان. سنة ونصف منذ إزالة الرئيس محمد مرسي، حافظت الحركة على المظاهرات الأسبوعية دون كلل. مع سجن العديد من قيادات الإخوان من الصف الأول والثاني أو نفيهم، يبدو الشباب أكثر تأثيرًا وإدارة لنشاطات الحركة. من الصحيح أن المظاهرات تعزز التماسك التنظيمي للحركة، ولكنه كذلك يلفت إلى أن الحركة تخلت عن طرقها القديمة في السياسة. يبدو أن شبابها وصلوا لخلاصة أن السلطة لا تنبت فقط من صناديق الاقتراع، بل يمكن حيازتها بالمواجهة والتمرد.
بالرغم من حقيقة أن الإخوان استنكروا العنف قبل عقود، القمع الوحشي وإهانة النظام أعاد تجديد النقاش حول استخدام العنف. بينما تظل قيادة الحركة ملتزمة بالمظاهرات السلمية، بعض شبابها قرروا استخدام عنف “تكتيكي” ضد قوات الشرطة. حتى الآن، استخدام العنف في هذا السياق سياسي أكثر من كونه دينيًا، يقوده الغضب وإحباط أعضاء الإخوان الشباب. الضغط السياسي والأمني ضد الإخوان وضع قياداتها في مكان صعب بين النظام والشباب الذين أصبحوا أكثر غضبًا واستياءً من نزعة الحركة للتعامل مع قمع النظام.
أحد الميزات الموجودة في الإخوان هي التسوية مع النظام، إلا أن هذه لم تعد الحالة منذ انقلاب الثالث من يوليو. الإخوان استبدلوا شخصيتهم المرنة والمتكيفة بأكثر صلابة ومواجهة. يبدو أن أعضاء وقادة الحركة متوجهون لتحدي النظام بالرغم من عنفه. كنتيجة، الإخوان متورطون بطريق عنف، ليس فقط مع الجيش، وإنما مع المؤسسات الأخرى بما فيها القضاء، والشرطة، والإعلام، وبيروقراطية الدولة. للمرة الأولى منذ عودتها للحياة السياسية في 1970، يرفض الإخوان قواعد اللعبة ويبحثون عن تغييرها. التوجه الحاد والجريء ضمن شباب الإخوان يعكس فجوة كبيرة بين الأجيال.
بينما لا يبدو أن هذه النقاشات ستسوى قريبًا، فهي تعكس التحولات والتغييرات الجارية داخل الإخوان في وقت من القمع غير المسبوق. هذه النقاشات قد تؤدي لتفككات أكبر داخل الحركة، تحديدًا بين القيادة والشباب، وقد تضع مستقبل الإخوان على المحك. أكثر من ذلك، صعود الدولة الإسلامية مصحوبًا مع العنف ضد الإسلاميين المعتدلين؛ يفتح بوابات كبيرة للتطرف والراديكالية في المنطقة، وقد يعيد تشكيل الإسلام السياسي لسنوات قادمة.