لا تتراجع حدة التناقضات بين دول «التحالف الدولي». فبرغم ما يبدو من تقدم في العراق، يتأكد مرحلة بعد مرحلة أن المسألة في سوريا لا تزال في بداياتها
تواصل التناقضات بين مختلف قوى «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن بزعم محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» بالإثقال على آليات مخططاته، تحديداً المتعلقة منها بالشق السوري.
أمس، خرجت من جديد عاصمة خليجية، الدوحة، للإعلان عن رؤيتها أن الحرب ضد «داعش» في سوريا تستلزم دعم قوة برية حليفة على الأرض، لتلتقي بذلك مع مطالب سعودية مباشرة في هذا الخصوص، وأخرى تركية تشير أيضاً إلى هذه المطالب.
وجاءت الدعوة القطرية خلال افتتاح أعمال «مؤتمر الناتو وأمن الخليج»، الذي تنظمه وزارة الخارجية القطرية بالتعاون مع قطاع الشؤون السياسية والأمنية في حلف شمال الأطلسي، لمناسبة الاحتفال بالذكرى العاشرة لـ«مبادرة إسطنبول للتعاون».
ودعا وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، اللواء الركن حمد بن علي العطية، إلى حزمة مقترحات لمواجهة تنظيم «داعش»، من بينها ما له علاقة بسوريا، «دعم الجيش السوري الحر» ومنع تدفق المقاتلين الأجانب، إضافة إلى «تجفيف منابع الدعم المالي للمنظمات الإرهابية». ورأى العطية، في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، أن «التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإرهابية (داعش) والمنظمات المتطرفة الأخرى يتطلب منا، إضافة إلى الأعمال العسكرية، وضع استراتيجية واضحة لاستعادة الاستقرار في سوريا» حسب قوله ، مضيفاً «وكذلك وضع آلية واضحة وشفافة ومن جميع الأطراف لدعم "الجيش الحر"، والسعي المشترك لاستخراج سوريا من أزمتها الحالية، وتوحيد الجهود بين جميع الدول المشاركة في التحالف (الدولي) وحلف (الناتو) لإخراج المنطقة من الأزمة الحالية».
وليس الحديث عن «دعم الجيش الحر» بجديد، خصوصاً في ظل تناقل الأنباء عن بدء التدريب الفعلي في تركيا لبعض تلك الأطراف. لكن، في الوقت ذاته، فإنه يأتي في ظل تزايد النقاشات في واشنطن حول العمل العسكري المباشر في العراق أو سوريا. وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد دعا خلال جلسة في مجلس الشيوخ، يوم الثلاثاء الماضي، بحثت في مسألة التفويض القانوني لإدارة الرئيس باراك أوباما، إلى ألا يحصر النص الجديد التحركات الاميركية جغرافياً بسوريا والعراق، مشيراً في الوقت ذاته إلى عدم استبعاد نشر قوات على الأرض.
عموماً، بعد أسابيع على بدء الضربات العسكرية في سوريا، لم يعد خافياً مشهد الاستقطاب ضمن قوى «التحالف الدولي». وخلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، جرت أول من أمس، قال نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون العراق وإيران المبعوث الرئاسي الخاص لـ«التحالف»، بريت ماك غورك، إن الأعضاء الستين المنضوين في «التحالف الدولي» «متحدون بشكل حازم» في استراتيجيتهم في العراق، ولكن تسود خلافات في وجهات النظر في ما بينهم في ما يتعلق بالوضع في سوريا. وقال ماك غورك إنه «في الوقت الذي تحدثت فيه الولايات المتحدة بشكل مطوّل مع حلفائها عن الاستراتيجية (لمحاربة داعش)، ما زالت الانقسامات قائمة».
وأضاف أن «العديد من شركائنا في التحالف لا يتصورون أنفسهم على أنهم انضموا من أجل إحداث تحوّل سياسي في سوريا، من خلال القوة العسكرية، معتبرين أن هذا التحوّل المحتمل سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار أكثر». ولكنه أضاف أنه «في الوقت ذاته، فإن شركاء آخرين يطالبون بضربات ضد نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، معتبرين أن هذا النظام هو مصدر عدم الاستقرار الأساسي في المنطقة».وفي إطار إجابته عن أسئلة أعضاء المجلس، كرّر ماك غورك موقف الإدارة الأميركية، وقال: «نحن حريصون على التزامنا بأن أي حكومة مقبلة لا يمكن أن تشمل بشار الأسد... الذي يبقى نقطة جذب للإرهاب» حسب قوله.
وفي إطار تقييم «مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة»، أقرّ ماك غورك بأن هذه المعارضة المدعومة من بلاده «لن تتمكن من إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد الآن، وفي المستقبل المنظور»، بالرغم من وجود برنامج تابع للبنتاغون لتدريب وتجهيز 5 آلاف مقاتل خلال عام. وقال بريت ماك غورك: «لا نرى وضعاً يمكن فيه أن يتمكن المسلحون من إسقاطه »، مضيفاً أنه «لا بدّ أن يكون هناك عملية ديبلوماسية». ورداً على أسئلة النواب، دافع ماك غورك عن استراتيجية إدارته، معلناً أن تدريب الدفعة الأولى المؤلفة من خمسة آلاف عنصر من «مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة» سيبدأ في آذار المقبل، كما أنه سيستغرق «عاماً واحداً»، أي حتى آذار 2016.
ورداً على سؤال بشأن استراتيجية بديلة، قال إن «برنامج التدريب والتجهيز هو عنصر بسيط ضمن حملة شاملة تمتد على سنوات عدة. المرحلة الأولى هي العراق. ما نقوم به في سوريا الآن هو تقليص قدرات تنظيم الدولة».
كذلك وجه نواب انتقادات حادة إلى إدارة أوباما بسبب استراتيجيتها «المتصدعة» لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في سوريا والعراق»، واستنكر رئيس اللجنة النائب الجمهوري، إد رويس، ما وصفه بـ«ردّ الحدّ الأدنى ضد المتشددين».
وقال «بعد أربعة أشهر على بدء الحملة الجوية، لا يزال تنظيم الدولة يسيطر بشكل عام على الرقعة نفسها من الأراضي التي كان يسيطر عليها هذا الصيف، وأحد أسباب ذلك، في رأيي، هو الطبيعة المحدودة لهذا الجهد» العسكري.
موسكو: دمشق تتحمّل العبء الأكبر
رأت الخارجية الروسية، أمس، أن العبء الأكبر في محاربة الإرهاب الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط لا يزال يقع على كاهل الحكومة السورية. وقال المتحدث باسم الخارجية الروسية، الكساندر لوكاشيفيتش، «كل ما يحصل يؤكد أن الحكومة السورية هي من يتحمل الجزء الأكبر من محاربة الإرهاب. وأضاف: «بعد 80 يوماً من بدء غارات التحالف الذي تقوده واشنطن ضد الإرهاب دون تفويض من مجلس الأمن وموافقة الحكومة السورية... النتائج متواضعة».
المصدر: صحيفة (الأخبار) اللبنانية