2024-11-29 06:49 م

الانتخابات التونسية: إعادة رسم الخريطة السياسية

2014-10-29
تونس/ ظهرت جلية نتائج الانتخابات التونسية أمس، معلنة بداية مرحلة جديدة واحتمال ولادة حكم يعكس تحالفات مغايرة ستقود البلاد في السنوات المقبلة، ما يعتبر بمثابة انقلاب للمعادلة السياسية، حيث قد تنتقل «حركة النهضة» الإسلامية من مقاعد السلطة إلى المعارضة، ويعود من كان بالأمس معارضاً، أي حزب «نداء تونس»، إلى قيادة دفّة البلاد.
واعترفت «حركة النهضة» ، بحلولها ثانية في الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس الأول، خلف «غريمها» العلماني حركة «نداء تونس»، بحسب ما قال المتحدث الرسمي باسمها زياد العذاري، الذي أضاف في لهجة فيها الكثير من «التحسر» أنه «سيكون لنا حوالي 70 مقعداً في البرلمان، فيما سيكون «لهم» نحو 80».
اعتراف العذاري يأتي بعد إعلان «نداء تونس» انتصارها وحلولها أولى في الانتخابات وبفارق كبير عن «النهضة»، والتي بحسب العذاري «دفعت ثمن تولّيها الحكم خلال الفترة الانتقالية»، معترفاً بالأخطاء التي ارتكبتها حركته.
وبالحسرة ذاتها أشار العذاري إلى أن الحركة «لا يهمها الحكم مهما كان الثمن بل هي تسعى الى بناء تونس والمشاركة في الحياة السياسية مشاركةً إيجابية».
كلام العذاري حمّال أوجه بالنسبة لحركته ولغيرها على الساحة السياسية التونسية، ففي الوقت الذي لا يترك نظام الاقتراع الذي اتخذته تونس منذ العام 2011، وهو نظام الاقتراع النسبي، منفذاً لأي حزب للاستئثار بغالبية مقاعد المجلس النيابي، فإن بروز قوى سياسية أخرى أقل حجماً سياسياً على الساحة، كـ«الجبهة الشعبية» التي تضم ائتلافاً حزبياً يجمع 12 حزباً يسارياً، والتي من المرجح أن تحل في المركز الثالث على مستوى نتائج الانتخابات، ستكون مفراً لـ«نداء تونس» لتشكيل ائتلاف حكومي، يجمعها إلى جانب عدة أحزاب أخرى «علمانية» كحزب «آفاق تونس» وحزب «التيار الوطني الحر»، وغيرها من الأحزاب العلمانية.
وهذا احتمال كبير، خصوصاً أن «نداء تونس»، بحسب تصريحات زعيمها الباجي قايد السبسي، فإنه يجمعه و«ائتلاف الاتحاد من أجل تونس» الذي يضم ثلاثة أحزاب يسارية تقع ضمن يسار الوسط (المسار الديموقراطي الاجتماعي والحزب الاشتراكي اليساري وحزب العمل الوطني الديموقراطي) عقد بالحكم الجماعي عند نجاح الحركة في الانتخابات.
لكن هذا الائتلاف الحزبي، كما يقول زعماؤه وأبرزهم المخرجة والنائبة في المجلس التأسيسي سلمى بكار، كانت نتائجه ضعيفة، و«قد لا يحصل على أي مقعد» في المجلس النيابي المقبل، وهو ما قد يدفع «نداء تونس» إلى خلط الأوراق من جديد، والرجوع خطوة إلى الوراء لضبط الأوتار قبل عقد التحالفات، خصوصاً أن العيون من الغرب والشرق من «شركاء تونس الإستراتيجيين» ينتظرون نتائج «النموذج العربي للديموقراطية ينمو» في تعايش بين الاعتدال الإسلامي والعلماني، وهي معادلة قد لا تنجح إلا بتحالف بين العلمنة والأسلمة، وهو السيناريو الثاني الذي يمكن أن تطرحه خريطة التحالفات المقبلة.
هذا السيناريو قد يطرح في حسابات «نداء تونس»، كربّان لسفينة تونس التي تسعى إلى الخروج من أمواج البحر المتلاطمة نحو ميناء سلام، بعد ثلاث سنوات عصفت فيها الأحداث من الإرهاب والأزمة الاقتصادية بعدة مقومات اجتماعية. إذ إن نظرة الحزب قد تتخطى الملفات الداخلية إلى تعلم درس من الجار الليبي الذي يعيش حالة تمزق بين إسلاميين وعلمانيين ليبراليين رفضوا الجلوس إلى طاولة الحوار، للوصول إلى صيغة للحكم والتعايش المشترك.
وبرغم هذه السيناريوهات المطروحة، فإن في هذا المشهد نافذة لخطاب براغماتي طرحته حركة «نداء تونس» منذ بدايات الحوار الوطني، حمل رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي إلى القول إن حركته «مستعدة للحكم حتى مع وزراء الرئيس المخلوع بن علي»، وهو ما قد يكون طعماً للحكم مع صاحب الكتلة الأكبر «نداء تونس»، التي لم توضح حتى الساعة موقفها من التحالف.
وكان الأمين العام للحركة العلمانية النقابي القديم الطيب البكوش قد قال أمس الأول، إن حزبه «سيدرس التوازنات السياسية المقبلة، والحديث عن تحالفات أمر سابق لأوانه»، مضيفاً أن «مفهوم التحالف غير محبذ لأنه يحيل التحالف مجموعة ضد مجموعة، في حين أن الهدف من هذا التقارب بين الأحزاب المتحالفة من المفروض أن يكون من أجل مشروع مجتمعي لإنقاذ تونس. فنحن لسنا في منطق الصراع بل فتح الحوار مع الجميع لإنقاذ تونس».
من هذا المنطلق، فإن الخريطة السياسية التونسية ستتغير، وستنتج مشهداً سياسياً مغايراً لذلك الذي عرفته البلاد في المرحلة الانتقالية الماضية بعد انتخابات المجلس التأسيسي، برغم أن بعض المحللين يرون أن النتائج لم تكن مفاجئة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي التونسي نور الدين المباركي لـ«السفير»، في قراءة لنتائج الانتخابات، إن «نتائج الانتخابات في تونس في ملامحها العامة لم تكن مفاجئة، فأحزاب الترويكا التي حكمت بعد انتخابات 23 تشرين الأول 2011 تأثرت شعبيتها سلباً بسبب تفاقم الازمة الاقتصادية والاجتماعية وتداعيات العمليات الإرهابية».
وأضاف المباركي أنه «يمكن القول إن عملية التصويت في هذه الانتخابات كانت بمثابة العقاب لهذه الأحزاب»، إلا أنه اعتبر أن «حركة النهضة تمكنت من الصمود مقارنة بحليفيها التكتل وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، بسبب تأثيرها الذي ما زال قائماً في محافظات الجنوب التونسي، وأيضاً بسبب تنظيمها وانضباط قواعدها».
وحول صعود «نداء تونس»، أشار المباركي إلى ثلاثة أسباب أساسية. وقال «أولاً قدرة هذا الحزب على أن يكون إطاراً لجزء من المنتمين سابقاً للتجمع الدستوري الديموقراطي وليساريين غير منتظمين حزبياً ونقابيين سابقين. وثانياً، بوجود شخصية كاريزماتية لمؤسسه السبسي الذي استعاد حضور وخطاب الزعيم والرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، وثالثاً تركز خطابه على المحافظة على النمط المجتمعي التونسي».
ومن خلال هذين التحليلين، يشرح المباركي هذين المعطيين بمنطق السبب والنتيجة، ليصل إلى استنتاج أشار فيه إلى أن نتائج الانتخابات أفرزت مشهداً جيداً في المجلس النيابي المقبل، يختلف نوعياً عن خريطة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي والمتمثلة أساساً في حضور «الجبهة الشعبية» و«التيار الوطني الحر» و«آفاق تونس».
ويضيف المحلل التونسي، أن النتائج لفتت إلى معطى آخر مهم على الساحة السياسية، وهو انتقال الأحزاب الحاكمة السابقة إلى المعارضة، إلى جانب شبه اندثار أحزاب أخرى.
إلى ذلك، اتصل الغنوشي بالسبسي لتهنئته بفوز حزبه في الانتخابات، بحسب ما أعلنت الاثنين، سمية ابنة الغنوشي، في تغريدة على «تويتر».
وقالت سمية إن «رئيس النهضة راشد الغنوشي هنأ قبل قليل السبسي بفوز حزبه في الانتخابات»، ونشرت صورة لوالدها يجري اتصالاً هاتفياً.
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية