2024-11-27 12:30 م

الحرب على (داعش)، وكيف انقلب السحر على الساحر

2014-10-15
بقلم: الدكتور احمد محمود القاسم*
المؤكد والمفروغ منه، أن منظمة (داعش)، كمنظمة إرهابية، تم تأسيسها بإرادة وتزكية من الولايات المتحدة الأمريكية، وكان الممول والمنفذ والمتابع لها من كافة النواحي هما دولتا قطر والجمهورية التركية، فدولة قطر تمول التنظيم الإرهابي مالياً، و الجمهورية التركية تسلمه الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، مقابل الدفع من الأموال القطرية المعتمدة لهذا التنظيم.
عندما أطلقت الولايات المتحدة سراح مجموعة من الإرهابيين المعتقلين لديها من سجن بوكا في محافظة البصرة العراقية، أيام احتلالها للعراق، سلمت المدعو أبو بكر البغدادي وعدد ممن معه من إرهابيين وقتلة مجرمين، إلى دولة قطر، وكان أبو بكر البغدادي معتقلاً ضمن مجموعة كبيرة جداً من المعتقلين، بلغ عددهم ستة وعشرين ألف معتقل، ورسمت لها المخطط والدور الذي عليها القيام به، والمرسوم لها، كما أوعزت لتركيا بتزويده بالسلاح وبالأسلحة الثقيلة نسبياً، والدفع سيكون من حساب وأموال دولة قطر.
اتفقت دولة قطر مع الإرهابي أبو بكر البغدادي، بعد أن أغرته بملايين نقود البترودولار، وقدمت له آلاف السيارات ذات الدفع الرباعي لاستعمالاته، واستعمالات مرتزقته، بإقامة تنظيم (داعش)، من بقايا فلول الإرهابيين، التي حاولت الولايات المتحدة القضاء عليهم، عند احتلالها للعراق، وكانوا يقاومونها بشدة، وتم انسحابها من الأراضي العراقية، قبل أن تتمكن من القضاء عليهم كلية، وكان هدف دولة قطر من تبني إنشاء تنظيم (داعش) هو محاربة نظام بشار الأسد، ونظام نوري المالكي الشيعي، وتقريباً كانت أهداف كل من الولايات المتحدة وتركيا، فالجمهورية التركية كانت تسعى أيضا لإسقاط نظام بشار الأسد.
وافق ابو بكر البغدادي على المهمة الموكلة إليه من دولة قطر، وتم رش الأموال بشكل غير مسبوق عليه وعلى جماعته المرتزقة، والمجرمون، من كانوا يقاتلون إلى جانبه القوات الأمريكية المحتلة للعراق. وأغدق عليهم بالأموال القطرية والسيارات، ذات الدفع الرباعي، ووفر لهم الأسلحة اللازمة، عبر الجمهورية التركية، وتم إخراج التنظيم على أروع صورة، مستغلاً الدين الإسلامي، لكسب السذج من الإسلاميين إلى جانب التنظيم، ودفع الأموال الطائلة لقيادات الصف الأول من اجل الصرف على احتياجاتهم، وضم اكبر عدد ممكن من المرتزقة إليه.
قد يتساءل البعض، كيف يكون هذا كله؟؟؟ ولمصلحة من توافق كل من قطر وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي على هذا كله؟؟؟؟؟؟؟ وأين موقف دولة السعودية ودول الخليج بشكل عام من هذا السياق؟؟؟؟
المعروف أن دولة قطر مرتبطة ارتباطاً كاملاً بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، منذ قبلت على أراضيها بإقامة قاعدة لها، وهي قاعدة عيديد، هذه القاعدة التي انتقلت بليلة وضحاها من الأراضي السعودية، وقبلت بها قطر أن تقام على أراضيها، مماحكة بالمملكة السعودية، وكسباً لود الولايات المتحدة الغير محدود لها، ضاربة بعرض الحائط، بدول مجلس التعاون الخليجي وميثاقه الداخلي، وخاصة المملكة السعودية، وكان قبول قيام هذه القاعدة على أراضيها مفاجأة للمملكة السعودية، ولدول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام. فمنذ تلك اللحظة، أصبحت دولة قطر خاضعة للسياسة الأمريكية، والتي رسمت لها الدور المنوط بها للقيام به في المنطقة العربية، على شرط أن لا تتدخل الولايات المتحدة بالشأن القطري الداخلي، وتحمي دولة قطر من أي تهديد خارجي قد يتهددها من جمهورية إيران الإسلامية مثلاً.
الموقف الرسمي المعلن ل(داعش) وأهدافها المناط لها القيام به، هو محاربة نظام بشار الأسد، والعمل على إسقاطه، من هنا تلقى هذا التنظيم، الدعم المطلق من الجمهورية التركية، سواء أكان بتزويده بالأسلحة المتنوعة، الخفيفة والمتوسطة والمدفوعة الثمن، او حتى بإدخال المقاتلين القادمين من كافة دول العالم خاصة الدول الأوروبية، والتي بلغ عددها أكثر من ثمانون دولة، وكان المعبر التركي لسوريا هو المعبر الوحيد والآمن، كما تلقى هذا التنظيم دعماً سعودياً بالأموال، وتم دعمه بالجماعات السلفية الوهابية التكفيرية، وتم دفعهم للقتال في سوريا ضد نظام بشار بالفتاوي الدينية الفاسدة، من اجل كسب حوريات الجنة المزعومات.
تمكن أبو بكر البغدادي من تنظيم جماعته الإرهابية في المحافظات العراقية السنية، والتي كانت تقاتل الولايات المتحدة في العراق في يوم من الأيام، أيام احتلالها له، من إعادة اللحمة لهم، والإغداق والصرف عليهم، وتمكن من خلق تنظيم متماسك، توسع بشكل كبير جداً، حتى وصل إلى ما وصل إليه، وتوسع في داخل الأراضي السورية على أساس محاربة نظام بشار الأسد وإسقاطه، فاستقطب الكثير من المعارضين السوريين لبشار الأسد، كما وصل التنظيم جماعات مقاتلة من المملكة العربية السعودية خاصة، ودول مجلس التعاون الخليجي بعامة، وقد أفتوا أئمة النظام السعودي للشباب السعودي للالتحاق بالمجاهدين في العراق وسوريا، لمحاربة نظام بشار الأسد، كما وصل التنظيم المئات من المقاتلين من أفغانستان وباكستان من تنظيم القاعدة، والذين تخلوا عن محاربة الولايات المتحدة، كما وصل مقاتلين أيضا من دولة الشيشان واوزبكستان وغيرها من دول المنطقة، وحتى أن تنظيم القاعدة الإرهابي نقل مقاتليها من أفغانستان الذين يقاتلون الأمريكان لمقاتلة نظام بشار الأسد.
عدم استقرار الوضع في العراق منذ حكم المالكي لها، كان يقلق سياسة الولايات المتحدة بالمنطقة، والتي ارتأت أن يكون الحكم بالعراق، حكماً مستقراً، حتى تضمن استمرار تدفق النفط لها ولحلفائها بالمنطقة، خاصة أن حكم المالكي للعراق خلال ولايتين شرعيتين له، لم يتمكن خلالها من تحقيق مصالحة حقيقية مع الجماعات السنية، تضمن استقرار العراق، فكان (داعش) موجهاً أمريكياً، لإقلاق مضاجع الحكم العراقي، من اجل تشكيل ائتلاف عراقي موحد، تقبل به الولايات المتحدة، يؤدي إلى استقرار الوضع السياسي العراقي، لهذا كان رفض الولايات المتحدة الأمريكية لنوري المالكي لحكم العراق لولاية ثالثة، كونه فشل بما أرادت له الولايات المتحدة أن ينجح فيه، ولهذا، ارتأت أن الحل الأنجع، هو تشكيل حكومة ائتلاف وطني ترضي جميع الأطياف السياسية المتنازعة، خاصة الجماعة السنية، والتي تمكنت من إقلاق الوضع العراقي بالكامل وإثارته ضد نظام نوري المالكي، وعملت على عدم استقراره.
تمكنت جماعات صدام حسين العسكرية السنية بقيادة عزت الدوري، والمنتشرة في المحافظات السنية، من اختراق والنفاذ إلى تنظيم (داعش)، خاصة، من النواحي العسكرية، وهددت نظام حكومة المالكي، واستولت على محافظة الموصل باسم تنظيم (داعش)، وانتشرت حتى وصلت على أبواب بغداد، العاصمة العراقية، وأعلنت أنها ستواصل الزحف على العاصمة العراقية بغداد، لإسقاط نظام وحكومة نوري المالكي. وكان هذا الخطاب مفاجئا للجميع، للحكومة العراقية، ولمن هم وراء (داعش) عسكرياً ومالياً، وحتى لقيادة (داعش) نفسها المدفوعة من قطر، ويظهر أن قيادة (داعش) الحقيقية، وبشكل غير متفق عليه مع جيش حكومة المالكي، تمكنوا بعد فترة وجيزة، من القضاء على جماعة عزت الدوري العسكرية، التي كانت قد سيطرت على جزء من التنظيم، وأصبحت السيطرة فقط لتنظيم داعش، ولم يتمكن النظام العراقي وجيشه ان يقف إمامها.
يظهر أن تنظيم (داعش)، انحرف عن الخط المرسوم له أمريكياً وقطرياً، وأعلنت قيادته بصدد قيام دولة الخلافة في دولتي العراق والشام، وبدأ يهدد المملكة السعودية ودولة الكويت والمملكة الأردنية، ويعلن عن تواجده في كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، وأصبح خطراً محدقاً ليس على النظام السوري فحسب، بل على أنظمة الحكم العربية في الدول المذكورة، حتى وصل حدود السعودية وداخلها، لهذا، تداعتْ المملكة السعودية وكل من مصر والولايات المتحدة وقطر وتركيا، وعدد كبير من الدول لمؤتمر يعقد في جدة في المملكة السعودية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تحت عنوان: محاربة الإرهاب، وبمعنى أوضح، القضاء على تنظيم (داعش)، واستثنوا من القضاء على (داعش) التي تحارب النظام السوري داخل الأراضي السوية، فإذا كان (داعش) في العراق والذي يهدد دول الخليج والأردن تنظيماً إرهابياً، فكيف ل(داعش) سوريا، أن يكون تنظيماً غير إرهابيا؟؟؟  وبهذا أصبح (داعش) هدفاً للسعودية ودول الخليج العربي والعراق ومصر، ويعتقد البعض، أن هذه الدول، لا تهدف حقيقة القضاء على تنظيم (داعش)، بقدر العمل على السيطرة عليه، وتوجيهه نحو الهدف الذي خلق من اجله، وهو محاربة نظام بشار الأسد، لكن يبقى الخوف قائماً من (داعش)، ومقاتليه، عند عودتهم إلى الدول التي جاؤوا منها، كالسعودية ودول الخليج العربي والأردن والدول الأوروبية، يعد أن وصلوا إلى قناعات، أن قتالهم في سوريا، قضية خاسرة وفاشلة، لا تصب إلا في مصلحة الكيان الصهيوني، وتهدف إلى تدمير الجيش والشعب السوري، وبعد إن رؤوا الفساد المستشري في الجماعات الإسلامية التكفيرية، وعمليات الزنا المشرعة تحت اسم نكاح الجهاد. مؤتمر جدة لمكافحة الإرهاب، انهي أعماله وتمخض عنه تشكيل معسكرات لتدريب الإرهابيين والزج بهم إلى الأراضي السورية، وبدل أن تبعد المملكة السعودية الإرهابيين عن أراضيها، فإنها تحتضنهم، وبهذا تكون المملكة العربية السعودية قد حملت راية الإرهاب بدلا من دولة قطر، إذا علمنا أن المقاتلين في تنظيم داعش بهم أعداداً كبيرة من السعوديين والخليجيين .
* كاتب وباحث