وسيم ابراهيم
السويد ماضية إلى الاعتراف بدولة فلسطين، بفضل سياسة حكومتها الجديدة. لن يغير ذلك الشكوك التي أثيرت حول قدرة الحكومة الجديدة على إنجاز الاعتراف، أو إمكانية أن تثنيها ضغوط واشنطن وحلفاء أوروبيين آخرين. خطوة الاعتراف سيكون لها أهمية رمزية كبيرة، لكنها أيضاً ستضيف صوتاً أكثر دعماً للفلسطينيين يمكنه التأثير في مواقف الاتحاد الأوروبي من الصراع ومحاباة إسرائيل.
حالما يتم الأمر، ستكون السويد أول عضو في الاتحاد الأوروبي يعترف بدولة فلسطين. الشكوك التي أثيرت في إمكانية إنجاز ذلك ركزت على أن الأحزاب المشكلة للحكومة لا تتمتع بالغالبية في البرلمان.
ولدت الحكومة الجديدة يوم الجمعة الماضي، لتسمى «حكومة أقلية»، بعدما شكلها تحالف الاشتراكيين الديموقراطيين مع «حزب الخضر». هذه الأحزاب لم تحصل على الغالبية البرلمانية، التي تحتاج إلى 175 مقعداً من أصل 349.
لكن وزارة الخارجية السويدية تؤكد أن قضية الاعتراف تقع خارج هذه الحسابات. هذا ما قاله روبرت رايدبرغ، رئيس إدارة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية السويدية، خلال حديث إلى صحيفة «السفير» اللبنانية. أوضح رايدبرغ أن «مسألة الاعتراف بالدول هي من اختصاصات الحكومة، لذلك الاعتراف بدولة فلسطين هو قرار رسمي يصدر عن الحكومة». وبالنسبة إلى دور البرلمان في هذه العملية، والشكوك التي أثيرت، يبين المسؤول السويدي أن «أعضاء البرلمان سيتم إبلاغهم واستشارتهم، لكن القرار سيتم اتخاذه عبر الحكومة، ولا يحتاج إلى تصويت في البرلمان».
هناك أهداف عدة أرادتها حكومة السويد من هذه الخطوة، يلخصها رايدبرغ بالتالي: «نريد دعم عملية تفاوضية بين إسرائيل وفلسطين، ونريد تقوية الفلسطينيين عبر جعلهم شريكاً على قدم المساواة في تلك العملية، كما نريد دعم القيادة الفلسطينية المعتدلة المهتمة بالتفاوض حول حل الدولتين».
سياسيون سويديون تحدثنا معهم بينوا أن الخطوة ما كان ينبغي أن تفاجئ أحداً. ذكّروا بأن حزبي «الاشتراكيين» و«الخضر» لطالما أعلنوا في البرلمان الوطني دعمهما للخطوة، لكن حزب المحافظين (المسيحيون الديموقراطيون) منع ذلك خلال حكمه المتواصل لثماني سنوات. أخيراً سقط هذا العائق بعدما خسر المحافظون الانتخابات الأخيرة، ولو بفارق ضئيل لصالح الاشتراكيين الذين أصروا على تشكيل الحكومة بائتلاف يقودونه.
حالما أعلنت الحكومة الجديدة عن مبادرة الاعتراف بدولة فلسطين، قوبلت بالانتقادات من أطراف متوقعة. الولايات المتحدة اعتبرت الخطوة «سابقة لأوانها»، فيما استدعت حكومة الاحتلال الاسرائيلي السفير السويدي للاحتجاج.
الاتحاد الأوروبي تعامل مع الخطوة السويدية بحذر، نظراً إلى أن الموقف المشترك لدوله يعارض الخطوات «الأحادية الجانب»، مكرراً المطالبة بحلول على طاولة المفاوضات وبموافقة الطرفين.
لكن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه توجيه انتقادات علنية لموقف السويد. المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأوروبية كاثرين مايا كوتشيانشيش قالت لـ«السفير» إن «السويد هي دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين، وقضية الاعتراف بالدول هي مسألة تتعلق بالدول الأعضاء».
بخصوص إعلان السويد، اعتبرت المتحدثة الأوروبية أنه لتحقيق حل الدولتين المدعوم أوروبياً «يجب أن تستأنف المفاوضات المباشرة في أقرب وقت ممكن»، موضحة أن «الاتحاد الأوروبي لطالما قال إنه سيعترف بدولة فلسطين حينما يكون ذلك مناسباً. الاعتراف بحد ذاته مسألة من اختصاص الدول الأعضاء».
هناك منظمات حقوقية عديدة تنتقد محاباة الموقف الأوروبي لإسرائيل، خصوصاً أنه يقول إن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون «قابلة للحياة». هذا الشرط لم تتوقف الحكومة الإسرائيلية عن تجاوزه، والأوروبيون أنفسهم اعتبروا أن استمرار الاستيطان «يقوض حل الدولتين». المفارقة أنه في نفس اليوم الذي علقت فيه الخارجية الأوروبية على إعلان السويد، كانت مضطرة لإصدار بيان تدين فيه خطوة استيطانية متقدمة. اعتبرت بروكسل إعلان حكومة الاحتلال عزمها بناء 2610 وحدة استيطانية في القدس الشرقية «خطوة أخرى شديدة الأذى تقوض فرص التوصل إلى حل الدولتين وتشكك في التزام إسرائيل بالتوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين».
لكن حتى الآن، وبرغم حساسية قضية الاستيطان في القدس المحتلة، لم يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات صارمة للدفاع عن الحل الذي يدعمه، والضغط على إسرائيل كي تتوقف عن تدمير قابليته للحياة. يحدث ذلك برغم أن الاتحاد الأوروبي لا يعدم وسائل الضغط، فهو الشريك التجاري الأول لإسرائيل، كما لم يتردد في استخدام سياسة العقوبات الاقتصادية في أزمات عدة، آخرها ضد روسيا بخصوص أوكرانيا.
وسط هذه الأجواء، سرت شكوك أيضاً بإمكانية أن تؤدي الضغوط إلى تراجع السويد، بما أن الأمر حتى الآن لا يزال في إطار التعهد السياسي. لكن الخارجية السويدية تؤكد أن هذه الضغوط لن تؤدي إلى التراجع عن اتخاذ قرار الاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما قاله رايدبرغ بكلمات أخرى: «نعرف أن الولايات المتحدة لا تدعم الاعتراف بدولة فلسطين، لذلك فموقفهم لم يفاجئنا بالطبع».
وزيرة الخارجية السويدية الجديدة مارغروت مالستروم رفضت الانتقادات الأميركية، معتبرة أنه «كان من المتوقع أن نتعرض لانتقادات جراء اقتراحنا، لكن السياسة السويدية الخارجية لا يمكن أن تقرر من قبل واشنطن».
صحيح أن هناك دولاً أخرى في الاتحاد الأوروبي تعترف بالدولة الفلسطينية، مثل المجر وبولندا وسلوفاكيا، لكنها قامت بذلك حينما كانت خارج الاتحاد الأوروبي. لم تكن وقتها داخل دائرة ضغوط أحزاب «الديموقراطيين المسيحيين»، الحاكمة في غالبية الدول الأوروبية والتي تعارض خطوات أحادية خارج طاولة المفاوضات.
ديبلوماسي أوروبي مطلع على نقاشات هذه القضية قال لـ«السفير» إن خطوة السويد «لن يكون لها تأثير على سياسة الاتحاد الأوروبي الموحدة»، مذكراً بأن «السويد ليست الدولة العضو الوحيدة التي قامت بهذه الخطوة».
لكن هذا التقدير يخالفه سياسيون أوروبيون، يلفت بعضهم إلى أن هناك محاولات داخل الاتحاد الأوروبي لجعل موقفه أكثر تأييداً لإسرائيل. لهذا السبب يشددون على أهمية وجود حكومات أوروبية داعمة للفلسطينيين، خصوصاً لأن قرارات الاتحاد الأوروبي تتخذ بالاجماع ويمكن لأي دولة التأثير فيها.
هذه المسألة تشدد عليها البرلمانية الأوروبية بوديل سيبالوس، وهي سياسية سويدية من «حزب الخضر» الموجود في الائتلاف الحاكم الجديد. في حديث إلى «السفير» تقول إن «هناك بعض الدول في الاتحاد الأوروبي مترددة جداً في اتخاذ أي خطوات مع فلسطين أو ضد اسرائيل»، قبل أن توضح أن «الموقف الأوروبي قوي كما هو الآن، لكن هناك محاولات لإضعافه، لا يمكننا السماح بإضعافه بل علينا تقويته».
من حيث المبدأ، يعتبر الموقف الأوروبي متقدماً على نظيره الأميركي بأشواط. بروكسل منذ العام 2009 ترى أن حل الدولتين يجب أن يقوم على حدود العام 1967، على أن تكون القدس عاصمة مشتركة، وهذا الموقف لطالما رحبت به السلطة الوطنية الفلسطينية.
السياسية سيبالوس تعتبر أن خطوة بلادها جاءت في وقتها، مبينة أنه «لا يمكننا الانتظار لوقت أطول، وترك الأمور كما هي تسير إلى أسوأ، في حين لا شيء يحدث لجعلها تتحسن. إذا لم يفعل ذلك الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة لا تقوم بذلك طبعاً، فمن سيقوم به؟». ترى أن الخيار الحل للخروج من هذا الوضع هو «وضع الكثير من الضغط على إسرائيل لأنها الجانب القوي، إنهم الطرف المحتل، وهم من يرفضون دائماً تطبيق قرارات الأمم المتحدة، لذلك يجب الضغط لجعلهم يعودون إلى طاولة المفاوضات».
من جهته، يلفت مسؤول الشرق الأوسط في الخارجية السويدية إلى أمل بلاده في أن تتبع دول أوروبية أخرى خطوتهم. يقول إن ذلك ليس مستبعداً: «هناك نقاش اليوم في دول أوروبية عديدة حول إمكانية الاعتراف بفلسطين، ولن أكون متفاجئاً إذا رأينا دولاً أخرى تتخذ الخطوة نفسها».
عن صحيفة "السفير" اللبنانية