2024-11-27 11:36 م

اللامبالاة بالنزعة الإبداعية أو العداء لها

2014-11-30
بقلم: الدكتور تيسير الناشف*
في أماكن كثيرة من العالم، ومنها أجزاء من البلاد العربية، لا يحظى التفكير بالتشجيع المادي والمعنوي ولا يحظى العلماء والأدباء والفنانون بالتشجيع الكافي. وثمة تخوف لدى شرائح كثيرة من الناس من حرية الفكر وعداء لتلك الحرية، مما يضعف أو حتى يزيل الميل إلى التفكير أو يحبسه داخل صاحبه فيذوي ذلك الفكر تدريجيا ويتلاشى. ويتعرض المفكرون الناقدون المستقلو الفكر الذين لديهم الجرأة على الإعراب بحرية عن الفكر في أماكن كثيرة من العالم للمضايقة والملاحقة والأذى وللحرمان والتجويع. وفي الوطن العربي قد ينشأ عالم أو أديب أو مفكر عظيم تكون له كتاباته الدالة على النبوغ والعبقرية والإبداع ويعيش ثم تنتهي حياته في هذه الدنيا دون أن يحظى بالاحتفاء الكافي أو التكريم الواجب أو الإقرار من جانب أصحاب السلطات الحكومية وغير الحكومية وأفراد الشعب بقيمة علمه وفكره وعبقريته. وهذه الحالة تختلف عما هو حاصل في أماكن أخرى، منها بعض الأماكن الغربية. بسبب كثرة مؤسسات المجتمع المدني، العلمية والثقافية والأدبية والفنية وغيرها التي لديها قدر من الحرية والاستقلال في الغرب مثلا، يبدو أن هذه الظاهرة – ظاهرة إغفال الشخص المفكر المبدع الفذ – قد تكون أقل شيوعا في الغرب مما هي في أماكن أخرى تقل فيها هذه المؤسسات ويخضع ما هو كائن منها للمتولين للسلطة الحكومية القوية ولإملاءاتها. وكان لهذا الإغفال أثر سلبي في الحياة الفكرية والأدبية والفلسفية في الوطن العربي. وبالتالي من اللازم أن تنشأ وتعزز المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، ومنها وسائل الاتصال الجماهيري، التي يكون من مهامها تشجيع الإبداع والمبدعين في مجالات الأدب والعلم والفكر في الوطن العربي. ومن الطبيعي أن يشمل هذا التشجيع عنايتها بالكتابة والإعلان عن الإنتاجات العلمية والفكرية والنقدية التي يقدمها المبدعون في مختلف مراحل عطائهم. عن طريق الكتابة عن المبدع (وهذا ينطبق على المبدعة) وعن إنتاجاته وعن طريق إشاعة اسمه وتشجيعه المادي والمعنوي ينشأ لديه شعور اقوى بالاعتزاز والثقة بالنفس وبأنه يوجد تجاوب بين عالم أفكاره والمجتمع الذي حوله وبأن المجتمع يكافئه معنويا وماديا على مجهوده الفكري والنقدي ويقدر عطاءه. وبسبب إهمال قدر لا يستهان به من الإنتاجات العلمية والادبية والفنية والنقدية المبدعة أو ملاحقة واضطهاد قسم من منتجيها أصيب كثيرون من المفكرين والعلماء والأدباء والفنانين بخيبة الأمل والإحباط وقل اندفاعهم الإبداعي وأصيب أيضا قسم من الذين كان يمكن أن يكونوا مبدعين بالإحباط وبالتردد في دخول ميادين الاستكشاف العلمي والفكري والفلسفي.
 * كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة.