2024-11-25 02:32 م

فلسطينية كانت ولم تزل!/بقلم: زهير الخويلدي

2012-08-30

بقلم: زهير الخويلدي

"عيونك شوكةٌ في القلب توجعني
وأعبدُها وأحميها من الريحِ"
"محمود درويش يتغنى بفلسطين"

لا يفرق الناس عندنا منذ زمان بين العروبة والإسلام، وبين الدين والدنيا وبين التراث والمعاصرة، وبين قضية تحرير فلسطين والوحدة العربية، وبين العيش في نظام ديمقراطي وفرض الدولة سيادتها الكاملة على أرض الوطن، بالرغم من الركوب المحفوف بالمخاطر الذي قاموا به منذ قرون في قطار الإصلاح والتطوير والتحديث والانفتاح على الغرب المتقدم، بل إنهم قد جعلوا من إسلامهم طريقا لإثبات عروبتهم وتجذرهم في الملة، والوفاء للهوية الشرقية التي انحدروا منها، ومن عروبتهم نبراسا لنشر إسلامهم الحضاري في البلدان المجاورة لهم، وقد لعبت كل المنارات العلمية والمساجد المعمورة دورا كبيرا في ذلك.

كما أنهم قد اتخذوا من دينهم الإسلامي ذريعة لفهم العصر وإصلاح دنياهم وفلاح نمط معاصرتهم المدنية لزمنهم. ولذلك تبنوا بشكل مبدئي كل القضايا الإنسانية العادلة، وساندوا حركات التحرر الوطني، وانتموا عضويا إلى أمهات المعارك التي خاضتها الأمة ضد أعدائها بالفكر والساعد، وبفداء الوطن بالنفس والتضحية بالمال، وناضلوا إلى جانب المظلوم ضد كل معتد أثيم.

وما يميز الثائر المنتفض عن غيره هو قدرته العجيبة على التمييز بين الحق والباطل، والموقف النضالي والموقف المتخاذل، وانتصاره دائما إلى جانب الفريق الأول ورفضه البقاء على الربوة وطلب النجاة، أو مناصرة الموقف الثاني وتغليب المصلحة في مقابل التفويت في المبدأ.

لقد رفعت في الشوارع العربية أثناء مظاهرات صد العدوان على لبنان وفلسطين والعراق ومصر وليبيا والجزائر وتونس، وكل شبر محتل من الوطن السليب من الكرامة والعزة، جميع أعلام المقاومة والتحرير وصور الزعامات الوطنية، وكتب الفقراء أحلامهم والشعراء قصائدهم على الجدران.

ولقد رددت الجماهير الثائرة في شوارع المدن العربية شعارات متفائلة وجريئة تجاه القضية الفلسطينية مثل: الشعب يريد تحرير فلسطين، والشعب يريد وحدة عربية... واستقدمت الأحزاب السياسية ضمن نشاطاتها ومؤتمراتها شخصيات فلسطينية بارزة من التيار الإسلامي والوطني كانت ممنوعة من الدخول، ومحاصرة في بلدانها ومنفاها، ومتهمة بالتحريض على العنف والتشدد. كما تم إحياء يوم القدس العالمي في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، وأقيمت عدة تظاهرات داعمة كالعادة لبيت المقدس.

لكن المستجد الخطير في السياق السياسي الانتقالي هو التراجع الإعلامي الكبير الذي أصيبت به القضية الفلسطينية، باعتبارها القضية المركزية للعرب والمسلمين، وتوجه اهتمام الناشطين بتبعات الربيع العربي وحرصهم على إسقاط ما تبقى من الأنظمة الشمولية، حتى ولو كان ذلك بالتضحية بما تبقى من الدول الداعمة للمقاومة الوطنية أو المحسوبة على جبهة الصمود والتصدي للمشروع الامبريالي والصهيوني.

كما أن البعض تجرأ على بعض الثوابت القومية، وشكك في الركائز القومية، وتقاعس عن الواجبات الدينية تجاه شعب مظلوم ومحاصر وفاقد لكل مقومات الحياة الكريمة، وخاصة الأرض المغتصبة وحرية آداء الشعائر في أمن.

إن التنديد بمواقف حركة حماس السياسية من الربيع العربي من جهة، وحرق الأعلام التي ترمز إلى المقاومة من جهة أخرى، وترديد بعض الشعارات التي تستهجن تدخل العرب والمسلمين في الشأن الفلسطيني والعودة إلى تبني خيار "فلسطين شأن فلسطيني" هو خدمة مجانية لدولة الكيان الغاصب، ورفع الدعم اللوجستي وتبرير للصمت الرسمي من قبل النظام السياسي المنبثق عن انتفاضات الشباب العربي، وتبنّ لديبلوماسية النعامة تجاه القضايا المصيرية للأمة في ظرف جيو- سياسي بالغ الأهمية، وفي ظل تزايد القمع والتهديد والملاحقة للمواطنين الفلسطينيين والتحرش بالمقدسات وتزايد نسق الاستيطان.
إن الضمير الثوري العربي مطالب بأن ينتبه من جحوده ويخرج من صمته، ويصغي إلى صرخات أطفال الحجارة وهم يخطفون من قبل جنود الاحتلال، ويشهد على آلاف المصلين يتسلقون الجدار العازل والمشقة التي يعانون منها لكي يصلوا إلى ساحات الأقصى وأداء صلاة الجمعة الرمضانية، أو أداء صلاة العيد.

لا ينبغي أن يقود الأمة كتلة تاريخية تتكون من أنظمة وحساسيات مهادنة ومعدلة جينيا في مخابر وحاضنات حقوقية غربية وراعية للاقتتال الداخلي والحروب الأهلية والفتنة الطائفية، وإنما يلزم أن تنبثق أنظمة الحكم من الطبقة الثائرة، وأن تستمد الدولة شرعيتها من الإرادة الشعبية، وأن ينفتح الفضاء العمومي على التعددية الفعلية، وأن يكون التنوع مصدر إثراء وقوة ومنعة، وأن يعمل على تحرير الأرض من الوصاية الأجنبية.

لقد ربحت الأحزاب المحسوبة على الإسلام السياسي أخيرا جل المعارك الانتخابية في الوطن العربي، واكتسبت شرعية شعبية عن طريق صناديق الاقتراع، وهي مدعوة إلى التوفيق بين إعطاء تطمينات نحو القوى العالمية والإقليمية والوفاء لمطالب الجماهير الثائرة في تحقيق السيادة الكاملة إلى جانب حق المواطنة.

فمتى تستيقظ قوى الإسلام السياسي المناهض للمشاريع المعولمة وترفع من جديد شعار تحرير فلسطين، ووحدة العرب والمسلمين، على جهة المبدأ والمثال إذا استحال ذلك على جهة الواقع والتطبيق؟ وهل يتخلون عن وصية محمود درويش شاعر المقاومة التي يقول فيها: "فلسطينية كانت... ولم تزل!"؟.