2024-11-25 07:51 م

لماذا ترفض تركيا محاربة "داعش"؟؟!

2015-01-26
إعداد: إيهاب شوقي
في دراسة لمعهد واشنطن، يقول إد ستافورد الضابط في الخدمة الخارجية والذي يدرس حالياً في "كلية الدفاع للبلدان الأمريكية"، والذي شغل بين عامي 2011 و 2014، منصب رئيس القسم السياسي والعسكري في السفارة الأمريكية في أنقرة، انه في جميع المناقشات حول عدم دعم تركيا بشكل خاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») أو «الدولة الإسلامية»، لم يتم التطرق كثيراً إلى الدور الذي يؤديه الجيش في تشكيل سياسة الحكومة. ويعكس هذا الأمر في جزء منه تحجيم «حزب العدالة والتنمية» لدور الجيش في صياغة السياسات منذ عام 2002، وسيطرة "جهاز الاستخبارات الوطنية" على تنفيذ السياسة المتعلقة بسوريا. وقدم اد ستافورد دراسة تفسر معارضة الجيش التركي لمحاربة داعش، وقال فيها: "تبرز أسباب أخرى لتردد الجيش في مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية»، بعضها كان قائماً منذ عقود وهو متأصل بعمق أكثر من السخط الذي برز مؤخراً جراء تجريد السياسة من القيادة العسكرية. يُذكر أن هذه الآراء شائعة أيضاً في صفوف الطبقة الناشطة سياسياً خارج نطاق النخب الحاكمة من «حزب العدالة والتنمية». سقوط «ايرجينيكون» في عام 2007، أطلق «حزب العدالة والتنمية» مجموعة من المحاكمات ضد الجيش، الذي عيّن نفسه بطل السياسة العلمانية في تركيا. ومن خلال استخدامها مناورة عسكرية حربية من عام 2003 كدليل، أكدت النيابة العامة وقوات الشرطة التابعة للحكومة أن الجيش وحلفائه العلمانيين كانوا قد خططوا لانقلاب عدواني يهدف إلى تقويض الحكم المدني. وعلى الرغم من أن النيابة العامة لم تتمكن من تقديم تفسير كامل ومقنع حول المؤامرة المزعومة في القضيتين المرفوعتين في المحاكم واللتين أُطلق عليهما اسم «المطرقة الثقيلة» و«ايرجينيكون»، إلا أن الحكومة سجنت عدداً كبيراً من شخصيات المعارضة العلمانية ومئات من ضباط الجيش بين عامي 2007 و2010، بمن فيهم ربع جنرالات البلاد. وفي آب/ أغسطس 2011، استقال كبار ضباط الجيش بشكل جماعي، في إشارة إلى إذعان ضمني لتفوق «حزب العدالة والتنمية». ومنذ ذلك الحين أطلقت الحكومة سراح جميع المشتبه بهم تقريباً في قضية «ايرجينيكون» في محاولة لاسترضاء القوات المسلحة، إلا أن القادة العسكريين استمروا في اتخاذ موقف ساخط يكاد يصل إلى العدوانية السلبية تجاه صانعي السياسة، رافضين في الواقع تقديم مشورتهم حول العديد من القضايا العسكرية. ويعكس ذلك قناعة الجنرالات بأن مجرد تحليل السيناريوهات العسكرية والتخطيط لها يمكن أن يؤدي إلى السجن. وبغض النظر عن صحة مزاعم التآمر لإحداث انقلاب منذ عام 2002، لا يزال العديد من كبار الضباط مقتنعين بأن زملائهم أُدينوا بتهم ملفقة لمجرد تأدية عملهم القائم على وضع خطط للدفاع عن الأمة من الأعداء المحليين والأجانب. الضغينة طويلة الأمد تجاه القومية الكردية يشعر القادة العسكريون أيضاً بالاستياء من استبعادهم من عملية صناعة القرار السياسي في الحكومة لتحقيق السلام مع «حزب العمال الكردستاني»، الذي قتل محاربوه الآلاف من العسكريين على مدى العقود الثلاثة الماضية. وفي عام 2011، دخل رئيس الوزراء في ذلك الحين، رجب طيب أردوغان، في محادثات سلام مع الحزب، التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. وفي هذا الإطار، يبدو الآن أن الرئيس أردوغان يعتقد أن إجراء محادثات ناجحة مع «حزب العمال الكردستاني» وتحسين العلاقات مع «حكومة إقليم كردستان» في العراق يمكن أن يساعدا في جعل الأكراد حليفاً إقليمياً هاماً. كما أن المحادثات المستمرة من شأنها أن تدعم الاستقرار الداخلي، مما يمهد الطريق لفوز «حزب العدالة والتنمية» في انتخابات برلمانية أخرى في حزيران/يونيو. أما من الجانب العسكري، فإن معاداة المقاتلين الأكراد - وبالتالي المجتمع القومي الكردي من حيث يجند «حزب العمال الكردستاني» مقاتليه ويحصل على الدعم المادي والمعنوي - تعود إلى ما هو أبعد بكثير من جهود السلام الأخيرة التي يبذلها «حزب العدالة والتنمية». فقبل وقت طويل من تاريخ حمل «حزب العمال الكردستاني» السلاح ضد الدولة قبل أربعة عقود، تعاملت الحكومات التركية المدعومة من قبل الجيش مع الأكراد على أنهم شعب خاضع، ورفضت الاعتراف بهم كمجتمع مستقل، ومنعت استخدام لغتهم، وأنكرت تاريخهم في النظام التعليمي، وقد أتى كل ذلك كجزء لا يتجزأ من أيديولوجية الجيش القومية العلمانية. وعلى الرغم من أن تركيا قد شهدت تحسناً كبيراً في الحقوق الممنوحة للأكراد على مدى العقد الماضي، بما في ذلك إنشاء شبكة تلفزيونية باللغة الكردية تبث على مدار الساعة ويتم تمويلها من القطاع العام، لا يزال العديد من الأتراك عديمي الثقة بالقومية الكردية. والملاحظ أن هذا الموقف سائد بشكل خاص في المؤسسة العسكرية وشبكات الدعم المدنية الواسعة التابعة لها. وبالتالي، فإن مثل هذه المشاعر تجعل الجيش غير متعاطف مع الدعوات لمساعدة الجماعات الكردية التابعة لـ «حزب العمال الكردستاني» والتي تقاتل تنظيم «داعش» في شمال سوريا. عدم الرغبة في مساعدة العرب لا تزال مشاعر الحقد قائمة بين الأتراك والعرب. في حين يتحدث الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو عن الانسجام الطبيعي بين جميع المسلمين السنة في المنطقة، إلا أن نصف ألفية من الهيمنة الامبريالية العثمانية خلقت مشاعر عميقة من عدم الثقة بين السنة من الأتراك والعرب. فالعديد من الأتراك، لا سيما أولئك الذين يتمتعون بصلات عسكرية، يرجعون بالذاكرة إلى القرن الماضي ويرون سلسلة من الخيانات من قبل العرب المدعومين من الغرب - على سبيل المثال، تمردت النخب العربية المتحالفة مع البريطانيين خلال الحرب العالمية الأولى على اسطنبول. وكما قال أحد العلمانيين الأتراك من خريجي الجامعات للمؤلف في عام 2012 بعد أن أودى القصف السوري المخطئ بحياة خمسة مواطنين أتراك في بلدة أقجة قلعة الحدودية التي غالبيتها من العرب، "إنهم ليسوا أتراكاً، إنهم عرب. ماذا يعني الأمر لنا؟" وعلى الرغم من أن تركيا ردت على ذلك الهجوم عسكرياً، إلا أن عملية الانتقام كانت محدودة، كما أن المشاعر المعادية للعرب تجعل على الأرجح بعض ضباط الجيش يميلون إلى مقاومة الانضمام إلى حملة أوسع لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية». المخاوف العسكرية إن رغبة الجيش التركي في الالتزامات الخارجية بناءً على تعليمات حكومته أو تعليمات الولايات المتحدة/ حلف شمال الأطلسي ("الناتو") غالباً ما تشوبها الأخطاء. فهو عبارة عن منظمة محافظة تذكر جيداً الاستياء الشعبي من الخسائر الفادحة التي وقعت في صفوف القوات التركية في الحرب الكورية، الأمر الذي أدى إلى تجنب تأدية دور قتالي في أفغانستان. كما أن الجنرالات يشعرون بالقلق من أن محاربة «داعش» أو القوات السورية يمكن أن تكشف عن نقاط الضعف الفنية والتكتيكية للجيش، مما يحتمل أن يضر بشعبيتهم التي لا يتحملون خسارتها مع استمرار نضالهم السياسي ضد أردوغان. كما أن إسقاط سوريا لطائرة مقاتلة تركية في حزيران/ يونيو 2012 شكل مثالاً عاماً مؤلماً عن هذه المخاوف. المحصلة في حين أن قرار تركيا الداعم لمحاربة «داعش» عسكرياً أو المعارض له سيكون قراراً سياسياً، لا ينبغي لأحد التقليل من مدى صعوبة عملية إقناع القيادة العسكرية بأنه ينبغي لها أن تضع الأتراك في خطر عبر إرسالهم للقتال سواء إلى جانب الأكراد في كوباني (عين العرب) أو لحماية العرب السوريين في منطقة آمنة." تقرير كاشف: وقد نشرت الشرق الاوسط اونلاين تقريرا في 22 سبتمبر الفائت قالت فيه: "لم تتمكن أنقرة من إزالة الشبهات التي تحوم حولها، فما تزال تركيا موضع اتهامات بإقامة علاقات غامضة مع الارهابيين رغم استقبالها عشرات الآلاف من الاكراد الذين ارغمهم هؤلاء على الفرار من سوريا. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، أمس، ان "مفاوضات دبلوماسية" أدت الى الافراج عن 46 من الرهائن الذين احتجزهم تنظيم "داعش" في العراق بيونيو (حزيران)، مؤكدا في الوقت نفسه عدم دفع أية فدية، وقال للصحافيين في مطار أنقرة قبيل توجهه الى نيويورك للمشاركة في اعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة "لم تكن هناك أبدا مساومة من أجل المال. جرت فقط مفاوضات دبلوماسية وسياسية وهذا انتصار دبلوماسي". وردا على سؤال بشأن احتمال ان يكون حصل تبادل لرهائن بمقاتلين من التنظيم المتطرف، أجاب اردوغان "ليس مهما ان يكون قد حصل تبادل أو لم يحصل، المهم ان (الرهائن) عادوا واجتمعوا مع أسرهم". ورغم نفيه الأمر بشكل دائم، فان اردوغان متهم بدعم المجموعات المعارضة في سوريا بالسلاح وضمنها "داعش"، من أجل اسقاط نظام الاسد. وقد جدد حزب العمال الكردستاني اليوم (الاثنين) مناشدة اكراد تركيا محاربة "داعش". لكن قوات الأمن التركية تعارض عودة اللاجئين الى سوريا "لأسباب أمنية"، بحسب المسؤولين على الموقع الحدودي. وعلى مسافة بضعة كيلومترات الى الشرق من معبر مرشد بينار، يحاول ثلاثة شبان سوريين يعيشون في اسطنبول منذ عام اغتنام الفوضى للتوجه الى سوريا. ويقول أحدهم لعناصر الشرطة الذين يسدون المعبر "جئنا لملاقاة عائلاتنا"، لكن أحد الموظفين، وهو أكبر سنا منه بقليل، يجيب قائلا "أنت تمزح؟ نعرف أنك ستنضم الى حزب الاتحاد الديمقراطي (ياكيتي احد الاحزاب الكردية الرئيسة في سوريا)". وبقي الأمر على حاله دون أي تغيير. لكن مواجهات عنيفة اندلعت أمس (الاحد) على المعبر الحدودي بين قوات الدرك والشرطة التركية ومئات الشبان الأكراد القادمين من جنوب شرقي تركيا. والاثنين، اندلعت المواجهات مجددا بين مئات الشبان الأكراد وقوات الأمن في الحقول حول قرية سورتش الحدودية. واستخدمت الشرطة القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفريقهم. من جهته، يشرح اسماعيل امير زيرافيك، الذي غادر سوريا قبل يومين، السلوك الغامض لتركيا، قائلا "انهم خائفون من قيام كردستان اخرى على أرضهم كما في العراق". ويضيف "انهم على استعداد للقيام بأي شيء لمنع هذا الامر بما في ذلك دعم داعش". ومنذ ثلاثة ايام، يمضي إبراهيم بينيجي معظم أوقاته على معبر مرشد بينار الحدودي بين تركيا وسوريا بمواجهة الاسلاك الشائكة. ويحاول النائب عن الحزب الديموقراطي الشعبي مساعدة "أشقائه" على العبور هربا من المعارك الدائرة في مدينة عين العرب، التي تقع على مسافة قريبة. وبينما يتنقل بين الجنود الاتراك المزودين عربات مصفحة لمرافقة اللاجئين الاكراد والسلطات المحلية، لا يخفي النائب غضبه ازاء الحكومة المحافظة في أنقرة. ويقول بينيجي في هذا الصدد، ان "طائرتين فقط كانتا كافيتين للرد عندما توجه مجانين "داعش" من الموصل لمهاجمة عين العرب (كوباني بالكردية)". واضاف بينيجي ان "السلطات التركية مسؤولة جزئيا عن هذه الاوضاع لأنها تحمي (داعش) المنظمة الارهابية، كما انها تمنع اليوم الشبان الاكراد من العودة الى سوريا للدفاع عن أرضهم". مؤكدا ان العديد من الشبان الاكراد عبروا الى تركيا لوضع عائلاتهم في مكان آمن، ويحاولون الرجوع الى سوريا لمواصلة القتال ضد تنظيم داعش الى جانب مقاتلين أكراد آخرين. من جانبه، يقول محمد أمين اكمة، الناشط في احد الاحزاب الكردية، ان "السلطة لا تريدنا ان ندافع عن مدينتنا". ويضيف الشاب القادم من أقصى جنوب شرق تركيا "إنها تدعم مجانين داعش وليس الشعب السوري". وفي السياق ذاته، تظاهر حوالى عشرة آلاف شخص في اسطنبول امس، رافعين لافتات كتب عليها "داعش قاتل وحزب العدالة والتنمية شريك". ونظرا لتهديدات "داعش"، غادر فياض بكير قريته كولي بشكل عاجل الى تركيا، لكنه يوجه انتقادات الى المسؤولين عن استقبال اللاجئين. ويقول الرجل الخمسيني "أعلن الاتراك انهم لا يستطيعون فعل أي شيء نظرا لوجود رهائن. لكنهم أصبحوا أحرارا الآن، فليساعدوننا، لكنهم لا يريدون ذلك بل يستمرون في تقديم الدعم لهم في الخفاء"." دراسة للمركز الاعلامي لحزب يكيتي الكردي في سوريا: تقول الدراسة التي اعدها عدنان بدرالدين، بعنوان "لماذا تتملص تركيا من محاربة داعش؟": "بعد مداولات مكثفة بين المؤسسات المعنية إستمرت لعدة أيام، صرح مسؤولون أتراك لصحيفة – صباح ديلي نيوز – المقربة من أوساط حزب العدالة والتنمية الحاكم بأن أنقرة (قررت دعم التحالف الدولي المتنامي ضد تنظيم الدولة الإسلامية بما يشمل إعطاء معلومات إستخباراتية و تقديم المساعدات الإنسانية والأمنية، لكنها لن تنخرط، مع ذلك، في أنشطة عسكرية مباشرة ضد التنظيم الذي يحتجز منذ ثلاثة أشهر 49 من مواطنيها أسرى). وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تأمل في أن تشغل تركيا، بإعتبارها عضوا مهما في حلف شمال الأطلسي، وأحد أهم الدول الإسلامية “السنية”، موقعا رياديا في التحالف الدولي الواسع الذي تعمل واشنطن على إنشاءه من أجل مجابهة الخطر المتنامي الذي بات يشكله تنظيم داعش على مصالح حلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، وعلى مصالحها الإستراتيجية ومصالح حلفاءها الغربيين. لكن إستنكاف أنقرة عن التوقيع على البيان الختامي لإجتماع جدة الذي ضم في قوامه كل من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا مع عشر دول عربية قبل أيام، جعل واشنطن تشعر بخيبة أمل، وإن هي حرصت على إخفاءها تحت عبارات دبلوماسية فضفاضة، مما يعيد إلى الأذهان الموقف التركي من التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة قبل مايزيدعلى عقد من الزمان من أجل الإطاحة بنظام الدكتاتور السابق صدام حسين، عندما رفض البرلمان التركي الذي كان يهيمن عليه حزب الحرية والعدالة على التصويت ضد إعطاء الحكومة تفويضا يخولها الموافقة على مرور ستين ألف جندي أمريكي عبر الآراضي التركية إلى العراق، مما سبب إرباكا حقيقيقا للأمريكان الذين سارعوا إلى تغيير خططهم العسكرية على وجه السرعة، مستعيضين عن الدور التركي بإقليم كردستان العراق من أجل ردم الهوة المتشكلة ونجاح الحملة الدولية ضد نظام صدام. وقد أدى الموقف التركي إلى فتح فجوة كبيرة في العلاقات الأمريكية – التركية لم تجسر حتى الآن. ورغم أن الكثير من المحللين الأتراك، ومنهم مقربون من أوساط السلطة الحاكمة، يعتقدون بأن موقف أنقرة آنذاك كان “خطأ إسترتيجيا فادحا” أدى إلى تقوية دور كردستان العراق في الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط على حساب موقع أنقرة، فإن السياسة التركية الحالية المترددة في الإنخراط في تحالف دولي واسع ضد أحدى أكثر القوى ظلامية ودموية، وبالضد من توجهات حلفائها الغربيين وخصوصا واشنطن، يشير بوضوح إلى أن إلى أسباب التردد التركي الرسمي هي أبعد كثيرا من مجرد وجود عدد من المواطنين الأتراك أسرى لدى داعش، حتى مع الأخذ بعين الإعتبار أهمية هذا الموضوع لإبعاده الإنسانية والسياسية بإعتبار أن معظمهم دبلوماسيين. هناك، بإعتقادنا، أسباب أخرى عديدة وراء التردد الرسمي التركي الذي يرقى إلى درجة الرفض للدخول في مواجهة مباشرة مع تنظيم داعش الإرهابي من أبرزها: السبب الأول هو طبيعة القاعدة الإنتخابية للرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه. فالمعلوم أن حزب العدالة والتنمية، ورغم الإدعاء بأنه حركة سياسية محافظة، إلا أنه في الواقع تنظيم يضم في تركيبته، بشكل أساسي، الفئات ذات التوجهات الدينية السنية الواضحة. وأي إنخراط حقيقي لتركيا في عمليات عسكرية ضد داعش سيفسر من جانب ذات القاعدة الشعبية كإنحياز إلى جانب “النظام النظام النصيري في دمشق والشيعي الجعفري في بغداد ضد المجاهدين الذين يبذلون دمائهم رخيصة من أجل الدفاع عن المظلومين من أهل السنة”، وهو أمرسيكلف أردوغان غاليا، خاصة وأنه مقبل على خوض إنتخابات برلمانية مصيرية خلال السنة القادمة. السبب الثاني، ويستتبع منطقيا السبب الأول المشار إليه أعلاه، هو أن أردوغان حرص على مدى السنوات العشر المنصرمة على إظهار حكومته كمدافع عن حقوق المسلمين السنة في مختلف مناطق العالم بحيث أن ذلك أصبح سمة بارزة للسياسة الخارجية التركية تجلت بشكل خاص في دعمه المبالغ فيه لحركة حماس و دفاعه المستميت عن أخوان مصر ورئيسهم المعزول محمد مرسي، و التعاطف الواضح مع سنة العراق. وعلى هذا الأساس إنخرط عميقا، وإن بعد تردد قصير الأمد، في الأزمة السورية. وقد كان أردوغان من أوائل الذين دعوا صراحة إلى إسقاط نظام الأسد “النصيري”، كما أنه إنحاز بشكل واضح إلى التيارات الإسلامية في المعارضة السورية من أخوان مسلمين وغيرهم بما فيها كل من جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أي داعش ذاتها. وتتهم الدوائر الإستخباراتية الغربية تركيا بفتح حدودها للآلاف من المتطوعين الغربيين الذين إلتحقوا بصفوف الحركات الإسلامية المتشددة في سورية، وبتقديم دعم عسكري ولوجيستي لهذه التنظيمات في إطار سياستها الرامية إلى الإطاحة بنظام الأسد. ورغم أن تركيا دأبت على إنكار أي صلة لها بدعم الإرهاب المتنامي في سورية والعراق، إلا أن دلائل كثيرة تشير إلى أن أنقرة فعلت ذلك خلال السنتين المنصرمتين، ولم تخفف دعمها هذا إلا مؤخرا تحت ضغوطات غربية متواصلة. السبب الثالث يتلخض في الخوف الذي ينتاب الدوائر الأمنية التركية من قدرة داعش على زعزعة إستقرار البلاد من خلال تحريك خلاياها النائمة في صفوف اللاجئين السوريين في البلاد التي تعد، بحسب بعض المراقبين، بالعشرات. والجدير بالذكر أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في الدوائر الرسمية التركية بات يناهز المليون، لكن يعتقد على نطاق واسع، أن العدد الفعلي هو أكبر من ذلك لواقع أن الكثير من السوريين يعيشون على نفقهتهم الخاصة خارج معسكرات اللجوء. وقد هددت داعش مؤخرا تركيا بإستهداف السواح الغربيين الذي يرتادون سواحلها إن هي إنحازت إلى الحلف الأمريكي ضدها، كما أن أنقرة تتخوف أيضا، حسب بعض المصادر، من قيام داعش بالكشف عن العلاقات السرية التي تربطها بمؤسسات الدولة التركية مما سيضعها في حرج حقيقي أمام حلفائها الأوربيين والأمريكيين. السبب الرابع، ولكن ليس من حيث الأهمية، هو تخوف تركيا من التداعيات المحتملة لخطة أمريكا في محاربة داعش على الأمن القومي التركي، وخصوصا فيما يتعلق بالقضية الكردية سواء في تركيا، أو في جوارها. فالبيشمركة الكردية تبدو الآن القوة الوحيدة التي تستطيع مواجهة داعش ودحرها من بين قوى عديدة مرشحة للقيام بهذه المهمة. الميليشيات الشيعية العراقية ليست قوى يمكن للتحالف الغربي الإعتماد عليها في إطار محاربة داعش كونها تتبع إيران مباشرة وهي ذات عقيدة قتالية معادية للغرب عموما وأمريكا على وجه الخصوص. والجيش السوري الحر هو الآن من الضعف والتشتت بحيث أن إعادة هيكلته وتقويته سيحتاج وقتا طويلا. والعشائر العربية في العراق مخترقة على نطاق واسع من داعش والبعثيين ، كما التنظيمات العسكرية الأخرى الناشطة في سورية والعراق هي في جلها ذات توجهات دينية متشددة لاتختلف كثير عن داعش إلا في بعض التفاصيل. ومع تزايد الدعم العسكري والسياسي لكردستان العراق تخشى تركيا من أن هذه الأخيرة قد “تخرج عن السيطرة” وتتحول من تابع إقتصادي لأنقرة إلى منافس قوي لها في إطار الإستراتيجية الدولية في منطقة الشرق الأوسط ، وهو ماتعتبره تركيا تحديا جديا لأمنها القومي. منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في عام 2002 تعيش تركيا سياسيا حالة إنفصام واضحة. فالبلاد التي تطمح إلى عضوية الإتحاد الأوربي، والعضو المهم في حلف شمال الأطلسي تمارس فعليا سياسية تتعارض في الكثير من مفاصلها الأساسية مع توجهات حلفائها المفترضين مما يعكس التناقض بين توجهات تركيا كدولة محورية في منطقتي الشرق الأوسط والبلقان ومايستلزمه ذلك من براغماتية سياسية تتسم بالديناميكية والمرونة من جهة وبين الطابع التقليدي والمحافظ للقاعدة الجماهيرية للسلطة القائمة التي تضعها في تعارض مع توجهاتها الوظيفية المفترضة، وهو تعارض بنيوي يبدو أن حله مؤجل إلى إشعار آخر."